
كانت العرب تكتب مواثيقها وعهودها وتنظم شعرها بلغة قريش ذات السِّيادة على العرب، وكانت لغة قريش لغة مشتركة مفهومة للعرب كلِّهم لعواملَ دينيِّة واقتصاديِّة وسياسيِّة. وقد تخيَّرت قريش الفصيحَ البليغ العذب من مفردات لغات القبائل العربيَّة الأخرى وضمَّته إلى لسانها حتَّى صارت لغتها أعرب االلّغات وأفصحها وأبينَها؛ فاصطفاها الله لكتابه ونبيِّه. وإذ يصف الله قرآنه المجيد بأنَّه أُنزِل بلسانٍ عربيٍّ مبين فذلك لأنَّ لسان قريش خلا من العوارض الّتي أصابت ألسنة كثير من القبائل الأخرى، فمن أمثلة هذه العوارض:
– الكَشْكَشَة تعرض في لغة تميم وربيعة ومضر، يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنّث شيناً أو يقلبون الكاف شيناً، كقولهم: ما الّذي جاء بشِ (أو بكشِ)؟ يريدون: بكِ.
وممَّا جاء في ذلك قراءتهم: {قدْ جعلَ ربُّشِ تحتشِ سَريَّا} لقوله تعالى: {قد جعل ربُّكِ تحتَكِ سريَّا}. مريم/24
وهذا أشبه ما يكون بلهجة أهل العراق إذ يقلبون الكاف شيناً ثقيلة أقرب إلى الجيم الأعجميَّة (الّتي تُكتَب بنقاط ثلاث).
– الكَسْكَسَة تعرض في لغة مضر وربيعة، يجعلون بعد كاف المؤنَّث والمذكَّر أو مكانها سيناً عند الوقف، كقولهم: أكرمتُكِس، يريدون: أكرمتكِ، و رأيتُسَ، يريدون: رأيتُكَ.
– العَنْعَنَة تعرض في لغة تميم وقيس، وهي قلبهم الهمزة المبدوء بها عيناً، كقولهم: ظننتُ عَنَّكَ ذاهبٌ، يريدون: ظننتُ أنَّكَ ذاهبٌ.
ومنهُ قول ذي الرّمَّة من البسيط:
أعنْ توسَّمْتَ من خرقاءَ منزلةً ماء الصَّبابةِ من عينيك مسجومُ
– الشَّنْشَنَة في لغة أهل اليمن وتغلب وأهل الشِّحْر، وهي قلب كاف الخطاب شيناً دون شرط، يقولون: لبَّيشَ اللَّهمَّ لبَّيش، يريدون: لبَّيكَ اللّهمَّ لبَّيك.
– الفحفحة في لغة هذيل، وهي قلب الحاء عيناً، كقراءة: {عتَّى حين}، وربَّما كان هذا خاصَّاً بحتَّى فقط فالحاء في (حين) لم تقلب.
– العَجْعَجَة في قُضاعة، يجعلون الياء المشدَّدة جيماً، يقولون: تميمِجٌ، يريدون: تميميٌّ.
– اليأيأة في تميم وهي جعل الجيم ياءً في بعض الكلمات، يقولون: دياي، يريدون: دجاج. وما زالت اليأيأة منتشرة في منطقة الخليج العربيّ وبعض مدن جنوب العراق.
– الوَتَم، يعرض في لغة أهل اليمن، وهو قلب السّين تاءً، كقولهم: النَّاتُ أجناتٌ، يريدون: النَّاسُ أجناسٌ.
– الوَكَم في لغة بني كلب، يقولون: عَلَيكِم وبِكِمْ، يريدون: عَلَيكُم وبِكُمْ، إذا كان قبل الكاف ياءٌ أو كسرةٌ.
– الوَهَم في لغة بني كلب أيضاً، يقولون: مِنْهِم وعَنْهِم، يريدون: مِنْهُم وعَنْهُم، وإن لم يكن قبل الهاء ياءٌ أو كسرةٌ.
– الاستنطاء، يعرض في لغة هذيل وسعد بن بكر وقيس والأزد والأنصار، وهو قلب العين السّاكنة نوناً إذا جاورتِ الطَّاء، كقولهم: أنْطَيتكَ نطيَّةً ما أنطاها أحدٌ من قبلُ، يريدون: أعْطيتُك عطيَّةً ما أعطاها أحدٌ من قبلُ. والاستنطاء شائع في اللَّهجة العراقيَّة.
– اللّخلخائيّة في لغات أعراب الشِّحْر وعُمان، وهي حذف حرف أو دمجه بما يليه، يقولون: مشا اللهُ كان، يريدون: ما شاءَ اللهُ كان. وهي اليوم موجودة في كثير من اللَّهجات العربيَّة.
– الطُّمطمانيَّة في لغة حِمْيَر، كقولهم: طابَ امْهواءُ، يريدون: طابَ الهواءُ.
– الكتكتة في لغة أهل اليمن، وهي قلب تاء المتكلِّم أو المخاطب كافاً، يقولون: رَحَلْكُ و رَحَلْكِ، يريدون: رَحَلْتُ و رَحَلْتِ.
المراجع:
كتاب “فقه اللُّغة وأسرار العربيَّة” للإمام أبي منصور عبد الملك بن محمَّد بن إسماعيل الثَّعالبيِّ
معجم “تاج العروس من جواهر القاموس” لمُحمَّد بن مُحمَّد بن عبد الرَّزَّاق المرتضى الزُّبيديِّ
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل