مقاربات في القوانين بين تطبيقات بدء التاريخ وما بعده

أمل بورتر

إبّان بزوغ الحضارات المتنوعة ونموّها وعبر مسيراتها الطويلة لبناء مجتمعات متطورة وفاعلة أرست معطيات جديدة ومتقدمة تتلاءم في نضوجها ووعيها ضمن إسهامات تشريعية مميزة، كما اعتمدت في ازدهارها وتقدّمها على تبني وترسيخ الفكر المدني الاجتماعي بمؤسّساته المتنوعة والثابتة. حينها  كان فكرالانسان قد  قطع أشواطاً بعيدة مواصلاً سعيه لخلق مجتمعات تعي ذاتها وتلبّي حاجات أفرادها بخلفياتهم المتعددة مهنياً وطبقياً ، ليكون المجتمع متصالحاً مع نفسه بتوفير الأسسس التي يعتمدها في بناء حياته

اعتمدت أغلب تلك التشريعات في تطلعاتها وتوجهاتها وسعيها على نوع من المساواة إلى حدّ ما بين طبقاتها المختلفة، وكذلك بشيء من العدالة التي تسير وفقاً لممارسات تلك المجتمعات واحتياجاتها. ومن خلال البحث والتقصي فإننا كثيراً ما نجد عدم تحيز واضح للجندر/الجنس وتفضيل أو غبن جنس على الآخر –من فترات  4000ما قبل الميلاد الى300-500 ميلادية تقريباً

كما أنّ القوانين المرعية أو الوضعية سُنّت بناء على مدى تطور وأهمية التعامل مع الممارسات الحياتية اليومية لأجيال أو لحضارات سابقة التي وصلت إلى الأجيال التي تلتها، وحين وظّفتها الأجيال اللّاحقة أعتمدت على سلامتها لشعوبها في ترسيخ العدالة والانصاف الاجتماعي. كثير من تلك القوانين كان نابعاً أصلاً من رحم تلك المجتمعات السابقة نتيجة لتراكم الخبرات إلى حدّ ما، إلًا إنّها شُذّبت وتمّ التعامل معها من قبل  الحضارات والدول التى سادت المنطقة فيما بعد، ويبدو أنّ قياداتها ميّزت وركزت تشريعاتها وفقاً للتطور الذي سار موازياً لحاجة المجتمع المتجددة وكذلك وفقاً للمتغيرات والتطورات حينذاك، ولم تغفل تعدد أطيافه المتباينة حضارياً أو طبقياً…. الخ. 

وفقا لتلك المجريات الحياتية حددت بنود القوانين الوضعية بكل تفرعاتها الجانبية التي لم يغفلها المشرّع، ممّا يدل على وجود وسيرورة متواصلة من الاستشارات والنقاشات العميقة حول تلك القوانين من قبل من هم من أصحاب التجربة والاختصاص والخبرة، كما يتم التاكيد فيها على أنّها قد أوحيت للحاكم من قبل سلطات كونية سماوية عليا لتكسب بعداً روحانياً يصعب تجاهله أو رفضه بل الطاعة التامة له. في تلك البنود القانونية المارة الذكر إشارة أيضاً إلى أنّ عدم طاعتها يؤدي إلى عقوبات في الحياة الدنيا والآخرة، أي أنّ  المخالف تتنظره عقوبات من كلتا السلطتين: الدنيوية والكونية الروحانية

 القوانين هذه  تتضمن نظرية التفويض الإلهي وتبدأ بجمل تمجّد الآلهة وتصبو الى العدل في السلطة وبين الناس عامة والقضاء على الإشكالات التي تمر بها الحياة الاجتماعية وحلّ العداوة واستخدام القانون بدل القوة وتوفير الرفاهية للشعب.

اعتمدت في هذا النص على تجاربي التي منحنتي الخبرة خلال عملي في المتحف العراقي لمدة تقرب من الخمس عشرة سنة من قبل افتتاحه حينما كنّا نقوم بتهيأة المعروضات للعرض أو الحفظ وإعداد الرسوم والبيانات التوضيحية وإصدار النشرات الخاصة بالافتتاح وحتّى أواخر السبعينيّات من القرن الماضي. كما أنّ في عائلتي أحد أهم أقطاب الآثار في العراق وهو الدكتور فرج بصمه جي وكنت أعمل معه عندما أصدر دليل المتحف العراقي ومع الخبراء الاجانب في ترتيب عرض اللُّقى والنتاجات الاثارية وكذلك في قسم النشر

إنّ شغفي وعشقي للآثار والتاريخ جعلاني مستمعة جيدة، وقد أغنتني تلك السنوات لأنّني عملت مع فطاحل  مثل فؤاد سفر ومحمد علي مصطفى في كتابهما (الحضر)، إلى جانب الإشراف على العمل لإخراج أغلب المطبوعات، كترجمة  كتاب (بارو) الى العربية وكلّ ما تمّ نشره من أبحاث في الكراريس الّتي صدرت للأساتذة  أصحاب الاختصاص ولكل من زاملت في وقتها وهم من أشبع فضولي ورغبتي بالاستزادة لأنّني لست آثارية، ولكنّ الفنون والأدب والشعر والقصة  عماد الاثار ولم أتوانَ عن قراءة مجلة  سومر-هذه المجلة الثمينة- وبقية إصدارات المتحف ودائرة الاثار

ووفقاً لنتاجات البحث والتنقيب التي نشرت عنها تفاصيل دقيقة في كثير من الكتب والنشرات والتقارير الصّادرة عن دائرة الاثار أو عن مؤسسات ثقافية حكومية أو النّتاجات الفرديّة فإنّ أقدم المدوّنات في التشريع مدوّنة أوروكاجينا (2345ق . م) ‏ثم مدوّنة أورنمو (2111-2003ق . م) ومدوّنة لبت عشتار( 1934- 1924ق . م) ثم مدوّنة أشنونا التي وجدت في تل حرمل، وهي أقدم من شريعة  حمورابي بنصف قرن. ثم جاءت مدوّنة حمورابي (1792-1750 ق . م)، وهناك نصّ آخر يسترعي الانتباه هو حكم  ونصائح شوروباك.

هذا استعراض موجز لأهمّ القوانين

قانون أورنمو:  يقدر تاريخه بحوالي2100-2050، وقد اعتمد أورنمو في تشريعاته على مبدأ التعويض لا القصاص. كما يلاحَظ أهتمام أورنمو بأور وإقامة المعابد فيها كمعبد الإله ننا أو نانا المعروف أيضاً بالإله سن وزوجته نينجال، وفي كلّ معبد لإله ذكر ترافقه زوجته وهي إلهة مثله. وقد سار هذا المنحى مع كلّ التشريعات الأخرى حسب مفهومها العام. 

قانون حمورابي: فيه إشارات وبنود قانونية تضمن حقّ الأرملة في الزواج ثانية مع الاحتفاظ بأطفالها، وضمان من المحكمة لحقوق أطفالها الذين أنجبتهم من زواج سابق  والذين ستنجبهم من زوجها الثاني. فأطفالها من زوجها السابق لهم حقّ فيما تملك، وإذا توفّيت  فأبناؤها السابقون واللاحقون يتقاسمون هباتها –أي الأموال العائدة لها

وصايا (شروباك) هي النص الأدبي السومري الأول في التاريخ الذي وصلنا، وقد كتب في حدود 2600 ق. م، ويمثل نصاً في الحكمة أو في أدب الحياة عامة. الوصايا هي تعاليم الملك السومري شروباك أو ملك مدينة شروباك وهو والد زيو سيدرا بطل الطوفان السومري الذي يعرف باسم اتونبشتم. وعلى هذا النص أستندت المصادر العبرية واقتبست منه قصة الطوفان وكذلك من ملحمة كلكامش

