تقاطع الهُويَّات 

شذا الخطيب

لكلِّ شارع هُويَّته وفي تقاطعه تتشابك الهُويَّات.

في عالمنا وجوه عدَّة. 

ليس عندي ما أخافه، بضع ذكريات قديمة محتها قسوة الأيام وضغط الحياة. ماذا أملك غير الشعور بالأمل يأخذني نحو طريق الحب والأمان؟

ليس عليَّ أن أعيد التجربة لأتعلم، يكفيني ما مررت به.

***

  هاتفَني قائلاً: افتحي الباب! أنا أمام الباب أطرقه. 

تعجبت فسألته: أيَّ باب؟ 

  • باب مكتبك، إنني أمام مقر عملك!
  • لا يمكن! ما هذا الحظ؟  لستُ في المكتب يا عزيزي فقد تغيبتُ اليوم! متى وصلت، وكيف لا تعلمني بقدومك؟ آه! نويت أن تفاجئني!  غداً سأكون في المكتب.
  • لا أقدر؛ قدمت إلى مدينتك كمحطة عبور فقط. قلت أزورك في ساعات انتظاري طائرتي التالية.
  • لو كنت اخبرتني! 
  • تمنيت أن أجعلها مفاجأة لك لكن أنا من تفاجأت! 
  • ***

كان هذا آخر اتصال بيني وبينه، ولم نلتق أبداً. ما زلت أذكر صورتيه اللتين أرسلهما لي: صورة بزيٍّ عربي وشماغ أحمر عكَسَ جمال بشرته الشقراء ببهاء والأخرى ببدلة ظهر فيها باهتاً.

                                  ***

مرَّت السنوات وخُطبتُ لشاب غير عربي تربَّى في وطن عربي ولا ينقصه إلا جنسيته وتصادف أنه يعرف صاحبي الذي لم ألتقه إلا عبر منصة الشابكة (النت). كنت معه حينما اتصل به، سألته عنه فقال لي إنَّه كان زميله في الجامعة والتقيا مؤخراً مصادفة. غصت في مقعدي وخفت أن يحدِّثه خطيبي عني ثم يعرف منه حكايتي معه. أخذتني الأفكار وشردتُ بسؤالٍ وجوديّ: ما الذي يجمعنا نحن الثلاثة؟ رجعت بذكرياتي إليه، ما بين صورته الأولى والثانية كذبة أوهمتني أنَّه ابن البلد، ابن القبيلة والنسب، وفي النهاية ابن الغربة والهجرة والشتات.  

                                    ***

مضت أشهر وفسخت خطوبتي لأنه ظل متشبثاً بهوية ليست له، ضعت بينه وبين هُويَّته المصطنعة فنظرت إلى حالي في المرآة أبحث عن ذاتي، عن وطن يضمني، عن رجل يحبني، عن أسرة أنشئها من صلبه.   

احترت وتهت في الطريق فقد تقاطعت طرقنا نحن الثلاثة في أرض ليست لنا. مهما تغيرت لهجتنا وتصنَّعنا رداء أهلها فهي في النهاية ليست لنا.  لماذا أنا هنا؟ هل لأن أهلي هم من قرروا أن يكونوا هنا؟ لماذا لست أنا من أقرر أين أكون؟ لماذا كان لهم حق الاختيار وأنا عليَّ الخضوع لما اختاروه؟ 

واجهت سلسلة من التحديات أولها نكران حياة كريمة لأجل وطن فيه الفساد ظاهر كالشمس. لا يهم، هذا ما فكرت به بادئ الأمر. أود أن أسير في الشارع، أن اتحدث لهجتي، ألَّا اصطنع لهجة أخرى، أن أرتدي عباءة وطني لا أن أسير وعليَّ رداء شعب لم ينظر إليَّ يوماً كابنته. 

لا وظيفة ولا مال ولا زوج ولا أطفال. 

خضعوا لإرادتي وعدت إلى وطني، ولم أكمل العام حتى عدت من جديد إلى غربتي، فالحرب قالت لي كلمتها الأخيرة: حيث يكون الأمان يكون الوطن. وإنني ما زلت أبحث عن هذا الوطن . 

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

1 Comment

Leave a Reply