Mathematics and its Roots ~ علم الرِّياضيات وبعض من جذوره الرَّئيسة


اللوحة البابلية بلمبتن 322  وتعود إلى ما يقارب 1800 قبل الميلاد

Abstract

This article sheds the light on some of the main roots of mathematics in some ancient civilisations, and gives examples of some of the contributions of Mesopotamia and Islamic civilisation to this science.

باسل يونس ذنُّون الخيَّاط

الملخِّص

هذه المقالة تُسلط الأضواء على بعض الجذور الرئيسة لعلم الرياضيات في بعض الحضارات القديمة، وتعرض نماذج لبعض إسهامات حضارة بلاد ما بين النهرين والحضارة الإسلامية في هذا العلم.

مقدِّمة:

     تُعدّ الرياضيات من أقدم العلوم، وقد تزامنت ولادتها مع ولادة الكتابة، وظهرت الرياضيات نتيجة لحاجة الإنسان إليها لاهتمامه بقياس وعدِّ ما حوله. وتعود جذور الرياضيات إلى الطبيعة وعلومها، وبخاصة علم الفلك. وتمتد هذه الجذور إلى أعماق الحضارات القديمة التي كانت سائدة في بلاد ما بين النهرين ومصر واليُونان والهند. 

تَرْجع نشأة الرياضيات إلى قرابة خمسة آلاف عام في بلاد ما بين النهرين على يد السومريين الذين طوروا في الوقت ذاته القراءة والكتابة. وطوَّر قدماء المصريين تقنيات البناء التي سهلّت بناء الأهرامات الضخمة والمعابد والمسلَّات، فضلا عن نظام رياضيات عملي وفعال في الطب. وطوَّر الفلاسفة الإغريق الفلسفة مما أدى إلى ظهور الأسلوب الاستنتاجي الذي أدى إلى وضع حجر الأساس للجانب النظري من الرياضيات.

لقد كانت الهندسة أول علوم الرياضيات التي ظهرت قديما لقياس مساحة الأرض وحساب المثلثات لقياس الزوايا والميل في بناء المعابد والقصور. كما كان البابليون يستعملون الهندسة في التكهن بمواعيد كسوف الشمس وخسوف القمر، وهذه المواعيد مرتبطة بعباداتهم.

 وكان قدماء المصريين يستخدمون الهندسة في بناء المعابد وتحديد زوايا الأهرامات، وكانوا يستخدمون الكسور وتحديد مساحة الدائرة بالتقريب. وبدءاً من العام 600 قبل الميلاد تقريباً أصبحتْ الهندسة أداة مفيدة في تحليل المسائل، وأدَّت إلى تطوير الرياضيات بشكل مستقل عن تطبيقها.

جذور عراقية في علم الرياضيات:

لقد أدَّت الأرقام دوراً مهماً في بناء صرح البشرية الحضاري على مرِّ العصور، وفي العصر الحالي ازدادت أهمية الأرقام وأضحت من الأدوات الأساسية في العصر المعرفي.

 ومن الأمور المُسلّم بها أن بلاد ما بين النهرين ( أو بلاد الرافدين) هي مهد  الحضارات والينبوع الذي غذَّى البشرية بشهد المعرفة، وأشهر حضاراتها حضارة سومر وأكد وبابل وأشور وكلدان التي نشأت جميعها من العراق القديم.

وحين نتأمل تطور الحضارات القديمة نجد أنها تبدأ مع ظهور الكتابة. ونجد أيضاً أنَّ الإنسان احتاج إلى العد والإحصاء البسيط لتلبية احتياجاته، فأصبحت  الكتابة والأرقام مؤشرين مهمين على حضارة الأمم، وكان لبلاد ما بين النهرين الفضل في هذا السبق الحضاري المتميّز. 

تُنسب معظم الألواح الطينية في الرياضيات لبلاد ما بين النهرين إلى العهد البابلي القديم، ولهذا السبب تُسمى رياضيات بلاد ما بين النهرين بالرياضيات البابلية. كان البابليون يعرفون العمليات الحسابية، وتحوي بعض اللوحات الطينية قوائم وجداول رياضية. وقد أظهرت الشواهد التاريخية أنَّهم اهتموا بالساعة الشمسية التي ترتبط بالمثلثات.

ومنذ الألفية الثالثة قبل الميلاد تمكن السومريون من تطوير نظام معقد للقياسات. كما كتب السومريون جداول للضرب على ألواح طينية، وتعاملوا مع مسائل وتمارين للقسمة والهندسة. وكان الآشوريون أول من استخدم العجلة في العام 3200 ق.م ووظفوا استخدامها في المجالات الحربية. ومن إنجازاتهم المهمة تقسيم الدائرة إلى 360 درجة. 

جذور عراقية في نُظم الأعداد:

مثلما احتاج الإنسان إلى الحروف للتعبير عن نواحي الحياة المختلفة فقد احتاج إلى الأرقام لعد الموجودات من حوله. ومن أوائل الأنظمة العددية التي عرفتها البشرية ” نظام العد الستيني Sexagesimal Numeral System ” الذي اخترعه السومريون في الألفية الثالثة ق. م، ونقله عنهم البابليون، ثم طوره الأشوريون. وما زال هذا النظام مستخدمًا في قياس الزمن والزوايا الهندسية وفي نظام الإحداثيات الجغرافية. 

وللنظام الستيني استخدامات مهمَّة في الفلك لسهولة تقسيم العدد 60، وما زال النظام الستيني -برغم مرور أكثر من خمسة آلاف سنة على اختراعه- مستخدماً في أنحاء العالم،

– فهو يُستخدم مع الوقت: (الدقيقة ستون ثانية، والساعة ستون دقيقة).

– ويُستخدم في قياس الزوايا وحساب المثلثات: ( مجموع زوايا المثلث 180=60×3 درجة، والدائرة 360=60×4 درجة).

– كما  يُستخدم النظام الستيني في التجارة: حيث تُرزم البضائع بشكل 12 قطعة، وتعرف اليوم بالدرزن Dozen. والرقم 12 يقبل القسمة على 2 و3 و4 و6 و 12 مما يعطي مرونة في التعامل التجاري.

– ويُستخدم النظام الستيني إلى اليوم في الساعات العسكرية.

ومع سقوط الدولة الأكدية نُهبت المدن العراقية، ومن ضمنها المكتبات ودور العلم، نهبها الأفَّاقون الذين كلفهم الإغريق بذلك، مما أدى إلى نقل المعلومات والكتب إلى أثينا وتم تبني النظم الرياضياتية العراقية؛ مثل النظام الستيني؛ من قبل علمائهم.

“نظرية فيثاغورس” وجذورها العراقية:

 صدر في العام 2011 كتاب باللغة الإنجليـزية للدكتور ريمون نجيب شكوري تحت عنوان (Mesopotamians: Pioneers of Mathematics)،  أي (سكنة وادي الـرافديـن: رواد الرياضيات). جاء فيه أنه قد تمّ حتى الآن اكتشاف أكثـر مـن مليون لوحة طينية في بلاد ما بـيـن النهريـن تحتوي على معلومات قَيّمة نُقِشتْ بِالخط المسماري وتناولتْ، إلى جانب الرياضيات، مختلفَ نواحي الحياة في حضارة وادي الـرافديـن. ويُـركِّـز الكتاب بِصورةٍ رئيسة على جذور الرياضيات في حضارة وادي الـرافديـن. 

تُظهـر الألواح الطينية التي تنقـل معلومات رياضية أنَّ إسهامات الحضارة الـرافدينية ذات مستوى عالٍ شكّلتْ عوامـل مؤثـرة في المسيـرة العلمية في الأزمنة القديمة والحديثة. ويلقي الضوء على ما بـرع الـرافدينيون به كالمفاهيم الهندسية وعلم المثلثات وإيجاد مساحات الأشكال الهندسية، ومنها الدائـرة، وحجوم الأشكال لأن كل هذه الحسابات يتطلبها إنشاء المباني الشاهقة كالـزقورات والمعابد وهي ضرورية لإقامة السواتـر التـرابية وشق القنوات.

 وفي الكتاب فصل كامل عـن اللوحة الطينية Plimpton 322 المحفوظة في جامعة كولومبيا، وتعرض تلك اللوحة نتيجة رياضية مذهلة هي جدول جـزئي لما يُعـرف اليوم بِثلاثيات فيثاغورس التي يعـزو الغـربيون اكتشافها إلى عالم الرياضيات الإغـريقي ديوفونطس الذي كان يعيش في إسكندريةَ مصـر في القــرن الثالث الميلادي، بينما يسبق عمـر اللوحة المذكورة الحضارةَ الإغـريقية بألفي عام.

جذور علم الرياضيات في الحضارة الإسلامية:

يُعد الصفر من أعظم الاختراعات في تاريخ البشرية، وتجمع المصادر على أن اكتشاف الصفر وتصديره للعالم كان إنجازاً للحضارة الإسلامية دون منافس.

استقر محمد بن موسى الخوارزمي في بغداد واشتغل في دار الحكمة التي أسسها الخليفة المأمون وقدَّم الكثير من المساهمات في الرياضيات، فخُلِّد اسمه بالمصطلح العلمي (الخوارزميات Algorithms). لقد اكتشف الخوارزمي الصفر Zero ووظَّفه في الرياضيات، ومن ثم انتشر هذا الاكتشاف إلى العالم أجمع. كما أوجد الخوارزمي علماً جديداً نشره في كتابه (الجبر والمقابلة)، وقد أخذ الغرب هذا العلم ليولد علم الجبر وليبقى باسمه العربي Algebra. 

وطور العرب في المغرب العربي الأرقام المغربية الغبارية (0، 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9). وفي مدينة بجاية الجزائرية تعرَّف الرياضي الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي على هذه الأرقام، فنقلها إلى أوروبا، ومنها انتشرت إلى باقي العالم عبر التجارة والكتب والاستعمار الأوروبي. وهذه الأرقام هي السائدة حالياً في العالم، وتُعرف بالأرقام العربية Arabic Numbers.

المصادر:

باسل يونس ذنون الخياط، “رواد الرياضيات في الحضارة الإسلامية ومدينة الموصل”، دار ابن الأثير للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 2013.

موسوعة تاريخ العلوم العربية، رشدي (2005). بيروت، لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية.

 Raymond N. Shekoury, “Mesopotamians: Pioneers of Mathematics”, Create Space Independent Publishing Platform (April 8, 2011).

Boyer, Carl B. (1991),” History of Mathematics”, (Second Edition ed.), John Wiley & Sons, Inc.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply