“سماءٌ مُتشظّية “

للروائي الأسباني فرناندو بارّيخون

باهرة عبد اللطيف

الكاتبة والمترجمة العراقية باهرة عبد اللطيف ياسين

صدرت قبل بضعة أيام عن دار الثقافة للنشر والتوزيع في الدوحة الترجمة العربية للرواية الموريسكية “سماء متشظية” للكاتب الأسباني فرناندو باريخون، وقد وضعت ترجمتها الكاتبة والمترجمة العراقية باهرة عبد اللطيف ياسين عن اللغة الأسبانية. 

تدور أحداث الرواية في غرناطة قبيل وبعد معاهدة تسليم المدينة التي أبرمها أبو عبد الله مع الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيزابيل عام 1492. ومع أن بنود المعاهدة قضت بالسماح لمسلمي المدينة بممارسة شعائرهم الدينية وعاداتهم إلا إنها بقيت حبراً على ورق. وقد اضطر كثير من الأهالي إلى اعتناق المسيحية احترازاً -وهو ما كان قد فعله بطل الرواية، الطبيب والمترجم المرموق يحيى الحكيم- على الرغم من مواصلتهم حياتهم كمسلمين في منازلهم، بينما فضّل آخرون المقاومة نصرة لدينهم وتقاليدهم. وهكذا تبددت فرص التعايش السلمي والاحترام المتبادل بن المسلمين والمسيحيين التي جاهد من أجلها يحيى وأبناؤه، بعد أن أُريقت الدماء في شوارع غرناطة. 

في تلك الأجواء المتوترة عُثر على بعض الوثائق المكتوبة بالعربية واللاتينية، ما أعاد ليحيى ودائرة المقربين منه شيئاً من الأمل. ثم ظهر المزيد من اللقى الأثرية التي أحيت الآمال في عودة الوئام السابق بين المسلمين والمسيحيين، بيد أن وصول الكاردينال المتعصب ثيسنيروس إلى غرناطة قضى عليها وغير مجرى الأحداث في ذلك المناخ المضطرب. وهكذا أطيح بجهود يحيى وصديقه تالابيرا، أسقف غرناطة الذي كان يشاركه الإيمان بأن المسيحية والإسلام هما دينان شقيقان.

تمتد الأحداث لأكثر من قرن وتروي عبر الكثير من الشخصيات التاريخية الحقيقية ما مرّ به الموريسكيون من محن ومصاعب. وكان لأعجوبة العثور على “كُتب الرصاص” في ساكرامونتي وما تضمنته من نصوص تاريخية، تبحث في المشتركات ما بين بواكير المسحية والإسلام، تأثير كبير في دفع يحيى وأسرته إلى خوض مغامرة امتدت أجيالاً. إذ قام أحد الأحفاد اللاحقين، ألونسو دي لونا، بالانتقال من غرناطة إلى اسطنبول مروراً بدول أوروبية مختلفة بهدف الحفاظ على هذا الإرث المقدس الذي يفترض به أن يفضي إلى تعايش أفضل وفهم أعمق بين المسلمين والمسيحيين.

يتناول الروائي الأسباني فرناندو بارّيخون الأحداث بلغته الثرّة وفهمه العميق وتوثيقه الدقيق لتلك المرحلة التاريخية التي واكبت سقوط غرناطة، وهذا ما جعله يوفق تماماً في رسم أجواء الرواية بما يتيح لنا فرصة معايشة تفاصيلها وجعلنا شركاء فيها، وصولاً إلى فهم فصل مهم من تاريخٍ يعنينا جميعاً كمسلمين ومسيحيين، نعني به تاريخ الموريسكيين في أعقاب سقوط غرناطة. لقد سجّل الروائي تاريخ مدينة غرناطة وأهلها من خلال عيون يحيى وأحفاده، وسمح لنا بمتابعة أحداث تلك الأعوام، برغم حالة التعايش المتوتر التي وسمت عالمين هما في الحقيقة أكثر تقارباً مما يوهمنا به أصحاب السلطة والنفوذ من الطامحين والمتعصبين. 

عن رواية ” سماءٌ مُتشظّية” يقول الكاتب وأستاذ القانون الإسلامي المعروف أنطونيو مانويل رودريغيث: “هذه الرواية التي كتبها فرناندو باريخون -لحسن حظنا- هي رواية تعيد بناء ذاكرةٍ بُترت في بلادنا شبه الجزيرة الإيبرية، من هنا فإنها رواية حاضر، لا تاريخ”، وذلك في إشارة إلى مأساة طرد المسلمين الموريسكيين التي تم التعتيم عليها على مدى قرون من تاريخ أسبانيا.

للروائي الأسباني فرناندو بارّيخون

       أما المؤلف فرناندو بارّيخون فهو روائي وشاعر أسباني ولد عام 1946 في سيوداد ريال حيث درس فيها وفي مدريد، ثم انتقل للعيش في غرناطة (إقليم أندالوسيّا) عام 1987. تتميّز أعماله الأدبية بحميميتها وشعريتها وتنوعها، فهي تتوزع ما بين الرواية والمقالة والقصة والشعر. وبرغم أنّ روايته الأولى التي كتبها في مطلع شبابه كانت ذات رؤية مستقبلية، إلا أنّه اتّجه لاحقاً إلى الرواية التاريخية ونشر كتابه “طوق الذئبة” (2010)، والرواية الحالية “سماء متشظيّة” (2013). من أعماله الشعرية “أغنية أبو يوسف: ديوان موريسكي”، وفي القصة القصيرة “سيرة شعرية للطفولة”. 

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply