الحروب وأثرها في الطبيعة ~ The Effect of Wars on Nature

شاكر عبد القهار الكبيسي 

الصورة: مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال

إن من أجمل عطايا الله وهباته للبشرية هذا العالم المادي الّذي يحيط بنا من أصغر الأشياء الى الكون الفسيح بما يحويه من الكائنات الحيّة بأنواعها والكائنات غير الحيّة من الصخور والمياه والوديان والشلالات والأشجار والنباتات والبيئة والأرض والورود التي تمنحنا الأحساس بالجمال وطيب الخاطر واستعادة الذكريات الجميلة، ومنذ الأزل الى يوم يبعث الله البشرية من جديد تبقى الطبيعة مصدر الألهام والأبداع للشعراء والكتاب والمفكرين ليستلهموا كثيراً من نتاجاتهم من مظاهر الطبيعة التي طالما ألهبت مشاعرهم بسحرها وجمالها ومناظرها حتى أمست مصدراً للصور الشعرية الجميلة ومغنماً من الفنون التشكيلية والتعبيرية والتصويرية بمظاهر متعددة تتَّصف بالدقة والروعة والجمال. ولم يكتف الأنسان بهذا بل أتخذ من الطبيعة حقولاً لمزارعه ومستقراً لمسكنه وحاضنة لنشاطاته وحركة تجارته وصناعته وسفنه وبواخره  فاستخدم مواردها لأنتاج غذائه من ثمار وأشجار ونباتات ولحوم وأسماك وصنع منها وفيها دواءه وحاجاته وأمواله ليحقق له ولعائلته العيش الكريم والآمن ولكي يستمرفي النهضة والتطورالعلمي والتكنولوجي والتنمية المستدامة بالاستغلال الأمثل لعناصر الطبيعة -الماء والهواء والتربة والطاقة- وعليه أن يسعى جاهداً للحفاظ على الطبيعة وحمايتها مما تتعرض له من استنزاف لمواردها وهوائها وبيئتها، فالأنسان  تجاوزعلى الطّبيعة سلباً بما نتج عن نشاطاته من غازات وسموم وانبعاث حراري وأسلحة فتاكة وعبث بكل موجودات الأرض دون أن يأخذ بنظر الأعتبار نقص الموارد التي جعلت أكثر من ٣٦ بالمائة من سكان العالم يعيشون في فقرمدقع . هناك أكثر من ٨٠٠ مليون نسمة في العالم يعيشون تحت خط الفقر البالغ ١٫٩٠ دولار يومياً، ومن هنا بدأت المؤسسات والمنظمات الدولية تشعر بالخطر الّذي يحيط بسكان الأرض بسبب تردي الطبيعة وفقدانها كثيراً من خصائصها الاقتصادية والجغرافية والبيئية مما يتطلب نشر الوعي بأهمية المحافظة على الطبيعة من قبل الجميع دولاً ومنظمات وأفراداً لأن الطبيعة ملك للجميع وساحة مفتوحة للتفاعل والتأثير المتبادل. إنّ أشد وأعظم ما تواجهه الطبيعة اليوم من تحديات هي الحروب والنزاعات والأزمات التي يواجهها المجتمع الدولي والكم الهائل من الأعتدة والأسلحة المختلفة والدمار الذي تحدثه في الطبيعة وعناصرها فعالم اليوم عالم مضطرب قلق والأخبار المتعلقة بالحروب والأنقلابات والأرهاب والأتجار بالبشر وأنتشار المخدرات والتدمير الشامل الّذي يصيب المجتمعات ومساكنها وأرزاقها وأجسادها وأزمة اللجوء والهجرة تغرقنا يوماً بعد يوم.

عندما نطرح السؤال: ماعلاقة ذلك بالطبيعة؟ يأتي الجواب سريعاً وفارضاً لأحقيته: إنّ أي عمل بشري له تداعياته على الطبيعة ويلحق أضراراً كبيرة بالحياة البرية والبحرية والجوية فيها، فرمي المخلفات على الأرض وحرق الغابات ونبش الأتربة والأستخدام غير المبرمج للموارد المائية والبرية والصيد العشوائي واستخدام الأسلحة الفسفورية والبايولوجية والكيميائية والطائرات والتلوث الّذي تحدثه الحروب كفيلة بأن تحرمنا مما حبانا به الله من خيرات لا حصر لها وأذا تتبعنا فصول التأريخ وما أحدثته الحروب من دمار شامل نستطيع القول على سبيل الأمثلة أن القوات الأمريكية قد أستخدمت أكثر من ٥٧ مليون لتر من مبيد الأدغال والأعشاب والأشجار التي يختبيء خلفها الثوار الفيتناميون والتي أنتهت في عام ١٩٣٧م وخلفت كثيرا من الكوارث البيئية، والحرب الرواندية عام ٢٠٠٦م خلفت أكثر من ٥٠٠ ألف قتيل وشرّدت أكثر من مليوني شخص كانت الطبيعة ملاذهم الآمن، وفي عام ٢٠٠٦م قام الجيش الأسرائيلي بقصف صهريجين للنفط من محطة توليد الكهرباء في (الجية – لبنان) فأدى ذلك الى تسرب مابين ١٠ آلاف إلى ١٥ ألف متر مكعب في البحر الأبيض المتوسط والله أعلم كم قتل من الأحياء المائية والبحرية. في عام ٢٠١٦م ظهرت صور مروعة في حديقة حيوانات غزة حيث شوهدت حيواناتها وهي محنطة  فقد نفق قرابة ٨٠ حيواناً من التماسيح والنمور والقردة وغيرها بسبب القصف الأسرائيلي لها، وفي حرب الكونغو – التي سميّت بالحرب الكبرى حيث أمتدت ما بين ١٩٩٨ و٢٠٠٣ استخدم رجال العصابات والمهرّبون الموارد الطبيعية الهائلة للحصول على المال لمواجهة متطلبات الحرب ولما كان العاج من السلع المهمة فقد تم القضاء على حوالي ٩٠ بالمئة من الفيلة وفقدان الأربعة الأخيرة في العالم من حيوان وحيد القرن الأبيض الشمالي. أمّا في سوريا فقد أصبح أكثر من ١٠ ملايين من اللاجئين والمهجرين مصدراً خطراً على الغابات لاعتمادهم عليها في الطهو والتّدفئة والغسيل لفقدانهم الكهرباء فضلاً عن ما تنتجه الحرائق من غازات وحرارة وتلف للأرض والتربة والمزروعات. هناك طائر يسمى (أبو منجل الأصلع) ولا يوجد منه سوى ٥٠ طائراً تستوطن سوريا والمغرب وتركيا وقد أنقرض في سوريا بسبب الحرب. وحين دخلت الجماعات المسلحة ليبيا أدخلت معها العنف والقتل والتدمير الّذي أصاب الشجر والحجر والبشر والموارد الأقتصادية وألحق الأذى بغزال الرزيمة المهدد أصلاً بالأنقراض حسب تصنيف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة. كما تم ذبح عدد كبير من الطيور المهاجرة عبر ليبيا الى أوربا. وواجهت كولومبيا ما بين عامي 1964م مصائب عديدة بسبب النزاعات وتجارة المخدرات وتقطيع مساحات واسعة من الغابات لأنشاء تحاليل لمحاصيل الكوكايين والبحث عن الذهب والفحم، وللقضاء على هذه المحاصيل من قبل الحكومة تم أستخدام مبيدات كيمياوية للقضاء على حقول الكوكايين فتسبب ذلك في قتل الطيور والأعشاب والنباتات والغابات التي تحافظ على جوهر الطبيعة ومناخها وبيئتها من الخراب

أماّ في العراق فقد تعرض هذا البلد لأبشع صور الكراهية والخراب والقتل والتدميرنتيجة للحروب التي شنّت عليه وعلى شعبه من جهات أقليمية ودولية متعددة أحدثت أنقسامات مذهبية ومجتمعية وقومية ودينية فكان للسلاح الدور الفعّال في تدمير مساحات واسعة من الغابات والأشجار وتقطيع النخيل وتهريب الأموال وهدر الطاقة وهجرة الكفاءات وضياع الأمن والأستقرار وفقدان مشاريع الخدمات العامة والتنمية. فبعد أن كان العراق بلد السواد لكثرة مزروعاته أمسى اليوم يستورد حتى الفواكه والخُضر من الخارج كما أنّ أستخدام القوات الأمريكية الغازية وحلفائها أسلحة وأعتدة كيمياوية وفسفورية وجرثومية وبايولوجية أتلف كل جميل في حياة العراقيين ونشر آلآف الأمراض المستعصية والغريبة في أجساد العراقيين وأنهك مواردهم الأقتصادية وشجّع على سرقة المال العام وأفقد المزارعين حقولهم وحوّل أراضيهم الى أراضي بور قاحلة لا تصلح للزراعة ولا للعيش السليم لما أحدثته اسلحتهم المختلفة من دمار شامل للعراق وبيئته

لا شك أن التربة والهواء والمياه هي من المكونات الطبيعية التي نعيش عليها وعندما تتعرض هذه العوامل للخطر سيصبح كل شيء في دائرة الخطر فاليورانيوم المخصّب الّذي استخدمته القوات الغازية مصنوع من النفايات المُشعّة وهو يدخل في أغلب الأسلحة والأعتدة التي استخدمتها هذه القوات فكانت سبباً لأنتشار كثير من الأمراض المزمنة كتلف الكبد والسرطان الرئوي والغدد اللمفاوية وسرطان الثدي وسرطان الدم والتشوهات الخلقية للأطفال وللحوامل. لقد رافق التأثير الكبير والمُدمِر لجميع البنى التحتية والصحة العامة والتلوث الجرثومي للمياه وتكسير أنابيب الصرف الصحي بسبب القصف الجوي والمدفعي المتكرر تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية ومشاريع الري ونقص أمدادات المياه والضرر الّذي أحدثته الآليات العسكرية بالمزارع والتربة ممّا أضعف غلّتها نتيجة تسرب المواد المُشعّة كما أن وجود الألغام في المزارع يجعلها غير صالحة وغير مشجعة للأستغلال أما تكدس النفايات وأنتشارها في شوراع بغداد المشهورة بنظافتها وبهائها فقد أضر كثيراً بنقاوة هوائها ومائها، ومشهدها وخير مثال على ذلك شارع المطار في وسط العاصمة بغداد فقبل العدوان كانت الورود والأزهار والثمارتنتشرعلى جنبيه وما جرى له من تقطيع للأشجار والغابات وتجريف للأراضي المزروعة خلال العمليات الحربية أوجد فراغاً واسعاً أدى الى أنتشار العواصف الترابية والقضاء على الأرض الخضراء وتهديد كبير للأمن الغذائي كان ذلك دليلاً دامغاً على ضرر الحروب على الطبيعة وأحداث خلل كبير في النظم الأيكولوجية وزيادة الضغوط على مواردها وموجوداتها الطبيعية فأحدثت خللاً كبيراً في الأقتصاد العراقي

أنّ تأثير الحروب على الطبيعة لا ينحصر في البلد المستهدف فأرض الله واسعة لا تحجبها الحدود الأصطناعية أو الطبيعية فتتسع بذلك دائرة الأخطار ويصبح التأثير البيئي واضحاً على جميع دول العالم وما نشاهده اليوم من تغييرات مناخية كبيرة سببتها الحروب الدائرة على الأرض دفعت المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الى عقد مؤتمرات دولية واسعة للبحث عن حلول ناجحة لمعالجة تحديات الطبيعة ورصدت الأموال الطائلة لها من أجل توفير بيئة عالمية ملائمة للعيش بسلام ووئام بعيداً عن الحروب ونتائجها المؤلمة التي تضر بكل شيء في الوجود ودعوات أنسانية شاملة ليأخذ كل أنسان دورة للمحافظة على الطبيعة لتعطينا الحيوية والبهجة والنشاط والراحة النفسية والطاقة الأيجابية والعيش الرغيد والتأمل في أبداع الخالق من مناظر خلابة و سماء زرقاء وهواء نقي ومن الطيور بأشكالها والزهور بألوانها ورياحينها فقد نخرب كل جميل حولنا أن لم نُحسن التدبير

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply