في العقار والاقتصاد والسياحة

عمر علي

في سلسلة قل ولا تقل

أفرزت الطفرات العقارية والسياحية والإقتصادية المختلفة التي شهدتها مناطق مختلفة من العالم خلال السنوات الماضية بعض الآثار التي انسحبت آثارها على الخطاب الاعلامي، ومن هذه الآثار تدوال مفردات جديدة من قبل الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة والفضاء الألكتروني.

إلا أن الكثير من تلك المفردات أطلقت دون معرفتها أو بيان حقيقة معانيها، أو كيفية استخدامها على الوجه الصحيح، ذلك لأن الكثير من الإعلاميين من ذوي الصلة المباشرة بالجمهور ليسوا من أهل الإختصاص اللغوي، لذا تراهم يخلطون هذه المفردة بتلك، ويتعاملون مع المفردة الاقتصادية والعقارية والعلمية تعاملاً سطحيا خاليا من الفهم الحقيقي الذي أطلقت من أجله، وهي عدوى انتقلت اليهم – أو هم نقلوها – الى الكثير من أصحاب العلاقة والمهتمين بهذا المجال.

لذا أصبحت الاخطاء – شائعة – من جهة الجهل بالمعنى الحقيقي للمفردة في اللسان العربي، ثم من جهة الجهل بمعناها العلمي الإصطلاحي في لغة الإختصاص، حتى أصبح الخطأ صحيحاً والصحيحُ خطأً.

 صحيح أن الصحافة هي فن نقل المعلومة باسلوب مقبول ومميز وسهل، ألا أن هذا لا يعني إكساب الخطأ والجهل صفات شرعية -بمقتضى ذلك التسهيل في النقل- تسمح بمروره الى عقول ومفردات المتلقين، بل لابد من التشذيب والتعديل والتقويم.

وبحكم عملنا في مؤسسات إعلامية عدة في مجال التحرير والإشراف اللغوي، وما وقفنا عليه في مطالعاتنا المتواضعة من مفردات متداولة فيها ما هو غير معروف المعنى عند من يطلقه في غير موضعه، وفيها ماهو خطأ شائع، لذا سنعرض لهذه المفردات على شكل حلقات متسلسلة، مقتبسين اسم عنوان هذا الموضوع من كتاب المرحوم الدكتور مصطفى جواد، تبركاً به، وترحماً عليه، وهو من أشهر المحققين اللغويين في القرن الماضي.

 إستراتيجية   Strategy

وهي كلمة شهيرة جدا لاسيما في عالم اليوم، وتكتب بالألف في بدايتها إلا أنها تُلفظ من دونه، وتستعمل عادة في الحديث عن الخطط والآفاق المستقبلية في مجال الاقتصاد والسياسة بشكل عام، وقد جاء في معناها:

“الإستراتيجية (Strategy) فن تسيير العمليات الحربية، واتخاذ كافة التدابير لأضعاف إمكانات العدو، والقضاء على الروح المعنوية لشعبه وجيشه على حد سواء، اضافة الى شلِّ موارده الاقتصادية، وتدمير خُطوطِ  مواصلاته وقواعده الحربية الى جانب تنسيق التعاونِ بين مُختلف التشكيلات البرية والجوية والبحرية لاحراز النصر النهائي، وحديثا اكتسبت الاستراتيجية بعدا دبلوماسيا وسياسيا”[1].

إذن، هي مفردة غير عربية في المقام الأول، لذا لم يتطرق لها المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية[2]، وقد تم تعريبها الى كلمة  السَّوْق، جاء في ألفاظ حضارية لمجمع اللغة العراقي انها تعني: “البَراعة في التخطيط أو التدبير أو العلم، اللَّفظ الشائع (استراتيجية) وهي فن الحرب ووضع الخطط وإدارة العمليات العسكرية”[3].

ووجه الخطأ في استعمال هذه المفردة في لغة وسائل الاعلام، أن البعض يكتبها من دون ألف، ويخطئ البعض الآخر في استعمالها، لذا:

قل: (السَّوْق) و (الخطط) ولا تقل: استراتيجية.

ومما يعزز الخطأ في استعمال هذه المفردة قول بعضهم: ” الخطط الاستراتيجية” للشركة الفلانية!، مع أن الإستراتيجية هي الخطة، فكيف يصح القول: خطط الخطة ؟

إستثمار

لو سألنا أنفسنا: ماهو الإستثمار؟، سيكون الجواب: أن تضع مالك في مشروع ما بقصد الربح، وهذا صحيح، ولكي نثري معلوماتنا اللغوية والمهنية اكثر، لتعلموا أن معنى استثمر الشئ في كلام العرب هو: جعله يُثْمِرْ واستثمر الرَّجُلُ وَجَدَ ثمراً[4].

ثم استعيرت المفردة لتنمية الأموال والأفكارأيضاً، حتى أصبحت دارجة إلى حد كبير.

وجاء في المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية في القاهرة استعمال هذه المفردة بشكل أكثر عصرية من الاستعمال القديم، فجاء فيها:  إسْتَثْمَرَ المالَ : نَمَّاه، الإِستثمارُ: إِستخدامُ الاموالِ في الإِنتاج، إِمَّا مباشرةً بشراءِ الآلاتِ والموادِّ الأوليَّةِ، وإِمَّا بطريقٍ غيرِ مباشرٍ كشراء الأَسهم والسَّندات[5].

ومن اللغة الى التخصص، فقد جاء في الإستثمار أنه: المبالغ المنفقة على الأصول الرأسمالية خلال فترة زمنية معينة، أي الأضافة الى أصول المؤسسة، وتشمل العُدَد، والآلات، والمباني، والأثاث، ووسائل النقل، وطرق المواصلات، زائداً الإصلاحات الجوهرية التي تؤدي الى إطالة عمر الآلات وغيرها من الأصول، أو الى زيادة إنتاجيتها، فهو بذلك يعتبر الزيادة الصافية في رأس المال الحقيقي للمجتمع، وهو أنواع منها: (إجمالي، وتجاري، وتلقائي، وحكومي، وسلبي)[6].

 أزْمات و أزَمَات

نسمع ونقرأ كثيراً هذه المفردة، بتسكين وفتح الزاي، ولربما قلناها ذات يوم لاسيما في زحمة الطرق، فماذا تعني، وعلى ماذا تدل؟.

ورد أن أَزَمَ: أي عضّ بالفم كلَّه شديداً، وقبضُ الفرسِ على فأس اللّجام، و أَزَمَ العامُ اي اشْتَدّ قَحْطُه، وازمَ القومَ اي استأصلهم، وسَنَةٌ أزْمَة اي شَديدة، والأزمَةُ الشِّدَّة[7].

وفي معجم معاصر، أن: الأزْمَةُ والآزِمَة الشِدَّةُ والضيقة، نقولُ: أزْمَةٌ إقتصادية وأزْمَةٌ سياسية، والقَحْطُ، الجمع إزَم وأَزْم وأَزَمات[8].

وفي عرف الأدباء: الأَزمة Crisis هي نقطة تحول الى الاحسن او الى الاسوأ في اي مَنْشَط من المناشط، ويمكن أن يشير المصطلح أيضاً الى تلك النقطة من الزمان، حيث ينبغي أن ينعقد العزم أو يقر القرار على أن مسار الفعل أو مجرى الأمور سيتوقف أو تدخله التعديلات أو يواصل سيره كما كان، وينطبق أيضا على حدث ذي دلالة إنفعالية، أو على تغيير جذري في وضع ينتمي الى حياة فردية، وفي الدراما والأدب القصصي تحدث الازمة حينما تشتبك القوى المتضادة خالقة الصراع في فعل حاسم تدور حوله الحبكة وتنعطف وتتحول[9].

كما أن للمفردة دلالة أخرى هي: “اضطراب فجائي يطرأُ على التوازن الاقتصادي وينشأُ عادة من اختلال التعادل بين حالة الانتاج والاستهلاك[10].

اذن فالمفردة مستعملة على نطاق واسع، لكن البعض يقرؤها بتسكين الزاي، وهناك من يقرؤها بفتحها، ولم أجد -فيما اطلعت عليه- أحداً من اللغويين من يقول انها أَزَمَة – بفتح الزاي – إلا زهدي جار الله، ورأى أنها الصواب عنده بخلاف البقية[11]، وقد رد عليه الكثير من اللغويين.

ولعل السبب في ذلك الإشتباه بلفظها في حال المفرد والجمع، قال د . مصطفى جواد: “فأما الأَزْمَة فهي ساكنة الزاي في لغات العرب ولم يرد لها وجه آخر، وإذا جمعتها جمعاً مؤنثا سالما قلت: (أَزَمات) تفتح الزاي بعد أن كانت في المفرد ساكنة، وذلك لأنها من الاسماء وليست من الصفات، وكذلك أشباهها كالمصدر”[12].

وللحديث صلة..

 المصادر

[1]  موسوعة العلوم السياسية، 647-648.

[2]  المعجم الوسيط، 1/17.

[3]  ألفاظ حضارية، 118.

[4]  القاموس المحيط، 74.

[5]  المعجم الوسيط،1/104.

[6]  موسوعة عالم التجارة وإدراة الاعمال، 32.

[7]  القاموس المحيط، 1087.

[8]  المنجد، 10.

[9]  معجم المصطلحات الادبية، 16.

[10]  معجم المصطلحات الجغرافية، 26.

[11]  الكتابة الصحيحة 27.

[12]  قل ولاتقل 97.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply