قصّة متوازية الأضلاع

علي السوداني

سربُ طيورٍ قليلٍ حطَّ على سلك الكهرباء . جوقُ قططٍ تتلمّظ فوق صفحة الاسفلت .
رجلٌ أصلع مرَّ بطيئاً من تحت المشهد . القصة تنمو وتتكامل . ثمة ما سيحدث بعد قليل .
قصَّ عليَّ صاحبي الكهل أحمد الجاحظ ثلاث روايات حتى الآن ، كلها كانت تنطوي على إجابات مائعة ومضببة عن ذلك القصر العتيق المهجور بباب الزقاق مثل تمثالٍ حارس .
قال إنَّ عمر البيت سبعون سنة وكان اعجوبة معمارية من عجائب المدينة ، وقد سكنته عائلة اسحاق القلعاوي لنحو خمسين عاماً قبل أن تهجره لأسباب ظلت مثل لغزٍ صار ملهاة لقصص الساكنين والعابرين والمتلصصين . 
في روايته الثانية ثمة جزء فيه الكثير من التشويق والقليل من العقل ، وهو القسم المتصل بليلة مصنوعة أوشالها من صراخ وبكاء مرير ، تبعها صباح حزين حطَّ فيه تابوت أنيق فوق سيارة سوداء لنقل الجنائز الى أمكنتها الجديدة . 
كان ذلك هو منظر جنازة اسحاق القلعاوي الذي تقدمته زوجته نرمين وبناته الست .
حاول سميري الجاحظ بطريقته الحكواتية الممتعة الإيحاء بأنَّ القلعاوي قد مات منتحراً ،وأنه سمع في تلك الليلة الماطرة الراعدة البارقة ، صوت طلقة نارية واحدة انطلقت من الطابق الثاني من البيت ، وبعدها تحول المنزل الى متوالية متصلة من البكاء والهلع ، لكنه لم يذكر شيئاً عن سيارة شرطة ممكنة ولا حتى خروجاً متوقعاً للحارس الذي يستوطن غرفة مرفهة تقع في الجزء الخلفي المظلم من البيت .
ثغرات كثيرة وحشو ونفخ اعتور رواية سهيري الطيب ، وكان الأمر يزداد متعة وإثارة بعد كل كأس عرق سمينة يدلقها الكائن الجاحظ بفمه المفتوح مثل مقبرة لا تعيد ميتاً .
ثم جاءت الرواية الثالثة وكانت بحق هي الأضعف من بين الثلاث .
قال إنَّ القلعاوي كان دائم القلق على بناته العانسات ، وانه لم يلحظ غريباً ولا حتى ضيفاً حلَّ على العائلة طوال عيشها الطويل هنا ، وهذا هو السبب الذي جعل الأب اسحاق يكلفه بالأعتناء بحديقة القصر . حدثني عن زراعته لأول شتلة ياسمين نمت بسرعة مذهلة حتى وصلت سياج الشرفة الجانبية التي كانت تؤدي الى غرفة البنت الكبرى سارة ، وقبل انطفاء السهرة الرائعة وقف أحمد على طوله حاملاً بيمينه المهزوزة كأساً أخيرة وصاح : بصحتك سارة حبيبتي !!
رددت عليه الصحة بالصحة والرنة بالرنة ، ثم رسمت على وجهي ابتسامة مواساة ، وكم كانت بي رغبة عظيمة لأن أقول له أن روايته هذه وتفاصيلها الملتبسة ، تشبه تمثيلية تظهر فيها حسناء غنية تعشق بستاني العائلة أو ساعي البريد !!

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply