المرأة في القصة النسائية: قصة المرأة اليمنية إنموذجًا

انتصار حسن مشراح

هناك مقولة قديمة تقول: إذا كان الرجل هو القوة فالمرأة هي الصمت, وعلى هذا الأساس قام اضطهاد المرأة منذ القدم.

فالإنسان الأثيني كان يكره أن تكون للمرأة شخصية مستقلة, كانت المرأة حينها أتعس المخلوقات، سلعة تباع وتشترى، لا تستطيع الطلاق من زوجها وتظل تابعة له، وإن طلقت فتعد شيئًا غريبًا في المجتمع حتى إن كانت هي المظلومة. هذا ما قاله الكاتب اليوناني (يوريبيدس) عن المرأة في عصره.

إذن فمنزلة المرأة الرومانية كانت أحط منزلة، لم يكن يقبل منها أي شهادة, وظلت في نظر القانون قاصرًا يتولَّى رعايتها أبوها ومن ثم زوجها, حتى أنها تعد في نظر القانون – إذا ما تزوجت- ابنة لزوجها.

وبالانتقال إلى المرأة الفرنسية فقد ظلت كذلك عديمة الأهلية، ولم تقبل شهادتها كما أن توقيعها على أيِّ عقود خاصة أو رسمية كان غير معترف به حتى عام 1897.

وكذلك المرأة الروسية التي عاشت واقعًا قاسيًا، مما أدى إلى إعلانها الرفض، فظهرت عدة أديبات في عصر لم يكن يتوقع من المرأة شيئًا غير الصمت والخضوع, ولذلك كان مصيرهن جميعا  مصيرًا مأساويًا.

فالشاعرة الروسية آنا أخماتوفا- ( أول سيدة تجرأت وكتبت الشعر) – جعلت من الشعر وسيلة للتعبير عن قضايا المرأة في مجتمعها, مما أثار غضب السلطة الروسية فأعدم زوجها وأستاذها الشاعر (جوميليوف )، كما اعتقل ابنها الشيء الذي أبعدها عن الثورة وقضاياها.

بهذا نجد اضطهاد المرأة المبدعة بوضع العقبات أمامها، ولم تختلف عنها كثيرًا (مارينا تسفيتاييفا) التي عانت من مجتمعها حتى انتحرت بسبب الضغوط التي واجهتها في طريقها الأدبي. لقد طمحت تسفيتاييفا في إحداث تغيير ملموس في المجتمع ولكن المجتمع لم يعجبه صوت امرأة تنادي بالحرية، مما أدَّى الى انتحارها عام 1941.

وبالانتقال إلى المرأة العربية، نشاهد القهر ماثلًا في حياة كل أديبة، حرمت المرأة من التعليم لكي لا تشعر باضطهادها، لذلك عد تعليم المرأة من المحظورات في بعض البلدان العربية.

كان للمرأة المصرية والسورية الأسبقية في الدخول إلى المجال الأدبي، بعد أن تحررت المرأة هناك علماً وعملًا، فساهمت في تحرير المرأة التي استسلمت دومًا للتقاليد والتبعية, ووجدت المرأة العربية في علمها وعملها دافعًا نحو الكفاح السياسي.

انتقلت المرأة لمرحلة التفكير بالنفس فبدأت بترجمة مشاعرها ورفضت الاستلاب والعبودية القديمة, ووقفت أمام القهر الممارس ضدَّها.

فحين نأتي لدراسة بدايات كاتبات معروفات كـ ( لبيبة هاشم, مي زيادة, ليلى بعلبكي, كوليت خوري, غادة السمان, ليلى عسيران, أحلام مستغانمي …… وغيرهن) نجد الذاتية ماثلة في أغلب اعمالهن، ونستطيع بوضوح تمييز نبرة الاسترحام في كتاباتهن، كما نرى إراقة الدموع وذكر المآسي.

حينها لم تأت الكاتبات بالشيء الكثير من خيالهن، فكلُّ ما شعرن به وكلُّ ما لمسنه في مجتمعهن، ترجم ليصبح عملًا إبداعياً، فكانت كتابات المرأة مرآةً للواقع.

وتأتي مقولة (وليم فان أوكنور) مؤيدة لكلامي السابق حيث قال: من أجل أن يكون الأنسان وفيًّا لفنِّه، لابد أن يكون وفيًّا لعصره، إذ ينبغي عليه استخدام المواد الأولية التي يقدمها إليه ذلك العصر.

إذن فعلى الأديب معايشة عصره ومجتمعه ليكون عمله مميزًا، وهذا ما فعلته معظم الكاتبات في الغرب والشرق.

وهناك بعض الأديبات اللاتي وجدن التشجيع من قبل الأهل كـ ( ملك حفني ناصف) فوالدها كان أديبًا وشاعرًا وجهها وانشأها في بيئة ثقافية مهدت لتكوينها الأدبي.

سمات البواكير القصصية للمرأة اليمنية:

كانت المرأة اليمنية منقطعة عن الثقافة العربية والعالمية بسبب هيمنة الحكم الإمامي في صنعاء وغيرها من المدن أما المناطق التي كانت تحت سطوة الاستعمار البريطاني عدن وما حولها فقد كانت تتنفس القليل من الحرية, ومنها ظهرت أول كاتبة يمنية.

اتسمت البدايات القصصية بالرفض, الذاتية والعاطفة كما سيظهر لاحقا.

وهذه السمات تنسب للمدرسة الرومانسية:

– رفض الواقع

– الهروب واللجوء إلى الخيال

– الذاتية

– العاطفة

بهذا تكون البداية القصصية بداية رومانسية, فقد طمحت الأديبة إلى تغيير الواقع, وبما أن القصة بشكل عام فن جديد- ليس كالشعر الذي له تاريخ تدرج من العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا- فقد كان من السهولة تتبع بدايات هذا الفن وخاصة في اليمن ففن القصة النسائية في اليمن فن حديث الولادة, حيث كان عام 1961 هو تاريخ نشر أول قصة لكاتبة يمنية لم تذكر اسمها.

فبسبب اختفاء الجذور وعدمية الأصول للقصة في اليمن نجد المرأة اليمنية تتأثر بالمرأة الغربية ومن ثم بالمرأة العربية.

فاستقت من هذه وتلك فنون القصة ومواضيعها التي وظفتها في كتاباتها القصصية ,إضافة إلى الكبت والاضطهاد فقد كان لهما الدور الأول في إطلاق صرخة الرفض بوجه المجتمع.

وفي هذا يقول ( مارث روبير):  إن الرواية هي تاريخ المرأة.

فحين كتبت المرأة وعبَّرَت عن مشاعرها أرَّخت لنفسها وكيانها، وأعلنت عن وجودها وسجَّلت حضورها في المجال الأدبي الذي كان محصورًا على الرجل.

وبهذا ظهر أدبٌ جديد هو الأدب النسائي الذي نستطيع تعريفه بأنَّه (الأدبُ الذي تكتبه المرأة ويكون موضوعه المرأة ذاتها).

فالأدب النسائي هو تعبير المرأة عن أجواء القهر والمصادرة في ظل انغمارها بهذه الأجواء، هو طرق باب المسكوت عنه في سبيل الحرية والانعتاق وإثبات الذات.

واستلزم هذا النوع من الأدب قدرًا لا بأس به من الجرأة والتحدي إضافة إلى الموهبة الأدبية، بهذا ينعكس عالم المرأة على إبداعها بطريقة أو بـأخرى، ليصبح عملها مرآة واضحة للواقع.

ومصطلح المرآة هنا لا يأخذ المعنى الأفلاطوني الذي ينقل ملامح الواقع نقلًا حرفيًّا دون أي تغيير، فالقاصة تعمد إلى تغيير الواقع واللجوء نحو الخيال والعاطفة.

لقد أضافت مساهمات المرأة في الحقل الأدبي سمات جديدة للأدب، فاعتبرت كتابات المرأة وسيلة من وسائل تحررها، وسبيلًا من سُبُل الخلاص من وضعها في مجتمع لا ينزلها منزلة متكافئة مع الرجل.

وتؤكد هذه الفكرة الكاتبة والناقدة يمنى عيد إذ تقول بأن كتابة المرأة ما كانت إلا بغرض تحريرها, وبغرض إطلاق العنان لقدراتها الفكرية, ولذلك فحين أتت المرأة لكتابة نص إبداعي كان همها الوحيد هو التعبير عن مشاعرها ومداركها بكامل الحرية.

لم تبدأ المرأة العربية بالكتابة إلا بعد أن تعمقت تجربتها بالحياة ونضجت رؤاها وأغنت وعيها فأقامت بذلك علاقة جمالية بينها وبين الواقع.

وبما أن الإبداع النسائي يرتكز على فكرة إثبات الذات فقد رسمت الأديبة العربية علاقة التكافؤ التي فشل في نسجها المجتمع وسعت إلى مساواتها بالرجل.

ارتكزت قصص المرأة اليمنية على قضايا المجتمع وعالجتها كقضايا اجتماعية لا كقضايا ذاتية، إذن فأدب المرأة كان انعكاسًا للواقع الاجتماعي والمادي الذي يرى المرأة بنظرة دونية، وبذلك أصبحت مشكلات المرأة الخاصة مشكلات عامة تستقي جذورها من مشاكل الطبقة أو الشريحة الاجتماعية التي تنتمي إليها المرأة، بحيث تصبح معاناة المرأة جزءًا طبيعيًا من معاناة المجتمع.

لقد ضاقت المرأة اليمنية ذرعاً بالواقع المعاش فأعلنت الرفض وأسدلت الستار على عهد الصمت ودخلت مجال الأدب بكل قوة وتحد.

سعت المرأة من خلال كتاباتها إلى الكشف عن مآسيها، وعبرت عن همومها وأوضحت ردَّها من القمع والتهميش، ولكل تلك الأسباب لم تقو على وأد رغبة الإفصاح والكتابة، والتي أصبحت الاستجابة لها أمرًا لا بد منه.

كتبت المرأة اليمنية القصة فتكلمت عن النظرة الدونية التي تنظر بها المرأة من قبل أخوتها الذكور، وتكلمت عن حريتها المفتقدة التي يسلبها إياها المجتمع بمجرد بلوغها، وتكلمت عن المرأة التي لا ترى زوجها إلا في ليلة الزفاف دون أخذٍ لرأيِّها ودونما استئذان.

فبهذا ظهر التحكم باختيارات المرأة المتعلقة بقضايا الزواج الطلاق الحجاب الميراث العمل والدراسة، لهذا ظهر الرفض والاستنكار من مجتمع لا ينظر في المرأة أي شيء آخر  غير أنوثتها.

وبسبب كل تلك الضغوطات لم نجد كاتبات بدأن بالكتابة إلا بعد أن تجاوزن الأربعينات من العمر، لا يعني هذا عدم وجود الكاتبات الأصغر سنًا، ففي هذا تقول القاصة أروى عثمان بأنها أثناء فترة تدريسها عرفت الكثير من الطالبات اللاتي لم يستطعن إظهار إبداعاتهن خوفًا من سلطة الأب أو الزوج أو الأخ الأكبر، وحتى وقتنا الحالي نشاهد امتهان المرأة المبدعة من قبل بعض الذين يسخرون من إمكانية امتلاك المرأة لناصية أدبية تتألق بها. 

وفي هذا تقول الكاتبة حياة انيس: لماذا عندما يكتب الرجل بذاتيته لا يتكلم أحد، وإذا كتبت المرأة بذاتيتها يتكلم الجميع، فالمرأة المتحدثة بذاتيتها تعتبر امرأة خارقة لقوانين المجتمع.

لجأت القاصة اليمنية لبث رؤاها عن بعض الظواهر واتضحت نبرة الرفض والتمرد والثورة على كل الرواسب القديمة التي جعلت حياتها محصورة بين ( الزواج –البيت) و(القبر).

ومع انتشار التعليم وإقبال الفتاة على الدراسة في الجامعات ومواصلة بعضهن للدراسات العليا في الخارج ظهرت المرأة في مجالات متعددة نجحت بها كالصحافة والتلفزيون والإذاعة والتعليم… وغيرها من المجالات التي لا تنتهي.

فجاء ذكر المسكوت عنه أحيانا باحتشام وأحيانا بجرأة، وفي كل الأحوال فالكلام عن الحب بحد ذاته يعتبر جرمًا لدى المجتمع الذكوري.

اتجاهات القصة لدى المرأة اليمنية:

لقد سلكت القصة النسائية عدة اتجاهات:

– هناك أعمال قصصية محورها النزعة النسوية التي ترمي إلى نقض العرف الذي يهمش المرأة وهذه الكتابة تمثل رد فعل طبيعي يجسد الوعي النسوي بصورة إيجابية وتتميز في نماذجها الجيدة بجسارة تناولها للتابوهات الاجتماعية.

– وهناك أعمال قصصية تربط التجربة الحياتية للمرأة بما هو عام على مستوى الواقع المعاش بقضاياه وهمومه وأزماته بما يظهر في لحظية الزمن وتشظي الذات وتجزئة الحدث القصصي.

  • – وتعتمد بعض الكاتبات استخدام صيغ من التراث الشعبي وطرق الحكي الشفاهي مما يجعل الخطاب القصصي ساحة لتفاعل صيغ لغوية جديدة.

– بالإضافة إلى النصوص التي نجد بها  تنوعًا لوجهات الرأي، فتظهر المرأة كائنًا إنسانيًا نظيرا للرجل.

  • – وأخيرًا هناك نصوص تعتمد على تجسيد تجربة المرأة المتعلقة بكيانها العقلي والنفسي.

أما عن الكاتبات اللاتي تناولتهن في دراستي فقد كافحن من أجل الحرية وكان طريقهن مليئًا بالأشواك المؤلمة.

لقد كانت العادات والتقاليد القديمة والنظرة الدونية للمرأة تزيد من أصرار كل امرأة لشق طريق جديد رغم المعوقات والعقبات.

جاءت مواضيع القصص مختلفة فنجد سوء معاملة المرأة، حزن الرجل إذا رزق بأنثى، تفضيل الرجل المرأة الجاهلة على المتعلمة وظلم الرجل للأديبة وعدم اعترافه بها.

دراسة تطبيقية لدى مجموعة من القاصات:

*القاصة (ف. أحمد): لم تذكر اسمها حين نشرت قصتها في صحيفة صوت الجنوب 3\9\1961، وكانت قصتها هي باكورة الكتابات النسائية في اليمن، وقد نشرت قصة أخرى في نفس العام بعنوان (هل أبتعد عنه؟) وبعدها اختفت تماما.

وقد أرادت بقصتها الإفصاح عن الكبت والاضطهاد اللذين لطالما عاشتهما المرأة اليمنية، ولشعورها بالخوف من مجتمعها لم تفصح عن اسمها، وإذا عدنا إلى الكاتبات العربيات لوجدنا أن أكثرهن كن يكتبن بأسماء مستعارة كملك حفني ناصف التي سمت نفسها باحثة البادية، وعائشة عبد الرحمن التي تسمت ببنت الشاطئ، وأميرة الحسني تسمت ب بنت بردى، وسميرة خاشقجي (بنت الجزيرة العربية)، والأديبة اليمنية سلكت نفس الاتجاه فبعضهن كتبن الحروف الأولى من أسمائهن، وبعضهن استعن بالأسماء المستعارة فأمة الرؤف حسين سمت نفسها رؤوفة حسن، وسلمى عبد القادر بامطرف تسمت ب( س.ع.ب) فلم تجرؤ المرأة على ذكر اسمها واحتمت بغطاء الاسم المستعار، ولندخل إلى فاتحة القصص النسائية في اليمن.

ظالم يا مجتمع 

عنوان جريء وموضوع أجرأ منه قصة فيها نبرة رفض وتمرد، تقع منى بطلة القصة ضحية مجتمع يدينها بذنب لم تقترفه يداها وتدان بتهمة أمها.

بدأت القصة بهذا التقديم: 

“وكان المجتمع قد رسم لها صورة مختلفة، وكان يمكن لها أن تكون شيئًا آخر يختلف عن الصورة التي رسموها لها، ولكن المجتمع رفض أن يتنازل عن تصوره، وعلى الأخص أن وجه (منى) كان طبق الأصل من وجه أمها”

….

كانت لا تسمع اسم أمها إلا مقترنًا باللعنة حتى على التراب الذي يضم رفاتها، وكلما أرادت أن تسأل عن سر هذا الغضب على أمها ردَّتها العيون الغضبى وأماتت السؤال على شفتيها و أرْدته قبا أن ينفرج من إطلالة شفتيها الحائرتين..

….

والحق أنها حاولت مرارًا أن تكره أمها، لكنها لم تستطع، لعله نداء الدم أو لعله انعدام المبرر لهذه الكراهية، غير أنها لم تستطع إطلاقًا أن تقول (أمي) كسائر البنات.

.. 

وتتذكر منى قصة أمها المسكينة التي أحبت ابن عمها وحدد يوم زفافهما، ووقعا في الخطأ ظانين أنهما سيتزوجان ولكن الأب أعجب برجل غني وزوجه ابنته وكشف أمرها وهكذا بدأت تعيش حياة جحيميه تتلقى اللعنات والاتهامات.

أنجبت لزوجها طفلة هي (منى) وظل اسم الأم على كل لسان واكتفت الكاتبة بقولها سقطت لتوضح مصير هذه المرأة، ثم تموت إثر حادث تاركة لابنتها ملامح وجهها.

وسقطت عند أول بادرة، وكان الاضطهاد يدفعها إلى السقوط دفعًا، ويلهب ظهرها بسياطه فلا تجد مهربًا إلا تلك الهوّة العميقة التي آثرت أن تسقط فيها لعل أعماقها منجاة لها من ذلك السوط الذي يلسع ظهرها.

وتركت لوالد منى كل شيء، حتى منى.. وعرف الكل أنها سقطت ثم أصبح اسمها يلعلع على الشفاه ويصبغ ذكرها الاحتقار والقرف والازدراء، حتى لقد بلغ بها الحال أن تصبح عملة تتداولها الأيدي التي كانت كلما تداولتها هبط سعرها وأصبحت رخيصة.

…..

وتكبر منى ولم يكن يسمح لها بالخروج إلا إلى بيت الجيران، فتجد في شقيق صديقتها ما يعوضها عن العطف الذي افتقدته في البيت، فيصارح الشاب أهله برغبته في الزواج بها، وما أن تسمع زوجة الأب بهذا حتى تخبر زوجها فيهجم عليها بعصاه دون رحمة، ويتذكر أمها فيصب عليها جام غضبه.

وجدت لدى عبدالمنعم تلك النظرة العطوفة والكلمة الطيبة التي تفتش عنها في صحرائها.. وكانت صديقتها هي الوسيطة في هذه العلاقة، إلى أن صارح الفتى أهله بأنه يودها زوجة.

….

لم تتحمل منى هذه الحياة فهربت، ولم تذكر الكاتبة إلى أين ومع من؟

وقلب الناس شفاههم، قال الساخرون منهم: إنها لم تفعل شيئا أكثر من أنها اقتفت أثر أمها…

وفي هذا يقول الناقد والكاتب العراقي د. حاتم الصكر: (إن هروب منى يرمز إلى استمرار الصراع بين النساء والمجتمع الذي يسيطر عليه كبير الأسرة) 

*سامية محمود علي:

نشرت أول قصة لها عام 1976 واسم القصة هو (غدًا سيعرف كل شيء): 

تتكلم القصة عن أب لفتاتين يعامل إحداهما بحنان ويعامل الأخرى بقسوة، فتظهر صورة الفتاة التي تريد مساواتها بأختها، فلربما رمزت الكاتبة هنا للمرأة اليمنية المضطهدة ولأختها التي نالت حريتها في الشعوب العربية الأخرى.

وتنتهي القصة حين تمسك إحداهما بيد الأخرى وتقول غدًا سيعرف أبي كل شيء، ففي اجتماع اليدين كناية عن التكاتف، أما لفظة أبي هي كناية عن العهد القديم، ولفظة غدًا توحي بالأمل والإصرار في سبيل تحقيق هذا الحلم.

*شفيقة زوقري: 

ولدت في أسرة مثقفة من عدن1942 وعملت مديرة بمدرسة في عدن وأذيعت قصصها في إذاعة عدن ونشرت في الصحف.

أرملة شهيد :تحكي القاصة قصة امرأة توفي عنها زوجها شهيدًا تاركًا لها ابنتها عهد، فبدأت المرأة بإكمال مهمة زوجها فتهتم بقضايا تحرير البلاد، وتحكي لابنتها عن تضحيات والدها ومواقفه المشرفة، وتتذكر زوجها حين كان يأتمنها على أسراره ويستمع لها بانتباه، فيظهر التكافؤ بين الرجل والمرأة، وفي هذه القصة اتجاه من الخاص إلى العام. 

اعتدال ديرية: 

من مواليد عدن 1949 بكالوريوس أدب إنجليزي جامعة عدن وحصلت على الدراسات العليا من بريطانيا، بدأت الكتابة باسم مستعار هو أمينة.

صوت من الماضي:

ذكرت قصة فتاة باشرت عملها الجديد غير مصدقة بالعمر الذي كتب لها، بهذه البداية نرى انقشاع فترة الظلام التي لطالما عاشتها المرأة اليمنية، ونرى بزوغ نور الامل بحياة وعمر جديدين، ويظهر صوت البطلة متمثلًا في صوت القاصة والتي يبدو أنها معلمة تبدأ بتذكر الماضي، وفي رحلة التذكر تظهر صورة المرأة المضطهدة ويبدأ الاسترجاع الخارجي في القصة حين تتذكر أعز صديقاتها فتقول (وعادت بي الذكريات حين فقدت أعز الصديقات) 

بهذه الكلمات نفهم وجود ضحية فقدت حياتها أسمتها بضحية الغدر.

ثم تعود لتتساءل ما الذي طرأ عليها لتتذكر الموتى في هذه اللحظة؟ وما الذي جعلها تتذكر فاطمة التي قتلت بلا ذنب؟!

فاطمة هنا هي رمز للمرأة اليمنية التي عاشت الظلم، ومما يؤكد رمزية فاطمة هو قولها لقد قتلوها الأوغاد دون رحمة وضربوا الكثيرات، وتستمر الكاتبة في تأكيد الرمزية فتقول أنها تستمد من فاطمة إصرارها لمواصلة سيرها لتحقيق آمال المرأة اليمنية.

فتثبت الكاتبة هنا أن المرأة التي لطالما عذبها المجتمع باضطهادها ما ثارت بثورتها إلا لتحرير النساء الآتيات بعدها، بل إن كل قطرة دم من جروحها كانت هي المشجع للباقيات على المضي في ذلك الدرب.

وبعد التذكر ذاك تبتسم قائلة بأن الحاضر يناديها فلتبتسم، فتزهر ومضات الأمل المشرق، وتقول في الأخير إن فاطمة والأخريات سيأتين للعمل معها وتتجلى الرمزية في آخر القصة.

زهرة رحمة الله:

تكلمت عن معاناة المرأة ووصفتها بوصف جميل، حيث لا يفهم إحساس المرأة إلا المرأة، فيقول الدكتور ادوارد الخراط في هذا الصدد: لا أستطيع أن أكتب أشياء لا أعيشها، التمايز موجود على مستوى التمييز الوجودي، فالكاتبة تحتفظ بالذاتية وتحرص على أن تكون الراوي والشخصية المحورية وربما الشخصية الوحيدة ولا ترضى بالحياد.

الاتجاه الآخر: تتكلم القصة عن فتاة زُوجت دون علمها, أحست بحركة غريبة في البيت، رأت إخوتها فرحين، ورجالًا جاؤوا إليهم، وفي اليوم التالي وجدت سيارةً فارهة أمام بيتهم، حينها قيل بأن السيارة هي مهرها، وآخر ما قالته لها أمها هو (كوني طيبة).

يأتي ذكر الزواج المبكر وعدم أخذ رأي الفتاة بأي شيء، وتشعر بأنها كتلك العنز الواقفة أمامها، ظلت تحدق إليها عبر زجاج السيارة، فإذا بها تفر بعيدًا وتختفي، وأخذت تحسد العنز التي عرفت طريقها بينما هي فلا تعرف إلى أين تساق. 

وتصف الدكتورة آمنة يوسف هذا المشهد بقولها: (إن هذه الفتاة فشلت حتى في تقليد العنز التي شاهدتها تفر من مؤخرة السيارة التي قادتها إلى زوجها المجهول بعد أن دفع المهر واكتفى بإرسال رسوله لإحضارها إليه دون أخذ رأيها) وفي نهاية القصة تؤكد القاصة أن هذا الزوج أخذ يسحب هذه الفتاة إلى الخلف، ويبعد عنها صورة الحقول التي لطالما لعبت بها مع صديقاتها فتقول: يد قوية هوت على كتفها كبلت خطواتها وسحبتها إلى الخلف، أحست بصورة أمها وأبيها وصديقاتها تنزلق بسرعة إلى الخلف.

ظهرت هذه القصة محكمة السرد وأكثرت القاصة من ذكر المونولوجات, وزمن القصة كان متدرجا مع الأحداث, حيث تنتهي القصة بوصول الفتاة إلى المكان المحدد لها.

رمزية الإرياني:

كتبت رواية (ضحية الجشع) وهي أول رواية لكاتبة يمنية، كتبتها وهي لم تزل طالبة في المدرسة.

كانت مجموعتها القصصية -عله يعود- هي أول الكتب التي طبعت في صنعاء.

شغلت منصب رئيسة اتحاد نساء اليمن وتوفيت مؤخراً.

يلبس ابني خاتمًا فضّيًا: 

حوت هذه القصة رمزًا جميلًا واضحًا، إذ تظهر المرأة التي تبحث عن ابنها الذي يلبس خاتمًا فضيًا في إصبع قدمه، وهذا الابن ما هو إلا رمز لحلم الكاتبة، وبحثت عنه كثيرًا وظل الجميع يسخرون منها قائلين بأن ما تبحث عنه غير موجود، ظلت تبحث عنه ولم تفقد الأمل في إيجاد هذا الحلم الذي اعتبره الجميع غريبًا ووصفوا محاولاتها بالفاشلة.

وتتذكر ابنها وكيف أنها كانت تخشى عليه من التنور أي( المواجهة) وقد يلتقي بأبناء الجيران الأكبر منه سناً فيلاعبوه ويداعبوه، وأبناء الجيران هو رمز لحلم النساء العربيات اللاتي تحررن قبلها، فهذا الحلم هو الذي ظل يلاعب ويداعب حلم المرأة اليمنية ويناديه ويشد من همته لكي يتحقق كما تحقق هو من قبل. ونتأكد هنا أنها تتكلم عن المرأة العربية بقصدها الأكبر منه سنا. 

وعندما تصف ابنها تقول إنه مبتسم دائما (فيه إشارة إلى الأمل)، وما إن تجد ابنها حتى يؤخذ منها، هنا نفهم أن العرف وقف عائقًا أمامها ومزق حلمها إربًا إربًا بمعاونة رجال الأمن والسلام.

تصاب هذه المرأة بحالة هستيرية لتمزق حلمها، فتهوي إلى أسفل المدرج وتنتحر وهي تحتضن رجل ابنها الذي يرتدي في إصبعها خاتما فضيا.

مع هذه النهاية تود الكاتبة تأكيد ما سعت إليه في قصتها، فحلم هذه المرأة الذي لطالما بحثت عنه حقيقي وموجود وغير مستحيل التحقق كما كان يقول الجميع. 

فبطلة القصة تموت وهي ممسكة بقدم ابنها لتثبت للجميع صحة ما كانت ترمي إليه ولتشد من همم الأخريات ليكملن الطريق الذي سلكته, وليحصلن على حلمهن حيًّا لا ميتًا كما حصلت هي عليه لتموت إثره.

وهذه المرأة التي ضحت بحياتها كان هدفها هو أن تشد من همم النساء بعدها ليحققن ما عجزت هي عن تحقيقه.

هنا يموت الحلم لتموت إثره البطلة إذ ما نفع حياتها بدون أمل ولا حلم؟! فيظهر الرفض للواقع, والرغبة في الموت عل هذا الموت يرسم الخطوة الأولى من خطوات الانعتاق.

شفاء منصر: 

من مواليد 1961. خريجة كلية الآداب قسم الفلسفة، بدأت بنشر أعمالها عام 1982 وعملت في التدريس والصحافة والإذاعة والتلفزيون.

بداية أخرى:

ترسم القاصة في قصتها صورة امرأة تعاني من مخاض الولادة فكان تصويرها متميزًا، فهذه المرأة تنتظر مولودها القادم (حلمها) الذي لن يأتي إلا بالتعب والمشقة.

فتعتبر ولادة الطفل دليلًا على انفساح الأمل وبعد الولادة تنهمر دموع الانتصار والتطلع للمستقبل القادم في شخص هذا الطفل الجميل.

أمل عبد الله: 

كاتبة من عدن بدأت بنشر قصصها عام 1982

هذا الحلم الرمادي:

تتكلم هذه القصة عن ممرضة يخطبها طبيب عاش في أوروبا، فيخبرها إن المرأة هناك صارت تفضل البقاء في بيتها كتلميح لها لكي تترك العمل والمعهد، فهو رجل مثقف ولكنه يرفض أن تعمل زوجته وفي هذا تقول القاصة هدى العطاس: إن المثقف الشرقي يحتفي عادة بالمرأة المبدعة المثقفة ويقدم نفسه على أنه النموذج الحقيقي للرجل الذي يوفر لها مناخات الاحترام والمساعدة والذي يشجع نشاطاتها، بينما يمارس طقسًا آخر مع زوجته فيحبسها ويمنعها عن العمل، وإن كانت مبدعة فهو يجرجرها إلى الخلف قليلًا قليلًا حتى يبعدها عن أي عمل إبداعي، ويمنعها عن نشر أعمالها.

وبالعودة إلى القصة تتذكر الممرضة طفولتها، وكيف كانت تجمع الحطب وتحمله على رأسها فقد كانت تعمل وما زالت تعمل، وكل الذي تغير أنها الآن في مكان أرقى.

فتفكر بزواجها من الشخص الذي سيمنعها من كل شيء، فتقع بين خيارين أحدهما أن تسحب طلب التحاقها بالمعهد وأن تنسى حلمها، والآخر أن تنسى عرض هذا الطبيب. ويبدو المشهد الأخير واضحا حين يطلبها الطبيب على الهاتف فتطبق السماعة ببطء وتذهب للاعتناء بالمرضى وتلبية حاجياتهم.

نجيبة حداد: 

من مواليد عدن 1950 سميت بأم أطفال اليمن، ترجمت أعمالها لعدة لغات، عملت بوزارة الثقافة والاعلام، كما عملت بالصحافة والاذاعة والتلفزة.

نهاية الأحلام:

تحكي القاصة قصة طالبة مراهقة تتعرف على شخص يطلب منها إكمال دراستها لكي تعمل وتشاركه بناء حياتهما، كلمها عن التعاون كثيرًا، فلم يعجبها هذا الشيء وأخذت تتهرب من هذا الشخص المؤمن أن الحياة كفاح. 

وكان كل همها (حفلة عرسها والمدعوات وبيتها الخاص) وحين يتقدم لها ذلك المغترب توافق على الفور وتترك دراستها وتتزوج رجلًا ثريًّا غير متعلم وتسافر معه لبلده, وهناك تكتشف أنه متزوج ويسكنها في بيت زوجته الأولى و يفرغ لها غرفة واحدة, وهنا تنتهي أحلامها وتغدو وحيدة في بلاد غريبة.

فالفتاة هنا مراهقة لا تعي مصلحتها وقد سلكت أسهل طريق لها, وقد أشارت دراسة عن المرأة بأن الفتاة المراهقة تعاني من مشكلة ثقافية وهي جهلها بفلسفة الحياة كما أنها تمتاز بدرجة كبيرة من الفضول وحب التجريب.

عزيزة عبد الله: 

قاصة وروائية يمنية امتازت بالأعمال الروائية المطولة

البحث عن ولاية:

في هذه القصة نجد امرأة يتزوجها جندي تركي ثم يتركها وهي حامل بابنتها وتظل لاهي بالمطلقة ولا بالمتزوجة.

وحين تتزوج ابنتها تنجب ولدًا ويموت زوجها, فتشير الكاتبة هنا إلى قضية الزواج بأجانب فلا يلتزمون بأي مسؤولية تجاه زوجاتهم.

وحين يذهب ابن الأرملة للبحث عن ابنة الجيران (ولاية ) وعن جده التركي  يظهر هنا رمز البحث عن الاستقرار والهوية والرغبة في الانتماء إلى وطن أو ولاية. 

د\آمنة يوسف:

قاصة وشاعرة وناقدة , أستاذة الأدب الحديث ونقده والأدب المقارن – جامعة صنعاء.

همسة: تظهر المرأة في هذه القصة رافضة للعادات والتقاليد القديمة فتعبر عن مشاعرها بكل صراحة فتقول: بعيدًا عن المعايير الاجتماعية البالية, وتلك الفسيولوجية المضحكة أحببتك وأحبك وأقصى ما أتمناه من الخالق أن يمنحني لحظة أضع فيها رأسي على وسادة صدرك الدافئ ثم للخالق أن يميتني بعدها 

تظهر الأنثى هنا جريئة بينما يظل الرجل غير مبال بمشاعرها, فتسأله بنبرات مسترحمة : ألست نصفك الآخر؟ يا لتعاستي حين لا أرى فيك غير ضعفي وقلة حيلتي.

وفي قصة ( لا جدوى) ينعدم التفاهم مع الرجل انعدامًا تامًا حيث تقول : خبئي حلمك الساذج واحذري من أن يراه أحد سواك، احذري تمامًا أتدرين لماذا؟ لأنه لا جدوى من أن تبوحي إليه بحلمك، فهو لن يصغي ولن يفرغ إليك ولن ولن ولن ..

ضجيج: يأتي هنا ذكر المرأة حين تخرج من بيتها فكل شيء قابل للانفجار , ومن كثرة المضايقات تضطر إلى أن تخلع أذنيها عند الرجوع إلى المنزل, فهي تريد أن تنسى كل شيء.

أنثى:

للقاصة ثلاثة نصوص بعنوان أنثى يظهر فيها هموم الذات الأنثوية المنكسرة, فالمجتمع مليء بالأعين المثقلة والمكائد المرعبة, فتقرر بطلة القصة الانتحار والاختناق في قاع اليم على أن تعيش في ظل حلم مستحيل التحقق, وقد أكثرت القاصة من الاستعارات كـ ( صندوق الأفكار, وسادة الأحلام المبتورة..) بحكم تجربتها الشعرية.

انكسار: 

تظهر بطلة هذه القصة مثقفة ولكن الرجل يتجاهلها ويظل غير مبال بها فيقول لها: هناك على ذاك المقعد البعيد تفضلي بالجلوس قالها ومضى. ويتجه هذا الرجل صوب أوراق مرتبة أمامه.

فتقول له: ربما تعلم أني أحتفظ بكثير من الأوراق المبعثرة على طاولتي المستكينة( يتجلى هنا طلب المساواة) وربما تعلم أيضًا أنَّ عالمي تمامًا كعالمك يزدحم بالأفواه المرعبة .

وفي الأخير تقول: 

حسنا خذ هذه الورقة القادمة إليك من أقصى أقطار قلبي, خذها معك ودعها في زاوية ضيقة من طاولتك المكتظة بالأوراق.

شخير :

تلتفت المرأة المثقفة الواعية في هذه القصة إلى بقية النساء فتتساءل هل يشعرن بمعاناتهن؟ هل يدركن الضغوط الممارسة عليهن؟ ولكنها لا تجد غير الشخير فهن نائمات لا يدركن ما يجري, ولا يشعرن بالظلام الدامس حولهن والظلام هنا هو رمز للتخلف. وهذه المرأة التي لا تجيد سوى الشخير لا تدرك صنيع المرأة المتعلمة من أجل حريتها, واكتشفت البطلة أخيرًا أنها ليست الوحيدة وأن هناك نساء يفكرن نفس تفكيرها, ويطمحن نفس طموحها فمدت إليهن يد التوحد وظهر التكاتف بين هؤلاء النساء في سبيل إيقاظ المرأة النائمة من سباتها.

د . رؤوفة حسن:

مواليد 1958 حصلت على الدكتوراه في علم الاجتماع من باريس فرنسا عام 1991عملت بجامعة صنعاء, وفي الإذاعة والتلفزيون والصحافة, توفيت عام 2011 

لهذه الكاتبة قصة تحكي عن رجل متعلم يطالب بالحرية وحين يقرر الزواج يختار امرأة غير متعلمة, ويظل يتكلم عن العدالة والأخوة بين النساء والرجال وعندما تلد زوجته بنتًا يمتقع وجهه ويشعر بالخجل من ابنته الوليدة, فالرجل هنا لا يستطيع تطبيق أفكاره التحررية على حياته الخاصة.

نورا زيلع: 

صورت في قصتها ( قارئة الفنجان) امرأة مظلومة تدخل على العرافة العجوز علها تخبرها شيئًا عن مستقبلها يمنحها بصيصا من الأمل, ولكنها ما إن ترى البخور والدخان تقول: أدرك مع هذا الدخان تحت أي عنوان يندرج مصيري, وفي أي صفحة يطويني المستقبل.

فتجيبها العرافة: المجتمع ليس بحاجة إلى أن تزيد عليه بائسة أخرى.

فتخرج هذه المرأة من عند العرافة والديدان تسبح من تحت شرشفها (كناية بأنها إنسانة هالكة لا محالة).

*الشرشف هو لباس ترتديه المرأة في اليمن يسربل المرأة من رأسها حتى أخمص قدميها لونه أسود كان يلبس في صنعاء بكثرة والأن أصبح قليل الوجود بعد أن استبدلته المرأة بالنقاب و العباءة السوداء , وأكثر الأديبات كن يلبسنه وتمردن عليه وكشفن عن وجوههن .

أفراح الصديق:

قاصة لها إصدار وحيد هو عرش البنات مجموعة قصصية

زليخا: تتكلم القاصة في هذه الأقصودة عن زليخا يوسف التي اعترفت بحبها بكل كبرياء, وزليخا الآن التي تخاف من إبداء مشاعرها.

أنانية: يسأل الرجل المرأة في هذه القصة عن حبها له وحين يسمع الإجابة يتركها.

فتقول الكاتبة: ذهب إليها يومًا وسألها إن كانت تحبه تفاجأت اعتراها الخجل, وانعقد لسانها, فسمع نبض قلبها يجيبه. ابتسم ورحل دون عودة.

نبيلة الزبير:

لها رواية ذكرها الدكتور حاتم الصكر في كتابه ( انفجار الصمت في الكتابة النسوية اليمنية) بدت الرواية جريئة إذ نسبت الأحداث لنفسها, فتتحدث الرواية عن شاعرة تتزوج برجل يوهمها بالتفاعل معها كشاعرة وإنسانة, لتكتشف فيما بعد أنه لا يهتم بكتاباتها, وأنه لا يريدها إلا امرأة عادية, فتطلب منه الطلاق.

وحكت تجربتها مع أبيها الذي مرت من خلالها بأجرأ قرار وهو كتابة الشعر الذي يعده المجتمع عيبًا على الفتاة. فتقول بطلة القصة ( سكينة): الشعر أصبح محور حياتي ولن أتنازل عنه يا أبي.

وحين تكلمت الزبير عن هذه القضية في روايتها استندت على معاناتها ومعاناة غيرها, فنجد الشاعرة اليمنية فاطمة العشبي

تحكي قصتها مع الشعر فتقول أنها عانت كثيرا مع الشعر فقد منعها والدها من التعليم ووقفت الأعراف في طريقها سدًا يحول دون وصولها لمبتغاها فبدأت بتثقيف نفسها خلسة عند رجل علم, وأحست بميل إلي الشعر وبدأت بكتابته وحين علم أبوها همَّ ليقطع يدها, ومنعها من قراءة أي شيء يتعلق بالأدب, حتى إذا وجد ورقة ممزقة أعاد إلصاقها ليكتشف ما الذي كان مكتوبًا بها, ثم قرر تزويجها من رجل أمّي يكبرها بثلاثة أضعاف عمرها, وكانت حينها في الثانية عشرة, ولكنها ظلت تتمرد فتخلت عن اللباس التقليدي, وحاولت الهرب, حينها ضربها والدها بعنف حتى أنها أشرفت على الموت فكسر يديها وساقيها وهشم رأسها, وحفر لها قبرًا  في أسفل البيت وما أن رأت القبر وهي في تلك الحالة فقدت الذاكرة لمدة تسعة أشهر ولم تستردها إلا وهي مع زوجها في بلد غريب, استمرت بالتمرد حتى أخذت الطلاق وعادت إلى عالم الأدب بعدها, وحتى هذا الوقت تقول بأن ليس هناك تشجيعًا للمرأة, وأن هناك ألسنة قذرة –على حد قولها- تحاول النيل من المرأة الأديبة.

فنجد أن الوعي المتزايد للمرأة يبرز معضلات أخرى أكثر تعقيدا .

هدى العطاس:

قاصة يمنية اتسمت قصصها بالجرأة في التعامل مع الآخر، وبالواقعية الواضحة، فهي كغيرها من الفتيات كبلت بالحواجز والمحاذير.

وتقول الدكتورة وجدان الصائغ: بأن قصصها امتلأت بالهم الأنثوي وتطلعاته، وتكلمت عن المسكوت عنه. 

أنين: 

ينفذ النص القصصي عند هدى العطاس إلى خصوصيات يندر التكلم عنها عند البعض.

وهي تحذر الفتيات من الانجرار وراء عواطفهن، فمباركة الأهل لازمة لاجتماع المرأة بالرجل، وإلا فسيكون المصير كمصير الدجاج الذي كانت ترعاه بطلة القصة.

بدأت القصة بإدخال صفية لآخر دجاجة في القفص، حينها تسمع الجيران يتحدثون عن رجل جاء من المدينة، وبسبب جهل الفتاة تنبهر بهذا الغريب وتستجيب له دون أي تعقل، وبعد شهرين تبدأ بالتقيؤ والتألم.

وتقول القاصة: كانت أشباح الليل تتقافز حول صفية المكومة في إحدى الزوايا, يأتيها صوت احتكاك السكين وحدّه بالحجر, وصوت الحشرجة الصادرة من حنجرة الأب, أخذ يقترب منها وأمسك بشعرها, ودوت صرخة وجزّ رأس وبقبق وفار الدم الحار على الأرض, وسقط رأس الضحية ذو الضفيرتين.

ولكي تؤكد الكاتبة أنَّ الضحية هنا ليست سوى المرأة، رسمت صورة هذا القادم من المدينة وهو يدخن سيجارته بلا أدنى مبالاة لما حدث، ويضحك ويتلقى التهاني بمناسبة عرسه.

أروى عاطف: 

قاصة وصحافية قال عنها الدكتور عبد العزيز المقالح: إنها استطاعت بلغتها الشعرية المكثفة أن تلغي الفوارق بين القصة والقصيدة وذكر أقصودتها : 

أدركت بعد جفاف الدموع ومرور السنين أنَّ لا شيء يستحق البكاء فبكت.

تميزت هذه القاصة بكتابة الأقصودة التي تعرفها الدكتورة آمنة يوسف بأنها: القصة القصيرة التي تصل إلى حجم الكف أو إلى أسطر معدودات وأحيانًا إلى السطر الواحد وتتميز بالتكثيف والتركيز والإيحاء وإيقاعها يقترب إلى القصيدة, مع سيادة عنصر السرد القصصي بالدرجة الرئيسية, فهذا النوع الجديد من الفن يجمع بين القصة والقصيدة.

اتسمت قصص هذه القاصة بالذاتية وكانت قصصها عديمة الزمان والمكان, وكذلك الشخصيات لم تكن محددة.

تحررت منك:

مع أن القصة كانت مليئة بالعواطف التي أفهمتنا أن المرأة لا تستطيع التخلي عن الرجل إلا أن القاصة في الأخير تقول: كنت أتداعى كجدار قديم وأنت تحث الخطى نحوهم أصرخ أنا وقلبي, فتلتفت إليّ وفي عينيك أقرأ الجواب, وهم كان قدرك الذي لا مفر منه, لن أملك أن أجبرك ولن أستطيع، تشيعك عيناي حتى تتوارى, أعود لشرنقتي لأسكنها من جديد فيما أطلق أجنحة قلبي للفضاء الشاسع لأتحرر منك.

تظهر رغبة التحرر من الرجل وتظهر الوحدة والانطواء على النفس وهجر العالم المحيط بالكاتبة في قولها أعود لشرنقتي لأسكنها من جديد، فهي لم تخرج من شرنقتها إلا لأجل هذا الشخص.

ميلاد آخر: 

هذه القصة مشابهة لقصة شفاء منصر التي تتكلم عن ولادة الحلم، فتقول يفتح عينيه ليرى عينيها تغلق إلى الأبد، هنا رمز لشعور القاصة ببعد حلمها واستحالته، وأن الحلم لا يتحقق إلا بشق الأنفس.

البوح الحرام:

تحتاج القاصة إلى من يفهمها فتقول: ما جدوى ما أحس به إذا كنت لا تدريه؟

وأي عالم سيحتوي ألمي ما دمت لا تحس بما أعانيه؟

إلى متى ستظل مشاعري شيئًا اهمس به لنفسي؟ 

أخاف أن يسمعه سواي لأن بوحي به حرام وعيب يجب أن أداريه.

قرار:

تتكلم عن حال المرأة في المجتمع وتتكلم عن المضايقات التي تتعرض لها المرأة حتى إن كانت بكامل حشمتها فتقول : تلف جسدها بعباءتها وتخرج من بيتها مرتبكة الخطى، تجلدها نظرات المارة حين تطأ قدماها رصيف الشارع وتغمض طرفها تتجاهل أفواه الذئاب الفارغة حولها.

خاتمة: 

لعل خصائص قصة المرأة اليمنية بدت واضحة بعد هذا التتبع، وكان من الواضح أنَّ القاصات لم يخرجن عن أطر محددة، فقد كانت قضياهن متشابهة وكلها تصب في نفس الموضوع. لقد تاقت القاصة اليمنية إلى الانعتاق من عبوديتها فرفضت بقاءها في زنزانة التقاليد القديمة، والشيء الذي كان يفرق بين قاصة وأخرى هو مقدار الجرأة التي تساعد في كشف المستور والمسكوت عنه في المجتمع, وطالبت بمساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات في سبيل التحرر.

بهذا بدأت المرأة في سردها القصصي بتحطيم قضبان الأمس بكل إصرار وتحد.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply