عازف القنبوس

عازف القنبوس

هيفاء فقيه

قصة جميلة تحوي بين طياتها الكثير من القضايا الاجتماعية والأخلاقية والتربوية، بل وبعض الاختلافات البشرية لتشمل ثقافات ومشاعر (حب، كره، حزن وغيرة انثوية) وعادات وتقاليد. من خلال القراءة للقصة وجدت ان الكاتبة اخذت أسلوب التنقل من وإلى، وهذا نجده في الكثير من شذرات القصة فقد تنقلت بنا من القرية حيث الحزن والكآبة ومحدودية الطموح وعدم تقبل الغرباء، إلى المدينة التي تكتظ بالسكان ويفوح فيها عبق الحياة والمرح والفرح. أخذتنا الكاتبة من الضعف إلى القوة ومن الهمجية إلى الإنسانية، أيضا أبحرت بنا في الغابات والبحار وما فيها من أسرار وتناقضات من صداقة إلى مخاوف وغدر وعداء، أخذتنا إلى القمة ونزلت بنا إلى القاع في بعض العلاقات الإنسانية ومنها علاقة صبرة بوالديها وأناس منطقتها الهجير وأخيراً بشهقة البحر “مار”، وفي الاتجاه المعاكس أخذتنا من القاع إلى القمة. ومن جماليات القصة الوصف المكاني والزماني بل وحتى المشاعر.   

 جسدت بعض الجماد (شجرة الهمس) وجعلتها الصدر الحنون وحافظة الأسرار مقارنة بخساسة بعض البشر في تصرفاتهم وترصدهم لخطوات الأخرين بل إنَّ همهم الأكبر هو جمع الأسرار وتتبع الأخبار ونشرها بالباطل لإفساد العلاقات والإكثار من القيل والقال. 

أعطتنا مرتكزات القوة البشرية ومنها الصبر، اليتم، الفقر، الكراهية للأنثى، الزواج غير متكافئ، ورفض زواج الفتاة من أجنبي، أبجدية الحب، استعباد الزوج لزوجته، النظرة الدونية والتحرش الجنسي للفتيات، الحرمان الأبوي، الجمال (الروحي والشكلي). تحدثت عن مشاعر الأبوة والأمومة في المجتمعين العربي والغربي وأثر الفقد وفرحة البقاء حتى ولو كان في قصاصة ورق. أخذت بنا إلى وجود بعض الرسائل في حياتنا والتي تكون سببا في نقلنا من حال إلى حال. 

أشارت إلى بعض الأسلحة التي تدرَّعت بها الأنثى في تلك الفترة وعلى وجه التحديد بطلة القصة (التهديد بالحرق)، سلاح العلم والمعرفة، الإحسان إلى الغير والغرباء، الأمانة والإخلاص في العمل، الاعتماد على الذات. 

من الجماليات في القصة خلق العلاقات البشرية دون الحاجة إلى وجود الألفاظ اللغوية (فلغة الإشارة كانت كافية لتوصيل الرسالة بين صبرة ومار) كما أشارت إلى قوة لغة الجسد في تعزيز المشاعر بل وتأصيلها. ومن المفاهيم الهامة التي تساعد على التعمق في أحداث القصة ما يلي:    

  • العنوان: عازف القنبوس 

القنبوس أو القمبوس هي آلة موسيقية يمنية قديمة، أو العود اليمني القديم المسمى ب  “الطربي ” في صنعاء و “القنبوس” في حضرموت وتشير النقوش الأثرية اليمنية إلى أنَّ اليمنيين القدماء عرفوا آلة العود منذ ما قبل الألف الأولى قبل الميلاد. وعرَّفت الكاتبة القنبوس على أنَّه عود قصير العنق نشأ في اليمن وينتشر في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية وتعود تسميته إلى اسم العود التركي  كوموز( (ص 224 ) 

ومن وجهة نظري أرى أنَّ اختيار العنوان جذَّاب لاسيما لمن يجهل المعرفة بهذه الآلة الموسيقية وعلى وجه الخصوص مسمى ” القنبوس” حيث كلمة العزف معلومة ولكن الآلة ذاتها تأخذ القارئ إلى التعرف أكثر لمحتوى الرواية للوصول إلى العلاقة بين أحداث القصة والتي لم تبدأ بالحديث عن العازف أو الألة المستخدمة. وفي روايتها ذكرت القيثار في أكثر من موضع وذكرت القنبوس في الشذرة ال 26 (ص 224) 

  • ومن المهم أيضاً معرفة الزمان حيث أنَّ الكاتبة أشارت إلى قصة “مخبول الهجير الذي عاد من الحرب في أقصى الجنوب ضد الإنجليز وفقد أصدقاءه تحت القنابل في الحرب العالمية. ولكن لم تذكر تاريخ ورقم الحرب العالمية واكتفت بوصف الشخص بعد عودته من الحرب والآثار السلبية المترتبة على ذلك نفسياً واجتماعياً وصحياً مما أدى به إلى الجنون أو الخبول.  ومن وجهة نظري إنَّ الكاتبة ربطت بين بطلة القصة ومخبول الهجير في المعاناة التي مرَّت بها وكأنَّها كانت في حرب دامية وما نتجت عنه من تدمير لنفسيتها وصحتها والواقع المرير الذي ظل ملازماً لشخصيتها كما هو الحال مع المخبول. وهذا واضحاً في وجه الشبه بين صبرة ومخبول الهجير في السطور التالية ” وحـده مخبـول الهجير شـاطر صبرة الإشـفاق، لقبـه أهـالي الهجير بــالمخبول بعــد أن عـــاد مــن الحرب في أقصـــى الجنــوب ضـــد الإنجليز، حيث فقد أصدقاءه تحت القنابل في الحرب العالمية. هناك اشتروا روحه منه ووعدوه بأنَّ النصر سيكون حليفه.”  (ص 98 – 99)       
  • ومن المدلولات المكانية ذكرت الكاتبة مكانين عظيمين في تاريخ الدول بدأت: 
  1. جنوب الجزيرة العربية وبالتحديد منطقة الهجير وعرفت الكاتبة الهجير في (ص 119)

“الهجير وطن يحتجز أبناءه بجوفه، لا يسمح لهم بـالخروج علـى مذهب القبيلة، وحين يعاندون تحرق صدورهم الغربة فيعـودن إلى أمهـم الهجير يقبلـون يـديها لتغفـر لهم ذنـوبهم وتعيـدهم لصـدرها، تتفهم الهجير تمـرُّد أبنائهـا فهـي قلـبهم، وأبـداً لا تقصـيهم، تمنحهم قلـيل مـن الحرية فهـي تعـرف أنَّهـا تسـكن تحـت جلـودهم وحيثمـا ذهبــوا ســيعودون إليهــا تلســعهم ســياط الحنين، حتــى لــو كانــت عودتهم للموت على ترابها بعد مضي زهرة شبابهم بعيداً عنها.”

وفي تصوري أنَّ هناك تناغماً مع أحداث القصة حيث أشارت الكاتبة إلى صرامة وقساوة أهل المنطقة وفظاظة تعاملهم مع أبنائهم المتمردين وقد يكون طابع القرية الجغرافي له دور في تشكيل هوية وشخصية الناس بل وطباعهم وطريقة تعاملهم مع بعضهم البعض وعدم تقبلهم للدخلاء والغرباء والآخرين ونجد بعض الملامح العامة للهجيرين في صفحات 5-7.

  1. وفي المقابل نجد أنَّ المكان الثاني هو مدينة فلينسيا في إسبانيا ونجد أنَّ الكاتبة توالت في الوصف لشوارع مدينة فالنسيا والتي أطلقت عليها مدينة الارتواء في إسبانيا، أرض العشق، حيث الموسيقى خرير وصهيل المارين ودقَّات أحذية راقصي الفلامنجو وضحكات العشاق. هنا أيضاً نلاحظ كيف أنَّ جغرافية المكان تلعب دوراً في تشكيل الأشخاص ويتضح ذلك في (ص 37)  
  • ومن الشخصيات البارزة في القصة صبرة، مار، حزم، سعدية، أبو سالم وأم سالم وغير ذلك وبالنسبة لسبب تسمية صبرة تقول الكاتبة” أسموها صبرة لتُعلم الصبَر بعد أن تجرَّعت الصبِر، نذرت عمرها لتغرس نبتة الغفران في أرض الهجير السبخة، لكنَّها لا تزهر سوى العلقم (ص 13). أما مار فقد أشارت الكاتبة في (ص 75) إلى أنَّ تسميته ترجع للبحر أو المحيط باللغة الإسبانية.
  • شذرات مقتبسة 

تحتوي القصة على 28 شذرة ولمزيد من المعرفة على كلمة شذرة بعد البحث وجدت أنَّها تحوي الكثير من المعاني فحينما نقول: شَذَرَاتُ ذَهَبٍ: أي قِطَعٌ مِنَ الذَّهَبِ.  الشَّذْرُ: اللؤلؤ الصِّغار شذّر العقد: فصَل بين حبَّاته بخَرَز أو قطع من ذهَب ونحوه ”شذَّر الصائغُ عِقدَ اللؤلؤ- شذَّر الأديبُ كلامَه بالشِّعر. شَذَرَاتٍ مِنَ الكِتَابِ: أيْ لَمْ يَقْرَأْ إِلَّا فِقْرَات.  ومن الشذرات المختارة ما يلي:

  • تقول صبرة “لم أكــن أعــرف أنَّ الفقــد كنايــة عــن الجحيم، وأننــا ســنُقذَف في نيرانه، ولا مناصَّ” (ص 13 -17) وهنا نقرأ حكاية صبرة التي رفضت الوأد والاستعباد ونفضت التراب وأسدلت ثوب التمرد وتعلمت أبجدية التعايش بحرية وسلام بعد أن ذاقت مرارة الذل والحرمان ولسعت بالجحيم…  وأول مرارة ذاقتها فقد أمها والتي نجدها في الشذرة الأولى الحقيقة الأوحد.  نشاهد علاقة الطفلة بأمها وانتظارها لأخيها وصدمتها الأولى على فراق روحها وسكن طمأنينتها في حياة اتسمت بالعناء ومرارة الذل والهوان. 
  • وننتقل الآن إلى شذرات متعلِّقة باختلاف التعاملات الأسرية ومظاهر الأعياد والملابس ومصادر الفرح ونظرة المجتمع لكل من الذكر والأنثى.
  • وأبدأ بمدينة فلنسيا والمدلل مار وتعامل أمه وجدته وأبيه له (ص 37 -38- 39)
  • أما في منطقة الهجير (عند صبرة) فالحال مختلف، ونجد ذلك في الشذرة الخامسة (ص 43-44-46) ومن بين التعاملات القاسية للأنثى من مجتمع الهجير الحب الذكوري والكره الأنثوي حيث تقول عمتها” الفتيات نذير شؤم “أولادي صبيان.. لا تقارني بينهم وبينها” “يا ليت عزرائيل يكون كريم ويخطف روحها تريحنا من همها، أخويا ما يقدر على الجري وراها.”  
  • لم يكتف الرجل المريض في قرية الهجير بالتحرش بالفتاة الصغيرة بل يريد التملك من زهرة جميلة بريئة يتيمة فقيرة. أراد حزم أن يشتريها بدراهم بخس معدودات لتكون له الأمة المملوكة والخادمة المطيعة والزوجة المنتهكة. زواج غير متكافئ صبرة الطفلة التي لم تبلغ من حزم الرجل الخمسيني ذي الصوت الأجش والملامح القاسية. انتهك عمر فتاة صغيرة ليذيقها الهوان، خطبتها ومهرها وثوب عرسها وتحضير العروس في أسبوعين من الزيارة المشؤمة. يوم الزفاف المنحوس ووصول العروس إلى دار زوجها تكشف لنا الشذرة السابعة المزيد من المعاناة والمواقف الصعبة التي ساعدت في تشكيل هوية صبرة الجديدة.  تقول صبرة “الأغاني الجريحة لا تعزفها كسمفونية سوى قلوب اتقنت الألم، استمتع بالعزف، لا تنبش الجرح.”(ص 57-64)  
  • ولكنَّ السؤال هو هل تستطيع صبرة الخروج من هذه الزنزانة؟ وكيف لها أن تخرج وهي محاصرة بأساطيل؟ ماهي الأساليب والأسلحة التي تسلحت بها؟ هل صبرها سيكون مفتاحاً وفرجاً لها؟ هل سيرسل الله لها من يساعدها من عقر دار حزم؟ ولماذا أخته سعدية؟ كيف استطاعت صبرة الخروج من زنزانة حزم وأخواته؟ تقول صبرة “امنحني حريتي، ولتتعفَّن الأعراف وليدة النفوس البشرية، التي لا قاع لها ولا جذور”  
  • هناك الكثير من الأحداث التي سبقت حريتها: سفر حزم والراحة النفسية التي شعرت بها صبرة، رؤيتها لبنت الجيران، طلب سعدية الذهاب للعمرة من أخيها، لقاء صبرة أباها عند الحجر الأسود، بداية التمرد والعصيان وخروج صبرة عن السيطرة بالتهديد بالحرق بنبرة قوية، بداية القوة بعدم ذرف الدموع والقسم بعدم الاستسلام، المشاعر الإنسانية الحانية من أخت الشرير حزم (سعدية) التي كانت تشاطر صبرة الأحزان على بنتها، وحثها على طلب الطلاق، حصول صبرة على صك التحرير( الطلاق) من براثن الطاغية حزم، هذا ما سنقرأه في الشذرة العاشرة: مخرج زنزانة (ص 81 – 89).
  • حصلت صبرة على الطلاق ونالت حريتها وانطلقت في الهواء كفراشة تغدو صباحاً ومساءً ولكن هل رحَّب بها أهلها؟ هل عدُّوها متمرِّدة أو غريبة بينهم؟ هل شعروا بحرقة المعاناة التي كانت تمر بها؟ لا أم ولا أب ولا أخ.. مكسورة الجناح!  ولكن الأعراف في منطقة الهجير لها كتاب مقدس سطَّروه بأهوائهم وطبقوه على مزاجهم وشلُّوا به أبناءه! من المحزن المبكي أن تكون في وطنك ومسقط رأسك غريباً منبوذاً بسبب ما يسمى “الأعراف” وللحديث عن الأعراف شجون وسجون وهموم وهذا نجده في الشذرة الحادية عشرة/ سجينة العرف (ص93) ومن ذلك طلاق صبرة والنظرة الدونية والحياة المأساوية، ومعاملة عمتها القاسية لها. أضحت صبرة صورة أسطوانة مشروخة لأهالي الهجير، تخشى نظرات أعيـنهم الـتي تنصـب عليهـا مملـوءة سـخرية، نقمة، كراهية تارة، ونظرات صُبَّت من فحيح رغبة ونشوة من ذكـور الهجير تارة أخر.  ولكنَّ الله لا ينسى عباده فالصابرين جزاؤهم موفور ويد الله المعطي ممدودة وأبواب الأمل والتفاؤل مفتوحة وهذا ما نجده في كرم الشيخ أبي سالم وزوجته حيث كانا الصدر الحنون والمعلِّم الوقور لصبرة وصبيان الهجير (ص94-97)
  • اشتد عود صبرة وأصبحت وبلغت عنفوان الأنوثة تعتمد على نفسها متحدِّية الحواجز كلَّها في منطقة الهجير لها بيتها وعملها في كتاب العم سالم أثبتت للعم سالم وزوجته جدارتها خلال عملها بل اتقنت الصنعة وتعلمت في خلال خمس سنوات شراء الأعشاب من العطَّارين وإعداد الجبيرة وجبر الكسور وتطهير الجروح وأصبحت تنافس أم سالم في إسعاف المرضى.  هل حياة صبرة تتوقف هنا؟ هل السعادة كتبت لها أم أنَّها ستبقى سجينة الحزن والألم وأسيرة الضيم والمهانة؟ ما علاقة صبرة بالجزء الأخر من العالم الغربي؟ هل ستسافر لتلتقي بمار المدلل؟ أم أنَّ القدر يسوقه إليها؟ وكيف حصل ذلك؟ 
  • في شهر ديسمبر عام 1955 “الحظ… أن يلفظك البحر عشبة هجينة على الشاطئ، مجهول الهوية لينقذك من براثن الموت، لم تحن ساعتك، ليس بعد”   مار ابن البحر.
  • ما الذي جاء بمار إلى هذه القرية الظالم أهلها؟ هل حظُّه السعيد أم التعاسة المخبئة له لتشعره بنعمة الخير والدلال الذي كان يعيش فيه؟ لماذا غدر به رفيقه البحر وكيف كان غدره به؟ وهل البحر غدَّاراً في جميع الأوقات؟ هذا ما سنشاهده في الشذرات التالية:
  • متعة مار ووالده قضاء وقت بين أحضان البحر، الغيتار صديق مار الحميم الذي يبوح له بأسراره ورفيقه، وسلوته العزف على الغيتار، يعزف الأغاني الطربية العربية، ولكن البحر صديق عـدو غريـب الأطـوار لا يـؤتمن ثورانه، يسـجن محبِّيه في أعماقه، يطالب بالقرابين مرة تلو مرة ليهـدأ مـن آن لآن، فهل سيدفع مـار قربـان عزيز عليه ليؤكـد ولاءه للبحـر.. أم هـل يصـارع أمواجه ليكسب الحياة. 
  • تتسم حياة مار ذي العينين الزرقاوين -وشعره الطويل خلفه- بالفرح والبهجة ولكنَّ الحزن شـبح غيـور يطـوف بـالبيوت، يسـترق السـمع، يتلصـص على النوافذ، يتيح الفرص ليدخل، ليتخـذ لـه مقعـداً في كـل دار يزوره، وعائلـة مـار سـيكون لها نصـيب مـن الحـزن، طـال الزمـان أو قصر.
  • خطط والد مار لرحلــة مــن أقصــى الأبــيض إلى الهنــد عاصــمة التوابل مـروراً بمضـيق عـدن، محاولـة جريئـة لجلب السلع الهندية وجنـي أربـاح مـن التجـارة البحريـة. كان مار ذو ال 20 عاماً بصحبته. أن تخطِّطـ لرحلـة سـفر قـد يكـون اختيـارك أمـا أن تخطِّطـ لموت محقِّق فتلك لعبة لأقدار، ولا أحد يُزاح عن قدره مقدار أنملة. عشرة أيام على متن سفينة تعجُّ بأنغام العزف والمرح إلَّا أنَّ الرياح لا تستأذن فغرقت السفينة وتناثر البعض ولكنَّ السؤال هل يبقى أحد؟ قلبت الرياح السفينة وقلبت حال مار من الدلع والدلال إلى الذل والهوان (ص 109)
  • من هنا تبدأ الحكاية ونقطة اللقاء وحاجة كل من صبرة ومار لبعضهما وكيف لهما أن يتعاملا في حين أنَّ لا أحد منهما يجيد التحدث بلغة الآخر.  لفظ البحر مار ولكنَّه لم يفقد النبض.. أخرجته صبرة من البحر.. صرخت طلباً للمساعدة ولكن لم يجبها أحد .. (ص 126) ماذا كان مطلوباً من صبرة فعله؟ هل تستطيع إنقاذ مار؟ وماذا عن أهل الهجير؟ كيف ستواجه نظراتهم واتهاماتهم؟ هل تقبَّلوا الغريب الدخيل؟ هل ارتضى أن يكون عالة على كاهل امرأة؟ ماذا حلَّ بمار حينما أخذ يتجوَّل في القرية بحثاً عن عمل؟ هل سيبقى مار في القرية أم سيرحل؟ إلى أين سيرحل؟ ما سبب رحيله هذه المرة؟ (ص 168) 
  • مشاعر الأم لا يحكمها دين أو عرق أو بلد. أم مار أضنتها الفرقة وحرقة فقد زوجها وابنها. هـزل جسـدها رغـم شـبابها وغـزا الشـيب مفـرق رأسـها، لم تعـد تبالي بما يحدث حولها، ولم يبق سوى اسم ابنها.

            ذات فجر جاء البشـير بالخبر اليقين ليصـب علـى صـبرها مـاء زلالاً يـرد لها نـبض قلبها، وصلت رسالة من أرض بعيدة إلى أم مار، وجاء البشـير فرحـاً. 

  • تزوج مار من صبرة عن طريق القاضي رغم اعتراض الأهل لهذا الطلب من عم عامر تاجر الهجير وعاشا بين الحب والخوف من المجهول بين القبول والرفض من الهجيرين، بين الاكتفاء ببعضهما والغصة في حناجرهما إلى أن آن الأوان وتكسرت الأبواب وانصب جام الغضب على الهجير وأهله وقرر مار الرحيل إلى مدينة التراب مدينة العشق والطرب. 
  • هل سترافقه صبرة؟  لمَ لم ترحل معه صبرة إلى حيث العشق والمرح والأنس والسعادة والحرية؟ لمَ اختارت صبرة البقاء في الهجير على السفر مع مار الزوج الحنون والقلب الرؤوم؟ ما هي السعادة في قاموس صبرة؟ (ص 239) قد تتبادر للأذهان بعض التساؤلات: لمَ هذه النهاية؟ لماذا لم تترك الكاتبة صبرة ترحل مع زوجها وتبدأ حياة جديدة بعيدة عن قرية حرقت قلبها وأضنت شبابها وطردت زوجها وقتلت مشاعرها؟  
  • استخدمت الكاتبة كلمة هجينة التي تحمل الكثير من المعاني فقد تعني العيب والقبح وهذا موجود في مضمون بعض مشاهد من القصة، وقد تعني في اللغة المركَّب من جزئين لكليهما أصل في لغة معينة، وقد تعني المستهجن المخلوط وهذا ملحوظ في الكثير من المشاهد حيث أنَّ الكاتبة هجنت قصتها بالكثير من الشخصيات (أم صبرة فارسية وأبوها عربي، أبو مار عربي مغربي وأمُّه اسبانية) والمفردات واللغات العربية والإسبانية، والعادات والتقاليد لتعطي لها طعماً مختلفاً ولتعريف القارئ ببعض الاختلافات البشرية.
---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply