
زياد طارق
توطئة
الشباب تلك القوة العظيمة التي إذا أُرضيتْ حولت صخر الجبال إلى أنهار من ذهب، وإن أُغضبتْ حولته إلى حمم تُحرق مَنْ يقف في طريقها، فطموحاتهم لا يُمسكها حدَّ الحصار الاقتصادي ولا الآفاق الضيقة للظالمين، فهم ينشدون التغيير نحو مستقبل يُرضي طموحاتهم المستدامة بدوام الحياة.
هكذا هو (سهيل) شاب لم يقبل على نفسه أن ينصهر في بوتقة ضيقة كضيق آفاق الأنانية والتسلط، فكانت طموحاته تتراءى للظالمين كأنها الرصاص، فطاردوه ليكبحوا جماح تلك الجذوة التي تنبض في قلبه، فلم يستسلم ولم يُذعن حتى في أحلك الظروف، فكانت (نجيّة) تلك الفتاة التي آلمتها سياط الجلادين، لكنها بقيت كما الشمس شعلة تنير الظلمات، فكان لقائها بـ (سهيل) دفقاً يشدُّ عزيمته ويَسقي شعلتها بإصراره على مواصلة النضال لأجل طموحاته المشروعة.
انطلق سهيل مسرعا نحو الأزقة الضيّقة المتعرجة، لعلّه يتخلص من سيل الإطلاقات النارية التي كانت تلعلع خلفه، ويخطف أزيزها سمعه فينعطف في اتجاه مغاير فتسبقه متشظية في طابوق الجدران المتهرئة لتصنع أقواسا من جمر ما يلبث أن ينطفئ أمامه.
زقاق يفضي إلى زقاق وخطوات لاهثة تتبعها خطوات، يعدو خلف مكان آمن تحمله اليه قدماه على غير موعد أو اتفاق.
أصوات من بعيد: دخل من هنا لا تدعوه يفلت منكم.
كأنّ الرصاصات كلاب صيد تزجرها الكلمات فيزيده سماعها خفة تذكي عنده سرعة المبادرة نحو أمان كان يحسه بشعور غير مألوف عندما عرج إلى زقاق لا يكاد يسمح بمرور شخصين، تظلله الأبنية المتجاورة المتلاصقة في بعض الأحيان.
قال في نفسه: إنه مغلق ولا يفضي إلى أي مكان.
كانت نهاية الزقاق جدارا عاليا تطل منه شناشيل(1الشناشيل: تسمية عراقية لنوع خاص من الشبابيك تكون كبيرة مصنوعة من الخشب المحفور بزخارف نباتية وهندسية توضع في الطابق الثاني من الدار مطلة على الزقاق او اشارع وتكون ناتئة عن البناء بمقدار 70 سم تقريبا.) متداعية ، في وسطه باب خشبي ضيق تلقاه بيديه من فرط سرعته ثم استدار نحو مدخل الزقاق. همّ بالرجوع، سار بضع خطوات متوجسا، فاجأته الاطلاقات وهي تخترق الجدران أمامه، عاد إلى مكانه متحيرا، أسند ظهره إلى الباب الخشبي الضيق، رفع طرفه للأعلى لعله يستطيع إن يتسلق لكن دون جدوى فالجدران عالية وما من سبيل إلى ذلك.
ساد صمت رهيب للحظات فكر فيها إن يطرق الأبواب، تعالت الأصوات:
من هنا، من هنا.
لقد سار بهذا الاتجاه.
وفجأة أحس بضربة على كتفه ويد أمسكته وسحبته إلى الخلف بقوة فسقط متمدداً على ظهره وبحركة سريعة شهر مسدسه الفارغ وسط ظلام أفقده التعرف على ما حوله، لم يتحرك أو يبدي شيئا، وأخذه الصمت والسكون المرعب.
لا تتحرك. (سمع نبرات خافتة حذرة وشعر بأنفاس متعالية مكتومة على مقربة منه، استدار ناحيتها، لم يستطع إن يميزها فعاد إلى سكونه مسلما امره لقدر مجهول. (
اين ذهب؟ فالزقاق مغلق، أيكون قد سار في الاتجاه الآخر؟ (سمع الأصوات من خلف حاجز الظلام الذي يلفه من كل جانب).