وصايا شروباك تشكل خارطة طريق نحو الاستقامة  والاستنارة وإقامة العدل والسير في طريق يوفر الرفاه والخير للمجتمع بكل طبقاته. وكانت مدينة شروباك مخصصة لعبادة الإلهة ننليل زوجة الإله السومري إنليل

إنّ القوانين المشرّعة تضمّ أحياناً مائة مادة قانونية، ولكنّ قانون لبث عشتار قد يكون أوسعها وتحوي مواده تفاصيل دقيقة جداً. القوانين الأخرى فيها تفاصيل مشابهة  كلها تدخل في  صميم تفاصيل  الحياة العملية اليومية  مثل تأجير الأراضي الزراعية وعقوبة المستأجر، وعقوبة المتجاوز على أموال أو ممتلكات الغير ومنها ما يعود للعبد أو الأَمَة، وعقوبة من لا يدفع الضرائب. وهناك تفصيل لواجب الكاهنات ومواد تنسّق  الأحوال الشخصية المدنية كحقوق العبيد والأماء وما يخصّ الاطفال والميراث بكل إشكالاته وحقوق الزوجة ومرضها، وتبعات العلاقات غير الشرعية 

لقد كانت تلك القوانين تؤكّد حقُّ المرأة في تملّك الأرض ووراثتها، وهذا ما تمّ التّوصّل إلى معرفته عن طريق اكتشاف العقود التي خُصّصت بموجبها قِطَع أراضٍ للنساء المتزوجات وغير المتزوجات على حدٍّ سواء، وهو ما يؤكِّد على أنَّ حقوق المرأة كانت لها الأهمية القصوى ولم تغفل او يتم تُتجاهل  

وتاكيداً لما  تقدّم  أرفق النص الّذي كتبته  ‏د.اسراء العمران في مؤلفها (كتاب قانون حمورابي: ٢٠٠٧)

 ” اهتم حمورابي بالأسرة وعدم إباحة الزواج عن طريق الخطف أو الاغتصاب بل كانت عقوبة المختطف او المغتصب هي الإعدام ولم يكافئ المغتصب على جريمته بتزويجه من المرأة التي اغتصبها

و جاء في قانون أشنونا في العراق القديم أنّه إذا تزوج رجل من امرأة بدون سؤال أبيها وأمها ولم يقم وليمة ليلة الزفاف ولم يكتب رقيماً مختوماً مع أمها وأبيها فإنّ هذه المرأة لا تعدّ زوجة شرعية له حتى لو عاشت في بيته سنة كاملة. نلاحظ هنا أن الذي شرّع هذا  القانون اعتبر الأمّ والأب على درجة واحدة من الاهمية ويتساويان قانونياً في منح موافقتهما سوية

أمّا الملك السومري “شولكي” (2029-1982) قبل الميلاد ابن الملك اورنمو 

لم أسلّم اليتيم ليصبح عبداً عند الرجل الغني 

و لم أترك الأرملة بيد الرجل القوي 

فالكل يخضع لعدالة واحدة 

فمن عنده شعير كمن يملك الفضّة

ومن عنده خروف واحد كمن لديه قطيع من الثيران

الكل عندي متساوون في المنزلة 

ولهم نفس الحقوق و عليهم نفس الواجبات

يشير صموئيل نوح كريمر في كتبه إلى أنّ أول برلمان في التاريخ كان في بلاد سومر عام 3000 قبل الميلاد وتكوّن من مجلسين – مجلس الشيوخ و مجلس المحاربين. 

‏ 

القضاء

يشير الزميل أحمد أحمد العراقي في موقع  تاريخ العراق الالكترونيّ إلى أنّ القضاء في بلاد السومريين كان يعدّ اختصاصاً مهنيّاً، وكانوا يسمّون القاضي دي-كو وتقابلها بالاكدية كلمة ديانو. كانت للقضاء شفافية وأسس قسم منها موجود حتّى الوقت الراهن. كانت المحاكمات تجرى علناً لاسيّما في عهد حمورابي، ويمنح ذلك النّاس شعوراً بالعدالة

تنصّ إحدى موادّ شريعة لبت عشتار على عدم جواز إلقاء القبض على شخص بسبب فعل جُرميّ لم تثبت إدانته فيه وهو ما نشير إليه اليوم بأنّ [المتهم بريء حتى تثبت ادانته]، وأن يدوّن كلّ ما يجري في المحكمة من أحكام وقرارات ليعطي هذا صورة مصداقية للمحاكم . تضمّن قانون حمورابي كفالة الطعن -كما هو موجود الان- حيث توجد محاكم درجة أولى يجلس فيها القضاة منفردين ثم محاكم المقاطعات الشّبيهة بمحاكم الاستتئناف اليوم ثم المحاكم الملكية الّتي كانت تعقد لحسم دعاوى إنكار الأدلّة ولتثبيت العدالة

هذا معبد له من الأهمية ما لباقي ألمعابد  لكنّ له خاصية متفرّدة معمارياً حيث نجد أن هذا القوس الموجود فيه يعدّ أوّل قوس صُمّم ونُفّذ في التأريخ المعماري البشري

pastedGraphic.png

تجدر الإشارة إلى أنّ وثيقة القوانين كل القوانين تسمى وثيقة القوانين تتضمن عهداً ممّن سنّها بتنفيذ كل محتوياتها ولعنة على كل من يحاول تشويه الوثيقة واستنزال لعنات الالهة عليهم.

وهذا مثل اخر يغني معرفتنا عن شراكة  المرأة وعدم تجاهل وجودها أو إغفال دورها وقد جاء في نص طيني في وصف ما دار عن بناء معبد: “عندما باشر كوديا ببناء معبد الايننو (الخمسين) فقد باشرت الالهة جميعا العمل مع كوديا” ثمّ يذكرأنّ “الاله انكي ملآ الاسس بالتراب ، الالهة نانشة همت بقراءة التراتيل، والالهة كامتدوك امرت بوضع الاجر المخصص للبناء، والالهة باؤو نشرت الزيت والعطر، والكهنة وقفوا بجانب البيت، كوديا قام بحمل سلة البناء على راسه مثل التاج وقام بوضع الاسس، وفي اليوم السابع وضع الأحجار حول البيت ونصب المسلة الرئيسية ليبدأ البيت يكبر مثل جبل من اللازورد”

نقرأ في أدبيّات حضارة العراق القديمة أمثلة على دور المراة في الحياة

قدّمت القرابين للرياح الاربعة
وضعت البخور على قمة الجبل 
ونصبت سبعة وسبعة قدور
للنذور
ووضعت تحتهنَّ القصب والياس والسدر
فاشتمّت الالهة روائح المذاق
رائحة طيبة
وأجتمعت الالهة كأنّها الذباب حول مقدّم النذور
وفجأة وصلت الإلهة بيليت-ايلي
ورفعت عقد الزمرّد الذي صنعه لها الإله آنو
بمناسبة اقترانهما وقالت:
أيّتها الالهة دعي هذه الاحجار الكريمة المنظومة في قلادتي تذكّرني بهذه الايام وان لا انساها ابدا
كل الالهة تاتي الى حيث البخور

وقال (انكي) مخاطبا عبده

ابنِ سفينةً واحمل فيها زوجتك وصاحبك وقريبك والعمال الماهرين وحيوانات السهل وطيور السماء

وفي هذا النص اتونبشتم يحدث گلگامش

دخل انليل إلى باطن السفينة وأخذ بيدي وأتى بي على ظهرها ثم أتى بزوجتي وجعلها تركع بجانبي ومسح على جباهنا وباركَنا قائلاً

“في السابق كان أتو نبشتم بشر يدركه الموت
لكن الان سيكون هو وزوجته مثلنا نحن الالهة
اوتو-نبشتم سيقيم بعيدا عند فم الانهار”
وأخذوني بالسفنية بعيدا الى فم الانهار


*كيف خُلق الإنسان 

نمّو أم ّالاله أنكي تناديه وهو نائم

“يا بُنيّ قم واخلق لنا خدماً للآلهة لينتجوا أشباههم”
أعطاها انكي  هذه الوصفة من أجل خلق البشر…
قال لها أنكي
يا أمّي المخلوق الذي نطقت باسمه موجود
اربطي عليه صورة الالهة
اخلطي قالب الصلصال الذي فوق الغور
الخالقون الطيبون يكتفون بالصلصال
إن ننماخ الآلهة الأم سوف تعمل معك
وآلهة الولادة سوف تقف معك في خلقك
يا أمي  قرري مصير هذا الوليد….

هناك منحى لمقارنة الأوضاع الاجتماعية والقانونية  في العراق القديم  بما وصلت إليه المجتمعات الحالية في الوقت الحاضر، و تحاول بعض الاستقراءات أن تصوّر الاوضاع الاجتماعية في حضاراتنا السالفة  على أنّها مزرية بالكامل بدون سبر اغوار التقدم والتطور فيها لا سيّما فيما يخصّ مكانة المراة و أوضاعها الاجتماعية في بيئات صعبة جغرافيّاً، و يبدو أنّها كانت تتمتّع باستقلاليتها  عكس ما يخيّل للكثير حالياً

و على الرّغم ممّا  توصّلت إليه البشرية عبر القرون من معطيات  متقدمة وتطورات هائلة في العلوم و نشاطات الفكرالأخرى فإنّ المراة في كثير من بقاع الكرة الارضية ما زالت تحاول جاهدة الجصول على المساواة  في الجندر/الجنس والعدالة، والطّريق أمامها  ما زال طويلاً جداً. ولكي تكون المقارنة منصفة ساورد هنا  بعض الامثلة عن حياة نساء لسن من الطبقة المتمكنة العليا  فقط بل من المجتمع العام يعملن  بشتى أنواع المهن أو يقمن بامور البيت  والاطفال ولابد أنّ الرجل حينها كان مشاركاً لها

يقول الدكتورعبد الامير الحمداني  في نصّ له: كانت معظم النساء في بلاد الرافدين مُتعلّمات يلتحقنَ بالمدارسِ ويتعلّمنَ الكتابةَ وعلمَي الحساب والفلك. تمَّ تأليفُ العديد من التراتيل المكتوبة للإلهة إينانا من قِبِل نسوة  أبرزهنّ إنخدوانا ابنة الملك سرجون الأكدي وكاهنة معبد إله القمر في مدينة أور. كان من حقِّ المرأة الحصول على لقب “أنتو” وهو لقب خاص بالسلطة الكهنوتية يعني “المرأة المُخلصة التي تفوقُ الحكمة “، وكان يمكن للمرأة أن تدير ثروتها إن لم تكن مرتبطة بكهانة معبد أو قيمومة ضريح 

لم يكن للرجل الحقّ بالزواج بأكثرمن امرأةٍ واحدة ولا توجد أدلةٌ على تعدّد الزوجات.

ربّات العمل

كان للنساء حقٌّ في إدارة الأعمال ومنها الإشراف على المصالح والمعامل، وكنَّ يمتلكن أراضي وعقارات وممتلكات، فقد ورد في ملحمة جلجامش -على سبيل المثال- ذكرُ امرأة اسمها (سيدوري) كانت تمتلك حانةً عند تخومِ أوروك. و تُظهرُ السجلات التاريخية والمدونات الأدبية و الأختام الإسطوانية أنَّ بعض النساء كنَّ كاتبات وأديبات، بل إنَّ رعاية الكتابة والتدوين أُنيطت بسيدة هي الآلهة نيسابا

pastedGraphic_1.png

 إن الكثير من النصوص كانت تجري على لسان المراة وتصف حريتها بالبوح عن رغباتها وحبها للحبيب ولم تكن هناك أيّة محظورات في الحب والعشق، فقد وُصفت (عناة) على أنها (عديلة الأمم) وكان لها موقعها الخاص في قلب الإله بعل الذي كان أحياناً يصفها بالحبيبة. و هو يتحدّث عنها في قصيدة جميلة رقيقة يرسلها لها كدعوة حب، فيقول

على صدرها تضع المرجان

رمز لتقوى المنتصر بعل

وتحت أرجل عناة

قدم الاحترام

وأنحنى

تمجيدًا لها

الحرب على الأرض مخالفة لإرادتي

بلقاح المحبة لقّح الأرض

أسكب السلام

في كبد الأرض

والعسل في قلب الحقول

أبعد عنك هراوتك وسلاحك

ولتسعى أرجلك نحوي

لتسرع خطاك

فعندي 

رسالة لك

وكلمة أعيدها عليك

إنها رسالة الشجرة

ووشوشة البحر

وهمس السماء والأرض

والمحيطات والنجوم

إني أدعو السماوات والصاعقة 

لتدعو الناس

ليعلم سكان الأرض الرسالة

تصل الرسالة إلى الآلهة عناة وترد عليها بإرسال رسولين بالجواب، ولكن كما يبدو فإنّ الحببية كانت في شوق إلى المنادي، إذ لم تنتظر عودة الجواب بل تطير محلّقة متّجهة إلى (بعل) فيلمحها في الأفق البعيد، يستعد لإستقبالها وينحر لها ثوراً وبقدومها تبتهج الطبيعة وتتكاثر الحيوانات وتبنت الزهور، فإنها إلهة الخصب كما تقول الأسطورة الكنعانية وهي عشتار السومرية التي تبحث عن دموزي وتغنّي (عناة):

سأضع في الأرض خبزاً

سأضع في التراب لقاحاً

وسيكون للأرض قربان

وللحقول تقدِمات

كأقدم نص  لقصيدة حب في التأريخ من بلاد وادي الرافدين عمرها 4000 سنة كتبتها صبيّة  لحبيبها على لوح طينيّ ( الصّورة) وقد درسها الاستاذ الدكتور أندرو جورج  في مادّته  للدراسات البابليّة

تقول القصيدة

ابحث عني إلى ان تجدني 

أنا في البرّيّة وقد انتهيت من اقتلاع الأشواك 

والآن سأزرع كرمة عنب 

وقد غمرت النار المستعرة في داخلي بالماء 

فأحبَّني كما تحب حملانَك الصغيرة  واعتنِ بي كما تعتني بقطيع ماشيتك 

وابحث عنّي إلى أن تجدني  

pastedGraphic_2.png

وهذه قصيدة أخرى من أوائل قصائد الحبّ في بلاد الرافدين

أيّها العريس..حبيب أنت إلى قلبي

وسيم انت جميل..حلو كالعسل

ايها الاسد..حبيب انت الى قلبي

وسيم  انت جميل.. حلو كالعسل

لقد ملكتني، فدعني أقف امامك واجفة

أيها العريس هلاّ حملتني معك الى المخدع

أيها العريس دعني أضمّك إليّ

دعنا نتنعم  بهذ الوسامة الحلوة

أيها العريس لقد تمتعت وأبتهجت معي

فأخبر أمي فستقدم لك الطيبات

وأبي سيغدق عليك الهبات

قلبك..أنا اعرف كيف أبهج  قلبك 

ايها العريس أغفُ في بيتنا حتى الفجر

ما دمت تحبني  يا شورس

الذي ملا قلب ايليل غبطة

ضمّني إليك

الهوامش والمصادر

George, Andrew (2003) The Babylonian Gilgamesh Epic: Introduction, Critical Edition and Cuneiform Texts. Oxford: Oxford University Press.

إسراء جاسم عمران، كتاب قانون حمورابي، عن الأكاديمية العربية في الدنمارك، نوفمبر ٢٠٠٧ 

مدونة العراق في التأريخ

https://www.facebook.com/SavingWorldCulturalHeritage

https://www.change.org/p/theresa-may-mp-please-save-iraqi-heritage

https://www.change.org/p/theresa-may-mp-please-save-iraqi-heritage

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply