
قراءة في لوحات ريتا عضيمي
تشكل المرأة كوناً ثراً في لوحات الفنانة اللبنانية ” ريتا عضيمي ” بوصفها عالماً مسكوناً بالحياة المتجددة، عالماً يمد جذوره لجدلية الخلق حيث تقاسم الإداء الوجودي بين آدم وحواء، وحيث الدور الذي كانته المرأة وظلت تكوّنهُ في حضورها وعطائها ورمزيتها وأنوثتها الحاملة لصفات الجمال الذي يولّد أسئلة دائمة وخاصة هنا في عالم الفن. المرأة الحضور، حرفاً وأغنية وحلماَ، وربما أثراً على رقيم الأبجدية الأولى.
المرأة تجد مساحتها القارة في لوحات ريتا عظيمي على الرغم من عريها المحبب وكأنها تبدأ معنا رحلتها كجنينٍ أول، عريٌ حاملاً صرخته بوجه عالم سيواجههُ، عري هو انعتاق طالع من ” التكور الجنيني” عابراً لملامسة عالم الحياة في وقائعها وواقعها الصادم. تناولنا هنا فحص وقراءة عدد من لوحاتها المنجزة بين أعوام 2000 ـــ 2011، وهي في حضور وتواصل في مشغلها الفني لإنتاج لوحات رسم عالية المستوى فيها من الرؤى والدلالة والتجريب الشيء الكثير.
تأخذ أوضاع المرأة في أعمالها بالتنوع، وذلك من سمات الفنان في تطويع خاماته، وفتح مساحة أكبر للرؤيا في عمله، وبما يمد من جسور التلقي عبر متلقٍ بمواجهة أعماله .هذه المواجهة الحاملة لأكثر من سمة ليس أولها.. الدهشة، الاستغراب، وربما الصدمة الثقافية إن لم نقل الصدمة الجمالية .
لوحة (المرأة بكامل عريها بمواجهة أفعى مرقطة، المرأة صارخة بوجهها، والأفعى تنفث سمها الزعاف في مواجهة محتدة بين كائنين يتنازعان هذا الوجود الأرضي، هنا نقرأ الاستثمار الديني للحكاية بحلتها الأسطورية، وبريشة الفنانة ريتا عظيمي..!! حيث تحضر الأفعى في المخيال الجمعي والثقافي للمجتمعات على أنها (الكائن/الحيوان الذي أوشى لحواء بارتكاب المعصية، وارتداء لبوس الخطيئة حتى الأبد)).وعليه تأسس كل هذا المخيال السردي منذ قصة الخلق الأول، ولأن الفنانة اشتغلت على هذه الموضوعة من زاوية مختلفة، منطوقها (( أيتها الأفعى.. ها أنا أصرخ بوجهك، أنتِ من أورثتني لوثة ارتكاب الخطيئة.. أنا الطاهرة في عريَّ والمنزهة في جنة الله !!).
لذا تستثمر الفنانة هذه الحكاية وتجعل منها مواجهة معاصرة ومستمرة، محاولة الكشف من خلالها على حضور المرأة وتجسيد دورها الجمالي والوجودي في هذا العالم، وتأكيد دورها خارج حدود ” القوقعة” التي يريد البعض تكبيلها داخلها، وإن تؤكد الفنانة في أكثر من عمل أن المرأة عالم قائم بذاتهِ وسيظل بمواجهة محتدمة مع المعتقدات الموروثة، التي تدعو لغلق الأبواب بوجه تطلعات المرأة والإطلال على العالم الأرحب .
(( العري في عالم الفن كان ولا زال مادة دسمة عبر تاريخ الفن فقد امتاز الفنانون منذ القرن السابع عشر حتى الوقت الحاضر بالشكل العاري وجعلوه وسيلة مقنعة للتعبير الإبداعي الذي هو دلالة على قدرة الخالق في تكوين كائناً بهذا الجمال ميزّه عن باقي الكائنات بقدرات وحواس عديدة)) هكذا ترى الفنانة ريتا عظيمي فضاءات الفن في مفصلها الإيحائي والرمزي.
الجسد الأنثوي حاضر على الدوام في لوحات الفنانة ” ريتا عظيمي”، متخذاً أكثر من وضع وهو بكامل عريّهِ، ترى هل تسعفنا المعاينة الحقة لفك شفرات أعمالها/ لوحاتها عبر مسائلة مفادها: هل الجسد هنا أيقونة لها مركزيتها القارة، جسد يبث أشارته للآخر البعيد القريب، إشارات توجه مداركنا المستلة تصوراتها من انعكاس واقعنا المحدثْ في معاينة وضع المرأة الواقعة بين فكي ” الاستلاب والتحرر”. ونجد في منطوق الفنانة تفسيراً لاشتغالها الرمزي والدلالي عن الجسد وتوصيفه قولها الآتي : (( أما من ناحية الإنسان العاري في أعمالي الفنية فهو تعبيري يتكلم عن معاناةٍ، معينة، أو قصة ما أردت الإضاءة عليها. بعيدة كل البعد عن أي إيحاء جنسي.. وهذا يبرز من ناحية وضعية الجسم وكيفية رسمه من حيث بروز العضلات والبنية الجسدية للرجل والمرأة على حد سواء. إذ كان اهتمامي الأكبر هو علم التشريح وكيفية بناء جسد الانسان، كما كانت تميزه عدم ووجود أي مادة أخرى تزيينية مثل اللباس أو الشعر، الهدف من ذلك عدم تحديد هوية الإنسان والزمان والتاريخ فأنا أتكلم عن الإنسان بالمطلق عبر الأزمنة)).
الإستلاب هنا في لوحات ريتا يتناقص من حيث ” القيمة” حيث تنوجد المرأة / الأنثى بكامل عريها، واحدة لا فرداً دون اكتساب معطيات الحاضر/ ثياب/ أفكار/ أسوار، لكن حركية المرأة على السطح التصويري تجسد لنا أوضاعها المقهورة، حيث نجدها تحت طائل التعذيب ولو بصور تهش الرمزية، الجسد هنا بكامل إهابهِ مسائلاً الآخر في هيمنته الذكورية ربما أو السلطوية بمختلفِ مسمياتها.. الجسدُ يصرخُ،، لماذا أنا هنا؟؟
في منطوق الفنانة ريتا عظيمي تقول (( إنني أبحث عن السلام الداخلي، أبحث دائما عن الاحتواء الروحي والجسدي والمعنوي، هناك بركان كامن الثورة بداخلي أريده أن يخمد قليلاً)).
الجسد الأنثوي في عدد من اللوحات يحضر كهيئة بشرية، يحتفي الرأس عنها، لنتأمل اللوحة ونقول : هل تقنية الرسامة قامت بعملية الحذف القسري لــ” الرأس” فهو الفكرة والمعرفة والموقف، لذا لابد من إقصاءهِ.

