جمال الطبيعة ومحاكمات الجحيم في المعبد الصيني

د. طه جزاع من كوالالمبور

تقع جنتنغ هايلاند Genting Highlands على حدود ولاية سِلانغور على ارتفاع 1750 متراً فوق مستوى سطح البحر، لكنها لا تبعد عن كوالالمبور أكثر من ساعة واحدة، إذ أن المسافة بينهما بحدود 60 كم، غير أن الفرق في الطقس يشعر السائح وكأنه انتقل فجأة من الجو الاستوائي الحار الرطب الى جو أوروبي بارد كثيف الغيوم كثير المطر. هنا قد تحتاج الى ملابس تقيك برودة الجو وخصوصاً أثناء الليل بدلاً من الملابس الخفيفة التي تقضي فيها كل أشهر السنة في كوالالمبور من دون أن تشعر بالبرد يوماً، لذلك فإن هذا المصيف القريب جداً من العاصمة هو مقصد المواطنين في عطلات نهاية الأسبوع والأعياد ، مثلما هو مقصد السائحين الباحثين عن سحر الطبيعة وجمالها واعتدال مناخها ، ولمن لا يمتلك سيارة للوصول الى أعالي جنتنغ حيث الفنادق الكبرى -يضم فندق First World على سبيل المثال 25 ألف غرفة- والمطاعم والمولات الكبيرة ومدن الألعاب والملاهي، ومنها واحدة من أكبر صالات العالم في الروليت وألعاب المقامرة، فإن هناك باصات تنطلق وتعود بأوقات محددة في اليوم الى محطة التلفريك، ومن هناك يستقل إحدى العربات الهوائية صعوداً إلى تلك الأعالي، كما يفضل الكثير من الذين يذهبون إلى جنتنغ بسياراتهم الخاصة تركها في مواقف محطة التلفريك ومواصلة مشوارهم من هناك، خصوصاً بعد افتتاح خط جديد يُمكن الراكب من النزول في محطة اختيارية عند المعبد الصيني الفخم الواقع في منتصف الطريق بين الجبال ، ثم يواصل رحلته بعد الانتهاء من مشاهدة المعبد بالتذكرة نفسها التي قطعها عند الصعود، أما خط التليفريك القديم فإنه لا يتوقف في المعبد الصيني ويواصل سيره مباشرة الى أعالي جنتنغ.

twin towers
Petronas Twin Towers Kuala Lampur, tallest in the world

chinese temple
Chin Swee Caves Temple

المعبد الصيني في جنتنغ Chin Swee Caves Temple جدير بالزيارة والمشاهدة حقاً، مثلما هو مقصد البوذيين للتعبد والصلاة وحرق الذنوب في محرقة المعبد، وهو يقع في أحضان مرتفعات شاهقة تحيط به الغيوم ويلامس رذاذُها رؤوس الزوار في الأيام غير المشمسة، ويطل المعبد على مناظر خلابة وغابات خضر من الأشجار السامقة، وفي بعض الأوقات تحجب الغيوم الرؤية الواضحة إلى تلك المشاهد الساحرة وحين يكون الناظر نفسه وسط الغيمة، ويتمكن السائح من الدخول الى قاعات المعبد الكبيرة المزينة بالتماثيل والمذابح حتى أثناء أداء الطقوس الدينية، والتجوال بحرية والتقاط الصور التذكارية داخل هذه القاعات وخارجها حيث يوجد أحد أكبر تماثيل بوذا، وشجرة تعليق الأمنيات التي يعلق عليها الزائر ورقة يكتب فيها الأمنية التي يرجو تحقيقها، وبناية طبقات الجنة، كما يتمكن من القيام بجولة بين مدرجات عالية تبدأ بتماثيل ملونة بأحجام وشخصيات مختلفة تحكي مشاهد من يوم القيامة، ومشاهد الجحيم ومحاكمة المخطئين والمذنبين وتعرضهم لأشكال التعذيب البشعة على أيدي جلادين بوجوه مكفهرة قساة لا يرحمون يستخدمون أنواعاً كثيرة من الأدوات لتعذيب الخاطئين، كل بحسب عمله وذنبه وحكمه. ثم تنتقل المشاهد الى عربة ذهبية تقود الى الجنة محاطة بطيور بيض ووجوه ملائكية رحيمة مستبشرة، تلك هي مشاهد الجنة التي أعدت للمؤمنين! وكان الكاتب المصري أنيس منصور قد شاهد في حديقة زيت النمر في هونج كونج لوحات وتماثيل بارزة مشابهة لما شاهدناه في المعبد الصيني تصور يوم القيامة البوذي ومحاكمات الآخرة، فوصفها لنا في كتابه الذي فاز بجائزة الدولة في أدب الرحلات وصفاً تفصيلياً ظريفاً  بقوله: ففي الديانة البوذية يرون أن الإنسان سيحاكمه الله أمام عشر محاكم. المحكمة الأولى يقف أمامها الإنسان بعد وفاته.. فإذا نظرت مجموع خطاياه وأعلنت أنه مذنب.. بدأ العذاب فوراً. المحكمة الثانية يقف أمامها الإنسان الذي يعصي والديه.. وعصيان الوالدين هو الجريمة الكبرى، التي تستحق أكبر عقاب، فيكوونه بالنار إلى الأبد، ويضربون رأسه بالحجارة. والمحكمة الثالثة يقف أمامها كل إنسان يغش في الدواء.. وكل إنسان يسخر من الفقراء، ويتملق الأغنياء.. إنهم يفقؤون له عينيه. ومعه الذين ارتكبوا جرائم القتل. إنهم يوضعون فوق صخور مدببة. و

 

 

الذين قتلوا الحيوانات البريئة، تأكلهم هذه الحيوانات. والمحكمة الرابعة للمرتشين من موظفي الدولة. وفي المحكمة تُضرب رؤوسهم بالشواكيش إلى الأبد. والمحكمة الخامسة للخونة. والمحكمة السادسة للذين مشوا وراء الخونة.. والعقوبة هي تمزيق أجسامهم وأيديهم. والمحكمة السابعة لمحاكمة الرهبان الذين اعتدوا على النساء.. تأمر المحكمة بتمزيق أحشائهم.. وللجزار الذي يبيع اللحم المغشوش يضعون هذا اللحم في فمه، ثم يمزقون معدته.. إلى الأبد. والمحكمة الثامنة للذين لا يقدسون أوطانهم.. تمشي العربات فوق رؤوسهم. والمحكمة التاسعة للكذابين.. والمحكمة تأمر أولاً بقطع ألسنتهم.. ثم بقطع أنوفهم. والمحكمة العاشرة يَعلن القاضي أن الميتَ غير مذنب مثلاً فيضع فوق كتفه جلد إنسان آخر ومعناه: اذهب وعش من جديد في هونج كونج مثلاً!

في أي معبد صيني، وفي أي احتفال أو مهرجان أو سوق، بل ربما على باب أي منزل صيني، لابد وأن تشاهد التنين، منحوتاً أو مرسوماً أو منقوشاً، أو مطبوعاً على بالونة هواء حمراء، وهو متوثب بأرجله ومخالبه وجسمه الأفعواني الطويل المكسو بالقشور، إنه يمثل لهم  -على خلاف النظرة الغربية التي تجعله رمزاً للشر والتدمير- رمزاً للقوة والسلطة والنباهة والحكمة والنبل والحظ الطيب ومصدر الخير والماء والمطر والنّماء، منذ أن اتخذه أباطرة الصين رمزاً لقوتهم وصلابتهم واتساع سلطانهم. وصار التنين يرمز للصين عموماً وللحضارة والتقدم والغزو الصناعي الصيني للعالم.

كان الوصول والصعود إلى المعبد الصيني في جنتنغ يتم سابقاً عبر السيارات الشخصية وسيارات الأجرة والباصات، غير أن استحداث خط جديد لعربات التلفريك الذاهبة إلى قمة الجبال تتوقف عند المعبد، مَكَّن الكثير من الزوار من الوصول إليه بسهولة، والترجل في المحطة الاختيارية لزيارة المعبد، ثم مواصلة رحلتهم إلى أعالي جنتنغ حيث أكبر وأجمل مدينة ملاهٍ في ماليزيا وجنوب شرقي آسيا.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply