

سُئلت مرة: كيف لك أن ترسم وتصوِّر وتكتب وتقرأ بنهم وتصمِّم أبنية في أنحاء مختلفة من الأرض؟
كيف تجمع هذه كلَّها ولك الوقت الكافي للأمور والمآرب الأخرى ، أمور أخرى كالمحاضرات والمقابلات والتحكيم، وبنمط عيش صاخب جميل؟
غريب أن يوجَّه إليَّ سؤال كهذا؛ الجواب بديهيّ دون حاجة إلى دراسة سيكولوجية أو فكِّ طلاسم.
الجواب بسيط: أنا معمار فقط لا غير. العمارة مظلَّة الجمال، نمط عيش رغيد في عذاب جميل يشعرك بالعيش الكامل. عيش أكبر من الزمن المتاح. كيف لنا أن نستدين وقتاً إضافيَّاً؟
– بتمديد اليوم! وقت إضافيّ لضربات التكملة، غير الترجيح في كرة القدم، التكملة قبل هروب الفكرة، وكثيراً ما أنام مع القلم والدفتر كي أحاصر وأقبض على الفكرة أو الشطحة. وإذا لم أفعل، أقلق ويصيبني الأرق ويتشابك المنهاج ويتوتَّر المزاج ويطول المشوار.
إنَّه نمط عيش ولي شريك فيه، ولا أريد أن أنغِّص عيشه أيضاً، على الرغم من رضاه الكامل. وكثيراً ما أفشل.
هذه المقدِّمة لأجيب على سؤال مشابه: ماذا عملت في سبعين يوماً قضيتها خارج صومعتك في الجزيرة في عمَّان؟
لم أقضِ في مساري الطويل إلَّا قليلاً ومجبراً مدة كهذه خارج بيتي وبمنام غير فراشي “عذاب لكنَّه مستحَق”.
في الأيَّام الأولى التي أعقبت وصولي إلى عمَّان، دُعيت إلى تحكيم مشاريع من قبل مجموعة “ايساستين Isustain ” لتحكيم جائزة أحسن أطروحة، تعرفت فيها وتعلمت منها مواكبة فكر الشباب وبعض التقدم الحاصل في الجامعات الأردنية حيث كنت قد حكَّمت سابقاً مشاريع جريئة وعرضاً شجاعاً.
وتوالت الاجتماعات… زوَّار زملاء وزميلات من الضفَّة الفلسطينية في سبيل إعلاء التراث الفلسطيني. سأعدد ما جرى لغرض التفرغ للكتاب والمعرض، ثم مع زملاء من بيروت ثم من بغداد ومن دبي وقطر.
أعود للكتاب:
الكتاب “ما تبقَّى” من طبع ونشر دار الأديب. كتاب مواقف اتَّخذتها في مساري المعيش. مدن زرتها ولم يزرها كثير من قرَّائي وربما لم يسمعوا بها أو حتى بوجودها “مدن غير منسية” خلاف مدن كالفينو المنسية “عنون كتابه” ثم باب حول مواقف معمارية أرى أنَّ عليَّ أن أتَّخذها في سبيل الحشمة والنقد والمهنة وأصولها. ألم أقل إنِّي معمار ملتزم؟ ثمَّ فصل بأسماء أصدقاء كلٌّ ممارس بما حباه القدر من الجمال الفذ.، غير معرفين ومنسيِّين. أصدقاء أعتزُّ بهم وبمعرفتهم وبقربهم الب، ويستحقُّون التعريف بهم.
ما أثلج قلبي يوم توقيع الكتاب في قاعة (الأورفلي) في عمَّان أنَّ القاعة امتلأت جلوساً ووقوفاً، والأجمل أنَّ أكثرهم من النساء، وأنا أحبُّهنَّ كثيراً، والشباب. الطُّلَّاب بهجتي في العيش المعماري. طيور تغرِّد وتزورني في عمَّان كلَّ يوم تقريباً. أحدهم، أحمد حسنين الإبراهيمي، طالب عمارة في الجامعة الألمانية كتب باللغة الانكليزية قصيدة عصماء شكسبيرية النَّفَس. ” زيد عصام” تبرَّع بالذهاب إلى بغداد ليبحث في مشروع كنت قد قمت به في الثمانينيات من القرن الماضي وعاد يقدم لي تقريراً مصوَّراً مفصَّلاً عن العمل.
نعود الى المعرض:
كتابي الأوَّل “نوستوس في 2012 ” أرفقته بمعرض للتعريف بالكاتب وشطحاته. وكان الموضوع الرقص الحديث ” الباليه” أي غير الردح والهز. بالمناسبة، في كتابي الجديد موضوع مطوَّل عن تناسق أعضاء الجسم. لم أقم بعمل مصاحب في توقيع باقي الكتب: التوبوس والذروموس أو السرد البصري أو خواطر رسائل وجدان. في هذا المعرض تراكمت عندي تخطيطات تجريد بين الأرض والسماء في إنشاء ضوئي. تجارب نتج عنها قرابة ألف موضوع أضع بعضاً من آخرها في هذا النص.
حتَّى الآن لا أعرف ردة فعل المتلقين سوى الضياع بين الألوان والكلمة. كان التقديم وفراً من صديقين عتيقين: الشاعر الصديق فاروق سلُّوم والصديقة الفنانة سعاد الأمين من بيروت.
ثمَّ عدت الى الجزيرة بهدايا شحنتها في صندوق، أحدها اعتزُّ به من عمل اثني عشر فنَّاناً ورأس جميل نحته الفنان الأردني الكبير حازم الزعبي. وكتب عدة من سيدة الكلمة لطيفة الدليمي ومن الدكتور حسنين الإبراهيمي ومن هيثم فتح الله.


