
سأعرض لكم رؤيتي للموضوع بشكل جردة حسابية مما عودتني عليه المهنة. وسأبدأ كلامي بما أرى أنَّ المثقفين العرب في مونتريال قد نجحوا فيه:
نجاح:
في رأيي، نجح المثقفون العرب في مونتريال كبرى مدن مقاطعة كيبيك في:
– إصدار الصحف المطبوعة الأسبوعية ونصف الشهرية والمجلات الشهرية. وهذا ليس جديدًا بالتأكيد فقد كان موجودًا لا في كندا فقط بل في القارة الأميركية بكاملها.
– تنظيم برامج تلفزيونية أسبوعية قصيرة من ضمن القناة التلفزيونية العرقية (Canal Ethnique).
– تأسيس وإطلاق محطة إذاعة عربية كانت في البدء مشفّرة ثمّ أصبحت منذ نحو عشر سنوات تذيع على الهواء مباشرة. ولا ننسى البرنامج الثقافي (ما خلصت الحكاية) الذي كان يذاع عصر كلّ يوم أحد من إعداد وتقديم الإعلامي صديقنا وأحد أعضاء الاتحاد العالمي للمثقفين العرب – مكتب كندا الأستاذ فيكتور دياب، وللأسف فقد توقف هذا البرنامج مع تفاقم نازلة الكورونا (كوفيد 19) منذ ثلاث سنوات، وحبّذا لو يعود. وما زال أصحاب هذه الإذاعة يعملون على توسيع أثيرها. ومنذ بضع سنوات انطلقت في مونتريال، أيضًا إذاعة عربية أخرى.
– تأليف الكتب في موضوعات مختلفة: شعر ورواية وقصص قصيرة وأبحاث لغوية ودينية وتاريخية وذكريات وشعر بالعاميّة. وكان معظمها يطبع في البلاد العربية.
– تأسيس الجمعيات والتجمعات الثقافية التي عنيت بعقد الندوات وإلقاء المحاضرات في موضوعات متعددة، وهذا أيضًا ليس جديدًا. وقد سبق للصديق الأستاذ حبيب زعرور أن أعطانا –مشكورًا- لمحة موجزة عن بعض ما قام به مثقفون عرب سابقًا في المهجر من إصدار الصحف والمجلات العربية وتأسيس الجمعيات.
– تأسيس المدارس لتعليم الناشئة اللغة العربية.
– تنظيم المعارض الفنية للرسم والزخرفة.
– ومع تطور الاتصالات الإليكترونية وازدياد عدد القادمين العرب إلى كيبيك بدأ تأسيس المواقع الإخبارية الإليكترونية والتلفزيونية وفَتحت التجمعات والجمعيات المذكورة آنفًا الصفحات الثقافية على الفيس بوك وغيرها والقنوات المرئية على اليوتيوب لتوثيق نشاطاتها وإعمامها قدر الإمكان.
إخفاق:
ولكن يؤسفني أن أقول: إنّ ما رأيت فيه نجاحًا قد عكر صفوه إخفاقٌ في: (أرجو أن تعذروني إن كان في ما سأقوله بعضُ القساوة أو الصراحة).
-إشراف الجمعيات الدينية والمذهبية على معظم المدارس حوّل اهتمامَ الكثير منها إلى التعليم الديني (وأحيانًا المذهبي) على حساب اللغة، فانعكس ذلك ضَعفًا في الملكة اللغوية لدى معظم التلاميذ. ومن لا يعرف لغة قومه لن يفقه شيئا من ثقافته.
-تعدد التجمعات والجمعيات والآراء السياسية والإقليمية والدينية والمذهبية علاوة على حبِّ الظهور والنرجسية التي يتصف بها أبناء مجتمعاتنا، أمورٌ تجمّعت وأدّت إلى التشرذم وندرة التعاون في تعزيز الثقافة واللغة العربيتين.
-وعلى المستوى العام، وعلى الرُّغم من تمكّن عدد من الشخصيات العربية من أن يبرز في بعض المجالات، ومنها دخول المجالس البرلمانية، إلّا أننا لم نستطع أن نتوحد كجالية [كان الأصوب أن أقول طارئة] عربية واحدة قادرة على إثبات وجودها في جميع الحقول، فلم نتمكن –مثلًا- من تبديل نظرة المجتمع الذي طرأنا عليه لِدحضِ اتهامنا بالإرهاب والتخلف والجهل. كما لم نتمكن من التأثير في قضايا المجتمعات التي نعيش فيها أو في القضايا العالمية. فهل فكّر أيٌّ منّا أو عمل على تكوين “لوبي عربي” باستطاعته التأثير ولو في بعض القضايا؟ بالتأكيد لا، لأننا عندما هجرنا بلادنا أحضرنا معنا مشاكلنا وخلافاتنا السياسية والطائفية والدينية والمذهبية والإقليمية والعرقية، فضلاً عن حبّ الظهور والنرجسية والأنانية والنزعة الفردية للإنسان العربي، فمعظم المشاركين حاليًّا في الحراك الثقافي لمّا وصلوا إلى كندا كانت أعمارهم حاجزًا أمامهم للاندماج في المجتمع، ولا أقول الانصهار. وقديمًا قيل: “العربيُّ وجملُه يشكلان إمبراطورية مستقلة”.
-كما إني أقول بالفم الملآن إنَّ معظمَنا -ولا أبرّئ نفسي- فشِلَ في جعل أبنائه مستعدين أو قادرين على حمل راية لغتنا وثقافتنا من بعدنا. فكم شابَّاً يوجد الآن بيننا مثلاً؟ بل كم هو عدد الذين لم يبلغوا الستين؟ باستثناء السيدات بالتأكيد. كما إنّي قابلت الكثير من الشباب العرب الذين ولدوا في كندا وإذا بمعظمهم لا يمكنهم أن يتكلموا حتى بلهجة آبائهم العاميّة. وهذا أهم الأسباب لعدم مشاركة الأجيال الطالعة في أي نشاط ثقافي عربي. وقد يكون سببُ تخلّيهم عن لغتهم الأم انغماسهم في شؤون العمل ومطالب العيش، بينما نرى إخواننا الأرمن، على الرغم من اندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها، فلم يتخلّوا عن لغتهم الأم سوى القليل منهم.
-لقد ذكرت أن عددا لا بأس به قد ألّف الكتب ونشرها، كل الشكر لهم على جهدهم، ولكن للأسف فعدد غير قليل منها يشكو من ركاكة اللغة والموضوع.
-لم نستطع إنشاء مركز على شكل نادٍ ثقافيّ عربي يجمع المثقفين العرب القادمين من المحيط إلى الخليج ويكون مقرًّا للأنشطة الثقافية بجميع فروعها.
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل