
“الرقص سيرة حياة”
رواية أنثى العابد للروائية اليمنية شذا الخطيب والصادرة عن دار العربية للعلوم ناشرون/ لبنان 2020 والتي تحمل عنواناً جانبيّاً: “الرقص سيرة حياة” يقول عنها الناقد والشاعر اليمني خالد الضبيبي:
الموضوع الذي نراه بارزاً من أول لحظة في عتبة العنوان موضوع شائك وحسّاس: “أنثى العابد”. ومع أن العنوان مباشر فهو يحمل استعارات وترميزاً وإحالة إلى أنثوية الخطاب والجانب الديني، وهذا ما حدث بالفعل، فرواية أنثى العابد تناقش موضوع الرقص الشرقي الذي نراها ترحل من خلاله مع تاريخ الرقص وتربطه منذ أول استهلال في الرواية بالتصوف أو الدروشة، وترحل في الخطاب الروائي لتحاول فلسفة الرواية من خلال هذه المفاهيم، فنراها ترحل مع الرقص الشرقي منذ بداياته في بدايات القرن العشرين وربما تعود أيضاً إلى زمن التاريخ الإسلامي للبحث عن تاريخ قديم لهذا الفن الشرقي، من ثم نراها تعكس القيمة للتحدث عن التصوف فترحل في الموروث الديني حتى تصل بها الجرأة أن تمزج الرقص بالموروث الديني و الرموز الدينية من خلال تكنيك الروي الذي اعتمدت فيه روايتها.
شملت الرواية بابين بعنوان غالية وسمارة وهما ابنة وأمها الراقصة الشرقية التي تزوجت من رجل دين متصوف. وما بين المستقبل والماضي والحاضر تنوعت أحداث الرواية وتداخل السرد بين غالية التي تسرد زمن الحاضر والمستقبل والرواي الذي يسرد أحداث بقية الشخصيات في الزمن الماضي. عن هذا الجانب يقول الناقد السعودي محمد الحميدي: “الأحداث المفصلية أحداث مهمة داخل الرواية ومعمارها الفني وهي تستوعب التحولات والانتقالات في سردها، وقد اعتمدت الروائية على الانتقال الزمني بين سمارة وغالية لكي تكشف أمام القارئ مدى تطابق الزمان وتكرار الأحداث، فمآسي الإنسان تستمر في نسله،وستكون نهايتها التطهير من المأساة. التطهير فعل اختياريّ يقوم به الإنسان (تدفعه لفعله) الظروف الموضوعية مع شعور كبير بالأسف”.
مفهوم “التطهير” ناقشه ووسّعه الفيلسوف اليوناني (أرسطو) إذ جعله ذا شقّين: الأول الشّقّ الطبيعي كالتئام الجروح والإصابات، والشّقّ الثاني يتعلّق بالانفعالات وهي ما يختص بها الجانب الأدبي والجمالي، فالمفهوم لديه خارجي لا داخلي أي خارج العمل الفني الجمالي لا داخله. ما قامت به الروائية هو أنها استلهمت هذا المفهوم الأرسطي وطبقته على شخصيات روايتها فجعلت لكل فعل رد فعل ومن ثم ندماً وحزناً، والنهاية تكون بالتكفير عن هذا الذنب، وهي فكرة مختلفة قليلاً عن مفهومه لدى أرسطو. وأكد الدكتور أنيس النجار أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة (إب) رأي الناقد السعودي الحميدي فقد ذكر إن المرآة ليست أداة مهمة لاكتشاف الذات فحسب لكنّها أداة اجتماعية تساعد في تكوين الذات وفقاً للمعايير الثقافية. على الرغم من أن المرآة تؤكد في البداية إحساس الشخص بوجوده بشكل كامل وموحد فإنّها يمكن أن تكون أداة تشويه وتغريب أيضاً وتخلق إحساساً بالتبدل والتغير، وهذا بالفعل ما حدث لسمارة تيمور أنثى العابد التي ماتت بعد كفاح طويل لتأكيد كيانها وإثبات هويتها.
يكمل الكاتب اليمني الدكتور محمد الشميري : توضّأتْ وارتدت عباءتها. ابتسمت بينها وبين نفسها وهي تقارن عباءة الرقص بعباءة المسجد، إنّ كلّاً منهما تفي بالغرض، كلّاً منهما يمكن الرقص بها والصلاة، كلّاً منهما يمكن التحجب بها والإغواء.
“كيف يكون هناك فرق بين الصلاة والرقص وكلٌّ منهما وسيلة للتقرب للذات بطريقة ما؟”
كيف تمكنت الكاتبة من جرأتها وهي تكسر بنعومة صوتها -فضلاً عن نعومة حرفها وأناملها- تابوهات المزاوجة بين الرقص والعبادة، الصوفية والغواية، الاشتهاء بين الأنانية ومسؤولية الواقع المحتوم؟
أمّا الناقدة الكويتية ليلى أحمد فترى في رواية أنثى العابد رؤية غير تقليدية بأبعاد فلسفية أعمق من سطح الظواهر، تشير في بعضها لعلاقة المرأة والرجل بالجسد كطاقة تعبيرية هائلة وصولاً لروحانية التصوف المجردة من الهوى.
يدور الراقص حول نفسه وكأنه يدور في محور الكون يكتشف ذاته وينفص عنه همومه. بين التصوف والإغواء حب دفين لم يمت عبر السنين، من الرومي إلى تحية كايروكا تجسّد الرقص بصورة حياة.
اختم المقال بكلمة الشاعر والكاتب العراقي عبد الرزاق الربيعي مخاطباً الكاتبة: هذه الروح البحثيّة لمستها خلال قراءتي” أنثى العابد “ التي من خلالها قدتِ القارئ إلى مناطق بعيدة في تاريخ الرقص الصوفي في إطار سردي جعل صفحات الرواية غنية بالإشارات فقدمت لنا معرفة، فالعمل السردي حفريات معرفيّة واستقصاء وبحث أكثر من كونه تراكم أحداث. شكراً لك على هذا الجهد والمتعة.
يا ليتني وجدت هذا الكتاب!!!💝