قلت لكم لا تدعوه يفلت منكم، إنه يحمل سلاحا، ماذا لو فاجأنا من زاوية؟
أحس سهيل ببرد الحديد بين يديه فتمسك به وهو ينصت إلى النبرات الخافتة: خذ، إنها محشوة)، قال في نفسه أنها بندقية).
كانت عيناه قد بدت تعتاد الظلمة والأشياء تتمثل عنده أشباحا، صوب البندقية نحو الأصوات، وأرهف السمع.
هيا نبحث في الازقة المجاورة وليبق اثنان منكم في المدخل، هيا بسرعة.
سمع سهيل وقع اقدامهم وهي تبتعد متراكضة، فجلس والبندقية بين يديه متفحصا المكان الذي حل فيه فجأة على غير موعد، بانت أمامه خطوط الضياء العمودية والافقية من خلال الشقوق وسط الباب.
-الحمد لله لقد ذهبوا، هيا قم لندخل إلى الغرفة الأخرى فقد يبدأ التفتيش بين لحظة وأخرى.
لقد كانت دهشة سهيل عظيمة أنسته شيئا من حدّة الموقف الذي مرّ به، أنها أمرأه! هذه التي أنقذته وسحبته إلى داخل بيتها وأعطته بندقية، يا لها من شجاعة. رُفعت الستارة المفضية إلى صحن الدار فأمتلأ المدخل بضياء أفقده بصره للحظات.
-هيا اتبعني واحذر من إن تظهر صوتا، ففي علمهم إن البيت لا يسكنه أحد.
كانت نجية في العقد الثالث من عمرها، تتشح بالسواد من رأسها إلى قدميها ووجها الأسمر التعب يفيض حزنا لا تبدده الدموع ولا العويل كما اعتادت النساء، صعدت قدامه إلى غرفة في الطابق العلوي، فتحت بابا يُشبه خزانة الملابس وأشارت اليه أن:
أدخلْ، هذا مكان لا يعرفه أحد.
سهيل: هنا في خزانة الملابس؟
نجية: تعال وانظر أولا، وإن كانت خزانة ملابس؟ أليست أفضل من رصاصات تُلهب صدرك؟
مد سهيل رأسه داخل الخزانة فشاهد من بين الملابس المعلقة غرفة خشبية صغيرة تضيئها خطوط الشعاع المنبعثة من خلال الزخارف، انحنى قليلا وخطا إلى الداخل لم يستطع إن يقف مستقيما بداخلها فبقي منحنيا متفحصا، وجد وسادة ومفرشا متواضعا يعلوه الغبار والفتحات التي يدخل منها الضوء تمكنه إن يرى الزقاق المحاذي للبيت، ومن الجانب الآخر تشرف على أرجاء صحن الدار، إنها اشبه ما تكون بمخبأ للمراقبة.
نجية: ها؟ أعجبتك؟ انزل أولا لتغسل وجهك ريثما آتيك بشيء تأكله. نزل سهيل دون كلام فقد وجد أن هذه المرأة على دراية بما تفعله.
عاد إلى برجه المخفي بين الزخارف وانحناءات الأقواس التي تلف المكان، فجلس مسندا ظهره إلى الوسادة الملقاة في زاوية المخبأ فتطاير غبار لامع كأنه أنابيب يتدفق من خلال الفتحات الخشبية في الشباك الصغير، أحس برغبة شديدة للنوم العميق لعله يستعيد شيئا من نشاطه، ويلقي عن نفسه بعضا من احمالها.
جاءته نجية بقدح من الشاي وصحن اللبن الخاثر وكسرات خبز.
نجية: تفضل، لابد إنك جائع، وهذه البندقية ضعها جانبا فلربما تحتاج اليها.
سهيل: وأنت؟ (وهو ما زال ممسكا بالبندقية والطعام).
نجيه: هه، لا تُشغل بالك، مرتّ عليَّ ثلاث ليالٍ على هذه الحال. (ثم أغلقت الباب ونزلت).
لم يكن سهيل ليستطيع أن يترك لنفسه حرية النوم أو الراحة، فقد كانت أحداث يومه تتقافز إلى ذاكرته فينهض مرعوباً يتفقد الزقاق وصحن الدار، وأضواء النهار التي بدأت تسحب خيوطها المنسدلة عبر الأنجم الخشبية في الشباك، لذا لم يتفاجأ حينما طرقت نجية الباب:
نجية: هيا لقد حل المساء.
سهيل: (وهو يفتح باب الخزانة على ضوء الفتيل الذي كانت تحمله) نعم إنه الليل، سأخرج حالاً، من الممكن أن يتسلل المرء عبر ظلام الأزقة.
نجية: في هذا الوقت تود الذهاب؟
سهيل: ماذا اذن؟
نجية: الطرقات الآن أكثر خطورة من النهار، وظلام الأزقة ربما يخفي بين طياته ما تخشاه وتحذر منه.
سهيل: ولكنك في البيت وحيدة، ووجودي قد يجلب لك المتعب.
نجية: (وضعت الفتيل الخافت على الأرض وجلست مستندة إلى الجدار) لا أظن أن أحدا يعرف مكانك، ولا تشغل بالك من ناحيتي، وعلى كل حال بإمكانك إن تغادر إذا رأيت أن ذلك يخدمك.
سهيل: (سار باتجاه باب الغرفة، نظر نحو السماء، كانت النجوم قد بدأت تجتمع متحاورة ولصدى حديثها لمعان يزداد حدّة، ثم عاد نحو نجيّة) الحقيقة أنا ناظر اليك إن لم يكن في بقائي حرج عليك، انتظر حلول السحر وإلا.
نجيّة): مقاطعة) حسنٌ هذا أفضل انتظر. (ثم قامت تتلمس طريقها إلى الطابق الأرضي).
جلس سهيل على الأرض يتأمل الضوء البرتقالي الخافت المنبعث من الفتيل الذي أوقد أفكاره فراح يحدق فيه، ولم يعلم بوجود نجيّة أمامه إلا بعد إن اخبرته أنها سمعت أصواتا تأتي من الزقاق فانتفض من مكانه واقفا وأخرج بندقيته من الخزانة قائلا:
ابقي أنت هنا (متجها نحو الباب) أطفئي الفتيل.
نجية: (بعد إن أطفأت الفتيل) سآتي معك فأنت لم تتعرف على المكان بعد.
سهيل: لا، هذا شأني أبقي أنت هنا، أرجوك (ثم نزل يطوي عتبات السلم بخفة وهو يصغي لكل صوت حتى أنفاسه وضربات قلبه، أقترب من الباب حينما سمع دقات متلاحقة، ويده قابضة على بندقيته بقوة).
-صوت من خارج الدار: أنكسر الباب؟ لا أحد يفتح.
-لا يوجد أحد في هذا البيت فمنذ أيام ونحن نجوب هذه الأزقة في الليل والنهار.
-لعلهم في الداخل مختبئون؟
-لم يخرج أحد منه أو يدخل ولم نسمع صوتا أو نرى بصيصاً، لا نريد إن نبدد وقتنا، هيا.
-لنأتي بقوة وندخله من أسطح البيوت المجاورة.
-هيا نفتش الزقاق المجاور.
انطلق سهيل إلى نجيّة بعد أن سمع وقع أقدامهم على الأرض تبتعد، فوجدها تشرف على صحن الدار وفي يدها مسدس صوبته نحو الباب.
سهيل: لقد ذهبوا، وقد يقتحمون البيت عبر السطوح المجاورة.
نجيّة: كل ليلة يطرقون الباب على هذا النحو.
سهيل: ما العمل اذن؟
نجيّة: لقد أغلقت المنافذ جيدا، ولو اضطررنا سننزل إلى السرداب (ثم دخلت الغرفة وأعادت إشعال الفتيل).
سهيل: أخشى أن يتسرب الضوء إلى الخارج عبر النوافذ.
نجية: لا تخش شيئا بيتي محكم، أجلس هنا وهدئ من روعك سآتي بشيء نأكله.
جلس سهيل وقد وضع بندقيته في حجره مرهفا سمعه وهو يغالب أفكاره لئلا تشغله عمّا حوله، سمع خطوات نجيّة المتوجسة الحذرة وهي تصعد السلّم لتضع بين يديه شيئا من الطعام، جلست إلى زاوية من البساط تحدق في ضوء الفتيل وهي تلوك الخبز المرطب باللبن الخاثر وترشف الشاي من الفنجان الذي احاطته بإنمالها وعيناها مشدودة إلى الضوء وكأن بصرها قد شدُّ إلى فتيل المصباح، أما سهيل فقد كإن يرشق المكان حوله بنظرات فاحصة حذرة، نجية الفتيل، باب الغرفة ويرفع هامته لينظر إلى صحن الدار.
سهيل: كيف صبرت على البقاء وحدك في هذا المكان الموحش؟
نجيّة: الوحشة في الخارج، هنا أمان.
سهيل: ربما يراودني هذا الإحساس كوني غريب.
نجية: ( (هزت رأسها مجيبة) نعم ، الليل كفيل أن يبدد خوفك ، دع عنك هذا وأكمل طعامك.
سهيل: (وهو يرشف الشاي) هل أنت وحيدة؟
نجيّة: وكيف تراني؟
سهيل: أقصد في غير هذا الوقت؟
نجيّة: تقريبا وحيدة، لي أم مسافرة، وقد منعتها الأحداث من العودة.
سهيل: وهل أنت. (مترددا في السؤال وقد ركز نظره إلى أناملها) عفوا، أقصد. هل؟
نجية: (مبادرة) تقصد متزوجة؟
سهيل: عفوا للسؤال، لا أود التدخل، ولكن.
نجية: (مقاطعة) لا بأس، كنتُ، ولكنه لم يدم طويلاً.
سهيل: أنا اسف.
نجية: لم نكمل شهرا واحدا (بان في عينيها شرود وسكنت قسماتها كأنها تتحدث بلا وعي) لم يصبروا عليه حتى أني لم أره منذ أن فارقني، فقط أخبروني إنه مات. (انسابت دمعة لامعة بوهج نار الفتيل على خدها لم تستطع إن تخفيها).
سهيل: آه (ضجرا لائما نفسه) ما هذا الذي فعلته؟ أفي هذا الوقت أُثير أحزانك؟ إنا آسف أرجوك فلنغير الحديث.
نجيّة: أيجدي نفعا؟ صمتي كلمات مسموعة تثقلها أخبية الدار شجونا، يجمعها الليل وفود حزن تتسامر على مائدة القمر المضيّاف، أو تدعوها تلك النجمة لتعقد جلسة مواساة، يا هذا الليل غطيني واشبعني حزنا واسقيني وتفرّس فيَّ طويلا حتى تلقيني جسدا لا يعرف إلا طعم الحزن (ثم اردفت قائلة (أتصمت الكلمات؟ أم يلقي الليل وشاح الحزن؟
سهيل: ولكن، حزنك تحول إلى شيء مثمر، وهذا غير معتاد، أقصد هذا شيء حسن، لم تبقيّ عند حدود الدمع، بل صار نشيجك مشكاة تضيء دروب الأحرار، وهذي منك شجاعة، مَنْ تقدر أن تفعل ذلك؟ قليلٌ وحياتك قليل، أنت الآن طوفان يبحث عن ثغرة.
نجيّة: في الليل أبحث عن نجم أفلت من قيد الافلاك أو جرمٍ لم يكمل دورته بعد حول الشمس، أُمسكه، أنطلق على راحته أخترق زماني الموجع ألج الأعماق الشفافة حيث لا قبل ولا بعد أرضيٌّ، لا شرقٌ أو غربُ، معراج نحو اللا قيد أو شرط، هنالك في تلك الأكوان تتهافت أحزاني وتحترق وأغسل جراحي بماء تشتاق اليه الأموه كي تتطهر (انتبهت فزعة من تداعياتها على طقطقة بندقية سهيل وهو يضعها إلى جنبه على الأرض، وعندما شعر إنه قطع عليها حديثا كانت تلفظه من أعمق اعماقها، ابتسم لها معتذرا، ثم استأنفت) قائلة:
ياه، ما أسرع مسرايَّ وإيابي، أصل إلى اقصى مكان في نفسي، أبتعدُ، أفقد أثقال الجسد الإنساني وأتّحدُ نجما أو جرما أتخذ مدارا اهليجيا، لكني أهوي منه إلى أرضي، إلى بيتي، إلى حزني على إثر طقطقة أو همسة، صعب جدا إن تبقى الروح طليقة والحالة هذه.
سهيل: في هذي الأرض أفلاك كونية، تقيم مدارات تمسح دمع الأطفال وبؤس الفقراء، تنثر عبق الحرية، هي أرضية، لكنها في الواقع كونية تلك الأفلاك تكمل دورتها المعتادة، تبحث عن أقصر معراج يوصلها لللا قبل أو بعد، وعندما تصل، لا تقدر كل الأصوات والهمسات بل كل الأحداث أن تُنزل منها قيد شعرة.
نجية: أفلاك الأرض مفقودة.
سهيل: بل موجودة، وأنت واحدة منها.
نجيّة: أجدها، لكنها مفقودة ما تلبث إن ترحل.
سهيل: هي أفلاك، تكمل دورتها الأرضية وتعود سيرتها الأولى، لا تنقطع عنّا بل تسبقنا، إن شئنا نلحق بها أو نلبث قليلا.
نجية: لا أقدر أن أتجمل بالصبر.
سهيل: لكنك صبرتِ.
نجية: صعب جدا، أخشى أن لا أصمد.
سهيل: طويتي الأيام مداراً، وسلكتي دروب العشاق، لا وحشةَ إن كإن الدربُ طويلاً أو مقفر.
نجيّة: لكن الوحشة في فقد الاحباب.
سهيل: لا منجى من ذلك، منهم مَنْ يصبر ومنهم من يرحل سعيداً.
نجيّة: وأُعاف وحيدة؟
سهيل: أنت منهم، فلك دوّار، نجم ينشد آخر نقطة خلّفها بعده، صبرك مدار، وزمانك أشواط في دائرة السعي الوردية، حزنك والوحشة سربال الاجرام الكونية.
نجيّة: أنا منهم؟
سهيل: أنت منهم.
نجيّة: نجمٌ؟
سهيل: ومدارك يُرسل اضواءاً.
نجيّة: لم أعرف حالي.
سهيل: هذا صحيح، فذاك سبيل العشاق، تُحرقهم نار الوجد ولا جفن يطرف منهم.
نجيّة: عُشّاق؟
سهيل: نعم، عشق الشمس لرفعتها، والقمر لدورته، عشق الافلاك لمدار حلزونيٍّ يبدأ من أصغر دورة.
نجيّة: آآآآآآه، أين كنتُ قبل هذا؟ لمَ لمْ أعرف نفسي؟ (وهي تشخص ببصرها نحو السماء) طلع الفجر.
سهيل: نعم (دار طرفه في الأفق) إنه الفجر الصادق، بداية المدار أقصد الرحيل.
نجيّة: ترحل؟
سهيل: لابد من ذلك، (نهض من مكانه متوجها نحو الباب)
.نجيّة: وتعود؟
سهيل: أرجو ذلك (وهو ينزل عتبات السلّم)
.نجيّة: انتظركَ؟
سهيل: انتظريني) أوقفها على السلّم حتى لا تتبعه إلى باب الدار).
نجيّة: منذ الآن أبدأ الانتظار.
سهيل: لن يطول.
.نجيّة: متى؟
سهيل: عندما تهمس النجيمات بأضوائها (غيبه ظلام الحجرة المؤدية إلى الباب، صعدت نجية إلى الغرفة تتسمّع خطواته، استدارت نحو الشباك المطل على الزقاق، أرهفت سمعها، لكنها لم تسمع شيئا، أمالت برأسها على نافذة الشباك وراحت ترقب الطريق).
-مَنْ هناك؟ (صوت من الظلام)
-قف مكانك.
أغمضت عينيها وهي تنصت إلى وقع الأقدام الراكضة وأزيز الرصاص يخرق سكون الغبش البارد.
9/2/1998
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل