
مــوطــنــي! مــوطــنـي!
الجـلالُ والجـمالُ والسّــناءُ والبهاءُ في رباك
والحياةُ والنّجاةُ والهناءُ والرّجاءُ في هواك
هل أراك سالماً منعّماً وغانماً مكرّماً؟
نشيد لطالما أحببته في صباي وردّدته وشعرت بالفخر وأنا أنشده في ساحة المدرسة مع الأصدقاء والأصحاب، وحين أسمعه الآن يعتصر الألم قلبي وتخنقني العبرات حسرة وغصّة. كيف وصلنا إلى هذا الحال؟ ومن كان يصدّق بأنّ العراق مهد الحضارات عراق المجد والبطولة والتاريخ، العراق الذي قضى على الاستعمار في العشرينيّات قبل قرن من الزمان، سيُستعمَر من جديد وستراق دماء الملايين من أهله وسكّانه ويُهجَّر أكثر من ثلاثة ملايين من أبنائه في ربوع الوطن وتحت الخيم؟! يُقتَل علماؤه ومثقّفوه ويهرب مفكّروه وأدباؤه وأطبّاؤه ليهاجر أكثر من أربعة ملايين شخص كلّ إلى منفى بعيد عن الوطن بحثاً عن الأمن والأمان وهرباً من جحيم العراق والغزو الأمريكي ومن السياسة التي لا تبشّر بالخير فقد بدأت بدمار البنية التحتية للبلد وانتهت بدمار البشر، وما تزال القوى السياسية في صراع فيما بينها من أجل السيطرة على مقدّرات الشعب ونهب ثروات الوطن. برزت في ظلّ هذه الأوضاع ظاهرة جديدة هي الاقتتال بين العشائر، في الجنوب خصوصاً. والاقتتال -لمن لا يدري- ليس من أجل الأرض والزراعة والموارد المائية والحيوانية، فأكثره تنافسيّ للسيطرة على ثروات البلاد عن طريق تهريب النفط والمخدّرات، لا بل تهريب البشر. هذا هو ما يحصل بعد ثلاثين عاماً من الخوف وانعدام الأمن والأمان وغياب الكرامة وعدم احترام أبسط حقوق الانسان وسيادة الأحزاب والمليشيات والحروب الطائفية التي تحرّكها قوى من داخل الدولة وخارجها وسيطرة بعض السياسيين على أمن البلد. وهذا كلّه أدّى إلى تدخّل أطراف إقليمية ودولية في مقدّرات البلد واقتصاده وأمنه القومي.
في الشهور الأخيرة من عام 2019حاول بعض الشباب البعيدين عن المصالح الشخصية والأحزاب السياسية المطالبة بحقوقهم المدنية العامة وطالبوا بتعديل الدستور وإنهاء التّحاصص الطائفي والقضاء على المحسوبية والفساد ومحاسبة الفاسدين وتوفير فرص عمل وإصلاحات أخرى. كان الاعتصام في وسط الساحات الرئيسة في بغداد والمحافظات الجنوبية، نصبوا خيماً لهم و التفّ حولهم الآلاف ثم الملايين من شباب الجامعات والمدارس والموظّفين وأصحاب المهن الحرّة، وعلى الرغم من العنف الذي جوبهت به الاحتجاجات وتسبّب بقتل آلاف واعتقال آلاف آخرين لكنّهم صمدوا واستطاعوا أن يغيّروا بعضاً من سياسات الدولة والحكومة ممّا يمنحنا أملاً -ولو متواضعاً- بالتغيير. هنا أذكر أنّه في ذلك الوقت هزّني موقف وكلمات نشرت في أيام الثورة لأستاذ في جامعة بابل/العراق عندما سئل عن أسماء طلّابه الذين غابوا عن المحاضرات للمشاركة في المظاهرات فقال لمن كان يريد محاسبتهم: “لا غائب، فما غابوا إلّا لكي يكون العراق حاضراً”.
رحم الله شهداء الثورة وتحية إجلال لكلّ من شارك فيها، وبالشباب ترتقي الأمم وتتقدّم.