الذَّاكرة والفضاء النَّصِيّ

من سُلطة المفهوم إلى أنساق التَّداول

عبد السَّلام دخان

    الذاكرة أرض مشتركة لكنها لم تعد اليوم استعادة معرفة سابقة كانت تمتلكها الروح تبعاً لمنظور أفلاطون، ولم تعد الذاكرة بالقداسة التي ميزت حقبات سابقة كما يشير إلى ذلك “خورخي لويس بورخيس Gorge Luis Borges” (1خورخي لويس بورخيس شاعر وقاص ومترجم، من أهم أدباء أمريكا اللاتينية، ولد في بوينس أيرس عام 1899 ودرس بأوروبا. ذاع صيته في مجال الأدب وفاز بجوائز عالمية رفيعة وترجمت أعماله إلى جلِّ اللغات العالمية، توفي عام 1986 في جنيف.) في الكثير من أعماله السردية وحواراته. الذاكرة تواجه بالنسيان، وإشكال كيفية استعادة الأثر الوجودي أو الإحالة الزمكانية. في السياق ذاته يؤشر العمل الجاد الذي أنجزه الدكتور عبد الرحيم جيران الموسوم ب”الذاكرة في الحكي الروائي” الإتيان إلى الماضي من المستقبل فرصة للتفكير في مرجعيات المفهوم وأنساقه المختلفة سواء مع التاريخ والمتخيل والتخييل الذاتي، أو مع اللغة والعقل.2عبد الرحيم جيران، الذاكرة في الحكي الروائي/ الإتيان إلى الماضي من المستقبل، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2019، ص 10

هل يمكن تحرير الذاكرة من سطوة التاريخ؟ وهل يمكن القول إنَّ النسيان سلطة فعالة لتقويض الذاكرة بالممكن ومساحات الاحتمال بوصفه مرتبطاً بالراهن ضد مادية الماضي؟ وهل يقتصر مفهوم الذاكرة على التاريخ والسرد والشعر، أم إنَّه يرتبط بالأشكال التعبيرية والبصرية كلِّها؟ وكيف يمكن التوجه نحو الذاكرة؟

إنَّ التباين بين المنطلقات المنهجية ورحابة الأثر يجعل من هذا الإشكال منفتحاً على أنساق مختلفة لكن حمولة الموضوع ترتبط بالحيز الزماني لتكون هذه الرُؤى ومحمولاتها المرجعية بما يجعلها تنهض في اتجاه جغرافيات متعددة أهمها جغرافية السرد الروائي. والتوسل بمفهوم الذاكرة يؤشر على رغبة في الإنصات ومراجعته في اتصال مع مرجعياته المختلفة بغية إنتاج مقاربة للذاكرة كمفهوم وإنجازاته النَّصِّيَّة في الأنساق السردية الحديثة سواء في المتن السردي العالمي أو العربي أو المغربي. وقد يكون هذا الطموح  مرتبطاً بتاريخ الذاكرة، لكنه يرتبط في الآن وقته بنزعة علمية من خلال ملامسة مشهدية الذاكرة في الأثر السردي.

الذاكرة ليست نقيضاً للنسيان الذي عده موريس بلانشو قوة مساهمة في بناء الذاكرة (النسيان هو ضوء الذاكرة. العتمة، التي إليها تدخل الأشياء، وهي ما يحيي الذاكرة ويؤمِّن ضوءها). إنَّه بذلك عتمة مضيئة ساهرة على الخبء. شبَّهه بلانشو في سياق حديثه عن ” الذاكرة الناسية” ب”شمس تنعكس أشعتها على الذاكرة”3خالد بلقاسم، من الذاكرة إلى النسيان من أجل ذاكرة تنسى، كتاب الذاكرة والشعر، تأليف جماعي من منشورات بيت الشعر في المغرب، الطبعة الأولى 2016، ص33

الذاكرة وفق هذه الأنساق تعيد تشكيل الذات وفق استراتيجية الكتابة لتجنبها العدم، ولا  تصبو إلى تقييد الكتابة وسدِّ أفقها بتكريس الماضي بل بكتابة تنحاز إلى فعل الكينونة في امتداد زمني لا يرتبط بمدائح الذات بقدر ارتباطه بفراديس الكتابة ومباهجها فيما يشبه السير الحذر في الأرض المظلمة.

  1. سلطة المفهوم

    الذاكرة لدى أرسطو جزء من ملكة الإدراك الحسي ف “من البديهي الاعتقاد بأن الانطباع الذي ينشأ عن الإحساس في النفس وفي ذلك الجزء من الجسد الذي يدرك الإحساس أشبه ما يكون بنوع من الرسم، وبأن إدراك ذلك الانطباع هو الذي يمثل بالضبط ما يسمى بالذاكرة. إنَّ الحركة التي تحدث حينئذ تطبع في النفس صوراً حسِّيَّة شبيهة بالخاتم المطبوع على قطعة من الشمع” (4)سلطة مفهوم الذاكرة تبرز بشكل أساسي في محاورة “الفيدون” ومحاورة “جورجياس” حيث نجد أنَّ الذاكرة ذات ارتباط بالمحسوس من جهة، وهي بذلك تكاد تكون غير زمانية لأنَّها ترتبط بالتذكر المعرفي، ومن جهة فالذاكرة ترتبط بالحدث الحسِّيّ كما يعيشه الأفراد وبموجبها يستعاد الغياب من خلال الحضور.4المرجع السابق(1)، ص 25

الذاكرة لدى أرسطو وثيقة الصلة بالماضي وبالصيرورة الزمانية، بيد أنها والحالة هذه ظلت مسجونة في فعل التذكُّر وغير قادرة على الانخراط في الحاضر كانفتاح وفاعلية في الزمن وفي التجربة الإنسانية هذا الاضطراب الزمني ربما يحتاج إلى مقاربات تتجاوز الرؤية التاريخية للذاكرة لترصد ما يتحقَّق منها في الممكن والمحتمل.

الذاكرة لدى “سانت أوغسطين St.Augustine”5القـديس أوغسطين Saint Augustin، اسمه اللاتيـني أوريليـوس أوغسطينـوس Aurelius Augustinustinas، لاهوتي من آباء الكنيسة اللاتين، يعد رائداً للفلسفة المسيحية في العصر الكنسي الذي يمتد من القرن الثاني حتى القرن السادس الميلاديين. تأثر بالمذهب الريبي (الشك) ثم مال عنه إلى الأفلاطونية المحدثةوانتقل من الشك إلى اليقين أي الإيمان، فاعتنق المسيحية سنة 386، وتعمَّد سنة 387 في ميلانو ثمَّ قفل عائداً إلى رومة ثم إفريقية حيث سُمِّي راهباً، ثم أسقفاً لمدينة إيبونا (عنابة اليوم) عام396.. دليل على الديمومة والخبرة بالزمان لذلك ربط بين أثرها والوعي الإنساني. وقد عمل الفيلسوف الإنجليزي “دافيد هيوم  David Hume”على ربط الذاكرة بالمعرفة في البعد الوجودي والبعد الأخلاقي  لتشيد مسكنها ارتباطاً بالتخييل. وقد اتسم الرهان على إعادة الاعتبار للذات الإنسانية في الفكر والأدب المعاصر بالرغبة في التخلص من النزعة المادية، ويمكن عد الجهد الذي قدمه “هنري برغسون  Bergson Henri”6هنري برغسون ( 1859- 1941)، فيلسوف فرنسي حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1927، ويعد من أهم الفلاسفة في العصر الحديث، كان نفوذه واسعاً وعميقاً فقد أذاع لوناً من التفكير وأسلوباً من التعبير تركا بصماتهما على مجمل النتاج الفكري في مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي، وحاول أن ينقد القيم التي أطاح بها المذهب المادي ويؤكد على أهمية الروح. من مؤلفاته: ،محاولة في الوقائع المباشرة للوجدان،المادة والذاكرة،التطور الخلاق،الفكر والمتحرك،الضّحك، الطّاقة الرّوحيّة. لبنة رئيسة من لبنات الاهتمام الفكري بالذاكرة وما يتعلَّق بها، فقد عدَّها “برغسون” ظاهرةً نَفسية، وميَّز بين نوعَيْن من الذاكرة : الذاكرة العادية وهي المكتَسَبَة بالتكرار والمرتبطة بالجهاز العصبي والتي تستعيد الماضي بطريقة آلية بحتة، والذاكرة المَحـْضة التي تَختزن الماضي وتَحيا في دَيمومة مستمرة. إنَّها ذاكرة النَّفْس التي تُصَوِّر الحوادث الذهنية وتحتفظ بخصائص الأشياء وتاريخها.

” تعرف الذاكرة- إذن- عند “برغسون” بواسطة ما تحتفظ به من تمثيلات وصور مشتقة من الأفعال. ومن ثمَّ، فالذاكرة لا تشتغل إلَّا في هيئة ممتدة منقطعة، وتأخذ في الأغلب هيئات سيناريوهات، ولها صلة بالأنا من حيث هي هوية متصلة في الزمن، فكل تمزق أو انقطاع في امتداد الأنا تترتب عليه مشكلات في مستوى التعرف الذي يعدُّ وظيفة من وظائف الذاكرة: تعرُّف الذات نفسها وتعرُّفها العالم أيضاً.”7المرجع السابق(1)، ص 34 والوعي بأهمية الذاكرة لا يرتبط بطابعها العملي حسب تبعاً لتصور الفيلسوفة البريطانية  “مري ورنوك  Mary Warnoch”8ميري ورنوك فيلسوفة بريطانية ولدت عام 1924 واهتمت بفلسفة العقل كأستاذة بجامعة أوكسفورد. زاوجت في كتاباتها بين الفلسفة الوجودية والتحليلية المنطقية. ينظر كتابها” الذاكرة في الفلسفة والأدب”. مادامت لغة العقل والوعي قاصرة عن معالجة مفهوم الذاكرة بوصفها سمة للأشياء الحيَّة. الفيلسوفة “مري ورنوك” تفرِّق بين العقلي والمادي وترى أنَّ الذاكرة ” يجب أن تتضمن إدراكاً بحدوث تجربة تتعلق بالتذكر. هذا النوع من الذاكرة هو النوع الإنساني بشكل فريد، وهو موضع تقدير بوصفه كذلك. وبموجب هذا السياق فإنَّ تجارب الذاكرة هي ما يجب أن يثير اهتمامنا، وتعلم مهارة ما وليس تجربة.”9ميري ورنوك، الذاكرة في الفلسفة والأدب، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2007، ص 21-22

  1. الذاكرة وأنساق التداول:

أ. الرواية وثقل الذاكرة:

