
Abstract
This article deals with a historical overview of music as a universal language in which it speaks to people, as well as reviewing some aspects of the biography of the Sheikh of Eastern music, Mullah Othman al-Mawsili (1854-1923 AD). This will coincide with the centenary of his death in the year 2023, as well as aspects of the influences of this artistic musical pioneer whose music reached to the West and other parts of the world.
الملخّص
تتناول هذه المقالة نبذة تاريخية عن الموسيقى بوصفها لغة عالمية تتخاطب بها الشعوب، وتستعرض بعض جوانب سيرة شيخ الموسيقى الشرقية الملّا عثمان الموصلي (1854-1923م) والذي ستصادف الذكرى المئوية لوفاته في العام 2023، كما تعرض جوانب من تأثيرات هذا الرائد الموسيقي الفنية الذي وصلت موسيقاه إلى الغرب ومناطق أخرى من العالم.
الموسيقى وجذورها التاريخية
تُعدّ الموسيقى Music لغة تعبير عالمية اهتم بها الإنسان منذ أقدم العصور وتمتد جذورها الأصلية إلى آلاف السنين قبل الميلاد وتعدّ القيثارة السومرية أقدم آلة موسيقية عرفها التاريخ، وقد وجدت في مدينة أور في جنوب بلاد الرافدين ويرجع تاريخها إلى 2450 ق.م. والآلة هذه هي المفتاح الأساسيّ لصنع الآلات الوترية كلّها.
لقد تناقلت شعوب العالم معظم الجوانب العلمية والحضارية فيما بينها من الشرق إلى الغرب وبالعكس. من ذلك فقد تناقلت شعوب العالم الأغاني والآلات الموسيقية فيما بينها وقام كل طرف بتطوير ما أخذه وفق ما يناسب بيئته. ويسجل التاريخ هذه الحقيقة فيقول المؤرخ الإغريقي هيردوت إنّه سمع أغاني في مصر ثم وجدها فيما بعد قد صارت أغاني شعبية في بلاد اليونان.
لقد كان للعرب دور مؤثر في الموسيقى العالمية والغربية، فكانت الموشّحات الأندلسية التي أبدع فيها وطوّرها زرياب الموصلي (789-857م) الذي أضاف الوتر الخامس إلى العود بعد أن رحّله من بغداد أستاذه إبراهيم الموصلي المغنّي الخاص لهارون الرشيد. كما طُوّرت الموسيقى ووُظِّفت وفق البيئة الأندلسية، ومن بلاد الأندلس انتقلت إبداعات العرب في الموسيقى إلى أوربا.
بالمقابل فقد تأثرت الموسيقى العربية بالموسيقى الغربية منذ منتصف القرن العشرين ودخلت الآلات الموسيقية الغربية إلى التخت الشرقي، كما ظهر موسيقيون أدخلوا الموسيقى الغربية في ألحانهم مثل محمد عبد الوهاب والأخوين رحباني. وفي مرحلة التسعينيات مزجت الألحان بين ما هو شرقي وما هو غربي. ومع هيمنة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي على عالم اليوم، أصبح العالم (قرية صغيرة) وتداخلت الموسيقى أكثر وأكثر.
جذور الموسيقى الأوروبية:
تعود جذور الموسيقى في أوروبا للعام 500 للميلاد اذ بدأت في تراتيل الكنائس ثم تطورت في مراحل متعددة. ومنذ القرن الثامن عشر انتشرت الموسيقى الكلاسيكية التي اتسمت بظهور السيمفونيات الموسيقية على أيدي عدد كبير من الموسيقيين البارزين مثل هايدن وموزارت، ثم ظهر بيتهوفن وهيندميث وسترافينسكي وتشايكوفسكي وآخرون، ثم ظهرت الموسيقى الحديثة بأنواعها المختلفة.
الموسيقى مصدر فخر للشعوب:
تُعد الموسيقى وفن الغناء جزءاً أساسياً من ثقافة الشعوب يُظهر شيئاً فريداً يميّز كل شعب وكل منطقة من مناطقه. فلا غرابة أن تفتخر الدول والشعوب بأعظم موسيقيّيها: فألمانيا تفخر ببتهوفن والنمسا تفخر بموزارت وروسيا تفخر بتشايكوفسكي. ويتساءل الكاتب العراقي المعروف الأستاذ زيد خلدون الجميل: ” من لدى العرب بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام في مستوى أولئك العظماء؟” ثم يجيب الأستاذ الجميل: “نعم.. إنه عثمان الموصلي (1854-1923 م)”.
شيخ الموسيقى الشرقية في الذكرى المئوية لرحيله:
تصادف في الثلاثين من كانون الثاني 2023م ذكرى مرور مائة عام على وفاة الملّا عثمان الموصلي (1854-1923م)، وهو رائد عراقي كبير ترك آثاراً فنية نفيسة في الشرق الأوسط وما جاوره من بلدان، بدأ مقرئا للقرآن الكريم ومنشداً دينياً ثم أخذت دائرة شهرته تتسع لتصل كل مكان.
والموصلي عَلَم بارز من أعلام الموسيقى الشرقية والعربية وهو شخصية عصامية فرضت نفسها بقوة على منطقة الشرق الأوسط، وفي النصف الأول من القرن العشرين غدت ألحانه كالفلك الذي تدور حوله الموسيقى في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر وتركيا وإيران ووصلت إلى الهند شرقاً وإلى اليونان وما جاورها غرباً.
ولد عثمان في الموصل لعائلة فقيرة، وفقَدَ والده وهو في السابعة من عمره ثم فقَدَ بصره بسبب إصابته بمرض الجدري. وقد سخَّر الله له من يعينه ويعلِّمه وعوّضه بذكاء حاد وصوت جميل عذب وقدرة على الحفظ وكتابة الشعر وصياغة الألحان بطريقة مذهلة، فجمع بين قراءة القرآن والشعر والنغم والأدب وجادت قريحته بعطاء متدفّق لا نظير له، فانتشرت ألحانه في أرجاء العالم العربي وما جاوره من بلدان.
انتقل الموصلي إلى بغداد ثم أكمل دراسته في إسطنبول مركز الخلافة العثمانيّة، وكان يتقن اللغة التركية والفارسية، فضلاً عن لغته الأم العربيّة. واستطاع بذكائه أن يصل إلى السلطان عبد الحميد الثاني (1842- 1918) الذي اختصه لنفسه وعيّنه رئيسا وإماماً وممجِّداً في جامع “أيا صوفيا” بإسطنبول، كما أصبح مبعوث السلطان الخاص للبلدان.
وعاش الموصلي في مصر مدّة من الزمن وتأثر به عدد من رجالات مصر منهم شيخ قرّاء مصر محمّد رفعت وعبده الحامولي ومحمّد عثمان وكامل الخلعي، وأقام في بيروت والشام وحلب وترك آثاراً هناك، كما تتلمذ على يديه سيد درويش (1892-1923) وآخرون.
لقد كانت أكثر آثار الموصلي الفنية أناشيد دينية وتم تحويلها إلى أغاني عاطفية، فأخذ سيد درويش من الملّا عثمان الكثير من الألحان وحوّلها من إنشاد ديني إلى غناء عاطفي ومنها أغنية “زوروني كلّ سنة مرّة” وهي بالأصل “زر قبر الحبيب مرّة” وأغنية “طلعت يا محلا نورها” وهي بالأصل موشّح “بهوى المختار المهدي”. وهناك الكثير من الألحان التراثية الرائعة التي تعود إلى الموصلي ومنها “قدُّك الميّاس” و “أمّ العيون السود” و “فوك النخل”.
نماذج من تأثيرات الموصلي الموسيقية:
لقد ترك الموصلي في تركيا ألحاناً خالدة أصبحت من التراث التركي، من ذلك موشّح دينيّ صاغه الموصلي في مدح آل البيت تقول كلماته:
آل الرسول المرتجى غوث العوالم هم للورى سُفن النّجا عند الدوا هم
تم تغيير كلمات الموشّح الأصلية إلى الأغنية المعروفة “لغةَ العربِ أذكرينا واندُبي ما فاتْ”، وقد اقتبس فنانون في الشرق الأوسط وأوروبا والهند ذلك اللحن تحت عناوين مختلفة. وتم تغيير الكلمات مرة ثانية ليولد الموشح الديني الرائع ” وقفتُ بالذلِّ في أبوابِ عزّكمُ” وباللحن نفسه. ثم تم تغيير الكلمات مرة ثالثة إلى كلمات عاطفية لتولد الأغنية الشهيرة “يا عذولي لا تلمني فالهوى قتّال”. وقد وصل هذا اللحن الخالد إلى البلقان في الثلاثينيات، وهو معروف في تركيا و هم يعدّونه من التراث التركي، وأشهر من غناه المغنية التركية الشهيرة (صفية آيلا) زوجة الموسيقار (محيي الدين حيدر)، وغنّاه آخرون. كما غنى المطرب زكي موران Zeki Müren في الستينيات أغنية “في الطريق إلى أسكودار” باللحن نفسه، وهي من أغاني التراث الشعبي التركي.
ومن الأغاني الشهيرة للموصلي أغنية “البنت الشلبيَّة” الأغنية التوأم لأغنية “يا عذولي لا تلمني فالهوى قتّال”، وقد حملت هذه الأغنية صفة العالمية وتُصنَّف من ضمن أهم مائة أغنية معروفة في العالم العربي وفازت بجائزة أجمل أغنية في إحدى دورات مهرجان البحر المتوسط.
انتقل لحن أغنية “البنت الشلبيَّة” إلى تركيا، وأشهر من غنّاه المغنية التركية Deniz Seki تحت عنوان (Böyle Gelmiş Böyle Gider)، وانتشر اللحن عالمياً في العديد من البلدان وتغنّوا به في لغات مختلفة وبعد قرابة ثلاثة عقود من وفاة الملّا عثمان ظهر هذا اللحن في الهند. ويذكر (سلامة عبد الحميد) في مدوّنته بتاريخ 15 ديسمبر 2010 أنّ أغنية “البنت الشلبيَّة” التي غنتها فيروز مقتبسة أصلاً من لحن هندي مطابق عام 1959 ويؤكد ذلك أيضاً الكاتب العراقي المعروف (زيد خلدون جميل) وأنّ أغنية “البنت الشلبيَّة” قد اقتبسها أحد المغنيين الهنود عام 1959 ثم غنتها فيروز. ويضيف زيد خلدون جميل: “ومما هو جدير بالذكر أن أشهر أغاني فيروز، (زوروني كلّ سنة مرّة) و (البنت الشلبيَّة) كانتا في الحقيقة من تلحين الموسيقار العراقي العظيم عثمان الموصلي”.
ومن موشّحات الموصلي الأخرى “النوم مُحرَّم لأجفاني” الذي يذكر العديد من الكُتّاب أنّه نُقل إلى مصر بعد تغيير كلماته ليصبح الأغنية الشهيرة “آه يا زين العاشقين” التي ينسبها البعض إلى سيد درويش. وتؤكد جريدة (المدى) اليومية بعددها الصادر في 29/2/2012 أن لحن الأغنية المصرية الشهيرة “آه يا زين العاشقين” مقتبس أصلاً من موشح الموصلي ” النوم مُحرَّم لأجفاني”. ويذكر الكاتب حسن نصراوي في عدد جريدة (العربي اليوم) الصادر في 22 أكتوبر 2019 أن موشح الموصلي ” النوم مُحرَّم لأجفاني” يُغنى في مصر تحت عنوان “آه يا زين العاشقين”. انتشر هذا اللحن في أرجاء العالم وعزفته كثير من الفرق الأجنبية تحت عنوان (آه يا زين Ah ya zen).
المصادر
عثمان الموصلي الموسيقار الشاعر المتصوف، تأليف الدكتور عادل البكري، مطبعة العاني- بغداد، 1966.
أحد النماذج الحيَّة على إبداعات الملا عثمان اللحنيَّة، د. باسل يونس ذنون الخياط، مركز الوتر السابع للفنان روحي خماش، القاهرة، 17-10-2020.
أغنية “البنت الشلبيَّة” من روائع الملّا عثمان العالمية، د. باسل يونس ذنون الخياط، مركز الوتر السابع للفنان روحي خماش، القاهرة،11-12-2020.
تاريخ الموسيقى العالمية، تأليف ثيودور م. فيني، ترجمة الدكتورة سمحة الخولي، ومحمد جمال عبد الرحيم، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2016.
نشأة الموسيقى العربية وتطوّرها، مؤرشف من الأصل في 24 أغسطس 2018.
واي باك مشين، أروع الموسيقى التركية.
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل