
سرياليّة الزَّمن
اعتاد صباح كل يوم اقتناء صحيفة يومية لحبِّه الاطلاع على ما يدور من أحداث في هذا العالم. كان مولعاً بمطالعة الأخبار الاقتصادية والسياسية والثقافية وكلِّ ما يهم حياته الخاصة. قبل عشر سنوات تقريباً استيقظ في صبيحة أحد الأيّام مذعوراً على صوت قنابل وغارات لطائرات حربية خرقت حاجز الصوت فحطمت زجاج نوافذ بيته، فخرج بملابس نومه مذعوراً حافي القدمين يريد أقرب زاوية آمنة يلجأ إليها.
لكنه بدلاً من ذلك قرر الذهاب إلى أقرب مكتبة ليشتري صحيفة يعرف منها ما يجري من أخبار عن حرب يتوقع حدوثها منذ وقت طويلة.
أخذ صحيفته وظل واقفاً أمام المكتبة يطالع عناوينها الرئيسة:
“الفارق الزمني بيننا وبين صلاح الدين الأيوبي”
لم يفهم ما وراء هذا العنوان الغريب حتى قرأ تفاصيل الخبر ليدرك معناه. فجأة ضرب كفَّيه ببعضهما بعد أن رمى بالصحيفة على مرأى من صاحب المكتبة الذي استنكر عمله، وهو استنكر أيضاً ما قرأ فضرب جبينه. عاد إلى رفوف الصحف عابثاً بمحتوياتها لقراءة المزيد في محاولة منه لمعرفة ما يجري على الأرض.
فقرأ: “اشتعال الحرب بين أصحاب المعلقات الثمانية”
على الرغم من أنَّ ما يعرفه كانت سبع معلقات وليست ثمانياً كما جاء في الخبر.
وقرأ أيضاً: “زمن الطائرات يغير على زمن الجمال”
وقرأ أيضاً: “عقارب الساعة تلسع الناس في المدينة”
نفر من الصحف كلِّها، ولأول مرة في حياته يمزق صحيفة أو صحيفتين أو ثلاث صحف في يوم واحد وهو لمّا ينتهِ بعد منها.
دفع لصاحب المكتبة ثمن ما مزَّق من الصحف وغادر…
27/7/1977 سريالية الزمن 2
أزعجني صوت ضرباتها المنتظمة وتلاعبت بأعصابي فكدت أن أفقدها وشعرت بضربات قلبي ثم ارتعش جسدي المتعب من ليلة أرق طويلة بعد أن تمكَّنت رطوبة جدران الغرفة من التسلل إليه فأحسست بأمواجها تضرب أحشائي وجال في خاطري أن أقاومها فأخذت أتنطَّط على سريري كلاعب الجمباز بالإيقاع ذاته الذي أسمعه منذ ذهابي إلى النوم محاولاً أن أبعث في جسمي دفأً يوقف لهفتي للقائها؛ كنت أتحرك على صوت إيقاعها الذي اخترق أذنَيَّ كموجة كهربائية وانشغلتُ بطنينها ناسياً رعشة جسمي الذي بدأت حركته بالتسارع بشكل لا إرادي وأنا أحاول إيقافه فارتفعت أكثر وأكثر حتى سمعت ضربات قلبي تنادي باسمها، وعليَّ أن أنزل من سريري.
ما هذا يا إلهي؟ هل أنا على وشك الطيران… نعم… نعم، إنّي أطير…آه… يدي… رأسي… آه… يدي…
سقطتُ على الأرض وإلى جانبي سقطت ساعة الحائط وتكسَّر زجاجها فتوقف صوتها الذي كان يشاغل أذني ويتلف أعصابي… نهضت من مكاني والساعة بيدي أحاول إرجاعها إلى مكانها فلم أجد المسمار في مكانه… نظرت حولي فلم أجده، لكني ما زلت أشعر بألم الوقوع. تحسّست كتفي بيد والأخرى ما زالت تحمل الساعة.
حدث شئ ليدي لم أشعر به من قبل، نفضتها فسقطت الساعة من يدي وخرجت عقاربها من مكانها… تحركت نحوي فلسعتني في قدمي وأدركت حينها سبب الألم الغريب الذي أصاب يدي… تراجعت إلى الوراء قليلاً فضربتها بقدمي وبكل قوة لكنَّ الألم في قدمي ظلَّ يزداد حتى فلتت منّي صرخة؛ لقد غُرِزَ الجزء المدبَّب منها في كعب قدمي…
لا، إنَّها لن تفعل ذلك عن قصد فأنا كنت حافياً فاستحقيت ما أنا به… لا…لا… ليست عقارب الساعة من فعلت ذلك بل بقايا زجاجها المكسور الذي انتشر هنا وهناك هو من فعل ذلك بقدمك.
لكن انتظر! أتذكَّر حين قرأت في إحدى الصحف أنّ عقارب الساعات تلسع الناس في المدينة وقد كان الحدث إلهاماً لك في كتابة قصة قصيرة أسميتها سريالية الزمن.
ما هذه التخاريف؟! فلأُكمل تسريحة شعري وأغادر فقد بقيت حبيبتي تنتظر… تركت كل شيء ورائي وخرجت من البيت.
22/2/2022
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل