نفحات شرقية في قصيدة غربية

نادية خوندنة

قراءة في ملحمة شوتا روستافيللي: الفارس في إهاب النمر

نادية عبدالوهاب خوندنة

شكر خاص لسعادة سفير جمهورية جورجيا بالمملكة العربية السعودية  السيد   Vakhtang Jaoshivili  على تكرمه بإرسال نسخة للكاتبة من الترجمة العربية للقصيدة.

سنعود بعجلة الزمن إلى الوراء وبالتحديد إلى بدايات القرن الثالث عشر الميلادي لنستعرض معاً عملاً أدبياً استثنائياً لشوتا روستافيللي   Shota Rustaveliوهو أعظم أدباء جمهورية جورجيا و لايزال يتبوأ مكانة سامقة في عالم الأدب حتى العصر الحاضر. 

  تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على أيقونته الخالدة ” الفارس في إهاب النمر” The Knight in the Tiger Skinو بعض من خصائصها الفنية شكلاً و موضوعاً، و استجلاء النفحات الشرقية في هذه الملحمة الشعرية  السردية الهامة و تمثلاتها المضيئة في شخصية أبطال الملحمة و أخلاقهم النبيلة و التي تعطي صورة إيجابية مبهرة عن العقيدة الإسلامية على يد كاتب مسيحي له صلة وثيقة بالكنيسة و بالبلاط الملكي، الأمر الذي جعل رجال الكنيسة في وقت ظهور الملحمة يشكّون في أن الشاعر شوتا روستافيللي قد اعتنق الإسلام و لكن الإهداء الذي تصدر هذا العمل الأدبي المتميز يوضح أنه كُتب لتمجيد الملكة تامار (1160-1213) و التي كانت أول امرأة تعتلي عرش البلاد و قد شهدت جورجيا في عهدها عصراً ذهبياً وعلى وجه الخصوص ازدهارا ثقافياً و نهضة أدبية كبيرة. 

  ولد شوتا روستافيلي عام 1160 في قرية روستافيلي التي ينسب إليها في إقليم مسخيتا بجورجيا وتوفي بالقدس عام 1220 (وهذه تواريخ تقريبية). ظلت هذه القصيدة مقدرّة كملحمة وطنية هامة على مدى قرون طويلة حتى قيل أنها كانت جزء من مهر النساء فتحمل كل عروس معها نسخة منها إلى بيت الزوجية، كما كان كثير من أبياتها يُحفظ عن ظهر قلب من جميع الأعمار و من الجنسين من أهل جورجيا الذين لايزالون يبجلون كاتبها و لايزال أسمه يتمتع بالقيمة الأدبية الرفيعة حتى الوقت الحاضر، فهو بمثابة شكسبير و مكانته في الأدب الإنجليزي و من مظاهر ذلك إطلاق إسم روستافيللي على مطار العاصمة تبليسي، كما تحمل جامعتين إسمه في المدينتين الرئيستين تبليسي و باتومي و كذلك العديد من الجوائز الأدبية و الفنية و المؤسسات التعليمة مثل المؤسسة الوطنية للعلوم بجورجيا وتزين صورته الورقة النقدية من العملة الجورجية فئة المائة لاري ناهيك عن المسارح و المتاحف و الشوارع الرئيسية العديدة التي تخلده. 

وقبل أن نفصل أكثر عن القصيدة نود إلقاء بعض الضوء على الخلفية التاريخية لها، وإنها لحقيقة ثابتة أن العصور الوسطى معروفة بفترة الحروب الصليبية والتي بسبب ترسباتها المتراكمة خلال العقود الزمنية الطويلة لازال هناك الكثير من الجفاء للإسلام والمسلمين وإن كانت العلاقات الديبلوماسية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية قد لطفت الكثير من هذا الأمر وأوجدت بدلاً منه قنواتٍ للحوار الحضاري والثقافي. 

و من هنا نجد أهمية هذه الملحمة الشعرية التي قدمت صورة مغايرة لما تجذر في الأذهان ظلماً عن المسلمين و تعاملهم مع غير أتباع ملتهم، فهي تتبع تياراً وواقعاً منصفاً للمسلمين لأنه هذا الإنصاف في كتابات الغربيين قد يكون مغيباً في أوقات كثيرة، ومن أمثلة ذلك أن تلك الفترة قد شهدت بداية لعلاقة حضارية مثالية بين المسلمين و المسيحيين، “بعيدة عن التعصب الديني” ممثلة في القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي و القيصر الألماني فريدريش الأول اللذين تمت بينهما مراسلات مكتوبة بأسلوب ينم عن احترام و تقدير متبادل و استمر أسلوب التعامل الراقي بين الطرفين مروراً بهاينريش السادسVI Heinrich، وكذلك مع الملك فريدريك الثانيFriedrich II  الذي عقد معاهدة سلام مع السلطان الكامل. 

وبالتركيز على بلاد الشاعر شوتا روستفايلي و علاقتها بالعالمين العربي و الإسلامي فهي بالطبع علاقة ممتدة لفترة طويلة يوجزها لنا الكاتب سعيد السوقايلي فيقول:

“فتح العرب بعضاً من بلاد القوقاز، وكونوا بها إمارة تيفيليس، حيث دامت سيادتهم عليها ما بين القرنين الثامن والحادي عشر الميلاديين، وقد كانت العلاقة بين ملوك جورجيا وأمراء العرب قائمة على الاحترام بفضل تجذر القيم الأصيلة لدى شعبهم، والتي تفاعلت إيجاباً مع تعاليم الإسلام، لذلك نجد الشعب الجورجي يكن تقديراً كبيراً للعرب، بخلاف الأمم الأخرى التي سيطرت عليهم لأسباب سياسية توسعية، وهذا لا يعدم من كونهم قد تواصلوا أيضاً مع الفرس والهند واليونان، لكن العلاقة الثنائية بينهم وبين العرب كانت ذات حظوة وإعجاب متبادل، بالمقابل فقد عرف العرب أيضاً في الإنسان الجورجي نبل أخلاقه، وسعة ثقافته المنفتحة على مختلف المعارف والعلوم والمواهب المتعددة بفضل تلقيه لتربية أصيلة وسوية. تم التفكير في الاستقلال السياسي عن العرب في القرن 12م، في عهد الملكة تمار التي عرفت جورجيا خلال حكمها أوج ازدهارها وتقدمها، حيث ظهرت المعاهد العلمية والمدارس الفلسفية بهدف تحقيق إقلاع حضاري، لكن بخلفية إسلامية أصيلة، وفي هذه الفترة الزاهرة شكل الأدب الجورجي ازدهاراً وإشعاعاً بفضل احتكاكه بالفكر الإسلامي” ( السوقايلي 2016).

الخصائص الفنية: 

ترجح المصادر المختلفة أن شوتا كتب ملحمته ما بين عامي 1205 و1207 ولكنها لم تطبع إلاّ في عام 1712 فكانت من أوائل الكتب الجورجية المطبوعة. و قد ترجمت إلى لغات عديدة، مثل الترجمة النثرية إلى اللغة الإنجليزية على يد Marjory Scott   Wardrop الباحثة و المترجمة البريطانية (1869-1909) و قد طبعت بعد وفاتها  1912 و الأخرى ترجمة شعرية للشاعرة الأمريكية  (1943-)Lynn Coffin  الصادرة عام 2015.  كما ترجمها إلى اللغة العربية عام 1984 عن الإنجليزية والفرنسية الشاعر السوري نزار خليلي (1925-2017)، ثم أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب طباعتها 2015.

تبلغ الملحمة   6612 بيتاً وبصورة أدق تتكون من 1653 رباعية من النفس الطويل، ويتألف البيت الواحد من ستة عشر مقطعاً صوتياً موزعة بالتساوي على شطرين، مع وجود وقفة بين المقطعين الثامن و التاسع، وتختلف القافية من رباعية إلى أخرى، ولكن تلتزم نهاية كل سطر من الرباعية بمقاطع صوتية واحدة يتراوح عددها بين اثتنين وثلاثة. 

وكتابة الملحمة بأسلوب الرباعيات أحد أمثلة التأثر بالشعر الفارسي الذي أشتهر بهذا النوع من النظم وبالطبع فإن رباعيات الخيام هي المثال الأكثر شهرة في هذا المجال، وقد أطلق على هذه الخاصية الفنية إسم الشاعري Shairi و لايزال ينسب إلي شوتا روستافيلي لكونه من أوائل من أستعمله من الشعراء الغربيين، نظراً لتمكن الشاعر شوتا من اللغة الفارسية فقد كان على إطلاع على الأدب الفارسي بسبب العلاقات الممتدة  بين البلدين تاريخياً لقرون طويلة والتأثر جلي في الملحمة بكثير من الأعمال الأدبية الشرقية مثل ملحمة الفردوسي الشاهنامة و التي كان أحد أبطالها الفارس رستم واشتهر بلبس جلد النمر أيضاً.. كذلك يتكرر ذكر قصة العشق الكبيرة بين فيس ورامين لفخر الدين الجورجاني.

في مقدمة الملحمة يذكر شوتا بوضوح مصدر اقتباسه لعمله الشعري الكبير فيقول: 

هذه حكاية فارسية أرويها باللغة الجورجية 

مثل الدرة اليتيمة تتوارثها الأجيال من يد إلى يد

وجدتها ونظمتها شعراً، وغامرت في هذا العمل،

لتحكم عليّ حبيبتي الجميلة، التي سلبت مني القلب والعقل. (الرباعية التاسعة)

وإن كانت الملاحم من صنوف الشعر السردي، و من أهم أنواعه فأننا نجد هنا في بناء الملحمة ثراء أسلوب السرد الحكائي بكثير من عناصره المتنوعة من وصف، وحوار، و تنوع الأصوات الساردة و حبكة و ذروة الأحداث و انفراج العقدة ثم الخاتمة و هو أسلوب جذاب و مشوق و يبعد الملل عن قارئ العمل نظراً لطول القصيدة بل أنه أيضاً يقسم الملحمة الطويلة إلى 47فصلاً معنوناً  مثل فصول رواية ممتدة فصار العمل خليطاً جاذباً متعدد الأجناس الأدبية.  

 من جماليات هذا العمل الحكايات المتناسلة من بعضها البعض بطريقة ولا بد أن تذكر القارئ بحكايات ألف ليلة وليلة ليس فقط في اعتماد تقنية القصة داخل القصة، ولكن أيضاً في الأجواء الأسطورية والفانتازيا في وصف فخامة القصور الملكية والولائم الفاخرة والهدايا النفيسة من مجوهرات و ألماس و جواهر كريمة ولآلئ نادرة بل إن مشهد الكنوز المخبأة في أحد الكهوف وكأنّا به وصف حسيّ حي لمغارة علي بابا من ثنايا ألف ليلة و ليلة. 

 والأجمل من ذلك هو استخدام الشاعر الكثير من هذه النفائس في استعاراته وتشبيهاته لوصف جمال شخصياته الشابة من الجنسين (وهم أفتانديل و تيناتين و تاريل و نيستان) إلى جانب استعانته بالعناصر الفلكية والطبيعية للتعبير عن شدة جمال شخصياته و عواطفهم الجياشة من هيام و عشق أو فرح و سرور أو حزن عميق فكانت الصور و الأخيلة الشعرية مليئة بالشموس و الأقمار و النجوم و جريان الأنهار و فيضان المحيطات. 

تجري أحداث الملحمة في الجزيرة العربية والهند والصين، فتقدم القصيدة الملك العربي روستفان الذي يخلع عليه الشاعر أسمى آيات العدل والخلق الفاضل و الرحمة و العدل و الندى الفائض الذي يسبغه على جميع رعاياه و بالذات الفقراء و المساكين:

” كان في بلاد العرب ملك يدعى روستفان

يحيا بيمن الله، ذا جلال واقتدار، ووفرة في الجند والفرسان 

وهو محارب أغلب، ذو بيان بليغ ساحر.” ( الرباعية 33)

ونظراً لأن الملك لم ينجب إبناً فينصب ابنته الحسناء، البارعة الجمال تيناتين ملكة للبلاد متنازلاً لها عن العرش: 

” وأضاف: ” لا تبكي يا ابنتي و استمعي إلى نصائحي، 

أنت الآن، بإرادتي السنية، ملكة على العرب،

وهكذا أكون قد وضعت الحكم بين يديك، 

فعالجي الأمور بعزم وحزم، و كوني متأنية في تصرفاتك.” ( الرباعية 49)

” تنير الشمس الورد وأعشاب الحقول سواء بسواء،

لا تتواني أبدا عن فعل الخير، ولا تفرقيّ بين قوي و ضعيف، 

والمنحة السخية تلمس الضمير وتجعل العاصي مطواعاً،

فامنحي بسخاء، فالبحر بجبروته، يأخذ ويمنح”. (الرباعية 50)

وقد جمع الحب العذري والعشق الكبير بينها وبين الفارس النبيل الوسيم وربيب والدها أفتانديل وذراعه الأيمن والأقرب إلى قلبه من جميع وزرائه.

وبعد لقاء الصدفة بين الملك روستفان والفارس المقرب إليه أفتانديل حينما كانا في رحلة صيد سعيدة من جهة بالفارس في إهاب النمر وهروبه المفاجئ والسريع من مسرح الأحداث:

“… رأوا فارساً غريباً يجلس على ضفة النهر،

ممسكاً بعنان حصانه الأصيل الأسود، كالأسد الهصور، 

كان لجامه ودرعه ورحله مرصعة بالجواهر، 

أما الفارس فكان غارقاً في أحزانه، تسيل على خديه الورديين دموع باردة”. ( الرباعية 85)

“كان يرتدي ثياباً صنعت من فراء النمر،

وعلى رأسه قلنسوة من الفراء نفسه، 

وفي يده حربة يزيد طولها على ذراع، 

فدفعهم الفضول إلى استطلاع أمر هذا المخلوق العجيب”. (الرباعية 86) 

 فيأمل الملك في معرفة قصته وتتملكه رغبة شديدة في ذلك فتحول هناؤه إلى حزن وهم شديدين فتبرز هنا محبة الإبنة والملكة الشابة شمس الشموس تيناتين لأبيها و إيثارها لسعادته على سرورها فتطلب من حبيبها الفارس أفتانديل أن يجوب الأراضي و القفار لمدة ثلاث سنوات ليأتي لأبيها بأخبار الفارس في إهاب النمر، وبعد توصل أفتانديل بشق الأنفس و بعد أن كاد يفقد الأمل فيصل إلى مبتغاه و يتعرف إلي تارييل الملك الهندي الشاب أو الأمير بار بمساعدة الجارية الأمينة عصمت و يعرفه بنفسه:

” أيها الأسد تارييل، أيها البطل المغوار، يا أحلى من رأيت،

أنا عربي، وفي بلاد العرب تقوم قصوري الفخمة.” (الرباعية 286)

 وتنشأ بين الرجلين صداقة قوية تصل إلى درجة الأخوة الحقيقية المبنية على الإخلاص والوفاء والولاء ..

“أأستطيع أن أفترق عنك وأبقى أشكو وحيداً مع قدري؟

إن من يخذل الصديق في وقت الضيق، يذوق المرارة طول عمره”.  (الرباعية 1563)

 وبعد العديد من الصولات والجولات والمغامرات التي تبرز شجاعتهما و مساندة كل واحد منهما للآخر و استعداده للتضحية في سبيل الآخر يتمكنان من العثور على الأميرة الجميلة نارسيتان داريجان و التي كاد تارييل يفقد عقله حينما فقد أثرها مثل مجنون ليلى و تنتهي الملحمة نهاية سعيدة بزواج أفتانديل من الملكة الجميلة تيناتين تحفهما دعوات أبيها القلبية:

“منذ الآن آمل أن يمن الله عليكما بألف عام من العمر،

مع السعادة والرفعة وزوال المنغصات..

فليحفظكما الله كما أنتما وكونا له عابدين.”  (الرباعية 1521)

وكذلك زواج تارييل من الأميرة نستان داريجان في أجواء أسطورية تفوق الخيال.  

النفحات الشرقية: 

نظراً لما تحمله الملحمة من الكثير من حرية التعبير ووجهة نظر مبجلة للمسلمين وعقيدتهم السمحة و صفاتهم النبيلة فقد كان بعض المتشددين من رجال الدين المسيحي يعدمون ما تصل أيديهم إليه من مخطوطة الملحمة وأستمر ذلك الوضع العدائي حتى القرن الثامن عشر. 

ولابد من الإشارة أن العديد من الآراء النقدية لا تركز بالطبع على النفحات الشرقية في الملحمة ولا تبرزها، بل و لا تشير إليها من قريب أو بعيد فتقدم العمل كعمل أدبي عظيم القيمة الفنية و التاريخية و الوطنية به الكثير من الآراء الفلسفية و الحكم وبه قصص من الكتاب المقدس و التركيز على المقدمة التي حفلت بآراء شوتا في الشعر و الشعراء و تصنيفه لهم فنياً ونصحه لهم، و فوق كل ذلك يكون الاهتمام الأكبر بدافعية الشاعر لأن شوتا روستافيللي أراد بعمله أولاً و أخيراً تبجيل ملكة جورجيا الملكة تامار التي يقال أنه أحبها بعمق وقد كانت العلاقة بينهما مبنية على درجة كبيرة من التقدير و الثقة فعينته الملكة كوزير لخزانتها و من أجمل القصائد الغربية التي تشترك مع هذه الملحمة في عنصر مديح ملكة محبوبة هي قصيدة الشاعر الإنجليزي Edmund Spenserإدموند سبنسر  (1553-1599)، فيري كوينThe Faerie Queene  و التي تسجل شعراً  صفات و إنجازات الملكة اليزابيث الأولى في 36000   بيتاً، و قد نشرت خلال الفترة ما بين 1590-1596

إن العناصر التي أشرنا إليها للتو كلها موجودة و ملموسة و لكن ما يهمنا هو إختيار شوتا روستافيلي لأسلوب الرمزية و اللغة المجازية بتخيله للحكاية و شخوصها و أحداثها مع التركيز على تقديم الشخصيات النسائية أيضاً بصورة إيجابية (بإستثناء مثال واحد) و على قدم المساواة سياسياً و فكرياً و خلقياً مع الشخصيات الرجالية  من العالمين الإسلامي و العربي و تقديمه النموذجي للملك تامار كملكة عربية  و مدلولات هذا الإختيار على مدى تأثير هاتين الحضارتين و مبادئهما  على شعب جورجيا لقرون طويلة، و لا يعوزنا التذكير أن للشاعر خير مثال في الملكة العربية بلقيس ملكة سبأ و التي خلدها القرآن و ذكرها بكل ثناء لرجاحة عقلها و حسن سياستها.

ومن ناحية ثانية، حتى وإن كانت القصة الرمزية في ملحمة الفارس في إهاب النمر تدور إفتراضاً في الجزيرة العربية و الهند مع خلط كبير بين الأسماء العربية و الفارسية فالعبرة في آخر المطاف هي الشخصية الإسلامية بأخلاقها الفاضلة و المتسامحة ذات الجود المادي و النفسي التي تظلل العمل من أوله لآخره. 

وعليه فقد كانت ثيمات الملحمة ونفحاتها الشرقية وبعض أمثلتها كالتالي:

  1. يبدأ الشاعر قصيدته بإشراقة روحية بتوحيد الله عزوجل وبتقديسه وحمده والثناء عليه فيقول في الرباعيتين الأولى والثانية: 

هو الذي خلق الكون بالقدرة الربانية،

نفخ من السماء روحاً أحيا بها الوجود،

وأعطانا، نحن البشر، ملكوت الأرض بكامل نعمها

بأمره يأتي الملوك…] [

يا إلهي الواحد، الخالق، الذي أعطى لكل جسم شكلاً،

احفظني، أعطني القوة لأتغلب على الشيطان، 

امنحني عاطفة العاشقين، بشعور يدوم حتى الممات،

خفف ثقل الذنوب التي سأحملها معي إلى الآخرة. 

  1. ذكر مكة المكرمة مرة واحدة، والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، وذكر القرآن الكريم ثلاث مرات إحداها بالإشارة إلى الرقية بالقرآن: 

 “كان المقرئون والمعلمون قد شكلوا دائرة حولي

وبأيديهم القرآن يقرؤونه كلهم معاً” (الرباعية 339)

على لسان تاريل في حديثه مع محبوبته نستان لأنها كانت غاضبة منه بعدما قرر والدها الملك ووزرائه تزويجها لإبن الملك خوارزم، فيحكي تاريل عن قسمه على القرآن: “نظرت فرأيت القرآن مفتوحاً على الحامل الخشبي / فرفعته ونهضت وحمدت الله أولاً ثم أثنيت عليها” (الرباعية 529)

  1. كثير من الرباعيات حافلة بالدعاء والابتهال إلي الله طلباً للعون والهداية مثل: دعاء تاريل حينما أصابته سهام العشق ولم يستطع البوح بحبه: “قلت: “يارب اسمعني، اسمع حاجتي،/ أعطني القوة على احتمال الألم، اجعلني أسترد شجاعتي” (الرباعية 354) 
  2. الإيمان بالقضاء والقدر:

فمثلاً يقوا أفتانتديل “إذا لم (يحن) قدري فلا تستطيع جميع جيوش الدنيا أن تغلبني،

لا ينقذني منه ملجأ حصين ولا أهل و لا أخ،

هو كذلك، ومن يؤمن بهذا لا يخشى على مصيره” (الرباعية 1037).

         *”يصيب القدر بضربة محكمة، فرداً كان المصاب أو مئة،   

         ولا حول للفرد إذا لم تشأ قدرة السماء.” (الرباعية 165)

  1. حمد الله في كل حال وإرجاع الفضل له في كل خير ونصر وبركة، مثلما حدث بعد إنتصار افتانتدل على القراصنة ونجاته هو وقافلة التجار المسلمين:

“قال الفارس: “لنحمد الله خالق كل شيء

الذي تتحكم قدرته الإلهية في كل شيء من الحركات

الذي يعلم كل شيء، ويعلم السر والغيب،

العاقل يؤمن بالقدر ويجعلنا نؤمن معه به.” (الرباعية 1053)  

  1. ذكر قصة لقاء قافلة التجار المسلمين مع الفارس العربي النبيل افتانديل:

“وقال أسامة: “نحن تجار من بغداد، 

لم نشرب الخمر أبدا حسب شريعة محمد،

جئنا للتجارة إلى مدينة ملك البحار، 

مؤتمنين على بضائع ثمينة، فنحن لا نبيع الأسلاب.” (الرباعية 1029)

كذلك من الثيمات الأخرى التي تثبت روح الأخلاق العربية النبيلة للعمل:

  1. الصداقة الحقيقية والشجاعة الفائقة والكرم والجود والشهامة والوفاء بالعهد والولاء التام لولاة الأمر وأصحاب الفضل. 
  2. الحب العذري والإخلاص الذي لا مثيل له بين المحبين وتحمل المعاناة الشديدة في سبيل ذلك من ترحال في البلاد والقفار والبحار والكهوف والوصول إلى حافة الجنون مثل مجنون ليلى بل إنه يذكر أن العرب يخلعون صفة الجنون على كل محب و عاشق” في اللسان العربي، يلقب المحب الذي يفقد عقله مجنونا.”  (الرباعية 22)
  3. ورود الكثير من الكلمات العربية في متن الأبيات مثل: مصري، ميدان Moedan، مقريء Muqri ، وأسماء بعض الشخصيات مثل: فاطمة، عصام، ياسين، وأسماء بعض الكواكب مثل: زحل Zual كوكب الحزن ،المريخ كوكب الانتقام Marikh ، عطارد Otarid، المشترى Musht’har كوكب العدل.  

تأمل الباحثة أن تكون قد قدمت في هذه العجالة موضوعاً قد يكون ملهماً لدراسات لاحقة عن الملحمة ضمن محور الأدب العالمي أو الأدب المقارن أو الدراسات الحضارية بين الشرق والغرب. 

المصادر 

  • Rustveli, Shota. The Knight in the Tiger Skin. Marjori Scott Wardrop Trans. Third edition. Progress, Moscow: 1977.  
  • ________  The Knight in the Tiger Skin. Marjori Scott Wardrop Trans. EBook. Created and published by Global Grey 2019. Globalgreybooks.com. 

 

  • روستافيلي، شوتا. الفارس في إهاب النمر. ترجمة نزار خليلي. الطبعة الثانية. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة: 2016.

********

المراجع

          11 يناير 2016. الشبكة العنكبوتية. 13 يونية 2021. 

  • Bhutia, Thinley Kalsang. “Poetry Magic- Biography of Shota Rustaveli.” Encyclopedia Britannica. 

          February 09, 2018. 

                        https://www.britannica.com/biography/Shota-Rustaveli/additional-info#contributors

                    August  01, 2021. 

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply