
عن هيئة التحرير
التّابع هو لفظ متأخّر يسبقه لفظ يسمّى المتبوع و يتّفقان في حركة الإعراب وفي التّذكير والتّأنيث والتّنكير والتّعريف والإفراد والتّثنية والجمع. التّوابع في النّحو خمسة: النّعت (الصّفة) والبدل والتّوكيد وعطف النّسَق وعطف البيان. والأخطاء الّتي شوّهت اللّسان العربيّ أكثر ما تكون في التّوكيد والنّعت.
شاع تقديم التّابع على المتبوع حتّى صار ذلك قاعدة في لغة الإعلام والصّحافة، فقد يقدّم الكاتب التّوكيد المعنويّ على المؤكَّد فيقول: أحترمُ كلَّ الآراء، وقرأتُ جميعَ مؤلّفات العقّاد. وهذا خطأ يكاد لا ينجو منه أحد من المتحدّثين بالعربيّة من غير المختصّين، والصّواب أن نقول: أحترمُ الآراءَ كلَّها وقرأتُ مؤلّفاتِ العقّاد جميعَها. ومثل ذلك القول: حدثت ذاتُ المشكلةِ وفاز نفسُ المتسابقِ، والصّواب هو: حدثت المشكلةُ ذاتُها وفاز المتسابقُ نفسُه. والتّوكيد بالعين يُقال فيه ما قيل في النّفس.
والألفاظ الّتي تقدّم ذكرها لا تتقدّم إلّا إذا كان يُقصَد بها التّعيين لا التّوكيد، كقولنا: كلُّ ابنِ آدم خطّاءٌ، وقولنا: نفسُ الرّجلِ حدّثَتْه بأنَّ في الأمرِ خديعةً.
ويقدّمون النّعت على المنعوت مخالفةً للقاعدة، كما في قولهم: جُلتُ في مختلفِ البلدان، والصّواب أن نقول: جُلتُ في البلدانِ المختلفةِ. والنّعت النّكرة إذا تقدّم على منعوته يُعرَب حالاً كما في قولنا: أطربني غرّيداً عصفورٌ، ولو تأخّر النّعت نقول: أطربني عصفورٌ غرّيدٌ. أمّا النّعت المعرفة المتقدّم على منعوته فيُعرَب على حسب موقعه و يصير في الغالب مبدَلاً منه، كما في قولنا: حضر عليٌّ الجارُ، وحضر الجارُ عليٌّ. وفي هذا كلام كثير لسنا في معرض بحثه هنا وإنّما غايتنا أن نلفت الانتباه إلى خطأ تقدّم النّعت على منعوته وبيان الصّواب.
وقد يخطيء البعض عندما تكون علامة إعراب النّعت مخالفة لعلامة المنعوت وذلك حين يكون المنعوت جمع مؤنّث سالماً والنّعت غير ذلك أو حين يكون المنعوت ممنوعاً من الصّرف والنّعت منصرفاً.
مثال ذلك القول: أحرزنا انتصاراتٍ كثيرةٍ، والصّواب: أحرزنا انتصاراتٍ كثيرةً.
أو القول خطأً: استفدتُ من الكتاب لما فيه من معارفَ كثيرةً، والصّواب: استفدتُ من الكتاب لما فيه من معارفَ كثيرةٍ.
والعلّة وراء انتشار اللّحن في القول والكتابة هي النّقل عن لغة أجنبيّة -مثل الانجليزيّة- مقروناً بالجهل بأصول النّحو العربيّ، وكفى بهما هابطاً باللّغة الفصيحة!