شكَّل الفضاء أحد أهم العناصر الجوهرية في السرد الروائي من خلال ترتيب الشخصيات وتشغيلها سردياً في اتساق مع البناء الدرامي للعمل السردي، ولا تتحدد وظيفة الذاكرة في جل الأعمال السردية في منح الشخصيات مساحة للفعل السردي، بل في انتقالها من التمثلات البسيطة إلى مكون جوهري ينهض بتأزيم الأحداث وتقديم رؤى مختلفة للفضاء والشخصيات والفعل الإنساني بأبعاده الاجتماعية والنفسية. نستحضر في هذا السياق رواية Q841 للروائي الياباني “هاروكي موراكامي” التي تشيِّد تناصَّاً مع الذاكرة السردية وعلى نحو خاص رواية 1984 للروائي البريطاني”جورج أورويلGeorge Orwel “، مع استبدال  الرقم 9 بحرف Q  كتقنية ترتبط بشفرة يتوجَّب على المتلقِّي إيجاد حلٍّ لها في متنه السردي الذي يكشف طبيعة فن العيش والاختلالات الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع الياباني المعاصر. الذاكرة تتحوَّل بثقلها ووفق أنساق منطوقها إلى إدانة للتحولات الاجتماعية والاستراتيجيات السياسية، وقد استطاعت الرواية أن تعبِّر عن هذا الثقل بخاصَّة مع الروائي الكاتب الياباني يوكيو ميشيما10ولد هيراوكا كيميتاكي (1925 -1970) بمنطقة يوتسويا بطوكيو، وكان أبوه كانازو ساهيروكا موظفاً حكومياً، نشأ بعيداً عن أسرته، فقد قضى طفولته بجانب جدته ناستوا. لكنه عاد لأسرته في سن 12 سنة وبدأت تظهر مواهبه الأدبية. تأثَّر بكتابات الغربيين أمثال أوسكار وايد ورينير ماريا ريلكا، غير أن والده العسكري في طبعه منعه من كتابة القصص، لكن ميشيما استمر في الكتابة سراً. اضطر للاستقالة من عمله في وزارة المالية ليتفرغ للكتابة الأدبية ليمثِّل الثقافة الغربية من خلال مفهوم الجسد الذي يعد موضوعاً جديداً في الثقافة اليابانية، وكان في حياته شبيهاً بأندريه جيد. وربما كان هذا السبب هو ما دفعه لكتابة «اعترافات قناع». لميشيما ولع كبير بالسينما فقد شارك في فيلم «الخائف من الموت» للمخرج الياباني ياسوزو ماسميورا، فضلاً عن أدائه لأغنية فيلم «يوكاكيو». كما أنه أنجز فيلماً خاصاً به مثَّل فيه دور البطل الساموراي الذي يقتل نفسه، غير أن زوجته لم تعمل على إخراج الفيلم إلى حيز الوجود بعد رحيله. الذي تشبَّع منذ ولادته بأفكار اليابان المجروحة التي تعرَّضت لقصف نووي مارسه الأمريكيون ضد السُّكَّان المدنيين في هيروشيما وناغازاكي عام 1945. ميشيما المزوَّد بإرادة الساموراي تغلَّب على ضعفه الجسدي على نحو ما يسرد في «اعترافات قناع» وزاول تمارين قاسية أهَّلته لامتلاك جسد المحارب تزامناً مع دعوته للعودة إلى جذور اليابان وشخصيتها الإمبراطورية المستقلة. وكان قد رُشِّح لجائزة نوبل ثلاث مرات، على غرار عرَّاب الأدب الياباني ياسوناري كواباتا11ياسوناري كواباتا صاحب روايات ساهمت في التعريف بخصوصية الأدب الياباني، ومنها رواية أستاذ «غو» من ترجمة صبحي حديدي، الصادرة عن دار الفارابي ببيروت في طبعتها الأولى سنة 2007. وقد وصفها ياسوناري كاواباتا برواية الوقائع الأمينة.وصف فيها مباراة «غو» جرت سنة 1938 وحضرها بنفسه وغطاها لصحيفة «ماينيش». وحمل في روايته اسم أوغامي الصحافي. وهي رواية تصف أسلوب أوتاكيه في الجلوس والنهوض، أي أنها رواية تكشف عوالم المجتمع الياباني في كثير من تفاصيله اليومية. المتوَّج بنوبل الذي وصف ميشيما بالرجل الذي قلَّما تلد النساء مثله.

يوكيو ميشيما الذي يُعَدُّ الأثر الأدبي الأبرز في القرن العشرين حسب تعبير الأكاديمية الفرنسية “مارغريت يورسنارMarguerit Yourcenar” كان ضحية لثقل الذاكرة؛ لذلك دافع عن الأخلاق اليابانية بقوة، وقاد ثورة التطهير بمعية رفاقه في جمعية درع (تيت أي كاي) حيث أسَّس جيشاً خاصاً من مئة شاب لإحياء بوشيدو، الساموراي تمجيداً لوطنية اليابان الإمبراطورية. وعمل ميشيما في عمله الثاني «الجياد الهاربة» على تقديم صورة دقيقة لليابان وفق الأنساق الزمنية لذاكرةٍ في ثلاثينيات القرن الماضي بكل الاضطرابات والتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية. هذا المنظور السردي الحامل لكتل سردية سوداء تتساوق مع كتل الغموض والسحر والجمال جعل الجزء الأخير من رباعيته الموسوم بـ”سقوط ملاك” يحمل رؤية وجودية لشخصيات الرواية ولموته المؤجَّل، ذلك أنَّ الرواية كتبت بعد أن اتخذ ميشيما قراره الصارم النهائي بالموت المجيد بعد أن ترك ستة وثلاثين مجلَّداً. وهذه المرجعية المؤطِّرة لبنية الكتابة السردية في هذه الرباعية وفي «سقوط ملاك» بشكل خاص هي التي جعلت تفاصيل السرد مفعمة بدرامية مؤثرة، لا سيَّما مشهد لقاء “هوندا ب”ساتوكو” بطلة ثلج الربيع، ومشهد انتحاره في الفناء الداخلي للمعبد. كان آخر ما رآه “هوندا ساتوكو” مرتدياً الزي الأبيض في قوام شاحب وقد انسدل عليه الكيمونو الأبيض والعباءة الأرجوانية القاتمة. ولأن الذاكرة مثل مرآة شبحية، بتعبير “يوكيو ميشيما”، فإنَّ الموت هو ما يحقِّق القدرة على التخلص من الحضور الجزئي وشحذ الحواس لصالح الحضور في جوانب عدَّة من الكون. كان”ميشيما” مثل بطله الأثير “هوندا” لا يندفع في طريق تحقيق حلمه بالطبيب برغم ما كان يعانيه من آلام لأنَّه كان يفرِّق بين ألم الروح وألم الجسد. وكان يستحضر طقوس الموت البطولي حتى في حديثه عن طقوس الحب الأكثر قداسة لديه. وتكشف خطبته الأخيرة أمام صفوة من الضباط (ثلاثة آلاف ضابط ياباني) كرهه مظاهر الاغتراب وتمجيده الجيش الإمبراطوري وذكرى الأسلاف من حاملي سيوف الساموراي.12حياة الساموراي تنعكس على نظام أسرته سلوكياً واجتماعياً، فإذا ولد للساموراي صبيٌّ تقام له طقوس خاصة تسمَّى «mamorigatana» وبعد بلوغه سن 13 عشر تقام له مراسيم جديدة يمنح خلالها السيف والدرع، ويمنح اسماً جديداً، ويرتدي لباس الكيمونو وهو ثوب على شكل حرف T يصل طوله إلى الكاحل وله ياقة وأكمام عريضة. يُـلَـفُّ الكيمونو حول الجسم بحيث يكون الطرف الأيسر فوق الطرف الأيمن، إلا في حالات الوفاة والدفن فيكون الطرف الأيمن فوق الطرف الأيسر، ويلف بحزام يطلق عليه اسم أوبي يربط من الخلف لإحكام تثبيته. يترافق ارتداء الكيمونو عادة مع ارتداء زوج من الأحذية التقليدية التي يطلق عليها اسم زوري أو غيتا، مع زوج من جوارب الإبهام التي تدعى تابي، ويطيل الساموراي الجديد شعره تيمُّناً بالأسلاف، وبوصفه رمزاً للشرف. وإلى جانب إتقانه فنون السيف والقتال يتقن فنون الرسم والشعر.

خرج الساموراي الأخير “يوكيو ميشيما” صباح اليوم الخامس والعشرين من شهر نوفمبر سنة 1970 واتجه صوب القاعدة العسكرية حاملاً سيفه. ترك روايته الأخيرة «سقوط الملاك» على الطاولة ولم يعد إلى بيته أبداً. وقد كان انتحاره موضع اهتمام خاص من قبل المجتمع الأدبي الياباني والغربي لا سيَّما أنَّه اختار الموت على طريقة الساموراي تمجيداً لموته وللأجداد،  بما في ذلك خطبته التي تحثُّ الضباط على العودة إلى روح اليابان الأصيلة، ليجلس بعد ذلك في هدوء مقدَّس ويشق بطنه بشكل أفقي من اليسار إلى اليمين ثم من أعلى إلى أسفل ضمن طقوس الانتحار المجيدة التي تعرف باسم السيبوكو أو الهارا كيري. امتلك “يوكيو ميشيما” إرادة الغياب من أجل ديمومة الحضور. وكان آخر ما كتب قبل أن يلج مقر القيادة الشرقية للجيش الياباني:” حياة البشر قصيرة، لكنّي أودُّ أن أحيا إلى الأبد”.

ب. الذاكرة من الفضاء العام إلى الفضاء الخاص:

     نقصد بالفضاء العام (Espace Public) المتاح للمواطن والدولة معاً تبعاً لتصور سليل مدرسة فرانكفورت “يورغن هابرماز Jürgen Habermas  ” الذي اتخذ العلاقة التواصلية منطلقاً نظرياً جديداً لإعادة بناء المجتمع والدولة على أساس حواري حجاجي عقلاني عادل وشامل.  وهو فضاء لتبادل الآراء والأفكار حسب منظور المفكرة الألمانية “حنا أرندت Hanette Arendt “، وفضاء التعايش والفعل الإنساني. ونبَّه “هابرماز” إلى الدور الذي يمكن أن تقوم به الفلسفة في الفضاء العام بعيداً عن دعاوى الشمولية كما تبلورت لدى “هيجل” و”كانط”، فهي مدعوة، بتعبيره، للانخراط في هموم المجتمع وتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان باعتماد أخلاقيات الحوار بشكل أساسي.

يحضر الفضاء العام في عديد الروايات العربية فقد شكلت الذاكرة بحمولتها الإيديولوجية مكوِّناً لتشغيل أنساق الهوية كما نجد في رواية” رجال في الشمس” لغسَّان كنفاني، أو في مدن الملح لعبد الرحمن منيف. بيد أنَّ الأنساق الجديدة للرواية استطاعت أن تكشف ما حققته الذاكرة، الثقافية خصوصاً، وانتقالها من الفضاء العام المتَّسم بهيمنة الإيديولوجية إلى الفضاء الخاص المتَّسم بالأنساق الجمالية المفتوحة على الأشكال التعبيرية، وفي هذا الصدد نستحضر رواية جيترولد13جيترولد ستاين ولدت في حي غرب أليني في بيترسبرغ عام 1874. وكانت أصغر خمسة أولاد لعائلة ألمانية الأصل مثقفة موسرة؛ فقد نجح والدها دانييل في استثمارات في شركة لوسائط النقل، وحقَّق أرباحاً كبيرة في معاملات عقارية، فكوّن ثروة. انتقل مع عائلته إلى فيينا في النمسا وباريس وعُمر جيرترود 3 سنوات. وبعد 5 سنوات عاد إلى أمريكا واستقرّ في بلدة أوكلاند في ولاية كاليفورنيا. بعد أن توفّيت والدتها سنة 1888 وتوفي والدها سنة 1891، تولّى أخوها الكبير ميخائيل إدارة استثمارات العائلة، فأحسن التدبير، وبعث بأختيْه جيرترود وبرثا للعيش مع عائلة أمهما في مدينة بالطمور. وفي سنة 1992، انتقلت لتعيش مع خالها داود باشراخ في المدينة ذاتها. وكانت تحضر أحد الصالونات الأدبية والفنية الأسبوعية.انخرطت جيرترود في كلية رادكليف في ماسشوست في المدة من (1893 ـ 1897) حيث درست علم النفس على عالم النفس وليم جيمس الذي تُعزى إليه نظرية ” تيار اللاشعور” التي يُعطَّل بموجبها العقل المستيقظ الواعي، ويتولى التسيير العقل النائم اللاواعي، أي تفضيل التفكير البدائي على التفكير المتطور المصقول، وهي النظرية التي أفاد منها في الأدب فيرجينيا وولف (1882 ـ1941) وجيمس جويس (1882 ـ 1941).في سنة 1899 التحقت جيرترود بكلِّية الطبِّ في جامعة جون هوبكنز وأمضت فيها سنتين، وبعد أن رسبت في عدّة مسارات دراسية، غادرت الكلية دون أن تحصل على الشهادة. وأثناء دراستها هناك اهتمت بالهستيريا النسائية والكتابة المَرضية.لحقت جيرترود بأخيها، ليو، وهو ناقد فني، سنة 1903 للإقامة في باريس بقية حياتها، لتلتقي بأعلام بيكاسو وخوان غريس وهنري ماتيس. وفي العشرينيّات من القرن الماضي صار صالونها الأدبي في منزلها، بجدارنه المغطاة بأروع اللوحات الفنية، نقطة جذب لكثير من الأدباء الأمريكيين والبريطانيين الذين كانوا يقيمون في باريس آنذاك. لحسن نجمي14شاعر وروائي مغربي، انفتح حسن نجمي على البحث الأكاديمي، وعلى أشكال تعبيرية متعددة مثل الشعر والترجمة والكتابة الصحفية والرواية. الذي يتمكَّن عبر الطاقة التخييلية من رسم حيوات جديدة لجيترولد بعيداً عن كونها سيرة غيرية.

ولن تكون مهمَّته تشبه مهمَّة الخرائطي المعني برصد حدود الأمكنة وتاريخيتها ارتباطاً بسطوة السيرة الأدبية ولكنها ستكون قريبة من مهمَّة الملَّاح المسافر من سياتل إلى طنجة مروراً بيابسة باريس. وسيقطع بموجب هذه الاستراتيجية الكتابية مع التصور الأحادي لسيرة جيترولد انطلاقاً من إدراكه الجمالي وقوة التخييل الروائي الذي نسج متواليات سردية عبر كتابة تراهن على جماليات التصوير السردي، وعلى الكتابة بلغة بَصَرية فيما يشبه اللقطة السينمائية الدائرية لرصد فاعلية الحضور لشخصيته الرئيسة “محمد الطنجاوي” الذي أذعن له الكاتب من خلال وصيته وهو على فراش الموت، الوصية التي ستجعل السارد يتتبع مسار هذا الرجل بوصفه دليلاً سياحياً رافق “جيترولد” في رحلتها نحو عاصمة البوغاز طنجة.  وبعد علاقة حب ملتهبة بين محمد الطنجاوي و”جيترولد” ينتقل إلى مسكنها في عاصمة الأنوار لتتحول وظيفة محمد الطنجاوي من العاشق إلى (الحارس للنساء والشقة، والحريص على تنظيف اللوحات والمنحوتات والمقتنيات من غبار المساءات. وأوكلت إليه  “جيترولد” مهمة كانت تبدو له معقولة ومقبولة وتندرج في صلب مسؤولية رجل الأسرة الذي كأنَّه طلب منه أن ينتبه، من خلال جلسات الصالون الفني والأدبي الذي تنظمه جيترولد بانتظام، إلى إفراط أحدهم في الشرب، “ماكس جاكوب” أو “أرطو” مثلاً أو أيٍّ كان، ممَّن قد تصدر عنه تصرفات غير لائقة فيفسد الجمع واللحظة.)15حسن نجمي، “جيترولد”( رواية) دار العين المصرية، 2016، ص:119

 وبموازاة تطوُّر المحكي السردي يشير حسن نجمي إلى إشكالية فشل مشروع النهضة المبكرة في المغرب ارتباطاً بالبعثة العلمية التي سافرت مبكِّراً نحو الغرب تزامناً مع البعثة اليابانية. الثانية عادت إلى موطنها لتجد المختبرات والظروف الملائمة لتحقيق نهضة حقيقية، والأولى عادت إلى موطنها لتجد وظائف مكتبية عقيمة أجهضت حلم المغاربة في نهضة مبكرة و( كانت الوظيفة الرسمية مجرد غطاء لانكسار أحلام جميلة).16المرجع السابق، ص75

حسن نجمي حريص في “جيرترولد” على الحديث عن شخصيته المحورية وأصدقائها ومدينتها ورحلاتها. اختار أمكنة مخصوصة لتمكِّنه من رصد أحوال “جيترولد” ومحمد الطنجاوي وكشف خباياها النفسية والاجتماعية، فضلاً عن الشخصيات الثانوية التي ساهمت في توجيه مسارات السرد وتوتراته، لأنَّ الهدف لم يكن تكرار سيرة “جيترولد”. 

وقد ساهمت الطاقة التخييلية في نسج زمن روائي مخصوص لا ينفكُّ يستحضر الزمن الماضي كجزء من الزمن الحاضر. وفاعلية الحضور هذه تشبه ما أسماه مارتن هيدغر ” الكائن في العالم” لتحقيق الارتواء الجمالي عبر تعيين المكان بوصفه تجلِّياً لحضور الآخر ولتفعيل الحضور في الغياب، فلم يكن حسن نجمي هيجيليا يقدم قراءة للظاهرة في إطارها التاريخي، وإن كان معنيَّاً بربط المتلقِّي بالسجل التاريخي كتجلٍّ للهوية الكتابية لجيترولد وهي تؤسِّس عوالمها عبر متخيَّلها السردي الذي يهدف إلى بناء علاقة قوية بالنواظم الرمزية للأدب.  لذا، فالإبدال الدلالي لدى حسن نجمي يتشكَّل عبر سيرورة سردية تستوعب التحولات والتوترات الدرامية المرتبطة بجيترولد، وبسيرة أعلام مثل “بيكاسوPicasso”،” ماتيس Matisse”، “بلزاكBalzac “. تواصل  جيترولد حديثها المسهب عن الأعمال الزيتية والمائية لبول سيزان، ولوحات ماتيس، صفين كاملين من أعمال ماتيس، لوحتين لبول غوغان، لوحات لموكان، وأخرى لمونتتشيلي، وثمَّة امرأة عارية ل”فالوطون”و لوحة “لتولوز لوتريك.”17المرجع السابق، ص 105

 ولعلَّ حسن نجمي ينطلق من رؤية مفادها القطع مع التصورات المعتادة للمكان الذي يرتبط بالمعنى الجاهز عن المرئي، أي الجاهز، والمألوف، والمستقر لأنَّ الأشياء ليست ثابتة بل متحركة. ولأنَّها كذلك فهي متحولة وغير منعزلة عن الحركة والتأويل. وهذا ما يبرِّر ذهابه نحو مناطق غير مأهولة في التجارب الروائية، والانفتاح بوعي جمالي على المعرفة والكتابة في طابعها التصويري، تصوير الشيء في ذاته وليس فيما يناظره أو يتشاكل معه. وتساوقاً مع هذا السياق لم يقدِّم الروائي حسن نجمي أفكاراً جاهزة عن الكتابة والحياة بل تجارب متنوِّعة لإمكانيات الحياة وكأنَّه كان ينصت “لهرمان هيسه” وهو يقول: عليك أن تجرِّب المستحيل لتصل إلى الممكن.

في “جيرترولد”  المتَّسمة بتداخل السجل التاريخي بالتخييلي  نلاحظ قدرة الطاقة التعبيرية والبلاغية على (أسطرة) سيرة جيترولد. وسيتمكن الروائي عبر هذه (الأسطرة) من التمتع بقدر كبير من الحرية لتصبح الرواية قولاً في الفن والموسيقى والأدب والسياسة واللباس والأكل ورصداً للتحولات الثقافية، وهو ما يفسر تساوق الحدسي بالصور الذهنية  من خلال الاستعمال القوي للعين خصوصاً في الرصد الدقيق للألوان، وكأنَّ الرواية ترجمة دقيقة لجهد عقلي قريب ممَّا يسمِّيه الفيلسوف الفرنسي ميرلوبونتيMerleau-Ponty” تذوُّق البداهة ومعنى الالتباس في آن واحد. بمكر إبداعي، جعل حسن نجمي  محمَّد الطنجاوي يشارك جيترولد همومها وعوالمها العجائبية، المرأة الصارمة التي حولته من المثقف العضوي إلى رجل يقوم بالمهام كلِّها سواء منها المألوفة والغريبة عن شخصيته الحالمة. هذه الخيبة كادت تتكرر لدى السارد عبر مسار علاقته ب”ليديا” الأمريكية العاملة في السفارة الأمريكية. لكنَّه بإرادته يقرر وقف هذه العلاقة ووضع حد لهذا الاختلال الذي يشبه الموت. ” هل هو الانصراف السريع؟ هذا الندم المتأخر ممحاة بيضاء كبيرة تصنع الفراغ الذي لا يعوِّضه البكاء أو الدمع، وإنَّما يعوضه الصمت الذي يحوِّله إلى نسيان.”18المرجع السابق، ص 32

حياة الإنسان شاعرية في أساسها على حد تعبير هولدرلين، وربما كانت جيترولد العارفة بتفاصيل حياة الأدباء وأماكن إقامتهم مسكونة بهذه الرغبة في الاقتراب من الحياة – تبعاً لرؤية حسن نجمي الإبداعية –  من زاوية الرؤية البصرية وعلى نحو دقيق من خلال عيون صديقها بيكاسو الذي وصفها بقوله: ( كانت جيترولد كائناً رائعاً. كان يكفي أن تدخل إلى غرفة لكي تمتلئ الغرفة حتى لو كانت فارغة. ولقد كانت تفهم التصوير. واشترت مني لوحات عندما لم يكن أحد في العالم راغباً فيها.”19المرجع السابق 20 وفي الوقت ذاته، كانت جيترولد تعرف جيداً سيكولوجية بيكاسو وتدرك أهميته الفنية لفرادة أسلوبه وغزارة إنتاجه خصوصاً زمن زيارته باريس عاصمة الفن ودخوله المرحلة الزرقاء، ولأنَّه ” شخص استثنائي لا يشبهه أحد ولا يشبه أحداً ففيه جانبه الإسباني وفيه جانبه الروسي أيضا”، ولأنَّه لا وجود لأية حكاية واقعية إن لم يكن النثر جوهرياً وصافياً يعبر عن الحياة في تصور الروائي الأمريكي “همنغوايHemingway ” الذي سيخص جيترولد بقراءة أعماله قبل نشرها لأنَّ الكتَّاب منافقون، وهي تتحلَّى بالصدق والشجاعة. 

 الرواية تقدِّم شخصية جيترولد بالاعتماد على الوصف ليس كمحفِّز سردي بل كمهيمن مساهم في خلق حيويَّة سردية، وفي تحديد الملامح العامة لشخوص العمل الروائي ولمصائرهم. هذه الرؤية الشاعرية تنطلق من خلفية جمالية تشير إلى قلق الحالة الإبداعية العصيَّة على التحقق في لحظة معينة. الحديث هنا ينصبُّ على محاولة رسم بيكاسو للوحة جيترولد التي تشكِّل الواجهة الأساسية للرواية في ما يقارب تسعين محاولة قبيل دخول بيكاسو مرحلة التكعيبية. فالجوهري في الرواية هو الشيء الذي لا يمكن أن تقوله الرواية حسب تعبير الروائي التشكيلي ميلان كونديرا Milan Kundira. ولعل المرجعية الفكرية والجمالية المهيمنة في رواية جيترولد ستاين(1898-1946) هي التي جعلت منها قولاً في المعرفة السردية من خلال الحديث عن منعطفات الأدب الأمريكي المعاصر، وقولاً في المعرفة الجمالية من خلال رصد ملامح من تاريخ الفن التشكيلي المعاصر وأعلامه الكبار، فضلاً عن العشق المفرط والاستثنائي لعاصمة الأنوار باريس بحثاً عن الزمن الذهبي. وعن حبٍّ غير مكتمل.

الهوامش:

1. خورخي لويس بورخيس شاعر وقاص ومترجم، من أهم أدباء أمريكا اللاتينية، ولد في بوينس أيرس عام 1899 ودرس بأوروبا. ذاع صيته في مجال الأدب وفاز بجوائز عالمية رفيعة وترجمت أعماله إلى جلِّ اللغات العالمية، توفي عام 1986 في جنيف.

2. عبد الرحيم جيران، الذاكرة في الحكي الروائي/ الإتيان إلى الماضي من المستقبل، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2019، ص 10

3.. خالد بلقاسم، من الذاكرة إلى النسيان من أجل ذاكرة تنسى، كتاب الذاكرة والشعر، تأليف جماعي من منشورات بيت الشعر في المغرب، الطبعة الأولى 2016، ص33

4. ARISTOTE. Opuscule. Traité de la mémoire et de la réminiscence. Traduction française : Barthélémy Saint-Hilaire. 

5. المرجع السابق(1)، ص 25

6. القديس أوغسطين Saint Augustin، اسمه اللاتيـني أوريليـوس أوغسطينـوس Aurelius Augustinustinas، لاهوتي من آباء الكنيسة اللاتين، يعد رائداً للفلسفة المسيحية في العصر الكنسي الذي يمتد من القرن الثاني حتى القرن السادس الميلاديين. تأثر بالمذهب الريبي (الشك) ثم مال عنه إلى الأفلاطونية المحدثةوانتقل من الشك إلى اليقين أي الإيمان، فاعتنق المسيحية سنة 386، وتعمَّد سنة 387 في ميلانو ثمَّ قفل عائداً إلى رومة ثم إفريقية حيث سُمِّي راهباً، ثم أسقفاً لمدينة إيبونا (عنابة اليوم) عام396..

7. هنري برغسون ( 1859- 1941)، فيلسوف فرنسي حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1927، ويعد من أهم الفلاسفة في العصر الحديث، كان نفوذه واسعاً وعميقاً فقد أذاع لوناً من التفكير وأسلوباً من التعبير تركا بصماتهما على مجمل النتاج الفكري في مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي، وحاول أن ينقد القيم التي أطاح بها المذهب المادي ويؤكد على أهمية الروح. من مؤلفاته: ،محاولة في الوقائع المباشرة للوجدان،المادة والذاكرة،التطور الخلاق،الفكر والمتحرك،الضّحك، الطّاقة الرّوحيّة.

8. المرجع السابق(1)، ص 34

9. ميري ورنوك فيلسوفة بريطانية ولدت عام 1924 واهتمت بفلسفة العقل كأستاذة بجامعة أوكسفورد. زاوجت في كتاباتها بين الفلسفة الوجودية والتحليلية المنطقية. ينظر كتابها” الذاكرة في الفلسفة والأدب”.

10. ميري ورنوك، الذاكرة في الفلسفة والأدب، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد  المتحدة،  الطبعة الأولى 2007، ص 21-22

11. ولد هيراوكا كيميتاكي (1925 -1970) بمنطقة يوتسويا بطوكيو، وكان أبوه كانازو ساهيروكا موظفاً حكومياً، نشأ بعيداً عن أسرته، فقد قضى طفولته بجانب جدته ناستوا. لكنه عاد لأسرته في سن 12 سنة وبدأت تظهر مواهبه الأدبية. تأثَّر بكتابات الغربيين أمثال أوسكار وايد ورينير ماريا ريلكا، غير أن والده العسكري في طبعه منعه من كتابة القصص، لكن ميشيما استمر في الكتابة سراً. اضطر للاستقالة من عمله في وزارة المالية ليتفرغ للكتابة الأدبية ليمثِّل الثقافة الغربية من خلال مفهوم الجسد الذي يعد موضوعاً جديداً في الثقافة اليابانية، وكان في حياته شبيهاً بأندريه جيد. وربما كان هذا السبب هو ما دفعه لكتابة «اعترافات قناع». لميشيما ولع كبير بالسينما فقد شارك في فيلم «الخائف من الموت» للمخرج الياباني ياسوزو ماسميورا، فضلاً عن أدائه لأغنية فيلم «يوكاكيو». كما أنه أنجز فيلماً خاصاً به مثَّل فيه دور البطل الساموراي الذي يقتل نفسه، غير أن زوجته لم تعمل على إخراج الفيلم إلى حيز الوجود بعد رحيله.

12. ياسوناري كواباتا صاحب روايات ساهمت في التعريف بخصوصية الأدب الياباني، ومنها رواية أستاذ «غو» من ترجمة صبحي حديدي، الصادرة عن دار الفارابي ببيروت في طبعتها الأولى سنة 2007. وقد وصفها ياسوناري كاواباتا برواية الوقائع الأمينة.وصف فيها مباراة «غو» جرت سنة 1938 وحضرها بنفسه وغطاها لصحيفة «ماينيش». وحمل في روايته اسم أوغامي الصحافي. وهي رواية تصف أسلوب أوتاكيه في الجلوس والنهوض، أي أنها رواية تكشف عوالم المجتمع الياباني في كثير من تفاصيله اليومية.

13. حياة الساموراي تنعكس على نظام أسرته سلوكياً واجتماعياً، فإذا ولد للساموراي صبيٌّ تقام له طقوس خاصة تسمَّى «mamorigatana» وبعد بلوغه سن 13 عشر تقام له مراسيم جديدة يمنح خلالها السيف والدرع، ويمنح اسماً جديداً، ويرتدي لباس الكيمونو وهو ثوب على شكل حرف T يصل طوله إلى الكاحل وله ياقة وأكمام عريضة. يُـلَـفُّ الكيمونو حول الجسم بحيث يكون الطرف الأيسر فوق الطرف الأيمن، إلا في حالات الوفاة والدفن فيكون الطرف الأيمن فوق الطرف الأيسر، ويلف بحزام يطلق عليه اسم أوبي يربط من الخلف لإحكام تثبيته. يترافق ارتداء الكيمونو عادة مع ارتداء زوج من الأحذية التقليدية التي يطلق عليها اسم زوري أو غيتا، مع زوج من جوارب الإبهام التي تدعى تابي، ويطيل الساموراي الجديد شعره تيمُّناً بالأسلاف، وبوصفه رمزاً للشرف. وإلى جانب إتقانه فنون السيف والقتال يتقن فنون الرسم والشعر.

14. جيترولد ستاين ولدت في حي غرب أليني في بيترسبرغ عام 1874. وكانت أصغر خمسة أولاد لعائلة ألمانية الأصل مثقفة موسرة؛ فقد نجح والدها دانييل في استثمارات في شركة لوسائط النقل، وحقَّق أرباحاً كبيرة في معاملات عقارية، فكوّن ثروة. انتقل مع عائلته إلى فيينا في النمسا وباريس وعُمر جيرترود 3 سنوات. وبعد 5 سنوات عاد إلى أمريكا واستقرّ في بلدة أوكلاند في ولاية كاليفورنيا. بعد أن توفّيت والدتها سنة 1888 وتوفي والدها سنة 1891، تولّى أخوها الكبير ميخائيل إدارة استثمارات العائلة، فأحسن التدبير، وبعث بأختيْه جيرترود وبرثا للعيش مع عائلة أمهما في مدينة بالطمور. وفي سنة 1992، انتقلت لتعيش مع خالها داود باشراخ في المدينة ذاتها. وكانت تحضر أحد الصالونات الأدبية والفنية الأسبوعية.انخرطت جيرترود في كلية رادكليف في ماسشوست في المدة من (1893 ـ 1897) حيث درست علم النفس على عالم النفس وليم جيمس الذي تُعزى إليه نظرية ” تيار اللاشعور” التي يُعطَّل بموجبها العقل المستيقظ الواعي، ويتولى التسيير العقل النائم اللاواعي، أي تفضيل التفكير البدائي على التفكير المتطور المصقول، وهي النظرية التي أفاد منها في الأدب فيرجينيا وولف (1882 ـ1941) وجيمس جويس (1882 ـ 1941).في سنة 1899 التحقت جيرترود بكلِّية الطبِّ في جامعة جون هوبكنز وأمضت فيها سنتين، وبعد أن رسبت في عدّة مسارات دراسية، غادرت الكلية دون أن تحصل على الشهادة. وأثناء دراستها هناك اهتمت بالهستيريا النسائية والكتابة المَرضية.لحقت جيرترود بأخيها، ليو، وهو ناقد فني، سنة 1903 للإقامة في باريس بقية حياتها، لتلتقي بأعلام بيكاسو وخوان غريس وهنري ماتيس. وفي العشرينيّات من القرن الماضي صار صالونها الأدبي في منزلها، بجدارنه المغطاة بأروع اللوحات الفنية، نقطة جذب لكثير من الأدباء الأمريكيين والبريطانيين الذين كانوا يقيمون في باريس آنذاك.

15. شاعر وروائي مغربي، انفتح حسن نجمي على البحث الأكاديمي، وعلى أشكال تعبيرية متعددة مثل الشعر والترجمة والكتابة الصحفية والرواية.

16. حسن نجمي، “جيترولد”( رواية) دار العين المصرية، 2016، ص:119

17. المرجع السابق، ص75 

18. المرجع السابق، ص 105 

19. المرجع السابق، ص 32

المراجع:

1- بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان، ترجمة وتقديم وتعليق: جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 2009م.

 2-حسن نجمي، “جيترولد”( رواية) دار العين المصرية، 2016م

3- خالد بلقاسم، من الذاكرة إلى النسيان من أجل ذاكرة تنسى، كتاب الذاكرة والشعر، تأليف جماعي من منشورات بيت الشعر في المغرب، الطبعة الأولى 2016م

4- عبد الرحيم جيران، الذاكرة في الحكي الروائي، الإتيان إلى الماضي من المستقبل، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2019م

5 – ميري ورنوك، الذاكرة في الفلسفة والأدب، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد  المتحدة،  الطبعة الأولى 2007م

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply