أيام الطيّبين

محمّد الدباسي

  هل نحن في زمن الأشرار؟

هل حقاً ما نسمعه من أن أيام الطيبين قد ولّت؟

قد ذهبت بلا رجعة و لن تعود؟

لماذا يُمدح الزمن القديم و يُوصف أهله بالطيبين؟

هل لأن الحياة فيه كانت سهلة و كان الناس يعيشون فيه ببساطتهم؟

هل لأن القلوب كانت صافية و كان الجار يعرف جاره و يجلس معه و يقاسمه طعامه و أسراره؟

هل لأن الصغير فيه كان يقبل رأس الكبير و لو لم يكن من أهله؟

هل لأن أهل ذلك الزمن كانوا كالأسرة الواحدة و لو قالت الأوراق غير ذلك؟

في تلك الأيام التي يوصف أهلها بالطيبين لم تكن هناك قنوات فضائية ولا أجهزة اتصال بل كانت الأسر تجتمع وتتسامر مع بعضها دون الحاجة لكل ذلك.

كانت الحياة هي الحياة بكل معانيها البسيطة.

والآن لنتأمل ونرى كيف أصبحنا؟

لنسأل أنفسنا لماذا غابت اللحظات الجميلة من حياتنا؟

أين ذهبت؟ ومن أذهبها؟

هل ستعود؟ أم أنها ماتت؟

هل تغيرنا؟ أم أن الزمن هو من تغير؟

لماذا دائماً نلوم الزمن؟

لماذا نجعله شماعة نعلق عليه تغيراتنا وسلبياتنا هذا إن كنا نعترف بهذه الأخطاء أصلاً؟

لنتأمل الحياة ولو تأملنا ونظرنا فيها لعلمنا أن الأيام لم تتغير وكذلك الأماكن فقط المباني هي من تغيرت وبعض مما هو فينا.

كانت بيوتنا صغيرة فاستبدلناها بناطحات سحاب.

كان مقصدنا من ناطحات السحاب أن نتطور..

أن نرتقي..

أن نسود الدنيا ولم نعلم أنها أرجعتنا إلى الوراء..

نعم.. ظننا أننا نقترب من السماء كلما ارتفعت تلك المباني التي نسكن فيها ولم نعلم أن أشياء أخرى هي التي كان ينبغي لها أن ترتفع.

وأن ترتقي .

يا ترى هل نستطيع أن نعيد تلك الأيام؟

أن نعيد تلك التفاصيل ولو لم تكن المباني هي المباني؟

أن نعيد رسم ابتسامة فقدها زماننا؟

هنا.. 

في هذا المجلس  الفاخر المهجور الذي يتصدر المنزل كان اللقاء.

لا.. لم يكن الآن على هذا المجلس الفاخر الذي نعلم أنه قد هجر وإنما في نفس الغرفة قبل أعوام مضت يقال عنها أيام الطيبين.

كان اجتماعاً يجمع أهل حي تلك الأيام رجالاً هنا ونسوة في المجلس الأخر.. 

لا تستغربوا فقد كانوا يجتمعون ويقضون أوقاتهم ألم أقل لكم أنها أيام الطيبين.

كانت الابتسامة هي عنوان ذلك اللقاء والضحك هو سيد ذلك المجلس.

لم تكن تلك الابتسامة بحاجة إلى مجلس فاخر مصنوع في دولة أوربية شهيرة كالذي استبدل به اليوم  ليشعر من يجلس عليه بالراحة فيبتسم ولا إلى جهاز تكييف عالي المستوى ليبعث برودته إلى صدورنا فترتاح ولا إلى وجبة فاخرة لتملئ العين قبل البطون.

لم تكن بحاجة إلى شيء من ذلك بل هم لم يملكوها أصلاً فقد كانت محتويات مجالسهم بسيطة و لكنهم ملكوا قلوباً جمعتهم وأخلاقاً سمت بهم.

إن القلوب هي الوقود المحرك لهذه الحياة.

هي التي تستطيع أن تضفي جمالاً وتعيد لنا تلك الأيام..

إن قلوب من سبقونا لم تكن تختلف عن قلوبنا شيئاً سوى أنها كانت أنقى وأصفى فاستقبلت من حولها برحابة تترجمت على وجوههم فكانت ابتسامة أضفت جمالاً على ذلك المجلس فأنعشته نقاء وأنعشت الحياة من حولهم.

إن الحياة الطيبة في أيامهم لم تكن خالية من الهموم ولم تكن خالية من المشكلات لكنهم توكلوا على رب كريم يقضيها واقتربوا من بعضهم..

تألموا مع بعضهم قبل أن يضحكوا جميعاً. 

لم تتغير ملامحهم عندما يقابل بعضهم البعض عند إشارات المرور كلّ صباح.

لم يمنع أحدهم أبناءه من زيارة قريب لهم حتى وإن اختلفوا على أمر ما.

ولم يحرموا بعضهم من تذوق أطباق بعض.

هل عرفتم الآن لماذا هم طيبون؟

لنترك كل ذلك الآن ولنعد إلى  ذلك المجلس الفاخر الذي تحدثنا عنه  قبل قليل..

أتذكرونه؟

هو معروض الآن للبيع وميزته أنه نظيف.. 

وجديد..

جديد رغم أنه مضى على استخدامه ثلاثة أعوام لأنه ببساطة لم يجلس عليه أحد إلا قليلاً ولأنه لم يصنع لأيام الطيبين.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply