الإبداع الفني عند الأطفال انطلاقا من علم النفس

جمال خضير الجنابي

الإبداع الفني عند الطفل ينطلق من إحساس وجداني قابل للتحليل النفسي , وتقاس درجات هذا الإبداع بمقدار ما يمتلكه الطفل من تخيل وإحساس قويين مقتربين بخبرته الفنية السابقة وقوة ملاحظاته للأشياء وتعبيراته الفريدة المصورة لجوانب شتى من العالم المحيط به, ويرتبط هذا الإحساس بالحالة النفسية كالشعور بالنشوة والارتياح او القلق والتوجس , وان هذا كله يتفاعل في أعماق الوجدان , وباتجاهات متعددة .ولما كانت عملية الإبداع ذات فاعلية عقلية وخبرة وجدانية وعمل ابتكاري قابل للتغيير والتجديد , فهي اذا صياغة لأنشطة الذهن .
وهذه العملية الإبداعية الابتكارية لا تحدث إلا لدى الأطفال الذين لهم اهتمام خاص وميل ورغبة شديدة في أي لون من ألوان الفن , الذي يندمجون فيه ويقضون أوقات فراغهم به .
وفي عملية الإبداع تكون للقدرات العقلية والملكات الذهنية الدور المهم والبارز فيها ويستطيع المحلل النفساني معرفة سلوكيات الأطفال بشواهد تتمثل في ما يرسمون من الخطوط والألوان , فالخطوط والألوان في رسم الطفل تقرأ في ملامحها ما تخفيه من حقائق نفسية يعتلج بها وجدان الطفل , ولكل لون وخط يضعه الطفل في ورقته معنى سايكولوجي خاص , له تفسيراته الخاصة لدى المحلل النفساني , يحس بها وكأنه يعايشها بفعل قوة إدراكه ونتيجة خبراته فيها .
ولقد أثبتت الأبحاث والدراسات السايكولوجية إن ممارسة الرسم عند الأطفال تعد في بعض الأحيان سبيلا لتشخيص بعض الإمراض النفسية عندهم , وهناك الكثير من العيادات النفسية في أوربا تعتمد في علاجها النفسي على فن الرسم والموسيقى وشاعت مثل هذه العلاجات حتى في مستشفيات الإمراض النفسية والعقلية وتشخص هذه الرسوم ما يعانيه الطفل من أزمات نفسية أو ما يشغل تفكيره بصورة خاصة ويستطيع المحلل النفساني إن يفك الرموز التي تحتويها الرسوم ويقرأ ما تنطوي عليها من أفكار , والطفل عندما يرسم فان إشكاله تحمل دلالات معينة بقدر ما تتضمن من قوة انفعالية دافعة ونشاط جسمي وحركة .
وثمة إمراض نفسية وأخرى عقلية تكون احد أسبابها عدم تحقيق ما يسعى إليه الطفل من أمور تتعلق بأنشطته الخلاقة مما يترتب عليها احباطات تتصل بفنه مما ينجم عنه عدم ثقته بنفسه وبعمله .
وكلما ازدادت ثقة الطفل بنفسه ارتقى بعمله وحقق ما يصبو إليه من أهداف بناءة ويكون مقدار القلق ووطأته عليه اخف ويصبح مقدار التوتر وشدته عليه ألطف .
وان أية صياغة جديدة فريدة لموقف جديد في فكرة الطفل أو في تجسيمه لمظهر من مظاهر الأشياء المحيطة به وما ينطوي عليه من عناصر مشوقة , وما يتضمنه من ذكريات وتصورات في عالمه الخاص إنما هي عملية إبداعية .
والسلوك الإبداعي للطفل يتجلى من خلال العوامل الرئيسة المتمثلة في حركات وسكنات ما يرسمه من أشياء بصرية أو ذهنية ويضيف إليها سمات تميزها وتصطفيها على غيرها مما في الحياة من شواهد حية أو شواهد إبداعية .
وفي العمل الجماعي أيضا في الرسم والإشغال اليدوية يمكن للمحلل النفساني إن يلاحظ تطور اندماج الطفل مع الجماعة دون إن يصرح بحكم ظاهر كما يمكن إن يحصل على معلومات كثيرة لبعض العيوب عن طريق تحليل كل عمل من إعمال الأطفال المشاركين .
والعمل الجماعي يعطي فرصة للأطفال كي يعكسوا من أفكارهم الكامنة في أعماقهم والتي تقلقهم او تسرهم كما يكتسب الطفل الانطوائي من خلاله شيئا من الثقة بنفسه حينما يعمل ويجد تقديرا ممن حوله ويعطي العمل الجماعي فرصة للطفل الانبساطي لتفجير طاقاته الزائدة ويكتسب الطفل المعوق أسلوبا ينفعه لمزيد من التكيف إما الطفل المكبوت فسيطيع إن يهدئ بعض أنواع التعارضات والصراعات التي يعانيها .
ويوصي أطباء الإمراض النفسية للمتخلفين عقليا من الكبار بممارسة الرسم والإشغال اليدوية لأنهما مصدر خصب لتجسيد الانفعالات وإبراز الحاجات التي يعاني الفرد من عدم تحقيقها .
 
 
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

1 Comment

Leave a Reply