عن نور خضر خان… إلى من سيقرأها 

فاضل السّراي

وأنت تدخل عوالم رواية نور خضر خان للرّوائيِّ العراقيِّ البصريِّ جابر خليفة جابر احذر أن تترك ورقة واحدة أو سطراً أو جملة واحدة لأنّك إن فعلت ذلك فلربما سيضيع عليك جهد ما ستقرأه في صفحات لاحقة؛ فأحداث هذه الرواية مترابطة بآصرة لن تسمح لك أن تفهم موضوعاً دون أن تقرأ وتفهم ما قبله، وكل سطر فيها سيوصلك إلى موضوعٍ واسمٍ وحدثٍ آخر وجديد، وكل انتقال ستجده محسوباً بعنايةِ من هو حريص على أن يكون منجزه صحيحاً ومتكاملاً.

  بعيداً عن جماليات هذه الرواية وعن عوالمها وأماكنها وأشخاصها الكثيرين وما آلت إليه مصائرهم فهي وثيقة تجيء في وقت ما أحوجنا فيه إلى من له القدرة على أن يوثّق أحداثاً دارت قبل أكثر من مائة وخمسين سنة ليضعها بين أيدينا على شكل عمل سينمائي أو فني أو روائي. هنا تمكّن جابر خليفة من تدوين الأحداث بمنتهى الدقة والحرفنة التي يتطلبها عمل كبير ومهم كهذا، وهنا أيضاً تكمن قدرة جابر خليفة على الوصول إلى ماهو غامض وغير معلوم لنا كلّنا أو لأغلبنا فكان جهده وجهد السنوات التي استغرقها لإنجاز عمل كبير ومهم ومتفرّد كنور خضر خان.

  يسترسل روائيّنا في السرد بطريقة هي الأقرب إلى مزاج المتلقي سواءٌ كان متلقياً عادياً أم من أهل التخصص في النقد والتحليل، ويذكر لنا ويأخذنا الى أشخاص عاشوا هنا قبل سنوات بعيدة جداً وما كنّا لنعرف عنهم وعن مصائرهم لولا أن أسعفتنا هذه الرواية بمعلومات عنهم وعن أسمائهم وبيوتهم:عصمان بيك.. آنوش .. بدر المهنّا .. ماما حنين .. شكران .. سهيلة .. الأميرتان فرح وزينة .. كوهار .. نظران، وهو المكان الذي تدور في مساحاته أغلب الأحداث في تلك السنوات. يمسك الروائي بأيدينا ليوصلنا إلى سنوات الملوكية والجمهورية وما حصل فيها من حرب السنوات الثمان ودخول الكويت وحصار العالم لنا حتى سنواتنا هذه بعد دخول الأمريكيين إلى بغداد وبطريقة لا تشعر فيها بالغثيان أو الملل بل إنك كلما تقرأ سطراً تستعجل لقراءة مائة سطر آخر تشوّقاً لمعرفة ماهو قادم قد يصدمك أو يفاجئك، يفرحك أو يحزنك. أثني على جابر لأنّه لم يترك للقاريء أية مساحة يشعر فيها بأنَّ هناك فراغاً تم ملؤه بكلام لغرض الحشو أو أنّ هناك قطعاً بين موضوع وآخر وبين قصة وأخرى.

 في القسم الثالث من الرواية -وهو المهم جداً- يستعرض جابر خليفة أسماء أبطال روايته والأماكن، كلما تقرأ اسماً أو عنواناً تعود بك الذاكرة إلى ما قرأته لتتذكر أحداثاً كنتَ قرأتها في بدايتها أو في منتصفها أو نهايتها وكأنها محاولة منه لتنشيط  ذاكرتنا واستعادة ما كنّا قد نسيناه من أماكن ومن أسماء. وإذ يذكر من مات من أبطال روايته وأماكن مقابرهم الرمزية والحقيقية لا ينسى أن يكتب اسمه إلى جنبهم ويتصور قبره المفترض قربهم، وهي محاولة ذكية جداً منه تأتي من باب الوفاء للذين عاش معهم سنوات طويلة لذا لم يتركهم يذهبون وحدهم وفضّل اللحاق بهم، فربما سيأتينا بأخبار ورواية أخرى وهو وهم في مماتهم.

 موضوعي هذا ليس للترويج لهذه الرواية؛ منجز كهذا لجابر خليفة أو لغيره ليست به حاجة إلى ترويج مني أو من غيري فقد فرض حضوره وسيفرض حضوره أكثر كلما ازداد عدد قُرّائه.

 في سنة 2006 شاهدت مسلسلاً عراقياً اسمه “سارة خاتون” يتحدث عن سيرة فتاة عراقية أرمينية وهو عمل كتبه حامد المالكي وأدت شخصية سارة خاتون الفنانة ريام الجزائري، وحتى الان ما زال عالقاً بذاكرتي المشهد الأخير من الحلقة الأخيرة ومادار بين صوفيا – أدّت دورها سها سالم- وابنة أخيها سارة. عندما سافرت بعدها إلى بغداد كان كمب سارة أول مكان أزوره وهو الحي الذي سُمّيَ على اسم سارة محبة بها. تجولت في الحيّ كثيراً وسألت الكثيرين من أصحاب المحال والباعة المتجولين والأشخاص الجالسين في المقاهي والشباب الذين كانوا في طريقهم إلى ملاعب كرة القدم- عن سارة خاتون فلم يجبني أحد ورجعت بشيء من الحزن ممزوجٍ بأمل في أن أعثر ذات يوم على من يعرف معلومات أكثر عن سارة. الآن وقد قرأت نور خضر خان أتمنى العثور على من يدلني على دار زمان والغرفة التي احتوت قبر آنوش، وأولهم جابر خليفة، ليأخذني إلى هناك قرب آنوش ومن دفن معها وبيدي رواية نور خضر خان لأعيد قراءتها ثانية وأنا بقربهم.

شكراً آنوش. 

شكراً شكران 

وماما حنين  .. وسهيلة .. وأشرقت  .. ومزارلك.

شكراً كارين وزعفران.

شكراً للأميرتين فرح وزينة.

شكراً كوهار ولويزا لكل مكان دارت فيه أحداث رواية مدت جسوراً كثيرة بيننا وبين سنوات خلت.

شكراً نظران.

وشكراً للماجِلّان جابر خليفة جابر.

—-

نور خضر خان رواية صدرت عن دار خطوط وظلال في عمّان/ الأردنّ في مائتين وسبعين صفحة. رسم صورة غلافها الفنان تضامن العضب. وقد تضمنت ثلاثة أقسام، تناول القسم الأول المعنون ب “تلك الأيام الزرقاء”سيرة الرواية كما ترويها المؤلفة المفترضة نور خضر خان وتضمن القسم الثاني المتنَ الأساسيّ أو الرواية المفترضة وجاء تحت عنوان “آنوش” وهي فتاة أرمينية عاشت في البصرة. قسّم هذا القسم إلى خمس إضبارات تضم كلٌّ منها الكثير من العنوانات وحملت كثير من العنوانات الرئيسة والفرعية في الرواية أسماء تمثّل انتصاراً للمرأة خصوصاً وللمضطهدين عموماً. أمّا القسم الثالث فقد كان عنوانه “دليل الأسر والشخصيات”. والأقسام الثلاثة متضامنة ودون قراءتها جميعاً لا تكتمل صورة الرواية الرئيسة التي تناولت سيرة دار في البصرة القديمة بمحلة “نظران” اسمها “دار زمان”.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

1 Comment

  1. ما يكتبه روائيو اليوم قد يصبح ذاكرة للغد؛ هنا عليهم أن يحذروا من خلط الوقائع بكثير من الخيال كي لا تتحوّل إلى أساطير تدخلنا في مآزق تأريخية بينما نريد أن نخرج ممّا نحن فيه من مآزق.

Leave a Reply