
يستهدف مبدأ سيادة أو حكم القانون حماية مواطني الدولة من عسف الحاكم والسلطات ومنع ممارسة الحكم وفق الأهواء. ويقترن هذا المبدأ بأن الجميع متساوون أمام القانون. غير أن القانون كثيرا ما يكون في واد وممارسته على أرض الواقع في واد آخر.
لا يمكن للمعنيين بتطبيق القوانين، كالقضاة والشرطة، ممارسته كما لو كانوا ملائكة لا يتعرضون لأي تأثير، وتحركهم النزاهة دائما، فهؤلاء بشر يتشربون من عائلاتهم ومدارسهم وجامعاتهم وبيئتهم قيما معينة. ولا داعي للأمثلة على العسف في تعامل الشرطة مع أشخاص أبرياء، أو إصدار أحكام بإدانة مظلومين، فالأخبار عن ذلك كثيرة.
ثمة مبدأ في القانون يشترط أن ينظر في القضايا ضمن عملية تأخذ مجراها الطبيعي، أي لا يتم تسريعها أو إبطاؤها. ومن المبادئ الأساسية أيضا أنّ المتهم بريء حتى تثبت إدانته، مع حق في الاستئناف ضد الأحكام الصادرة على المدان.
كثيرا ما نقرأ تهديد شخص ما لآخر بمقاضاته، وخاصة عندما يشعر أحد الطرفين بأن الآخر أهانه. ولكنّ الخلاف بين شخصين وتبادل الشتائم لا يعني أنّ أحدهما سيكون بمقدوره الذهاب إلى المحكمة ليقاضي الآخر، فالمحاكم لا تنظر في كل ما يود المواطن أن يشكو منه، وإلا لعجزت المحاكم عن البت في القضايا المرفوعة إليها. قد يخطر في البال أن ثمة قوانين تجرم التشهير والقدح والذم، ولكن هذه المفاهيم يكون لها تعريف قانوني، فإذا اندرجت الإهانة ضمن تعريف قانون لمنع التشهير، تقبل المحكمة النظر في القضية، وتكون مهمة المشتكي عندئذ اثبات حصول التشهير أو الذم.
من سمات اللجوء إلى التقاضي أنه مكلف جدا. على سبيل المثال لو دخل موظف في نزاع مع صاحب العمل، نتيجة فصله أو حرمانه من بعض حقوقه القانونية، يكون صاحب العمل في وضع أقوى، فالشركات الكبرى لا تعجز عن دفع تكاليف إجراءات المقاضاة، وتوكيل أفضل المحامين، في حين أن الموظف لا يملك الموارد نفسها، ولذا قد يقبل الموظف تسوية مالية مع صاحب العمل، وبالتالي عدم الدخول في المسار القانوني الذي سيكون مكلفا وغير مضمون النتيجة.
كل الأنظمة تتشدق بالحديث عن حكم القانون، وتزعم أنها دولة قانون ومؤسسات قانونية. ولكن القوانين يجب أن تكون دائما ضمن حدود المعقول، ولا تصادر الحقوق والحريات المتعارف عليها دوليا. غير أنّنا نعلم أن الكثير من الدول تسن قوانين تصادر بها الحريات والحقوق، ثم تقول بعد ذلك إنّها دولة قانون ومؤسسات.
في العقود القليلة الماضية كثر تبرير الحد من الحريات بذريعة الحرص على الأمن، ومن مظاهر ذلك زيادة مدّة احتجاز المتهمين قبل أن يتم توجيه تهمة رسمية لهم. كما نشأت ظاهرة خطف أشخاص ووضعهم في أماكن اعتقال في دول أخرى ليس فيها قوانين تمنع التعذيب.
من الانطباعات عن القضاة أن بوسعهم إصدار ما يريدون من أحكام، ولكنّ هذا انطباع خاطئ، فالقاضي يصدر أحكاما وفق قانون أو قوانين محددة. صحيح أن ثمة حالات تصدر فيها المحاكم أحكاما تؤسس لمبادئ مهمة، أو تنصف بريئا وقع عليه الظلم فترة طويلة، ولكن ذلك يتم وفق تفسير لقانون قائم ويتم تبرير الحكم على أساسه.
في بعض النظم القانونية، لا يكتفى بالاعتراف للإدانة، فلو اعترف متهم بأنه قتل شخص ما، لا يكون الاعتراف كافيا لإدانته، بل على الجهات المعنية بتنفيذ القانون أن تتأكد بوسائل أخرى أن المتهم هو الجاني فعلا. هذا المبدأ مهم، لأنه من السهل إجبار المتهمين على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.
وفق مبدأ سيادة القانون يمكن للمواطن أن يقاضي الدولة أيضا، ولكنّ هذا من أصعب الأمور، وخاصة إذا كان للقضية جانب أمني، فالدولة عندئذ ترفض أن تكشف ما لديها من معلومات عن القضية بذريعة الحرص على الأمن القومي. وهذا عذر يقبله القضاة عادة.
ولأن الإجراءات القانونية مكلفة وبطيئة، أصبحت المحاكم تشجع المتخاصمين على اللجوء إلى وسائل بديلة لتسوية النزاعات، كالتحكيم الإلزامي. كم أن محامي الطرفين المتخاصمين يحاولون التوصل إلى تسوية قبل بدء المحاكمة، وأحيانا تتم التسوية أثناء انعقاد المحكمة وبعد مرور أيام عليها.
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل