نساءٌ شواعر

 اللوحة للمستشرق الإيطالي جان-فرانسواز بورتلس

بين يدي القارىء أبياتٌ مختارة لبعض شواعر العرب اللَّائي نظمْن في أغراض متنوِّعة فأجدنَ. وإذا صحَّ ما نُسِب للفرزدق من كلام في امرأة قالت الشِّعر:”إذا صاحتِ الدَّجاجةُ صياحَ الدِّيك فلتُذبَحْ” فلعلَّ قائلها، الفرزدق أو سواه، خشي أن يعلوَ صوت الدَّجاجات على صوت الدِّيَكة!

  من اللَّواتي حلَّقن في سماء العشق وكتبن في الغزل ليلى العامريَّة وهي ليلى بنتُ سعدٍ العامريّ الّتي هام بها قيس بن الملوَّح الملقَّب بالمجنون ومات في البريَّة شريداً إذ حُرم الزَّواج بها فماتت على إثره حوالي عام 68 للهجرة. تقول ليلى في وصف حالها وحال مجنونها:

كلانا مُظهِرٌ للنَّاسِ بُغضاً        وكلٌّ عندَ صاحبهِ مَكينُ

تبلِّغُنا العيونُ بما أردْنا          وفي القلبينِ ثمَّ هوىً دفينُ

وأسرارُ اللَّواحظِ ليس تخفى   وقد تُغري بذي الخطأِ الظُّنونُ

وكيف يفوتُ هذا النَّاسَ شيءٌ    وما في النَّفس تُظهرُه العيونُ

  وخولة بنت ثابت، أخت حسَّان بن ثابت الشاعر، أحبَّت عمارة بن الوليد المخزومي وكتبت شعراً رقيقاً فيه، منه أبياتها الشَّهيرة:

يا خليليَّ نابني سُهُدي       لم تنمْ عيني ولم تكدِ

فشرابي ما أسيغُ وما          أشتكي ما بي إلى أحدِ

كيف تلحوني على رجلٍ     آنسٍ تلتذُّه كبدي

مثلُ ضوءِ البدرِ صورتُه     ليسَ بالزميلةِ الكندِ

من بني آلِ المغيرة لا      خاملٍ نكسٍ ولا جحدِ

نظرتُ يوماً فلا نظرتْ     بعدَه عيني إلى أحدِ

  وأمَّا الرِّثاء فهو الغرضٌ الَّذي نظمت فيه الشَّاعراتٌ أكثر ما نظمن فاتَّشحت قصائدهنَّ لا بالسَّواد والعَبَرات حسب بل بلآلىء المعاني ودُرَر الكلِم. 

من هؤلاء الشَّاعرات قتيلة بنت الحارث بن كلدة، وهي شاعرة مخضرمة تشبه الخنساء في كثر ما نظّمته من رثاء في أخيها النّضر، وأشهر مراثيها الأبيات الّتي خاطبت بها النّبيّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم  والّتي خلد اسم هذه الشّاعرة بها، تقول:

يا  راكباً  إنَّ  الأثيلَ  مظنَّةٌ              من صبحِ خامسةٍ  وأنتَ موفَّقُ

أبلغْ  بها  ميتاً  بأنَّ  تحيَّةً                ما إن تزال بها  النَّجائبُ تخفقُ 

منِّي  إليك و عبرةً  مسفوحةً           جادت  بواكفِها  وأخرى  تخنقُ 

 هل يسمعنِّي النَّضرُ إنْ ناديتُه           أم كيف  يسمعُ  ميِّتٌ لا  ينطقُ

أمحمَّدٌ  يا خيرَ  ضنءِ  كريمةٍ           في قومِها والفحلُ  فحلٌ معرِقُ

ما كان ضرَّكَ لو مننْتَ وربَّما           منَّ الفتى وهو  المُغيظُ المحنقُ  

أو  كنت  قابلَ  فديةٍ  فلينفقَنْ            بأعزِّ  ما  يلغو  به  ما  ينفقُ

فالنَّضرُ أقربُ من أسرتَ قرابةً         و أحقُّهم  إن  كان  عِتقٌ  يعتقُ

ظلَّت  سيوفُ  بني  أبيهِ تنوشُه          للهِ  أرحامٌ  هناكَ  تشقَّقُ

صبراً  يقادُ  إلى  المنيَّةِ  متعَباً          رسفَ  المقيَّدِ  وهو عانٍ  موثقُ

و رثتْ ليلى الأخيليَّة صاحبها توبة الحِميَريّ الَّذي حُرمت وصلَه بأبيات خالدات خلَّدن حكايتهما، وهي من شاعرات العهد الأمويّ. قالت:

