حائط الدهشة

علي السوداني

لم يكن الفلم بالسوء الذي تخيلته خلال الدقائق الأولى من دورانه.

لم يأت البطل الى الدنيا وهو أعمى. ثمة حادث ملفّق قد وقع. ماتت زوجته ودفنت عيناه خلف زجاج معتم. هو يشبه سعد جاسم لكنَّ سعداً بحاجة الى أرطال لحم أخرى كي يأخذ تمام صورة بطل الليلة.

معلّمي في المدرسة المتوسطة كان أعمى أيضاً. لم يكن ودوداً لكننا نحن التلاميذ الأغضاض لم نطعنه بظهره ساعة توزيع أسئلة الامتحان، وكانت ظهورنا محدودبة دائماً ووجوهنا البريئة مزروعة بالورقة البيضاء، والإجابات تنام في جارور المقعد. كنا أنقياء حقاً.

أعمى الليلة كان رائعاً ومدهشاً، لكنَّ أداءه لم يكن من ذلك الصنف الذي صنعه آل باتشينو في شريط “عطر امرأة ” المذهل، ومحمود عبد العزيز في “الكيت كات” على حدِّ ذاكرتي.

كان روائياً وقد أعجبت جداً بتفريقه الناعم بين القصة القصيرة والرواية.

أحببت طريقته في شرب النبيذ الأحمر والفودكا، ووصفه لباريس والحانات والمقاهي والأدباء والفنانين. كان رحيماً ونبيلاً في رسم وجوههم وسرد مجتزءات من حيواتهم الصاخبة.

لم يقل عنهم أبداً إنهم أوغاد وسفلة ونرجسيون.

شاهدت سيكاراً ضخماً بمرمدته، لكنه لم يستعمله حتى النهاية. السيكار يشبه إصبعاً باذخاً من الشوكولاتة. إنتظرت طويلاً كي يبدأ بإشعاله وتدخينه بنفس طريقة كلينت ايستوود لكنه لم يفعل. تنطوي شخصيته على جزء وضيع قليل غاطس في الظلمة، وآخر نبيل لذيذ شاسع معلن. أنا أحببت القسمين وهو ما أفعله مع كل الممثلين المدهشين الذين أحبهم.

هذا المنظر قد أكل قلبي حقاً. الروائي الساخط والمرأة الشهية ديمي مور يشغلان مائدة زرعت بخاصرتها زجاجة نبيذ ووردة حمراء. الحانة تصطاد المدينة الحجرية وبحرها وساحلها الرملي الطويل. المغنية لا تسبب لي كدمات مثل تلك التي تصنعها السيدة العظيمة أم كلثوم بحانة الشرق السعيدة.

هذا الوغد الكاتب في خزنته مال كثير وديمي مور وملابس فخمة ورواية قوتها بئر نفط.

ليتني كنت أعمى!!

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply