
عدّت منطقة الشرق الأوسط، ولا تزال، ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة للقوى الكبرى عالمياً، وفي إدارة أساليب الصراع على أراضيها ضد القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة ذاتها.. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1939–1945) وهذه المنطقة تشهد بركانا لا يكاد يهدأ حتى يستأنف بقذف حمم جديدة تؤشر بداية صراع جديد ، وتحديدا ضمن ما عرف تاريخيا بـ (( الحرب الباردة 1947 – 1991 )) .
ولعل النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة الحيوية من العالم كان هو الأبرز بلا منازع منذ سبعينات القرن العشرين والى يومنا هذا ، ولأسباب عديدة ، كان من أبرزها ضعف النفوذ البريطاني بعد انسحاب الانكليز من منطقة الخليج العربي أواخر ستينات القرن الماضي ، ليحل النفوذ الأمريكي المباشر ، فضلاً عن انهيار منظومة الاتحاد السوفيتي ، وبشكل نهائي عام 1991 ، ودخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب حلفائها لتقود حرب (( عاصفة الصحراء )) التي استهدفت ( تحرير ) الكويت من الاحتلال العراقي ( آب 1990 – شباط 1991 ) ، وما تلاها من أحداث غاية في الخطورة والتعقيد مهدت لقيام ( الإمبراطورية الأمريكية ) بعد غزو العراق واحتلاله في نيسان 2003 ، لتبدأ معه مرحلة جديدة من تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية .
ولقد أوضح صناع القرار الأمريكي بأن عملية احتلال العراق تعد بمثابة (( خط الشروع الأول الذي يستهدف تغيير خريطة المنطقة برمتها )) ، وهو ما يحصل الآن لحظة كتابة هذه السطور .
لم تكن عملية احتلال العراق نقطة مرور عابرة بالنسبة للكثير من دول المنطقة ، ولا سيما ذات التأثير والتأثر المباشر في مجرى الأحداث ، وعلى الصعيدين الدولي والإقليمي .. فقد كانت إسرائيل ولا تزال ، هي المستفيد الأول من انهيار آخر معاقل المواجهة ( المفترضة ) عسكريا ، وبالتالي تفوقها النوعي والاستراتيجي لسنوات طويلة قادمة تمكنها من الانقضاض على ما تبقى من جيوب الممانعة العربية ، وتطويق القضية الفلسطينية تمهيدا لتسويتها بالشكل الذي يتلاءم ومصلحة الأمن القومي الإسرائيلي والمرتبطة بمشروع الشرق الأوسط الكبير ذو القيادة الإسرائيلية المطلقة ، وبلا منازع .
وكنتيجة حتمية لما أفرزته مرحلة ما بعد احتلال العراق ، ووفق نظرية التأثير والتأثر ، برزت إيران إلى حيز الوجود والمساومات السياسية والعسكرية والإستراتيجية ، كدولة إقليمية لا يمكن الاستهانة بها وبقدراتها على الساحتين الدولية والإقليمية ، لتدق ناقوس الخطر على المصالح الغربية ، والأمريكية منها تحديدا ، فضلاً عن التهديد الإيراني ( المفترض ) للأمن الإسرائيلي في الصميم ، وبحسب وجهة النظر الأمريكية و الإسرائيلية .
وعلى هذا الأساس حاولت الإدارة الأمريكية ، سواء إبان عهد بوش الابن ، مروراً بعهد خليفته باراك أوباما ، وصولاً إلى إدارة دونالد ترامب احتواء إيران وبرنامجها النووي الذي بدأ يقض مضجع الحليفين الاستراتيجيين ، واشنطن وتل أبيب ، وبعض من دول المنطقة العربية ، فبدأت سلسلة من إجراءات أخرى غاية في التعقيد والخطورة ، أدت بإيران إلى الانجراف نحو الهاوية الاقتصادية ، وهو ما نشهده اليوم على أرض الحقيقة والواقع .
وبفعل تسارع وتيرة الأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة والعالم ، ظهر الصراع الأمريكي – الإيراني – الإسرائيلي في أوضح صوره من خلال التصريحات والمناوشات الكلامية والإعلامية بين هذا الثالوث ( القديم – الجديد ) حتى وصل الحال إلى قيام إيران باستهداف الطائرات الأمريكية ( بدون طيار ) في بداية المواجهة ، والتي بدأ تحليقها فوق المياه والأراضي الإقليمية الإيرانية ، ووفق إستراتيجية أمريكية – إسرائيلية معدة سلفا !.
ويشير واقع الأحداث والجاذبات السياسية إلى أن ثمة تطورات خطيرة من الممكن جدا أن تشهدها ساحة الصراع الثلاثية ، وبفعل عدة متغيرات موضوعية فرضت نفسها بقوة على واقع السياسة العربية والإقليمية وأبرزها حركات التغيير العربية وما آلت إليها نتائجها المريرة والمستمرة ، وصولاً إلى أحداث سوريا وما تشهده من صراع مرير بين نظامها السياسي والمعارضة بشتى صفوفها ومسمياتها وأغطيتها الإقليمية والدولية وتطوراتها الأخيرة .. وعندما نشير إلى أحداث سوريا في الوقت الراهن ، فأننا واقعاً نضع أيدينا على الجرح !! فالأحداث الجارية حالياً في داخل الأراضي السورية ، فضلاً عن برنامج إيران النووي ، والصراع الدائر في اليمن ولبنان ، وصولاً إلى حالة عدم الاستقرار السياسي في العراق هي الأحداث الأكثر خطورة في توجهات السياسية الدولية بشكل عام ، والأبرز في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية و إسرائيل على وجه الخصوص ضد السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط بشكل عام ، والمنطقة العربية على وجه الخصوص ، وبكل ما لذلك الموضوع من تداعيات خطيرة على مستقبل المنطقة والعالم بأسره .
وفي نهاية المطاف ، سيشكل الصراع الأمريكي – الإيراني – الإسرائيلي نقطة التحول الأساسية والمنعطف الخطير لمجمل مجريات الأحوال السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يشهدها العالم والشرق الأوسط .. فإلى أين تتجه حتمية ذلك الصراع ؟! .. وما هي نتائجه الإستراتيجية وتأثيرها على منطقتنا العربية ؟! .. ولعل الإجابة قريبة ، وقريبة جدا ، ولربما أكثر مما نتصور .. وإن غدا لناظره قريب .