
Abstract:
This article focuses on natural intelligence, which is an individual characteristic enjoyed by some members of society in its various classes and fields, and on artificial intelligence, a modern science. Artificial intelligence is the performance by computer systems of tasks normally requiring human intelligence. The article discusses artificial intelligence in some detail, and explains why it is of worldwide significance. It also presents an example from reported news of the failure of artificial intelligence. It inaccurately asserted that a named football team would win the last World Cup in Qatar 2022. The article also highlights some activities of artificial intelligence. It concludes by presenting some of the effects of artificial intelligence on society with some recommendations in this regard.
الملخَّص:
هذه المقالة تُسلِّط الضوء على عنوانين بارزين: أمَّا العنوان الأول فهو الذكاء الطبيعي؛ وهو سمة فردية يتمتع بها بعض أفرد المجتمع بمختلف طبقاته وبمجالاته المختلفة، وأما العنوان الثاني فهو الذكاء الاصطناعي؛ وهو علم حديث من إفرازات علوم الحاسوب يُعدُّ حالياً أحد العناوين الجذابة وأحد سمات العصر. وتُقدم المقالة شخصية علمية عالمية معروفة بذكائها الطبيعي تركت آثاراً علمية خالدة. ثم تعرج إلى الذكاء الاصطناعي بشيء من التفصيل وتعرض عناوين عالمية متعلقة به. وتعرض مثالاً من أرض الواقع عن فشل الذكاء الاصطناعي في ترشيحاته الفرق الكروية للفوز ببطولة كأس العالم الأخيرة في قطر 2022. وتسلط الضوء على بعض النماذج العالمية عن الذكاء الاصطناعي. وتُختتم المقالة بعرض بعض تأثيرات الذكاء الاصطناعي على المجتمع مع بعض التوصيات بهذا الخصوص.
مقدِّمة:
الذكاء intelligence مصطلح عام يشمل القدرات العقلية المتعلقة بالقدرة على التحليل، والتخطيط، وحل المشاكل، وبناء الاستنتاجات، وسرعة التصرف، ويشمل أيضاً القدرة على التفكير المجرد، وجمع وتنسيق الأفكار، والتقاط اللغات، وسرعة التعلم. ويتضمن، حسب بعض العلماء، القدرة على الإحساس وإبداء المشاعر وفهم مشاعر الآخرين.
إنَّ المفهوم العام السائد عند الناس للذكاء يشمل جميع هذه الأمور وربما جعلوها مرتبطة بقوة الذاكرة. ومن أنواع الذكاء: الذكاء اللغوي والذكاء المنطقي (الرياضي) والذكاء الموسيقي.
ولا يُعد التفوق الدراسي دليلاً قاطعاً على الذكاء، فقد نرى أشخاصاً يفشلون في دراستهم ولكنهم ينبغون في مجالات أخرى، مثل السائح العراقي الشهير يونس بحري (1900- 1979) الذي فشل في دراسته المدرسية، ولكن بذكائه استطاع أن يقيم علاقات طيبة مع الكثير من ملوك ورؤساء وزعماء العالم في زمانه.
والذكاء الطبيعي ليس مقتصراً على البشر فحسب بل هو موجود في الكائنات الحية من حشرات وحيوانات ونباتات، ويجب أن لا ننسى أن الحمام الزاجل كان يُستخدم في قديم الزمن لتوصيل الرسائل بين المناطق المختلفة وعبر مسافات شاسعة.
من النماذج البشرية التي اشتهرت بالذكاء في المجال العلمي أمير الرياضيات الألماني غاوس Gauss (1777- 1855م) الذي تمكَّن في طفولته وهو في الصف الثاني الابتدائي من جمع الأعداد: 1، 2، …، 100 بفكرة ذكية وبسرعة مذهلة. لقد قدّم غاوس خلال حياته مساهمات كبيرة وجليلة للعلم، منها التوزيع الاحتمالي الطبيعي الذي يُكنى باسمه Gaussian Distribution. وقد وجد أحد أحفاده بعد وفاته بنصف قرن مسوَّدات بحث له غير منشور يتضمن فكرة المعامل Modulus التي يرتكز عليها (علم المحاكاة Simulation)، وهذا العلم هو حجر الأساس في (الذكاء الاصطناعي). وقد قيل بحق هذا البحث غير المنشور: (لو نُشر في وقته لتقدمت الرياضيات نصف قرن)!
الذَّكاء الاصطناعيّ (Artificial Intelligence):
إنَّ الذكاء الطبيعي هو الذكاء المنشأ على الفطرة، وأما الذكاء الاصطناعي فهو أحد علوم الحاسوب والرياضيات المنشأ أساساً على خوارزميات خاصة مصطنعة لإنجاز فعالية معينة وترتكز فلسفته الأساسية على محاكاة Simulation التفكير لإنجاز فعالية معينة.
والخوارزمية Algorithm مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية المتسلسلة اللازمة لحل مشكلة ما، سميت بهذا الاسم نسبة إلى العالم أبي جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها في القرن التاسع الميلادي.
لقد بدأت الدراسة العلمية للذكاء الاصطناعي منذ منتصف الأربعينيات حول ما إذا كان بإمكان الآلات اتخاذ القرارات. وفي الآونة الأخيرة، اهتمت الدراسات بتوظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجالات العلمية والإدارية والخدمية المختلفة.
لقد ظهرت الحاجة إلى معرفة دور تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعزيز جودة الحكم بصفة عامة، وتحسين عملية صنع السياسات العامة والخدمات الحكومية.
إن تقنيات الذكاء الاصطناعي تؤثر على جودة الحكم من خلال بعدين: البعد الأول هو التأثير على دورة صنع السياسات العامة، ويرتبط البعد الثاني بتحسين جودة الخدمات الحكومية وكفاءة الجهاز الإداري.
هناك عدد من خوارزميات الذكاء الاصطناعي المستوحاة من الطبيعة يتم من خلالها تقليد فعاليات واقعية موجودة في الحياة الواقعية، مثل خوارزمية الفراشة Butterfly Algorithm للتحسين وهي محاكاة لطريقة الفراشة في بحثها عن الرحيق، وخوارزمية قرية النمل Ant Colony Algorithm التي تتضمن البحث عن الحلول المثلى في الرسوم البيانية ضمن جملة من الاحتمالات على نحو شبيه بطريقة النمل في البحث والتقفِّي. وهناك خوارزمية الذئب الرمادي The Grey Wolf Algorithm المستوحاة من طريقة صيد الذئاب الرمادية، إذ توجد ثلاثة ذئاب رئيسة داخل قطيع الذئاب: القائد يُسمَّى ألفا α، والذئب في المرتبة الثانية يسمَّى بيتا β، أما الذئب بالمرتبة الثالثة فيسمَّى دلتا δ، وتدرج بقية القطيع بعد هؤلاء الثلاثة الذين يتحكَّمون بتحديد مواقع القطيع أثناء الصيد أي مواقعهم بالنسبة لموقع الفريسة. من الناحية الرياضية، فإن الفريسة هي الحل الصحيح الذي نحاول الوصول إليه في حل مسألة معينة، وإن أقرب حل للحل الصحيح يُسمى ألفا، والذي بعده يسمى بيتا، وثالث أقرب حل يسمى دلتا. أما بقية الحلول فتُدرج ضمن بقية القطيع. ويتم تحديث هذه الحلول ضمن معادلات رياضية معينة وطبقا للحلول (ألفا، بيتا، دلتا).
هنري كيسنجر والذَّكاء الاصطناعيّ:
على الرغم من أنَّ “ثعلب السياسة” الأميركية كيسنجر بلغ المئة من عمره فإنَّه مهووس بموضوع الذكاء الاصطناعي، وقد تعاون مع اثنين من المؤلفين في تأليف كتاب صدر عام 2021 بعنوان “عصر الذكاء الاصطناعي ومستقبل الإنسان”.
لقد عبّر كيسنجر عن خشيته من تسبُّب الذكاء الاصطناعي أو الآلات بأزمات عالمية وإحداث ضرر شامل مشيراً إلى أنَّ الظروف تتطلب وجود قادة مسؤولين في دفة القيادة يحاولون “تجنُّب الصراع”. وقال كيسنجر إنَّ هدف الولايات المتحدة في المحافظة على التحكم البشري في الذكاء الاصطناعي إنَّما هو “هدف مرغوب فيه للغاية”، غير أنَّه قال أيضاً إنَّ “السرعة التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي ستجعله إشكاليًا في مواقف الأزمات”. وقال إنَّ البشر لا يستطيعون مراجعة كل المعرفة التي اكتسبتها الآلة، مضيفاً: “نحن نعطيها تلك المعرفة.. أنا أحاول الآن أن أفعل ما فعلته فيما يتعلق بالأسلحة النووية للفت الانتباه إلى أهمية تأثير هذا التطور”. وأشار كيسنجر إلى أنه سيكون هناك سباق تسلح بالذكاء الاصطناعي “لكن الأمر سيكون مختلفاً لأنَّه في سباقات التسلح السابقة يمكنك تطوير نظريات معقولة حول كيفية انتصارك.. إنَّها مشكلة جديدة تماماً من الناحية الفكرية”.
الذَّكاء الاصطناعيّ وكأس العالم في قطر:
لقد كان من أكثر التساؤلات المطروحة في أرجاء العالم قبيل كأس العالم الأخير: من المنتخبات المرشَّحة للفوز بكأس العالم في مونديال قطر 2022؟
لقد نشرت شبكة “أوبتا” (OPTA) المتخصصة بالأعداد والإحصاءات قائمة المنتخبات المرشحة للظفر بالكأس باستخدام الذكاء الاصطناعي. وقد اعتمدت الشبكة على حاسوب متطور، ووضعت صعوبة مسار الصعود إلى الأدوار الإقصائية ومسار الطريق إلى النهائي كأحد أبرز المعايير. كانت حظوظ الفرق العالمية المرشحة للظفر بكأس العالم في قطر وفق التصنيف الذكي OPTA كالآتي:
الفريق الفرنسي هو الفريق الأوفر حظاً، يليه الفريق البرازيلي ثم الإسباني فالإنكليزي فالبلجيكي فالهولندي فالألماني فالأرجنتيني ثم البرتغالي.
لو قارنا هذه الترشيحات النظرية (الذكية) بما حصل على أرض الواقع في قطر نجد المفارقات الآتية:
– الفريق الذي فاز بكأس العالم كان الفريق الأرجنتيني الذي كان تسلسله وفق التصنيف الذكي الثامن!
– الفريق البرازيلي الذي رشَّحه التصنيف الذكي للمركز الثاني سقط في دور الثمانية!
– الفريق البلجيكي الذي كان مرشَّحاً للمركز الرابع وفق التصنيف الذكي سقط في البداية في دور 16 الأولي.
نماذج عالميَّة:
إنَّ سلوكيات كلٍّ من الدماغ البشري ونماذج الذكاء الاصطناعي تحدِّدها المُدخلات المُستخدمة. وكما تؤثر بيئة الفكر المتطرف في أفكار الإنسان وسلوكياته وتؤدي الى بعض الاختلالات في طبيعته البشرية فإنَّ البيانات تؤدّي دوراً فاعلاً في تحديد سلوك الذكاء الاصطناعي وردوده، وهو ما قد يحصل بسبب بيانات التدريب ذاتها أو بسبب مجتمع المستخدمين الذين تستمر الخوارزميات بالتعلم منهم وتقليدهم، لينتج اختلالاً مشابهاً لسلوك الإنسان في الخداع والتلاعب والانغماس الكبير في الهدف المراد تحقيقه بغض النظر عن الآثار الجانبية السلبية.
أصدرت “مايكروسوفت” سنة 2016 روبوت الدردشة Tay الذي صُمم بهدف التعلم من المستخدمين على منصة تويتر والتفاعل معهم. وخلال أقل من 24 ساعة من إصدار(Tay) اكتسب أكثر من خمسين ألف متابع ونشر ما يقارب مائة ألف تغريدة، وكان سلوكه جيداً حتى جرى توجيهه إلى موضوعات تشمل الاغتصاب والعنف العائلي فصار بفعل البيانات شخصية إلكترونية يتقمَّص دور فتاة مراهقة نازية بالكامل تنشر تغريدات سلبية، مما أجبر شركة مايكروسوفت على توقيف الروبوت بعد ست عشرة ساعة من إصداره!
في سنة 2017 طُوِّر نموذج (شيلي Shelly) للذكاء الاصطناعي لإنتاج قصص الرعب، وقد استخدمت مجموعة من قصص الرعب في التدريب وصار النموذج قادراً على أخذ نصوص قصيرة من أفكار الإنسان الكابوسية لإنتاج قصص ذات طابع مخيف.
وفي سنة 2018، كُشف عن برمجية الذكاء الاصطناعي (نورمان) من قبل باحثين من المعهد الشهير (MIT) ، و(نورمان) يجسِّد مادة لدراسة مخاطر الذكاء الاصطناعي عندما تُستخدم البيانات المتحيّزة في تدريب خوارزميات تعلّم الآلة. وبعد تغذية (نورمان) ببيانات تتعلق بالموت والاحتضار، بدت النتائج مخيفة مثل رجل يقفز من النافذة.
إنَّ الفكرة المحورية في مجال تعلم الآلة أنّه لا توجد طريقة رياضية لإنتاج الخوف والعنف بل البيانات هي التي تفعل ذلك، كما إنه لا يمكن للخوارزمية أن تُميز مفهوم الخير والشر إلا بفعل (بيانات سليمة).
تأثيرات الذَّكاء الاصطناعيّ على المجتمع:
بالرغم من أن الذكاء الاصطناعي عنوان عصري جذَّاب، وقد وظَّفه كثير من الباحثين في بحوثهم الأكاديمية -وأنا، باسل ذنون، منهم- كما وظَّفه بعض طلبتي في الرياضيات والإحصاء وعلوم الحاسوب، فإنَّ لديَّ بعض التحفظات على الإلحاح في استخدام الذكاء الاصطناعي في الجانب الأكاديمي، فالجانب الأكاديمي التقليدي يجب أن يبقى هو الأساس. وخلال آخر مناقشة علمية لي لإحدى طالبات الماجستير خلال الشهر الماضي نبّهتُ إلى هذه الناحية وأكَّدتُ ضرورة أن يحافظ التخصص العلمي على هويته الخاصة لأنها عنوان وجوده.
إن استخدام التقنيات العصرية، ومنها الذكاء الاصطناعي والسبورة الذكية، يجب أن يكون وفق ضوابط أساسية لأن الإلحاح في مثل هذه التقنيات سيترك آثاراً وخيمة؛ سيقتل روح المثابرة والإبداع لدى الطلبة وسيؤدي إلى زعزعة الثقة في الأدوات العلمية التقليدية.
من ناحية أخرى فقد أصبح الذكاء الاصطناعي أداة للتزييف والتزوير وخلق المشاكل في مختلف الاتجاهات. من ذلك القيام بعمليات تركيب أصوات على صور الفيديو، مثل ما فعل مؤخراً الإعلامي المصري توفيق عكاشة عندما ركَّب صوتاً باللهجة المصرية على صورة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب. سيقود هذا إلى صعوبة تصديق أي فيديو نشاهده أو نتلقَّاه عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وأجد من الضروري وضع تشريعات خاصة لحماية المواطنين من عمليات مثل هذه وما شابهها قد تتعرض لها البنات أو الرجال في عالم اليوم الذي تلاشت فيه الضوابط والحدود.
المصادر
أحمد الشورى ابو زيد ، “الذكاء الاصطناعي وجودة الحكم “، 10.21608/2022.
احمد فخري، “حوار مع حاسوب يتسم بالذكاء الصناعي”، الكاردينيا 14 أيار 2023.
Russell, Stuart J.; Norvig, Peter,” Artificial Intelligence: A Modern Approach (4th ed.)”, Hoboken, 2021.