
يتميز النضال الفلسطيني بشعبويته وحضوره المكثف حتى غدا نمط حياة يومية، ويتميز الشعب الفلسطيني بفرادة كونه آخر شعب ما يزال يعاني من احتلال عسكري إحلالي مباشر يقوم على نفي وجود الآخر -صاحب الأرض- وتحويل الحياة اليومية إلى سلسلة من العذابات والمرارات لحمله على الهجرة والرحيل. هي –ببساطة- سياسة تطهير عرقي فضلاً عن المعاناة من حصار مطبق إذ لا يملك الشعب الفلسطيني حرية أن تكون له حدوده ومعابره إلى خارج الوطن، فلا موانىء ولا مطارات.إنّ وجود احتلال يستدعي وجود مقاومة فهما يشكّلان ثنائية لا فاصل بينهما، وتلك العذابات اليومية تستوجب رد أفعال ومقاومة بكل ما هو متاح من وسائل المقاومة وهي متواضعة الحضور حدّ الانعدام. نقول في ثقافتنا إنّ الويل لمن يحبس قطّاً في مكان مغلق ويقوم بتعذيبه!وفي مواجهة أعتى الأسلحة الفتّاكة وأحدثها لم يكن للفلسطينيين من سلاح غير الحجر واللحم العاري والإرادة، وغالباً ما تكون الحجارة من البيوت التي يقوم المحتلّون بهدمها أو تفجيرها -فكانت انتفاضة الحجارة رشقاً بالأيدي أو بالمقلاع- وبالأناشيد الوطنية والدبكة الفلسطينية أمام الجنود الذين تدثّروا بالحديد من الرأس حتى أخمص القدمين.وفي حروب غزة المتتالية التي جُرّبت فيها الأسلحة الفوسفورية والكيماوية المختلفة فجعلت من غزة حقل تجارب لكل سلاح جديد كان على الفلسطيني تطوير أسلحته من باب أنّ الحاجة أمّ الاختراع! فكانت الطائرات الورقية، تلك الطائرات/ الألعاب التي عرفها أطفال جيل الخمسينيات والستينيات إذ ينتظر الصغار هبوب الرياح والعواصف للّهو بها، وهي على الأغلب لعبة صبيانية. هي طائرات سهلة الصنع لا تحتاج أكثر من بعض العصي الخفيفة المتماثلة في الطول وأوراق ملونة وبكَرة من الخيطان السميكة. وحين تتشابك الطائرات في الفضاء تتحول إلى مناسبة للضحك والشجارات. لكنّ الفلسطيني أبدع في تطوير الطائرة اللعبة للتعبير عن عشقه لوطنه فحمّلها بالونات بألوان العلم الفلسطيني تعلّق في طرف الطائرة وتطلق في سماء فلسطين، ثم أتبع ذلك برفع العلم الفلسطيني ليرفرف معلناً وجوده ومتجاوزاً حالة الحصار الخانق.ومع استمرار تضييق الخناق على غزة وسياسة التجويع وهدم البيوت ومنع استيراد المواد الغذائية والأدوية وحرق المزروعات وقطع أشجار الزيتون التاريخية بالآلاف كان لا بدّ من الرد بالمثل بتطوير تلك الطائرات الورقية وتحميلها بالمولوتوف لإحراق مزروعات المستوطنات التي هي أراض مصادرة بقوة القانون الاحتلالي ولإسقاط طائرات الاحتلال المسيّرة التي تطلق لأغراض التّجسّس وتصوير الأماكن التي تعدّ بؤرة الثورة.هذه الطائرات الورقية الحارقة أثارت رعب الاحتلال فقام بمنع استيراد الدواليب التي يستخدم المطّاط في تطويرها وبالاحتجاج عليها في الدوائر العالمية وكأنّها تفوق طائراته المقاتلة التي تنفث الفسفور والمواد الكيماوية المحرمة دولياً، وكان من شروط الهدنة عدم استخدامها: هذه الطائرات الورقية!من غريب ما كتب عن تلك الأسلحة البدائية التي يستخدمها الفلسطينيون مقال نشرته كبرى الصحف النرويجية ” آفتن بوستن ” تحدّث فيه الكاتب عن مدى الأذى الذي تحدثه الحجارة والمقلاع وعن قياس قوة الدفع أثناء شد المطاط وإلقاء الحجر وأشار إلى قوة عضلات الرامي و خلُصَ إلى أنّ الفلسطينيين يمارسون التمارين الرياضية وفنون القتال بالأيدي!إنّ من يعيش بشعور السارق لا تستطيع أكثر الأسلحة فتكاً منحه الشعور بالأمان.
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل