ماساي و المرآة

Massay and the Mirror

Ghada Araim

Massay. The 14-year-old African boy finds himself part of a settled family: a white Norwegian mother, and a sister. Looking into the mirror, his memory flashes back to the day he was playing in the fields when the war broke out. He reveals his secrets to his mirror about his real mother, new language and above all the schoolmates and the ridicule he faces in his day-to-day life.

غادة عريم

وقف ماساي الفتى ذو الرابعة عشرة أمام المرآة متسائلاً؛ ما الذي جعل لونه غامقاً هكذا وكل من حوله  أبيض اللون بعيونهم الملونة يتلامع شعرهُم تحت أشعة الشمس وأنا أقص شعري المتجعد قصيراً كي لا يأخذ مني الوقت الكثير لترتيبه قبل الذهاب للمدرسة.

فيعود بالذاكرة الى ذلك اليوم الذي كان يلعب بين حقول الذرة العالية لا يظهر منه شيء مختبئاً بين شجيراتها حتى تضطر أمه للصياح باسمه بأعلى الصوت ليظهر من بين هذا الحشد الهائل من تلك النباتات التي كانت تحميه من شدة أشعة الشمس.

لم يتذكر يوماً أنّ أمه كانت تبتسم أو تضحك حتى عندما كانت تغني له أغنية النوم، كانت الدموع تنساب على خديها النحيفين لترسم مجرىً يتلامع بانعكاس ضوءِ الشمعة الوحيدة التي كانت تنير الغرفة بخجل. لم يعرف عن أبيه ولا أعتقد أن أمه ستخبره من هو أبوه فهو لم يعهد رجلاً بالبيت, ولكنه يتذكر حين كان صغيراً كان يأتي أحد الرجال ليلاً ليسمع أنفاساً تتعالى حتى يصم أذنيه ثم يهدأ كل شيء ليصحو في الصباح الثاني يجد الطعام اللذيذ على مائدة المطبخ. أكثر من هذا لا يعرف و عندما يسأل أمه تقول له سافر في البحر ولم يعد. وبقي ماساي يعتبر أمّه هي كل عائلته ولم يتخيل يوماً أنه سيحصل على عائلة كبيرة من أبٍ وأمّ وأختٍ وبيتٍ مليء بكل وسائل الترف التي يدعونها بوسائل الترفيه الأساسية.

تندلع الحرب لتحرقَ كلَّ مزارعِ الذرة التي كانت تحمي ماساي من أشعة الشمس الحارقة. ولم تعد أمّه هناك تغني له أغنيات الليل ليبقى وحيداً الى أن تأتي حملة مساعدة لتنتشله و تعطيه الطعام و الشراب فيركب لأولِ مرةٍ الطائرة  . بقي ماساي مندهشاً من لون السماء في رحلة استغرقت نصفَ يوم. ها هو هنا يجلس لتختارَه عائلة جميلة وتصبح لديه أختٌ وغرفةُ ألعابٍ ومدرسةٍ ليتكلم لغةً لن تفهمها أمّه لو التقاها يوما!!

ماساي في الصفِّ العاشر أصبح شاباً أنيقاً محبوباً لديه إبتسامة عريضة تُظهر أسنانه الشديدة البياض. الصف الذي يرتاده ماساي به الكثير من الجنسيات ولكن لونه  الداكن كان يميزه عن الباقين. وغالباً ما كان يسمع كلمةَ زنجي من الأصغر منه سناً. كان يذهب للبيت يبكي بصمتٍ ولا أحد يعلم السبب.

في يوم من الأيام طلبت مُدرسّة الفصل من الطلاب كتابة قصة والتحدث بها وعرضها أمام الجميع. أختار ماساي التحدث عن والدته الأولى بعد أن استشار أمّه النرويجية فشجعته وبكل فرح قالت أنا بشوق لسماع ما ستقول عنها.

أتى اليوم الذي يعرض به ماساي مشروعه فابتدأ بوصف الغرفة الصغيرة التي كان يقضي بها الليالي مع والدته. تلك الغرفة المتكونة من سريرٍ خشبي وحيد، أنام عليه في حين تنام أمّي على الأرض.  وتلك خزانة حديدية ذات الوانٍ مختلفة فكلما يصيبها الصدأ تلونها أمّي بلونٍ مما تبقى من الأصباغ عند الجيران. قهقه الطلاب وبعضهم اندهش . فاسترسل ماساي، لم يكن لدي سوى ثلاثة سراويل واحد للحقل والثاني للنوم والثالث سميك يحمي حين بردٍ وحرّ. أما أمّي فكان لديها أربعةُ فساتين عليها ورود كبيرة مختلفة و ستة خرق ملونة تلفُّ بها شعرها. لم تملك أمي العطور لكن عطرها هو المفضل لدي. كنا نذهب للحقل كل يوم نزرع ونقطف و نشذب  شجيرات الذرة ونغني طول الوقت ليمضي الوقت سعيداً حماسياً مع الأغنيات حتى الغروب لنعودَ ننهار على أسّرتنا وننام.

لم تكن أمّي تبتسم لأنها كانت تعبة جداً فلم أتعلم منها الابتسامة لكنني تعلمتها هنا من النرويجيين. أنا متأكدٌ لو أنها هنا لكانوا أدخلوها المصحَ النفسي لأنها لا تعرف كيف تبتسم , لكانوا أتهموها بأنها مصابة بمرض الكآبةِ ولربما جعلوها قضية طبية جديدة لأكتشاف مرضٍ جديد أسمه عبوسية القوم السود!!

هنا أنطلق الطلاب بالضحك والمزاح….  أيها الاسود اللعين أمتعتنا. لم يصدقوا إن تلك القصة حقيقية وظنوا أنها من عمق خياله.

كان الوحيد الذي يبكي هو ماساي ولم يعلمْ أحدٌ لماذا كان يبكي وظنوا أنه بكى لشدة إعجابهم أو لاشتياقه لأمه ولم يعلموا أنه بكى لأنهم أطلقوا عليه لقب أيّها الأسود . و بقي يحاكي المرآة يومياً عن لونه و عن معاناته بضحكِ وإستهزاءِ الطلاب الشقر بلونه الفاحم لتبقى المرآة الوحيدة التي تعرف بسرِّ بكائه وعلى الرغم من ذلك تجاوز ماساي كل تلك الصعاب وحفظت المرآة سرَّ دموعه.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply