
ماذا عن الأعمال الفنية الكلاسيكية التي تصور قطع الرؤوس؟ خاصة في مشاهد ذبح الميدوزا؟ إنه منظر مقرف تقشعر له الابدان سواء في منحوتة سيليني (1554) او لوحة روبنز (1618) او عمل برنيني (1630) .إنه مشهد يثير الاشمئزاز خاصة في هذا الزمن الذي اصبح فيه قطع الرؤوس حقيقة واقعة على يد الارهابيين والمتطرفين عقائديا وسياسيا وكذلك سفاحي المافيا. علماً انه لم يكن كذلك آنذاك لارتباطه بالميثولوجيا واقترانه بالمخيلة الفنية وليس بفعل واقعي له ضحايا من لحم ودم وله صدى واسع من الرعب يبثه سياسيو الارهاب من اجل شل الشعوب وتدمير الأوطان.
فمن هي الميدوزا؟ وماهي قصتها؟
الميدوزا Medusa في الميثولوجيا الاغريقية عبارة عن وحش بجسم امرأة مجنحة تغطي رأسها مجموعة من الافاعي السامة ولها عينان حارقتان تحول كل من ينظر اليها الى حجر. وقد اختلفت الروايات حول مصدر هذه الحكاية فمنها من زعم ان الميدوزا ولدت ونشأت وماتت في احدى الجزر اليونانية المسماة ساربيدون، فيما ذهبت روايات أخرى لتقول ان منشأ الميدوزا كان في ليبيا كونها انبثقت من المعتقدات الدينية لشعوب البربر في صحراء الشمال الغربي لافريقيا.
ووفقا لما جاء في كتاب الميتامورفسز Metamorphosis للشاعر والكاتب الروماني أوڤد Ovid ، فإن أصل الميدوزا هو امرأة جميلة فاتنة كانت قد أثارت شبق إله البحر والعواصف پوسايدن Poseidonالذي اغتصبها داخل معبد أثينا آلهة الحكمة مما أثار غضب واشمئزاز الآلهة التي قررت أن تجعل من ذلك الاغتصاب المنكر درسا أخلاقيا. وهكذا آلت اللعنة الإلهية الى تحويل شعر المغتصبة الجميل المهفهف الى ضبة من الافاعي السامة وتزويد عينيها بقابلية حارقة تحيل كل من ينظر اليها الى حجر!! (في ثقافة عصرنا هذا نتأمل لماذا تلام الضحية وتعاقب فيما يفلت الجلاد من العقاب ولا يمسه أحد!!!)
أما مصرع الميدوزا فينسب الى أمر من الملك پوليدكتس Polydectes الى پرسيوسPerseus الذي كان بطلا اغريقيا قبل هرقل. آنذاك أراد الملك أن يتزوج ام برسيوس فأمره بتنفيذ هذه المهمة وهي أن يذهب ليجد الميدوزا ويقطع رأسها! حيث تعهد الملك بتوفير كل ما يحتاجه برسيوس لتنفيذ المهمة بنجاح: درع بمرآة تمكنه من النظر الى صورة الميدوزا وتجنب النظر المباشر اليها، طاقية إخفاء، سيف بتار، ونعلين مجنحين.
تمضي حكاية الميثولوجيا الى القول بأن برسيوس عاد برأس الميدوزا الذي مازالت عيناه حارقة ، ووضعه امام الملك الذي حدق فيه متفاخرا فتحول الى حجر في الحال، فكان ذلك بمثابة انتقام برسيوس من الملك الذي أراد ان يتزوج امه عنوة فأرسل ابنها بتلك المهمة الخطرة.
يدلو فرويد بدلوه في تفسير مغزى حكاية الميدوزا والحكمة وراء نظرتها الحارقة وافاعي رأسها معتبرا ذلك رمزا لضرورة نهر وعقاب الذي يرتكب خطيئة الاغتصاب عن طريق تمكين الضحية من الانتقام من جلادها، ولأن الاغتصاب الجنسي غالبا مايكون اغتصاب الرجل للمرأة، نجد ذلك مصداقا في انثوية الميدوزا وذكورية كل من حولته الى حجر حيث لم تذكر أي رواية للاسطورة عن أي حالة تحولت فيها امرأة الى حجر. ومن هنا تلقفت الحركات النسوية في القرن العشرين Feminismحكاية الميدوزا وتشبثت بها كرمز لقوة المرأة ونقمتها وغيظها المحتدم ضد المظالم والتجاوزات الاجتماعية.
أما الروائي جاك لندن فيعتبر حكاية الميدوزا رمزا لحقائق الواقع المؤلمة التي تؤكد خواء الحياة ولاجدواها وذلك في احدى شطحاته العدمية بالرغم من انه كان مثقفا ماركسيا. جاء ذلك في رواية The Mutiny of the Elsenore حيث أوضح بأنه خلافا للحيوان، الانسان وحده ، وبحكم قابليته على التصور، يستطيع الهرب من أسى وحزن وفظاعة الواقع عن طريق الوسائل التي اتاحها التصور والخيال، وما الامل والحب والعقيدة والخلود والاشتراكية الا واحات فكرية يلوذ بها الانسان تحت وطأة واقعه المرير. وحتى تأثير الكحول هو لذة الهروب أيضا من الحقيقة الميدوزية الى الوهم.
من أهم ما تـُرك لنا من آثار فنية صورت الميدوزا ومصرعها، تمثال سليني (1554) وتمثال كانوڤا (1801) وبصت Bust برنيني (1630) ولوحة روبنز (1618).
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل