الكتابةُ منجاتي مِن الصَّخبِ وأسلوبي بصمتي النسوية

الأسلوب هو الإنسان

بلقيس خالد

تمييز المرأة عن الرجل بكتاباتها 

لستُ ناقدة لذا سأدخل إلى الموضوعة من خلال تجربتي الخاصة مع الكتب وإنتاج كتبي.

البدايات كانت كتابتي على فطرتها إذا جاز التعبير، أكتب أحلام البارحة. التقط صورة قلمية للمطر الناعم. يلفت نظري (الهاشمي) الذي ترتديه أمي في المناسبات. نبرة والدي في الكلام معنا. الحرب ذات المخالب الثمانية جعلت كتابتي تحدق في سواد الأقمشة ..اللافتات .. الماء الأسود في عيون الأمَّهات الثكالى.

من خلال تجربتي مع أساليب الكتابة أدركت أنَّني امرأة لا تجيد  الصخب والصراخ في الكتابة ولا في الحياة. وهكذا تدفَّق الأسى في داخلي ولم يتمظهر عاليا خفَّاقاً على منصَّة للخطابة، لذا أراني أقرب إلى بلاغة الرسم الهامس أسلوبيَّاً.

اكتشفتُ أنَّ الأسلوب الموائم لتجربتي الكتابية هو الاقتصاد في القول والنبرة الخفيضة، وهذه الطريقة النسوية ليست نتاج الاستحياء بل الخبرة التي زادتني وعياً بما أريد وكيف أريده. إنَّه أسلوبي ولا يوائم غيري. وحين أراجع كتبي أراني قد تجاوزت أساليبي الأولى في الكتابة، وطموحي في التجاوز أنقذ كتاباتي من التكرار، ومن هذه الاساليب كلِّها تكونت ذاتي الأدبية.

المرأة في كتاباتها تنطلق من أحاسيسها، فهي ترى نفسها كائناً مضطهداً وعليها أن تتحرر من خلال الوعي بضرورة الكتابة وبأسلوب عالي النبرة وجرأة وجسارة في التعبير لدى بعضٍ منهن. 

في الروايات يظهر جليَّاً ما يميز المرأة عن الرجل بكتاباتها من خلال تفاصيل الشخصيات الروائية، فمن الصعب جداً على المرأة أن تكتب تفاصيل حياة الرجل كما يكتبها هو؛ فإنَّ أسلوبها الأنثوي يخذلها، وكذا الحال عندما يتقمَّص الرجل شخصية امرأة؛ فإنَّ أسلوبه الرجولي يخذله.

لاحظتُ أثناء قراءتي كثيراً من الروايات المكتوبة حول شخصيات نسوية بأقلام روائيين أنَّ المؤلِّف بين خيارين فقط : الكتابة الأفقية التي تجسِّد حياة المرأة اليومية أو الكتابة التي تتلصَّص من ثقب الباب على خصوصية المرأة.

في هذه الرواياتِ النساءُ من بنات أفكار الرجل من حيثُ المشاعر والأحاسيس وأذواقهن في الأزياء وأسلوبهن في تأنيث الاشياء. حتى وهو يكتب عن نساء من التاريخ، نراهنَّ خشنات السجايا ولهنَّ قسوة الرجل في التعامل.

وأنا أكتب الآن  سطعت في ذاكرتي مقولة لأحد النقَّاد العظماء في القرن التاسع عشر:”الأسلوب هو الرجل”،  ثمَّ تبيِّن لنا أنَّ المترجمين العرب كانوا خونة في ترجمة المقولة، ذلك أنَّ الناقد الفرنسي جورج لويس كلير الملقب بالكونت بوفون كان قد قال: “الأسلوب هو الإنسان”، والفرق كبير بين الترجمتين فالإنسان يحتوي التأنيث والتذكير. 

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply