ذاكرة التفاح ~ Scent of Apples

by Dhikra M. Nadir

A quiver-like memory is never empty. Scent of apples trembles her and recapture what’s  hidden since childhood. It awakens the unforgettable pain. Repeatedly attacks the present where she lives it in all its past details. The narrator, therefore, is dissolved between the little girl who is narrating and even using Iraqi accent and the woman who remembers.

The little girl is tortured by her maternal grandmother and aunt. The scent of apple reminds her of that childhood. The grandmother gives her cousins apples and hides it on her while imposing heavy house work on her. This granny leaves her without warm clothes in the cold winter.

In the class, the teacher asked the students to choose a title to write about. As the little school girl had never been in a school trip, she chose to write about something else:

“I hate my grandmother. She hates me. The other day she ordered me to empty the rubbish bin in the big container outside the house. It was bigger and heavier than my tiny size. I was struggling to drag it. I was struggling more to reach the big container. A friend of my cousin helped me to jump on some bricks he arranged to step on. Once I turned the bin to empty, all the nasty rubbish fell on me: all sorts of rubbish fell on my head, also my aunts dirty sanitary pads and the apple peels. My aunts husband prefers peeling the apple. The apple peels still have the fragrance as the whole apple and still fresh in the rubbish bin.”

img_5201

 ذكرى محمد نادر 
يا الله.. كم تعذبني رائحة التفاح.. ما زالت تعذبني.. تذكرني دائماً، بأن أكره جدتي مرة اخرى.
كانت الغرفة المغلقة النوافذ، عبقة جداً برائحة التفاح.. وكأنّ الكون كله واقع تحت غواية حزن التفاح.
أ
سمع صوتها.. مَن غيرها، جدتي طبعاً، وهي ترص كتاكيت خالتي، غسان وسلوى، تحشرهما بمطبخها المظلم، حيث كنت أنال عقوبتي منها بصمت، تهمس فيهم كلوا بسرعة.. لا داعي أن تعرف تلك البومة، إني اطعمتكم التفاح اليوم، فتطالب بحصتها مثلكم 
وكنت اسمع صوتاً خدش أسنانهم فوق حبات التفاح، على عجل تمضغه، وأشمّ رائحته تفوح مثل غمامة تدوخني وهي تخرج من المطبخ.. هذه ليست جدة.. سأضربها على ظهرها حين اكبر. 

قال زوج خالتي: ”اسمعي هيفاء، سخني المياه قليلا، فأصابع الطفلة تتجمد تحت صقيع الماء البارد.. مياه الشتاء ستكسر أصابعها يا روحي، والله خطية“.

لاتهتم.. 

سمعتُها ترد عليه: ”والأحسن أن لاتتدخل حبيبي.. كما أنّه ليس هناك كثيراً من الصحون.. فقط صحون العشاء.. وأنا متعبة وأريد النوم.. دعها تحلل لقمتها في بيتي“. 

في المدرسة، قبل تحية العلم، أجلس قريباً من منقلة الفراشة أم حسين.. تدخن سيجارتها كلما أدارت المديرة لها ظهرها.. وتنفث دخانها بعيداً، وتطرد فضيحتها بكلتا يديها، وصوت المديرة يأتي من داخل غرفته الادارة:

”ترة داشم الريحة أم حسين!“

دائماً الروائح تفضح الخطايا.. 

أضع كفاي بحضن النار، بوسط لهيبها الصغير لأتدفأ، قريباً جداً من فم النار لعلّ أصابعي تشبع منها وتحتفظ بها، لتكف عن الارتجاف.. فأزرار صدريتي مقطعة تكشف عن عمود ظهري الفقري، جدتي لا ترى جيدا لتخيطها لي، وخالتي تدفعني عنها كلما طلبت منها خياطتها، وأنا لا أعرف كيف أثبتها.

ربتت ام حسين على ظهري وهي تقول: ”يمة اشكد ضعيفة انتي.. إلبسي بلوز الجو بارد”.
قلت لها: ”ما عندي.“


جرتني نحو الإدارة، وأنا أرتجف من البرد والخوف.. طرقت الباب موجهة قولها للمديرة التي التفت إلينا:

”ست.. هاي البنية فقيرة نريد نسجلها بمعونة الشتاء.“

سألتني المديرة: ”أين والدك؟“ 

صوتي أكثر نحولاً مني وخائفاً مثلي. أجبت: ”ما ادري ست“.

– ”امك تشتغل بالحكومة؟“ 

”والله ست ما أدري.. ما شفت أمي من سنين.. انا لا أعيش معها.“

  • سألت مديرتي: ”مع من تعيشين؟“
  • أجبت مع جدتي وبيت خالتي ست. 

كدت اقول لها أنّ جدتي تُطعم ابناء خالتي التفاح.. وخالتي توقظني منذ الفجر لأغسل صحون العشاء بالماء البارد.. وترفض خياطة أزرار صدريتي.. لكني سكتّ.
جرتني المديرة من يدي وكنت اختض، فجرس الدرس يرن.. مدت يدها لضفيرتي.. مسحت رأسي.. الله.. مسحت رأسي.. ثم قالت طيب، سنسجل اسمك بطلبات معونة الشتاء.. ِامضِ لصفك الان.
ركضت بكل طاقتي والهواء يجرح وجهي.. قبل أن أدخل الصف طرقت الباب بقوة وصوت المعلمة يصرخ بي: اين كنتِ؟ ونلت صفعة على خدي قبل أن…. 
هذه ايضاً سأتذكر أن أكرهها، لا أحد من الكبار يعرف كم تؤلم صفعة صباحية على خدٍ بارد. 

قالت معلمة العربي: طلعوا دفاتر الانشاء.

ودفتر انشائي نحيل مثلي وعارٍ. خطت المعلمة على السبورة، اكتب في أحد المواضيع التالية: مدّرستي احبها. رحلة مدرسية في فصل الربيع. أو ما تراه مناسبا من المواضيع.
طبعاً لن اكتب أنا عن مدّرستي، كما أني لا اعرف شيئاً عن رحلة مدرسية، فاخترت كتابة ما تراه مناسبا من مواضيع.
نادتني المعلمة في الفرصة الطويلة، وهي فسحة وقت يأكل الطلاب فيها أشياء كثيرة يحضرونها من بيوتهم، ويلعبون، ويصرخون، وأنا لا أجد فيها ما أفعله، سوى أن أفكر ماذا يأكل باسم من الصف الخامس، وماذا يوجد في كيس لمياء واحسدهم طبعاً. في الفرصة الطويلة، دائماً افكر اني جائعة وبردانة، ومنقلة أم حسين داخل غرفة الادارة، وممنوع علينا دخولها.

كان صوت معلمة اللغة العربية غاضباً وهي تشير لدفتري النحيل مثلي، يرتجف كلما مرت به نسمة ريح.. ربّما العالم كله يرتجف امام عصا المعلم: ما هذا؟
قلت دفتري ست.
عرفت أني سأنال عقوبة، فهو لم يكن مجلداً، فقد رفضت خالتي اعطائي ثمن شراء ورق لتجليده.
أ
عرف انه دفتر الانشاء، ولكن، ماذا كتبتي به؟
قلت موضوع الانشاء ست.
قالت: ماما، انت مجنونة؟؟
لا، ست.
تعالي وأقرأي أمامي ما كتبتي.. ثم نظرت نحو المعلمات. كنت أرتعش مثل الأرنب الذي ركض فوق الثلج بالغابة في فلم الاطفال ليوم البارحة، يلاحقه بوزالثعلب الماكر.. المعلمات كنّ ساكتات ينظرن اليّ.. فقلت، وكنت سأبكي وارتعش من خوفي: حاضر ست.
اكتب ما تراه مناسبا من مواضيع .

أنا اكره جدتي.. والله العظيم سأضربها على ظهرها حين أكشيثوهبر.. لانها لاتعطيني لفة ولا تسمح لي بأن آكل تفاحة مثل أولاد خالتي، وهي تحبهم جداً وتبوس رؤوسهم لكنها تضربني. وترفض أن اجلس مع الخطار لأني كما تقول هي أفشلهم دائماً. أشرب قنينة الببسي على اخرها، فتسميني جوعية ولا تتركني أجلس معهم قريبا من المدفأة.
جدتي لاتحبني، وانا أكرهها. البارحة أمرتني حمل سلة الازبال الكبيرة، وقالت أفرغيها بالحاوية. السلة ثقيلة وحاوية الأزبال عالية، وأنا نحيلة، جررتها وحدي ساعدني أحمد صديق ابن خالتي. وضعت حجرين فوق بعضهما لأصل فتحتها، وحين رفعت السلة سقطت الازبال فوق رأسي وثيابي. انهالت فوقي: قشور البيض، والطعام المتعفن، وأوساخ البيت، وفوط خالتي الصحية، وأيضا قشور التفاح، فزوج خالتي يقشر التفاح قبل األه.. وللتفاح نفس الرائحة حتى في قشوره.. وحتى حين يكون أزبالا، تبقى رائحته حلوة وتفوح.

عدت للمنزل باكية، وكأني سلة أزبال.. ضحك مني أولاد الحي والبنات ضحكن ايضاً. ضربتني جدتي لاني لوثت ثيابي، وقالت يا بومة.. تبقين ثولة. 
جدتي تعضني، رغم أنها لاتملك أسناناً كافية لعضي، فتحمر ذراعي فيهزأ مني أبناء خالتي.. هؤلاء أيضا لا أحبهم.

اكملت القراءة.. وبكيت. أظن انني اقترفت خطأ كان يجب أن أكتب موضوعاً عن مدرستي أفضل.. 
هكذا فكرت.
لكن المعلمة فتحت حقيبتها، وسحبت منديلاً منها، وقالت خذي.. امسحي انفكَ.
هذه المرة الاولى التي تعطيني فيها منديلاً. َنظَرتْ في وجهي.. وأنا أقف قبالتها لا أدري ماذا يمكن أن أفعل، ولم أكن أعرف ماذا ستفعل بي والمعلمات خلفي كنّ ساكتات. رأيت دموعي فوق دفتر انشائي.. قطرة، قطرة.

قالت معلمتي بهدوء: روحي للصف بنتي.
فمشيت. لم اصدّق أنها لم تضربني رغم أن دفتري كان بغير غلاف تجليد.

قصت خالتي ضفيرتي صارخة بغضب: ما بقي علينا إلا القمل.. يا ثولة، يا قذرة، ألا تعرفين معنى الاستحمام وقد اصبحت بحجم الجحش؟
لم ينفعني أن أقول لها ولكنّ المياه دائما باردة يا خالتي، وجدتي لا تقبل أن اغتسل مثلهم بالماء الساخن.. وأشرت لابنائها. وهي لاتسمح لي باستعمال الشامبو.
اغسليه بالصابون يا قذرة. ونادت غاضبة على جدتي: تعالي يا امي لنضع على رأسها قليلا من النفط.. هذه المقملة القذرة، ماذا فعلت يا ربي لأبتلي بها. وشدتني من شعري بقسوة فصحت من آلمي : لج آخ يمة.
صبتا على رأسي قدر استطاعتهن نفطاً، لم أكن أعرف أن النفط يحرق بدون نار فجمجتي تأز، وأحرقتا ضفيرتي بزاوية الحديقة، كان شعري يلتهب متلويا وسط النار وضفيرتي تصرخ ورائحتها كريهة.. ربما بسبب القمل 
بقيت لأكثر من اسبوع مثار سخرية بالمدرسة.. ولم أكن أسمع سوى كلمة واحدة مقملة.
اشتقت لاختي، فقد كانت تلعب معي قبل ان ينقلها أبي من مدرستنا. الساحة كبيرة، وفيها  شجرة وحيدة وعالية أقف تحتها وأراقب هؤلاء الذين يلعبون.. جميل جداً أنّ الشجرة مثلي لا تلعب.

حصتي من الضرب كانت عنيفة حين حملت معونتي الشتوية للبيت، كنت فرحة بها، حذاء أسود يشبه الحذاء المرسوم بكتاب القراءة الخلدونية، وصدرية صوفية تخبل وجاكيت ازرق.
كنت اسمع صوت خالتي وهي تكاد تجن: لكم هاي فضحتنا بين العالم والناس معقولة يعني.. تأخذ اعانات مدرسية..؟ 

غصّت بصوتها وسعلت، فركَضتْ لتشرب كأس ماء، لم تنتبه لي وأنا اقول لها بدون صوت بس اني يا خالة.. على طول بردانة 
أشتكتني خالتي لزوجها عند عودته من العمل. دخل مسرعا مع حقيبته الجلدية المليئة بالأوراق، وكنت اكنس الحديقة، فجلست تحت شجرة النارنج المّ بقايا اوراقها المتساقطة، ترمقني خالتي بغضب، لم ينتبه زوجها حتى اللحظة لشعري، فحاذاني وهو يسألني :ماذا فعلتِ بشعرك؟ 

ورفع يده ليضعها على رأسي، لكن صوت خالتي كان اقرب اليه يحذره : اتركها.. لاتضع يدك على رأسها، فهي مقملة، والآن متسولة .
قلب زوج خالتي شفته ودخل البيت وهو يهز رأسه، ولم أعرف لماذا هزه، لكنه سيكرهني هو الاخر.. كنت أجلس تماماً أمام كومة أوراق النارنج الذابلة.. أراقب قطة مقطوعة الذَنبُ مثلي، تقف محتمية
خلف شجرة لآس .

حملت خالتي ثياب المعونة للمدرسة، ودخلت غاضبة لغرفة المديرة، قالت وهي ترمقني بنظرة تأكلني بها أكلاً نحن لسنا فقراء لنستلم معونة شتوية منكم.

هزت المديرة رأسها وأجابت: اكسوها اذن.


كنت أقف قرب الباب. لم تخرج خالتي من الإدارة الا بعد أن دوى صوت كفها على خدي. لكنهم ألبسوني بعد ذلك بلوزة ابنها تحت صدريتي، وكانت تحك جلدي كثيرا حتى يحمر.

كنت أسمع بربرة ألف هرّ في بطني.. حملت بطانيتي ودخلت زحفا تحت سرير جدتي، وأرخيت شرشفها فوقي.. كانت الغرفة معتمة.. سمعتها تسألني: ماذا تفعلين يا بنت؟
فقلت بردانة يا بيبي..راح اختل من الهوا. نامي انتِ.
وكان الهواء المتسرب من تحت الباب يستدل على فراشي النحيل ويدخل معي تحت بطانيتي نيالها بيبيتي لديها بطانيتين. لماذا ترقص عظامنا وتقرقر مثل بطن الجائع حينما نبرد؟
أ
ريد أن أنام بسرعة.. لأني سافتح عيني في الصباح، والصباح يعني فطوراً ويعني شاياً ومدفاة.. سأغمضهما بقوة لتناما.. اقتربت مني القطة المقطوعة الذنب.. أجفلت لملمسها الناعم، لكني بعد لحظة واحدة شعرت بها كمدفأة قرب قدمي، فنمت.
سننام كلّ يوم معا.. ونتدفأ.

أغلقت نجوى دفترها الأسود، وعلى صدر صفحته الاولى والعتيقة جدا، كَتَبَتْ: دفتري.. ثم خطت اسمها. وضعته بحجرها.. واطلقت تنهيدة طويلة. وقفتْ امام المرآة ونظرتْ مطولاً في عينيها. في عمق المرآة كانت تقف هناك الى جانبها، غمامة طفلة صغيرة، كأنها حلم قديم، تبدو عينيها وسط وجهها الناحل أوسع كثيراً من حقيقتهما، مقطوعة الشعر كذيل هرتها المدفأة، سحبت الطفلة النحيلة طرف قميص نوم نجوى واخفت خلفه وجهها. تحركت نجوى نحو سريرها، ومدت يدها نحو الطفلة الغمامة لتصطحبها، وهمست  لفسها: تعالي، حبيبتي سننام.
رفعت دثار فراشها الثقيل، دست دفترها الأسود تحت وسادتها.. جلست لبرهة في وسط سريرها مفكرة تطيل النظر نحو صحن ممتليء بالتفاح.. شدّت انفاساً عميقة لرئتيها.. 
استدارت نحو الجدار.. استلقت تحت الغطاء يلتف حول كتفيها شعرها الطويل الأسود، كأنه ذراعين، أغمضت عينيها مستقبلة سنن نومها، وتنهدت لنفسها هامسة يا لعطر التفاح.. انه يذكرني دائماً… 
تكورت حول نفسها كتلك الطفلة التي كانتها…

ثم نامت.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply