Hymns of War and Peace

ستون عملاً نحتياً في دبي تخلّد آفاق الهمّ العراقي

معتصم الكبيسي يرسم مسارات عراقية برونزية

عمر علي حيدر

لكل منا طريقته في التعبير عن الهم العراقي، ربما بسبب تنوع الهموم، أو تنوع القدرة على صياغة ذلك الهم إلى معنى يطرق في جدران المستحيل، فيعود ذلك الصدى بالقول: (إن العراقي لا يموت) على الرغم من تاريخه المليئ بالخراب والموت، كما هو مليئ بالحياة والحضارة بل والمعنى الأول للتاريخ نفسه.

معتصم الكبيسي نحات عراقي مغترب، يعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ ما يقارب عقدين من الزمان، يتحدث معك عن العراق في الشارقة وكأنما يجلس بين شهريار وكهرمانة في أبي نؤاس، أو يحتسي شايه بمقهى حسن عجمي في الحيدرخانه، فيعطيك انطباعاً أنه لا يزال ذلك الطالب الجامعي ذي الزي الموحد الابيض والرصاصي، وهو يتسابق لاهثاً وراء الحافلات الحمراء ذات الطبقتين ليحجز مكاناً يذهب به إلى الوزيرية حيث كلية الفنون الجميلة.

رأى الكبيسي أن يجمع تلك الهموم الممتدة على عقدين ويختزلها كلها في معرض نحتي متكامل، اختار له بعناية قاعة العويس في إمارة دبي ليجمع بها عشاق ومحبي العراق والفن التشكيلي العراقي (النحتي) فيتعرفوا إلى أجوبة تلك الأسئلة التي أثارها بقوة البرونز حول الوضع العراقي.

ستون عملاً توزعت بين أربعة أصناف تدور حول معانٍ ذات بعد إنساني وعراقي على حد سواء:

الصنف الأول: القوة والبطش وما يرافق ذلك من غياب الوعي والهجرة والنكوص عن مواكبة الحضارة.

Group One: Power and Brutality

نطقت أعمال معتصم الكبيسي ذات الصنف الأول بطرفي نقيض، فأول ما يطالعك عنوان معرضه (تراتيل الحرب والسلام)، فطبول الحرب التي يمسك بها العسكر يمكن أن تكون طبولاً للسلام، كما الجيوش للحرب والسلام، وسفن الهجرة وركوب المخاطر يمكن أن تكون سفناً دافئة تجمع ابناء الوطن الواحد وتحميه من الأخطار، وعجلات الحرب التي اعتكزت إحداها على حجر تعطيك انطباع القوة التي مهما تقدمت فإنها لا بد أن تقف عند حد لعدم تمتعها بالوعي، شأن أي قوة إن لم تتمتع بوعي، توقفت وانقطعت وذابت بمنتصف الطريق.

همرات أخرى تتكوم واحدة على الأخرى كزقورة عراقية بمواد خارجية الصنع، وأخرى تحمل في مقدمتها مجموعة من الفئران التي تعرف هدفها بالتحديد، وتكمل الصورة بمجموعة المواقف التي يرسمها ذلك الممتلئ الضخم كمّاً ونوعاً وهو يدفعك لسؤال تلو آخر، سؤال الذات، والهوية، والمستقبل، وسؤال الطفولة التي يدفعها في عربة أخرى نحو المجهول.

الصنف الثاني: عالم البدينات!

Group Two: World of fat women

عالم البدينات كان حاضراً هو الآخر في المعرض، حيث توزع على عدد من المشاهد التي صورت بدينات في أوضاع مختلفة، اختارت إحداها ان تستعرض قوامها التي تراه ممشوقاً، واختارت الأخرى ان تجلس على أريكة لتستريح ربما من عناء النظرات التي يطلقها الكثير في الأنحاء، واختارت أخرى الوقوف على الميزان لمراقبة وزنها، فيما اختار الكبيسي أن تكون السمنة مقياساً للجمل على خلاف العادة، وأن يبرز مظاهر الإبداع والحيوية التي يتميز بها السِّمان بخلاف البعد الآخر لاصحاب الرشاقة التي حولت آخريات إلى أشباح

 

الصنف الثالث: أعمال تشكيلية متنوعة مستقاة من صور وأحداث عاصرها ومر بها وتعرض إليها وشارك فيها معتصم الكبيسي نفسه.

Group Three: Everyday Life

الصنف الرابع: الخيول.

Group Four: Horses

مساحات واسعة أخرى كانت مخصصة للخيول العربية، كانت تحفل بكثير من الدهشة، وكانت تجبرك على أن تدور حول كل عمل لتكتشف جماليات مضاعفة في انسيابية حركة الخيل، لكن الذي شدني خلال تلك الرحلة هو البصمات الحقيقية التي نطقت بها يد النحات على بدن الخيول، فشكلت منها نتوءات الصدور وانعطافات الأعناق ودقة السِّوق والحوافر، والصهيل الذي يأتيك منبعثاً مع التأمل لكل خيل بما يناسبها حضوراً ولوناً وتوهجاً لونياً ذات بعد ومعنى.

قضايا المرأة، والأحزان، والرحيل، وتبدل الاقنعة، والصمت الصارخ، والتلاشي، والطوق، والحرية، والمصادرة، والأمل، والإشراق، كلها كانت تدور في فلك المعرض بين هذا العمل أو ذاك، واكتست كلها بالبرونز، لأنه أحد المعادن القليلة القابلة للبقاء على امتداد العصور بخلاف المعادن الأخرى التي تأكلها عوامل الأرض المختلفة.

زار المعرض جمهور كثير وعراقيون كثر، كلهم وجد ضالته في عمل ما، والتقط صورة معه، وعبثاً حاول أن يغض الطرف عن المعاني التي كانت واضحة كوضوح الشمس فيما تدل عليه، لكن الأكبر من المعنى هو أن تعيشه، وأن تستذكره، وأن تخلّده، وأن تنقله إلى من بعدك، وهذا ما حرص عليه الكبيسي، فقد كان لكل قطعة تاريخ، ولكل تاريخ حدث، ولكل حدث مسار، ولكل مسار بصمته البرونزية الخالدة.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply