Walid Al-Koubaissi ~ التميز العراقي في المهجر

كلمة الأستاذ شاكر عبد القهار الكبيسي في تأبين الأديب والكاتب والصحفي والمترجم والمؤلف وليد الكبيسي ( 1958-2018)

لم يكن الأحتلال الأمريكي للعراق  مجرد صدفة او بسبب خطأ السياسة الأمريكية وعدم ادراكها لنتائج هذا الأحتلال بل كان ذلك عن عمد وسبق أصرار وأن أسوء كارثة حلت بالعراق هي افراغ البلد من امكانياته المعروفة والتي يأتي في مقدمتها هجرة العقول العلمية والأدبية والأقتصادية والعسكرية لأن كل خسارة ممكن تعوض الا خسارة الأنسان وجهده وعقله وامكانيته فهي لا تعوض ابدا واليوم يعيش المئات من ابناء الجالية العراقية في كافة بقاع العالم حيث لا تكاد دولة في العالم لم يطرق العراقيون ابوابها ومع كل مايعانية الأنسان في غربته الا ان العراقيين اثبتوا للعالم في دول المهجر أنهم متميزون وقادرون على أثبات انهم اهلا للمعرفة والأقتدار ويمثل السيد وليد الكبيسي مثلا رائعا لما يجب ان يكون عليه المغترب في ديار الغربة فأستحق الرجل بذلك الأهتمام الكبير وحسن التقدير لعدد كبير من الأدباء والكتاب والمثقفين في عدة دول عربية وأجنبية ولا يكاد شخصا مهتما بالأداب والفنون والثقافة في النرويج  لا يعرف من هو وليد الكبيسي .

ولد الأديب والكاتب والصحفي والمترجم والمؤلف وليد الكبيسي في بغداد عام 1958 أكمل دراسته الثانوية في بغداد وكان محبا للشعر والأدب منذ طفولته قرأ بغزارة وشغف وبدون أنتقائية  وبأستمرارية العاشق الباحث عن حقيقته فلم تستهويه كباقي الأطفال الحدائق والمتنزهات ولم تبهره مراكز اللهو والعبث بل كان يبحث عما هو اكثر شموخا ورفعة ومعرفة فأرتاد المكتبات العامة ودور الطباعة ومراكز العلم والثقافة باحثا عن نفسه وطموحه وغاياته بأرادة صلدة وعزم لا يلين وكتب الشعر وهو في الدراسة المتوسطة ونزولا عند رغبة عائلته  دخل كلية الهندسة المدنية في جامعة بغداد ولم تكن حلمه يوما ما.

غادر بغداد عام 1980 متوجها الى حيث المجهول لكن حتى في المجهول كان يبحث عن صحبة للآداب والثقافة اقام عدة سنوات في سوريا وهناك انتسب للحوزة العلمية ودرس فيها عدد من المسائل الشرعيه بدافع حبه للأطلاع ومن ثم الى لبنان حيث عمل مع المقاومة الفلسطينية لفترة من الزمن ثم عاد الى سوريا ومنها هاجر في العام 1981الى النرويج حيث اقامته الدائمية الى يومنا هذا .

وفي النرويج بدأ مشواره الحقيقي درس اللغة النرويجية بلا مدرسة وبرع فيها بشكل لا يوصف حتى انه اضاف للقاموس النرويجي عدة كلمات ودرّس اللغة النرويجية في اكثر من مدرسة وعندما يتحدث النرويجي أمامه يخشى ان يخطا في لغته فيبادر وليد الكبيسي لتصحيح ما قاله في لغته الأم . بدأ نشاطه الأدبي والثقافي بشكل باهرفهو متألق في تعبيره جميلا في صياغته لألفاظه مهتما بعباراته نبيلا في مقاصده واثقا بما يكتب ومؤثرا بما يقول عمقا وفهما وادراكا ودقة لا يترك شيء للصدفة فالصدفة في نظره قد تفسد جليل أعماله وحسن نواياه . له حضور متميز في كافة وسائل الأعلام النرويجية ( مقابلة- فلم ثقافي- نشاط مجتمعي – مقالات صحفية – مقابلات مع شخصيات سياسية في الحكومة النرويجيه ) وتواجد وحضور مؤثر في كافة النشاطات الثاقفية والأدبية والمعرفية في النرويج وعديد من الدول السكندنافية .

لم ينتمي وليد الكبيسي الى اي  جهة سياسية معينه بل كان انتماءه لحرية الأنسان اينما وجد حقيقته وخلقه وعطاءه وغاياته لم يعتمد على احد في كل ما قدّم الا على  نفسه وجهده وصبره وعنائه ومواصلة مشواره داعيا للتطور والمعرفة والحداثة والأهتمام بالرأي الأخر وأشاعة مفاهيم الحرية والعدالة الأجتماعية وحب الأخرين ونبذ اي ثقافة للكره والأنحياز والتظرف. درس الماضي لكل الأديان والثقافات والسياسات والأفكار غائرا في اعماق الحقيقة باحثا عن جادة الصواب بدون محاباة لجنس او فئة  او دين وعاصر الحاضر بفهم وحيوية وغامر كثيرا في ذلك فلم تمنعه العوائق ولم توقف بحثه الكمائن ولم يوقظ خوفه التهديد متفحصا كل الطرقات من اقصى اليمين الى أقصى الشمال واصفا حالها موثقا أحداثها ناقلا منها او منتقدا لها او كاتبا عنها حسب ما يراه ويعتقده صحيحا ولا يخاف في الحقيقة لومة لائم تغاضى عن كل ما يشغل النفس الأنسانية من عاطفة ومال ومنصب ولهو وتمسك بشموخ الرؤيا والأنتصار على الهوى والتغلب على المعارضين بعلمه وطروحاته حتى في بلد المهجر فالناس تكره التمييز للغيرفكانت كفته هي الراجحة وهو في صراع دائم مع معارضيه وهم كثر لأنه صراع بين الواقع والطموح لكنه ليس سياسيا او عسكريا بل شعاره الوعي الثقافي الذي يمكٍن المرء من التأثير البديع على الأحداث والأقدار ومجرياتها   حتى أمست شخصيته الأكثر جاذبية من كل كتاب وشعراء ومؤلفي النرويج لأنه اكثرهم قدرة على التعبير والوضوح وأشدهم حرصا على المشاركة في النشاطات المهنية وأوسعهم اتصالا بالناس وأطلاعا على مخازن المعلومات من كتب ومؤلفات وصحف وبحوث من شتى بقاع العالم .

كانت حياته بركان ساخن وقوة دافعة للمعرفة للوصول الى الأنجاز الشخصي الناجح في آلياته ومفاهيمه وأتجاهاته وكانت رحلته قاسية جدا أخذت منه وقته وحياته وصحته لكنها لم تثن عزائمة عن الكتابة ولم تهبط معنوياته في أستمرار المثابرة والمتابعة والأبداع  بل بقيت كتاباته تفيض  حيوية وجمالية منقطعة النظيرالى يومنا هذا .

حمل وليد الكبيسي في كتاباته ثلاثية واضحه فهو عراقي أولا اهتم بالشأن العراقي وكتب الكثير عنه وبصّر الجمهور النرويجي بما يحدث في العراق والآم شعبه في ظل الحصار وتحت ماكنة الحروب التي فرضت عليه وخوفه من التجزئة والضياع ومجاهل الطرقات ووقف موقفاً وطنياً ضد الأحتلال الأمريكي للعراق ورتب لزيارات عدد من قادة التيارات الدينية والسياسية المعارضة لحكومات الأحتلال منهم المناضل المرحوم عبدالجبار سليمان الكبيسي والشيخ جواد الخالصي والشاعر فاضل العزاوي وأخرون وهو عربي ثانيا حتى وأن عاش في اوربا وأنفتح على المجتمع الغربي الليبرالي لكن خصوصية الأنتماء العربي ظاهره في كافة تجلياته  لذلك اهتم بكل مايجري على الأرض العربية وزار اغلب العواصم العربية وكتب عنها وأنتج افلام وثائقية توضح ما تعانيه هذه الشعوب من مشاكل وهموم وما يشهده الآخرون منهم من نشاطات ثقافية وأدبية متعدده وأسهم في دعوة عدد من الشعراء العرب الى النرويج وأقامة ندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية متعدده نالت استحسان الجمهور النرويجي حيث وجه دعوات شخصية الى عدد من الشعراء العرب منهم محمد الماغوط وحنان الشيخ وعزت الغزاوي رئيس اتحاد كتاب فلسطين وترجم الى النرويجية عدة أعمال لشعراء عراقيين وعرب وهو يحمل الجنسية النرويجية ثالثا  فله نشاطات عديدة فهو صحفي في جريدة

Dag og Tid وهي اهم جريدة ثقافية في النرويج له فيها على الأقل ثلاثة الى اربعة مواضيع اسبوعيا كما له اعمدة صحفية  اخرى في اغلب الصحف النرويجية والعالمية أضافة الى ترجمته عدد من الكتب والمقالات والدراسات من النرويجية الى العربية وبالعكس وكذلك قام بترجمة كتاب الأدب النرويجي الى العربية والذي يدرَس في عدة جامعات عربية وبشكل خاص في الجامعات المغربية.

ولجهوده الأدبية والثقافية المتميزة حضى وليد الكبيسي بعدَة تكريمات من الحكومة النرويجية وأهمها:

1. يرى الجمهور النرويجي أن السيد وليد الكبيسي من خيرة الكتاب والمؤلِفين في النرويج وله مستقبل واعد بحصوله على منحة الدولة النرويجية بأعتباره مثقف من الدرجة الأولى وهي أعلى تقييم رسمي في النرويج وتُمنح عن طريق مقترح يقدمه مجموعة متميزة من المثقفين والشخصيات العلمية البارزة دون علم مَن تمنح له. قدم المقترح لمنح الجائزة لوليد الكبيسي (35) شخص هم من ألمع الشخصيات العلمية والثقافية والأدبية النرويجية منهم (لجنة الفلسفة في جامعة بيركن وهي من أهم جامعات النرويج، رئيس مؤسسة الأنسانيين، رؤساء تحرير عدة صحف، شخصيات علمية وأدبية وثقافية عديده) يتقدم هؤلاء أربعة من أشهر فلاسفة النرويج هم فردريك بارت، فتلسن، بروكس، يان شارستاند، بيترنورمان فوكة. وقدم الطلب بالحصول على الجائزة لوليد الكبيسي أكبر فيلسوف في النرويج وهو (كنر شيربك)

وهذه المنحة تشترط بمن يحصل عليها:

أ. أن يكون نرويجي الأصل ولكون وليد الكبيسي عراقي متجنس فلا يجوز منحه هذه الجائزة.

ب. أن لا يقل عمره عن 60 عاما وكان عمر وليد الكبيسي آنذاك لا يتجاوز 45 عاما .

إجتمع مجلس النوّاب النرويجي لهذا الغرض وقرر منح هذه الجائزة للسيد وليد الكبيسي استثناءً من الشروط وهو أهل لها. ومن مزايا هذه الجائزة منح صاحبها راتب فخري بدون عمل ليتفرغ لعمله الأدبي والثقافي فقط هكذا تحتفي الدول المتقدمة بالكفاءات .

2 حصوله على الجائزة الكبرى جائزة (شرفيهم) لحرية الفكر.

3 جائزة منظمة العفو الدولية (الأمنستي انترناشونال) لأهتمامه بحقوق الأنسان .

4. جائزة أوسلو الثقافية.

5 جائزة براكة للآداب والتي حضيت بأهتمام واسع في اوساط المثقفين ووسائل الأعلام النرويجية المختلفة والتي أشادت بوليد الكبيسي كشخصية ثقافية بارعة ومؤثرة.

6 منحته مؤسسة الكلمة الحرة النرويجية (Fritt Ord) جائزتها السنوية لعام 2016 م وسط احتفال جماهيري وثقافي كبير نقله على الهواء مباشرة التلفزيون النرويجي وتناقلته معظم وسائل الأعلام ووسائل التواصل الأجتماعي لتضيف لسجله محطة جديدة من محطات العز والتميّز والشموخ. وهكذا هو العراقي Bينما حل مفخرة ونموذج ثقافي ومعرفي.

بارك اللّه في كل جهد أنساني يضيف للحضارة وللمعرفة أرثا جديدا يسهم في توعية البشرية في كل مكان وزمان. وتحية إجلال لكل من يهدف الى رفع راية العراق وشعبه في سماء المجد .والله الموفق

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply