
قلمي على ورق الدُّجى أقــمارُ ودفاتري العشَّاقُ والسُّمَّارُ
تنأى وعيني كوكبٌ سيَّارُ وحبيبتي خصر الزمان مدارُها
نخلاً وأرزاً زانهنَّ فَخار أنشدتُها في العالمين قصائداً
وحببتُ فيها العنفوان نبالةً وجبينها زهر الندى نُوّار
فالوردُ وهْو مُفوَّفٌ مِعطار أَشتمُّه ورد الإباء مُفَوَّفـــاً
تتماوجُ الأنغام بين حروفها فتشوقها الأعوادُ والأوتار
هي أمَّتي الفُصحى خدينة عزَّتي تاجٌ على رأس البيان وغار
لكنَّ حِبري صار جرحاً أحمراً وعرا الحروفَ حرائقٌ وأُوار
وأناملي اصطبغت بلون نجيعها صمتاً وغدراً في الوغى يا عار
**********
ماذا أقولُ وفي اللسان مرارةٌ نَبَتِ الصوارمُ والخيول عِثارُ
هل نستكينُ ويُستباحُ وجودنا وننامُ فوق رؤوسنا الأشفار
هل ننكرُ الماضي ونمحقُ إرثه والأمُّ ناء بهـا أسـىً ودُوار
أَوَ لَيسَ مَنْ أعيا ركائز بيتِها أبناؤهــــا الفـــجَّــارُ والــــتُّجَّار
أَو َلَيسَ قادتُها طواويساً .. دُمىً كلٌّ يُــفـــاخـــرُ أنــَّه الــمغــوار
هذا أبو زيد الهلالي مُقدِمٌ ذا عــنــتــرٌ فــي ساحـِهِ كـرَّارُ
يتبرَّجونَ بريشهم ونجومهم ومتى مَشوْا فالطبل والمزمار
فالذئب في المرعى نسيب رُعاتنا نحن القطيع وهم بنا أصهار
وإذا تعثرتِ القرابة بينهم فالـذئـب والـراعـي بـنا جـزَّار
ما همَّ مهما اشتدَّ ميزان الأذى وطــغى مغــولٌ واستـبدَّ تتار
إنِّي لآنفُ أن تكون بلادنا هملاً يدنس أرضها استعمار
************
الشرق بوصلة الحضارة والتُّقى وشعــوبه للأنبياء خِيارُ
فيه ابتنى رسلُ المحبَّةِ أُمَّةً في قلبهــا تتلألأ الأنوار
موسى مضى جاء المسيحُ وأحمدٌ والشرق من قبس الهدى موّار
فالقدس والأقصى سِمات أخوّةٍ صنو النبوة منهجٌ ومسار
ومساجدٌ وكنائسٌ وشعائرٌ صلواتها إيمانُ واستذكار
هي أمةٌ شرقيةٌ عربيةٌ عُظمى النُّهى طابت بها الأعمارُ
قد أُخرجت للناس خِيرة أمّةٍ والـــله بـين عــباده يخــتـارُ
ما شأنها إن خانها متآمرٌ فالخائنون مدى العصور تواروا
أبداً خفافيش الظلام مآلهم اللـــيــل والـــنسيان والأوكــار
فدموعهم نهر الندامة والصدى وجبينهم دون الوحول صَغار
**********
الأمَّةُ العُظمى تفوح مروءةً والحبُّ فيضٌ غامرٌ فوَّار
في روحها طبع الكرامة ثورةٌ والمؤمنون بروحها ثُوَّار
وإذا طفا زبَدٌ على أمواهها يجتاحه الإعصارُ والتَّيَّار
فالضوءُ يجمح في الدُّجى متوعداً والليل يجنح إذ طواه نهار
ومظالمُ التاريخ تحفر قبرها فرعون خرَّ وآمنَ السُّحَّار
فنضال موسى في العقيدة ما ونى حتى هوى عن عرشه الجبَّار
وأطلَّ عيسى ثائراً ومبشراً فتواعدتهُ العُصبةُ الأشرار
جاء المخلِّص لليهود معلماً فاستكبروا واشتدّتِ الأوزار
وتآمروا طمعاً ببضع دراهمٍ وهْو الرسول السيد الأمَّار
واستمرؤوا ذل الهوان بحقدهم ويسوع في مجد العُلى نَوَّار
شعبٌ دعيٌّ يدّعي بوقاحةٍ بسم الإله بأنه ( المختار)
ومن الغرائب في بلاد (الناصري) يتحكم العشَّارٌ والسمسار
**********
نيرون أحرق أرض روما حانقاً واغتال زوجته عراه خُمار
واغتاظ مجنوناً وأعدمَ أُمَّهُ وجنون قيصرَ لوثةٌ وسُعار
لكأنَّ كِسرى من سلالة قيصرٍ فكلاهما عبد الأنا غرَّار
وكأنَّ عُبَّاد (الأنا) في صُلبهم يتناسل الأوغاد والفجَّار
جعلوا الشعوب فريسةً لشعوبهم تلهو بها الأنياب والأظفار
فالظلم مهما طال في جبروته لا بدَّ أن تودي به الأقدار
والشعب ريح الأرض في إعصارها تتحطم الأبراج والأسوار
فالنور في الديْجور يمحق ليله وخواتم الظلم العتيِّ دمار
**********
لبنانُ كان العيش فيه هناءةً لا جوع لا إقتار لا إفقار
كانت ليالينا العِذابُ مودةً والجارُ إن جار الزمان يُجار
والدين في شرع الإله محبةٌ والعدل نهجٌ والسلام إطار
مارونُ ، معروفٌ ، عليٌّ ، أحمدٌ في واحة الإيمان أنّى ساروا
ليس المذاهب في الشرائع علّةً إنَّ الروافد شوقها الأنهار
فالاجتهادُ المعرفيُّ فضيلةٌ ميزانه التفسير والإذكار
بمن اْقتديتم.. إهتديتم في الدُنا قول الرسول وما به إنكار
لكنَّ ريح الجاهلية قد طغت فِتناً بنا والنائبات كِثار
وأصابنا عدوى التشبه بالورى هذا يمينيٌّ وذاك يسار
فالشكُّ في صدق اليقين خطيئةٌ والطعن في حرماته إنذار
والقتل والإرهاب في شرع السما كفرٌ طغى ما بعده استغفار
***********
عرِّج على الصحراء حُمَّ نخيلها فالشمس تسطع والرمال جِمار
واحضن خليل الله يهزم بالتُقى متمرِّداً في غَيِّهِ الإعسار
وأمام إسماعيل يُبهرك الفدا ويهزُّكَ الولد المطيع البار
وفؤاد هاتيك البوادي مكّةٌ من عهد آدم قِبلةٌ ومزار
واشرب هنيئاً كوثراً من زمزمٍ في بيت هاجر قُربةٌ وجِرار
واسجدْ ( بوادٍ غيرِ ذي زرعٍ ) نما فالنخل والريحان والأثمار
هفت القلوب إلى مناسك حجِّهِ وسعى إلى بركاته الزوار
عرِّجْ على الصحراء يأخذكَ المدى فالرمل والكثبان والأغوار
فهنا الزمان بمولد الكون ابتدى وعلى الفيافي والرُّبى آثار
واقصد تُهامةَ في مرابع عاشقٍ عيناهُ نجدٌ في الفلا وعرارُ
واهمس لقيسٍ في مضارب عامرٍ مازال في ليلى هوىً وذِمارُ
واصبرْ فأعراف القبيلة حصنها والصبر في عُرف الوفا إيثار
واشهدْ عُكاظ بلاغةً ونوابغاً فوق المنابر تنجلي الأشعار
عمرو بن كلثومٍ يباري طُرفةً وزهير والأعشى معاً وحوار
ويُطِلُّ عنترةُ الفوارس عابساً ينخو امرئ القيس استباهُ الثار
واشرب معلَّقةً معتَّقةَ النُّهى تحكي الزمان وما تبوح سِرار
فهْي الدوالي والخوابي تَعِلّةً فالروح عطشى والقلوب حِرار
فالشعر نحت المشتهى متألقاً (وخليله) راءٍ وموسيقار
والسرُّ في صوغ الكلام سلالمٌ والوزن في عود الخليل وِتار
وخيالُهُ صورٌ وحلم خمائلٍ وعلى الخمائل بلبلٌ وكِنار
الشعر موسيقى الجمال تعبُّداً وتبتُّلاً في جرسه أسرار
لغةُ الفصاحة في قِوامِ بيانهِ أوحى بها ملكُ السما البشَّار
في جنة الرحمن وعدُ خلودها فليلتزمْ حرماتها المهزار
هي (غير ذي عِوجٍ) بدت عربيةً وحصانُها الإعجاز والإبهار
***********
الشعر ينبع من مواهب مرهفٍ عصفت به الأرياح والأمطار
ليس الحداثةُ عُجْمةً وتغرُّباً إن طنَّ فدمٌ أو لغا ثرثار
إنَّ الحداثة في التراث ولادةٌ فهْي الحواري العين والأبكار
يتبغددون حداثةً وتجدداً والحرف أخرس والخيال بوار
يتناعقون غرائباً وعجائباً غربانُ ظنُّوا أنَّهم أنسار
ومجلةٌ عشواء في ألغازها مثل الطلاسم خطَّها مسمار
أما ( أبولو) في الفضاء تحطمت لم يبق إلا الريش والمنقار
***********
واصعد الى جبلٍ يجاور مكّةً فالغار فاح وطاب فيه الغار
وهنا ملاك الوحي جاء محمَّداً فتلألأت فوق الدُّجى الأقمار
وتدكدكت أصنام مكَّة خشيةً وتساقطت فوق الدُّمى الأحجار
لا اللاتُ لا العُزَّى تصون حياضها فارتاع أهل الشرك والكفار
ودعا أبو جهلٍ لصدِّ محمَّدٍ واجتاح ( دار الندوة ) الأخبار
وانداح في غضبٍ أبو لهبٍ، ألا تبّت يداه وسدَّ فاه القار
وارتدَّ عن صدق النبيِّ مُسَيلمٌ لم يحمهِ تحت الحراب فِرار
*************
أشراف مكة في مشارف يثربٍ ومهاجرون يذودهم أنصار
وأُقيم في عرش المدينة دولةٌ لا ظلمُ ، لا مظلوم ، لا اْستكبار
وتعاظم المجد الرفيع بأُمةٍ شرقاً وغرباً جيشها جرّار
فالقادسية ( بدرُ) شعَّ بدورها حطين واليرموك والأمصار
نحن الألى سعدٌ، عبيدةُ ، خالدٌ نحن السيوف على الشِّفار شرار
منا المُثَنّى والنُصَيْرُ وحمزةٌ وبنو الأزاور خولةٌ وضِرار
هو ذا صلاح الدين فوق جواده كالطود تهفو حوله الأنظار
والفخر فخر الدين جبهةُ عنجرٍ والأرز نسرٌ فوقها وسِوار
وبهيةٌ مصرُ الأبية رايةٌ مجدٌ على هرمٍ إليه يُشار
وعراقنا المأمون مؤتمن الفدى قدر النضال سفينةٌ وبحار
وأمام مذبح ليبيا وعرينها يأبى بنا شيخ الإبا (المختار)
والقدس والأقصى وبيت لحومنا كوفيةٌ مجروحةٌ وحصار
والمدَّعون بحبِّها سَجّانُها والصمت في وجه الوغى قهّار
إنَّ الجبان إذا أتاك بعذره في جبنه تتعدد الأعذار
فالمرء ما لم يغرهِ مجد العلى فمصيره في المنتهى أصفار
لا تحسبنَّ غِرار سيفٍ غمدهُ فلكم تموت بجهلها الأغرار
***********
ضوع الورود روى خلايا أمتي من مشتهى أعسالها نشتار
هي أمتي وحبيبتي وقصائدي ليلى وبثنُ وعـزّةٌ وسمار
هي ظبيةٌ في هودجٍ بين المها وعلى المحيَّا برقعٌ وخِمار
فالريم في البيداء تعشق حسنها وعلى لماها غنَّتِ الأطيار
هي أمتي لغتي وسر جمالها آي البلاغة لؤلؤٌ ومحار
يتهافت الصّيّاغ حول كنوزها فالعين تشهى والعقول تحار
لكأنما الشعراء في إنشادها وترٌ غواه في الهوى قيثار
فالعين في رصد الجمال مليكةٌ والفكر يلمع والمنى تذكار
والبدع في رؤيا الخيال تطلّبٌ يغلو ويسمو والفنون مدار
************
أنا شاعرٌ سيف التراث مشرّعٌ مرنان ما بين الورى بتّار
متطلبٌ أبداً غوٍ ومجنحٌ كالنسر في طلب العلى دوّار
غوَّاص في صيد اللآلي والحلى يغشى بحاراً ما لهنَّ قرار
ويروح ينسج من طرائف صيده ذهب النخيل فتستطيب قفار
فالوزن برقٌ والرويُّ رعيده وصدى القوافي في النجوم نُثار
والروح في فلوات عمري كوكبٌ والقلب في نجوى الإله هزار
وحداثتي أصلي وفصلي عرشها لغة الفصاحة دَيْمةٌ مدرار
فالشعر ليس تهتُّكاً وخلاعةً الشعر في زمن الوغى إعصار
ما الشعر فلسفةٌ نفِّسر لَبْسها هو حكمةٌ لمّاحةٌ ومنار
ما الشعر أُحجيةٌ نفكُّ رموزها هو نشوةٌ للنفس لا أكدار
ما الشعر سفساف الكلام فجاجةً هو كأس خمر الروح حين تُدار
ما الشعر إيهامٌ وإبهامٌ عمٍ هو نغمةٌ يهنا بها السّهّار
ما الشعر هلوسةٌ وسرد هواجسٍ هو كالصلاة تشوقها الأسحار
ما الشعر طقطقةٌ نمجُّ سماعها هو رنَّةُ الثوار يومة ثاروا
ما الشعر أردافٌ وفخذٌ أبيضٌ هو عِفَّةٌ وشهامةٌ ووقار
هو زهرة التاريخ في ألوانها وأنا على محرابه عطّار
************
هاني أُعاني في العراء مُشرّداً وأجوع لا صومٌ ولا إفطار
يا ليتني بين الفرات ودجلةٍ ورد المحبة من دمي أزرار
وببال هارون الرشيد غمامةٌ مأمولةٌ خيراتها مِعصار
يا ليتني في القدس طفلٌ واعدٌ في راحتيه دُرّةٌ وحِجار
يا ليتني في أرض يافا خيمةٌ وبيارقٌ ألوانها الأقطار
علَّ المروءة لو زهت في ظلها تتوحد الأجزاء والأشطار
يا ليت أسأل في الكرى ولاّدةً كيف الثريا في الثرى تنهار
ماذا جرى حتى هوت غرناطةٌ والمجد أقلع وانتهى المشوار
يا ليتني قيسٌ وليلى أمتي وقصائدي في حبها أطهار
يعيا لساني أيُّ سرٍّ غامضٍ أزرى بنا فلْتُرْفَعِ الأستار
*************
أحسنت يا أستاذ صادق
ما الشعر فلسفةٌ نفِّسر لَبْسها هو حكمةٌ لمّاحةٌ ومنار
ما الشعر أُحجيةٌ نفكُّ رموزها هو نشوةٌ للنفس لا أكدار
ما الشعر سفساف الكلام فجاجةً هو كأس خمر الروح حين تُدار
ما الشعر إيهامٌ وإبهامٌ عمٍ هو نغمةٌ يهنا بها السّهّار
ما الشعر هلوسةٌ وسرد هواجسٍ هو كالصلاة تشوقها الأسحار
…………………………………………………………….
ما أحوجَنا إلى الأصالةِ في الشِّعر في زمنٍ طغى على منتدياتنا الأدبية فيه الزَّبَد والرَّثاثة! تقديري واحترامي
زيد نعمان ماهر