شذرات من كتاب “عشائر الشَّام” لأحمد وصفي زكريَّا

وهو كتاب يبحث في عشائر سوريا صدرت الطَّبعة الأولى منه بين العامين 1945- 1947. نقرأ منه شذرات عن مكانة المرأة في المجتمع العربيّ القديم، وليست بنا حاجة للتَّعليق.

في الصَّفحة 125 من الكتاب نقرأ * :

جاء في “تاريخ الأمم الإسلاميّة” ج1 للشيخ محمَّد الخضريّ ما يلي:

(الرَّجلُ في أهلِه) و نريد بالأهل خصوصاً الزوج:

  يظلم العربيَّ من زعم أنَّه كان ينظر إلى المرأة نظرة استخفاف أو إهانة، فإنَّا إذا كنَّا نستقي تلك المعاملات من شِعرهم الذي هو ديوان أخبارهم نرى الأمر على العكس من ذلك، فقد كان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما لهُ في نظر العرب من المقام السامي في الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في أكثر أوقاته إلّا المرأة التي إن رقيَ في نظرها فقد رضي الناس كلُّهم عنه، وترى ذلك واضحاً جليَّاً في أشعار حاتم الطائيّ شيخ الكرام وعنترة العبسيّ شيخ الشجعان.

  ثمّ انظر إلى أيّ شجاع من العرب: هل كان يفتخر إلَّا محدِّثاً امرأة من قومه بأنَّه المدافع عن الحريم الحامي للحقيقة؟ تراه إذا عزلتْه على السرف وأشارت عليه بالقصد يجيبها بأرقّ ما تجيب به مخالف في الرّأي:

ألم تعلمي يا عمرك الله أنّني        كريمٌ على حينِ الكرامُ قليلُ

أوَ لا ترى أنَّ جميع الشعراء إذا بدؤوا قصائدهم التي بها يفخرون بمحامد قومهم وعظيم مقاصدهم لا يذهبون إلى شيء من ذلك حتَّى يعطوا المرأة قِسطها ممَّا تحبُّ من النسيب؟ يرون أنَّ شِعرهم بدون ذلك يفقد الطلاوة المقبولة، وتراهم حين يخاطبونها وهي ذات زوج يلقِّبونها بخير الألقاب، فيقول أحدهم:

يا ربَّةَ البيتِ قومي غيرَ صاغرةٍ        ضُمِّي إليكِ رحالَ القومِ والقِرَبا

فإعطاؤها هذا اللقب الجميل يُشعر بما كان لها في النفوس من سموِّ الدرجة، وما أحلى احتراسَه في قوله: غيرَ صاغرة! 

ويقول الآخر لزوجه:

سلي الطَّارقَ المعترَّ يا أمَّ مالكٍ          إذا ما أتاني بين قِدري ومجزري

أيُسفِرُ  وجهي أنَّه  أوَّل القِرى           و أبذلُ معروفي لهُ دونَ منكَري

فلا يناديها إلَّا بكنيتها، وهذا من سمات التشريف في عُرفهم.

  وبالجملة فإنَّ المتتبِّع لأشعار العرب لا يشتمُّ منها رائحة الصَّغار والإهانة للمرأة، ويفخرون بنسبتهم إلى أمَّهاتهم كما يفخرون بنسبهم إلى آبائهم، وكانت المرأة فيهم إذا أرادت فرَّقت وإن شاءت جمعتْ، فإن اتَّجهت عواطفها للسلام سعت إليه ونجحت وإن وجَّهتْها إرادة الانتقام إلى الشَّرِّ أشعلتِ النارَ بين الأحياء.

* زكريَّا، أحمد وصفي. (1983). عشائر الشام. ط2. دار الفكر

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply