
مينا الصابونجي فنانة عراقية ذات موهبة تصقلها دائماً بالممارسة والتجربة والدراسة خارج أسوار المعاهد الفنية الرسمية وأكاديمياتها، وكان لتخصّصها الأكاديمي في الإدارة والاقتصاد من جامعة بغداد دور في تركيز عملها وإدارة “غاليري مينا الصابونجي” الذي افتتحته مؤخراً كمعرض دائم لها في عمّان في المملكة الأردنية الهاشمية.
ولهمس الحوار جلسة مع مينا تحدّثنا عمّا حقّقت عبر أعمالها وعن أحلامها وما تصبو إليه.
أدارت الحوار ميّ العيسى
همس الحوار: بدءاً، مباركٌ عليكِ عالمك الراقي في “غاليري مينا الصابونجي” حيث تقضين معظم أوقاتك مع أعمالك الفنية وفي استقبال الزائرين.
– شكراً جزيلاً لكم ولاهتمامكم بالفنون. أول أمنية حققتها افتتاح الغاليري الخاص بمنجزاتي التشكيلية “غاليري مينا الصابونجي” وأرى فيه مملكتي التي أستطيع من خلالها صعود سلّم النجاحات القادمة بمشيئة الله.
همس الحوار: هذا ما نتمناه لك وللفنانين الأصيلين. يولد الطفل والفن بداخله يعبّر عنه بقلم أو ريشة أو صلصال ثم يطوّره كيف شاء. كيف كانت بداياتك وكيف صقلت موهبتك وتصقلينها؟ لا بدّ أنّ ثمّة من أخذ بيدك لتقويتها.
– نعم، الرسم موهبة من الله صقلتها من خلال الدورات المتعددة التي شاركت فيها ودرست اللّون وتفاصيله وتقنية مزج الألوان واستخداماتها. وبعد اكتمال مرحلة التدريب المستمر في أكثر من دورة وفي تخصّصات عدّة في الفن التشكيلي كانت بدايات تجاربي مع التجريد من خلال الإيقاع اللوني.
أمّا التشجيع المباشر فكان من والدي وجيه الصابونجي -رحمه الله- ووالدتي أيضاً فقد كان لها دور مهمّ في دعمي المبكّر الأساسيّ. كان الجميع يحفّزني على مواصلة عملي كي أصل إلى مستوى الإبداع وأخصّ بالذّكر أستاذي ثامر الناصري والمرحوم الدكتور بلاسم محمد أستاذ السيميولوجيا/علم الإشارة.
همس الحوار: بمن تأثّرتْ مينا؟
– على مستوى العائلة، تأثّرتُ بأخي علي الصابونجي فهو فنان محترف جداً في تطويع الحديد وتنفيذ الأشكال النحتية والتصميمية أيضاً وله باع طويل في هذا المجال وكان على مستوى عالٍ من الأهمية في بغداد الثّمانينيّات والتّسعينيّات. قاسم -أخي الاكبر- معروف في الأردن على وجه الخصوص في عالم الموسيقى وله شركة للإنتاج في مجال الموسيقى.
وقد درست المراجع التي تناولت أسلوب الفنان العراقي الكبير الراحل جواد سليم لأنني أعدّه إيقونة عراقية لن تتكرر في عالم التشكيل العراقي البغدادي. هذا الفنان قدّم الكثير والكثير في مرحلة مهمة من تاريخ بغداد وختم حياته بأسطورة تاريخية نحتية هي ثالث أهم مَعْلم تشكيلي عالمي وهي جدارية نصب الحرية. لكنّ أسلوب جواد سليم في رسم الحياة البغدادية خلق فيّ حبّاً كبيراً وناضجاً للحياة البغدادية الجميلة المتفرّدة.
همس الحوار: وما المدارس الأقرب لنفسك وفنّك وما الّذي يجعلك تميلين إليها وهل جاء ذلك بعد دراسة أم نصيحة؟
– وجدت نفسي في المدرسة التعبيرية لأعبّر بها عمّا في داخلي وعن الحياة البغدادية الأصيلة، لا سيّما الكرخية منها. بدأت بالمدرسة التجريدية والألوان وفق المعايير والاتجاهات الأساسية وأثناء ذلك كوّنتْ بداخلي وبروحي محّفزات للاقتراب بأفكاري وتوجّهاتي من المدرسة التعبيرية فتكونت الأشكال الشخصية (figures) ومن هنا بدأت فكرة التركيز على الأعمال التعبيرية.
عدا ذلك فقد درست الرسم والنحت على يد الأستاذ ثامر الناصري وقد علّمني كما لو أنني حضرت محاضرات الأكاديمية الفنية، كما أنّ انضمامي إلى دورات مختلفة ما بين نحت ورسم وبحثي الدائم عبر الإنترنت وزيارة المعارض الفنيّة ومتابعة الدروس نظرياً ذلك كلّه ساعدني على استيعاب مفاهيم الفنّ الفلسفية لأستطيع منها أن أصل الى نتاجات تشكيلية بالمستوى الذي وصلت إليه.
همس الحوار: وماذا تتناولين من مواضيع في أعمالك؟
– أتناول المواضيع التي تخص الحياة البغدادية، وبالتحديد الكرخية، في الحارات القديمة وسوالف أهلنا وعاداتهم وتقاليدهم والأصول التي تربّوا عليها ومن خلالها. زرت المتحف البغدادي مرّات عدّة وفي كلٍّ زيارة أجد شيئاً جديداً يضيف لي معلومة جديدة لا سيّما أنّ الهندسة الصوتية تتآلف مع الحلقات النحتية وكأنّ المنسّقين يجعلوننا نتعايش مع البيئة البغدادية القديمة وسوالف المحلة القديمة.
همس الحوار: ما نوع الألوان التي تستخدمينها؟
– أفضّل ألوان الأكريليك، وقد جرّبت الألوان الأخرى.
همس الحوار: وماذا عن المعارض والمشاركات الأخرى؟
– كان لي حضور ومشاركات عندما كنت في بغداد قبل ثمانية عشر عاماً. أما في الأردنّ فقد شاركت بأعمالي في أغلب معارض رابطة التشكيليين الأردنيين منذ العام ٢٠٠٢.
مشاركاتي المستمرة في أوروبا عن طريق مؤسسة د. ثامر الناصري الفنية حفزّتني كثيراً وبدأت أشعر بمسؤولية كبيرة لإنتاج أعمال تشكيلية تليق بما أطمح للوصول إليه. وثمّة أمر مهم يجب أن أعرّج عليه: بدأت أعمالي بالرسم بأسلوبي التجريدي وبالأخص التجريد اللوني ذي الإيقاع المتنوع ووجدت أني خضت به مجالات كبيرة لمدة طويلة جداً وحققت الكثير من الأعمال التي أعتز بها، وأكثر أعمالي التي شاركت بها في معارض مشتركة في عمّان كانت تجريدية وقد سوّقت منها الكثير وأرى أنّي نجحت كثيراً في هذه المرحلة/التجربة التي خضتها بفخر.
همس الحوار: متى تخلق الفكرة عندك وهل تأتي من هاجس شخصيّ أم عبر طلبٍ عام؟
-أحياناً تولد فكرة الموضوع الإنشائي للوحة فجراً، قد أجد نفسي مستيقظة مبكراً وأحاول أن أحقّق مناخاً جيداً للرسم ثمّ يحدث أن أجد النهار قد انتصف وأنا غارقة في الرسم مع موسيقى فيروزيات الصباح والقهوة التي لا تفارقني أثناء العمل.
همس الحوار: كفنانة عراقية، ما الرسالة التي تودّين إيصالها ولمن؟
أقول للفنانات التشكيليات العراقيات إنّ عليهنّ إيصال خطاب مهم للمجتمعات العربية والغربية عن الإبداع الذي هو صفة من صفات المرأة العراقية. هذه امانة يجب الحفاظ عليها فالمرحلة التي نعيشها الآن فقيرة إبداعياً وعلينا الاجتهاد لإعادة سمعة التشكيل العراقي إلى ما كانت عليه فقد كان للفن التشكيلي العراقي موقعه المهم بين البلدان العربية ودول العالم الأخرى.أتمنّى أن تكون لنا -نحن التشكيليات- بصمة واضحة مثلما حققت أستاذاتنا الكبيرات وداد الأورفلي وبتول الفكيكي وسلمى العلاق وليلى كبة وهناء مال الله وليلى العطار -رحمها الله- التي أعدّها قدوة لي، وكثيرات غيرهنّ.
همس الحوار: عرفناك فنانة طموحة ومثابرة فما الذي تطمحين إليه اليوم على المستوى الشخصي؟
– أطمح إلى أن أكون من الفنّانين الّذين يرتقون بالعراق ليكون الأول عالمياً في الفنون التشكيلية وهذا ليس حلماً بعيد المنال، فالعراق ولّادٌ والفنان العراقي متميز بشكل كبير، وخير دليل على ذلك وصول الفنان سيروان باران و الفنان ضياء العزاوي للعالميّة حذوهما حذو كثير من الفنّانين الرّوّاد.
نتمنّى لك بلوغ العالمية وتحقيق طموحك النبيل هذا.
طِيْبَ التحايا من هَمْس الحِوار
لا يسعني هنا إلّا أن أوضّح مدى فخري و إعتزازي بفنونك العالية المستوى و بجهودك المضنية للوصول الى ما أنت عليه ،سدد الله (عز وجل) خطاك و سعيك و بارك بأناملك و جهودك
علي الصابونجي