وأقسمـتُ أرثــي بـعـدَ تـوبـةَ هالـكـاً     وأحـفِـلُ مــن دارتْ علـيـه الـدَّوائـرُ

لعَمرُك ما بالموتِ عـارٌ علـى الفتـى     إذا لـم تصـبـْهُ فــي الحـيـاةِ المعـابـرُ

ومــا أحــدٌ حـيَّـاً وإن كـــان سـالـمـاً           بـأخـلــدَ مــمَّــن غـيّـبـتْـهُ الـمـقـابـرُ

ومن كان مِمَّـا يُحـدثُ الدَّهـرُ جازعـاً        فلا بـدَّ يومـاً أن يُـرى وهـو صـابـرُ

 

وليس لذي عيشٍ من الموتِ مذهـبٌ    وليـس علـى الأيـَّام والـدَّهـر غـابِـرُ

ولا الحـيُّ ممـا يُحـدث الدَّهـرُ معتـبٌ      ولا المَيْتُ إن لم يصبرِ الحـيُّ ناشـرُ

وكــلُّ شـبـابٍ أو جـديـدٍ  إلــى  بِـلــى           وكـلُّ امـرئ يـومـاً  إلــى الله  صـائـرُ

وكــــلُّ قـريــنــَي  أُلــفـــةٍ  لـِتــفــرُّقِ                شَتاتـاً وإن ضنّـا وطــالَ التَّعـاشُـرُ

فــلا يبـعـدنَّ اللهُ يـــا تـــوبَ هـالـكـاً             أخا الحربِ إن ضاقتْ عليه المصادرُ 

فأقسمـتُ لا أنفـكُّ أبكيـكَ مــا دعــتْ      عـلـى فَنـنٍ ورقــاءُ أو طــارَ طـائـرُ

  وممَّن قلن شعراً في الفخر الخِرنق بنت بدر وهي شاعرة شهيرة في الجاهلية وأخت الشَّاعر طَرَفة بن العبد لأمِّه. توفِّيت نحو عام 50 قبل الهجرة حوالي 574 ميلادية وقيل 570 ميلاديَّة. قالت تفخر بزوجها بشر بن عمرو وأصحابه:

لقد علمتْ جديلةُ أنَّ بِشراً     غداةَ مُربِّحٍ مرُّ التَّقاضي

غداةَ أتاهمُ بالخيلِ شُعثاً      يدُقُّ نُسورَها حدُّ القِضاضِ

عليها  كلُّ أصيدَ تغلبيٍّ         كريمِ مُركَّبِ الحدَّينِ ماضي

بأيديهم صوارمُ مرهفاتٌ     جلاها القَينُ خالصةُ البياضِ

وكلُّ مثقفٍ بالكفِّ لدنٍ        وسابغةٍ من الحَلَقِ المُغاضِ

فغادرَ معقِلاً وأخاه حصناً    عفيرَ الوجهِ ليسَ بذي انتهاضِ

  ولعاتكةَ بنت عبد المطَّلب عمَّة الرَّسول محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم أبيات في الفخر بانتصار كنانة وقريش على هوازن في يوم عكاظ، وهو يوم معدود من أيَّام حرب الفجار في الجاهليَّة. تقول عاتكة:

سائلْ بنا في قومِنا            وكفاكَ من شرِّ سماعُه

قيساً وما جمعوا لنا          في مجمعٍ باقٍ شناعُه

فيه السِّنوَّر والقنا             والكبشُ ملتمعٌ قناعُه

بعكاظَ يُعشي النَّاظرين     إذا همُ لمحوا شعاعُه *

فيه قتلْنا مالكاً                  قَسْراً وأسلمَه رعاعُه

ومجندلاً غادرنَهُ             بالقاعِ تنهشُه ضباعُه.

وكفى بالعرب فخراً أن تكون نساؤهنَّ عُرُباً مُعرِبات.

* الأصل (لمحوه) وحُذفت الواو للضَّرورة، وأصل الكلام: يُعشي النَّاظرين شعاعُه إذا لمحوه.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply