
تقيّدنا عاداتنا وتقاليدنا، تسجننا أحكامنا المسبقة ونرسم من خلالها الحدود الوهمية في ما بيننا، فنتحوّل بذلك إلى أسرى الصمت، أسرى الخوف ! الخوف من التغيير، من الإنفتاح! الخوف من أن لا نشبه أحكامنا!
هذه الأحكام التي تُنصب كالجدران الرادعة بيننا وبين الآخر، تشبه حجر العثرة في التقارب والتحاور مع بعضنا البعض.
ويأتي الصمت ليقف حاجزاً وسياجاً، نظنّ أنه يحمي أحكامنا، وإذا به يزيدها جهلاً وقلة معرفة. وكم يصحّ قول الناشطة الأميركية في مجال حقوق الإنسان، أودري لوردي (Audrey Lorde) “صمتك لن يحميك!” وهذه دعوة إلى رفع الصوت عالياً، ولكن ما النفع ما لم يكن هناك من متلقٍّ؟ لذا وُجد الحوار!
لوعدنا بالتاريخ إلى العصور الأولى للبشرية، لوجدنا هذه الحاجة التواصلية لدى الإنسان، لذا فقد سعى بشتى الطرق إلى ابتكار وسيلة يتواصل من خلالها مع الآخر، فأوجد الأبجدية، ومنها تفرّعت اللغات واللهجات، حتى شكّلت على مر العصور هوية الجماعات والمجتمعات.
وجاء الحوار في هذا الزمن ليكون باب الأمل بعد كل خيبة أو أزمة أو حرب أو ضائقة أو مشكلة. جاء ليكون فرصة للتعبير، لكسر الصمت وتجاوز حواجزه. ولكنّ الحوار لا يتحقق من دون شريكه: الإصغاء، فهو عملية تواصلية لا تتم إلا بتوفّر جهتين أو أكثر، سواء أكانت جهات فردية أم جماعية يجمع بينها التفاعل المشترك الذي يجعل المتحاورين يكسرون صمتهم، يهدمون أحكامهم المسبقة وينطلقون لملاقاة بعضهم البعض. وكم يصحّ قول الكاتبة البريطانية زادي سميث (Zadie Smith) “إن كلمات الآخرين تشكّل الجسر الذي نعبره من حيث كنا إلى حيث نريد الذهاب”.
فما ينطق به الآخرون يعكس عالمهم، حالتهم، أفكارهم، ماضيهم ومستقبلهم، كما أنه يترجم مخاوفهم و أحكامهم و تساؤلاتهم وهواجسهم. كلماتهم هي بطاقة تعريف عنهم يكشفونها لنا بملء إرادتهم، وما علينا سوى تلقيها واستيعابها.
ولكي يتحقق كل ذلك، لا بد من توافر المحبة بيننا، ومن حضور الإنسانية في لقائنا، فمن خلال الحوار نكشف ذاتنا ونكتشف الآخر. ولربما يكون أجمل ما قيل عن الحوار هو ما خطّته الناشطة الاجتماعية الأميركية الأفريقية الأصل، روبي سايلز (Ruby Sales) “علينا أن نبدأ حواراً يدمج بين رؤيتنا للحب وتصوّرنا للغضب!”
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل