أحلام الجدّ

©محسن العوني

حالم رائع…هكذا كان جدّي.. يدمن الأحلام حتى وهو يحرث الأرض وجبينه يتفصّد عرقا تحت شمس أيلول الحارقة..كان في ليالي الصيف المقمرة يستلقي على ظهره في باحة المنزل ويمدّ ذراعيه يمينا وشمالا.. وينادينا بأسمائنا – نحن أحفاده – ويدعونا أن نتوسّد زنديه القويّين المعروقين ثم يسألنا : “أو تدرون لماذا طلبت منكم أن تجلسوا منّي هذه الجلسة؟”.. فتلتمع عيوننا فضولا وحيرة..

ويتابع وكأنه علم سلفا أننا لن نهتدي إلى الإجابة مهما اجتهدنا في البحث وخمّنا قائلا: “إني أريد أن أطير بكم نحو أحلامي البعيدة حينما تتسلّل إلى صدري حرارة قلوبكم الغضّة..آه يا أحبابي كم أودّ لو تصبحوا بالعشرات فتتوسّدوا زنديّ يمينا وشمالا عندها سوف أطعن الموت في مقتل وأقول : فزت وربّ الكعبة!؟” ثم يضمّنا إليه فنتكدّس فوق صدره الواسع ويشرع في معابثتنا عضّا وذغدغة وتقبيلا وشمّا..

كان فتى في الثمانين متوهجا بالأحلام  يفتضّ الحياة كل يوم حبّا وعملا وغراسة وسعيا..

همس في أذني مرّة : أحمد..أنت لست مجرد حفيد..بل أنت  صديق ومستودع سرّ..احفظ عن جدّك : “المرأة تحب الرّجل الذي ترتاح عينها وهي تنظر إليه فلا يربكها بنظرة أو حركة أو كلمة وهي تمارس طُقس التملّي..تماما كالغزالة التي تنتبه وتضطرب إذا أحسّت أحدا يقترب وهي تشرب من النّبع..لا تنتظر مني أن أكون جدّا باهتا يثقل المحيطين به بالنّصائح بمناسبة وبغير مناسبة وكأن الزّمان قد استأمنه على أسراره.. إنّ السّاعات والأيام والفصول خير موجّه للرّجل اللّبيب ومن لا يلبّي نداء الحياة في قلبه وعقله لن يلبّي أي نداء آخر لأنه كمن يُنادَى من مكان سحيق.. أنا صديقك المعتزّ بصداقتك لأنك المستقبل وبي رغبة عظيمة أن أحياه من خلالك.. أنا خبرة الماضي وشوق الآتي وأنت عنفوان الحاضر وقوّة المستقبل.. شوقي بداية قوّتك وقوّتك تاج شوقي ووالدك جسر بيننا !! “

أهداني مرّة صقرا جميلا وقال لي: “اعتن به وأكرمه وحافظ على مواهبه فيك: التّحليق عاليا، محبّة الآفاق البعيدة، حدّة البصر، قوّة المنقار عنوان الإصرار على الحياة والتمسّك بها، صلابة المخالب عنوان الثبات والتوازن.. حظّا سعيدا يا عزيزي..” ولا أذكر أنه قال لي شيئا بعد ذلك.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply