Fishing and Engineering ~ بين الفالة والهندسة

الفالة

سرِل بورتر

لقد كنت منغمراً بعمليات مثيرة جداً بصفتي مهندساً؛ كان علينا نحن الفريق الهندسي أن نفكر بوسيلة نستطيع فيها منع القوات التركية عن استخدام القوارب المحلية المسماة (المهيلة والطرادات)  لنقل المؤونة وكذلك إيقاف الاعتداءات المتكررة على قواتنا والعمل على خرق القوات التركية ومشاغلتها فى مناوشات جدية. قمنا بتصميم سطح مائي عائم فيه دواليب مائية تعجّل من سرعته، يحتوي على باخرة ملحقة به، بها مدفع من عيار أربع عقدة وزورق بمحرك. هذه الابتكارات أروع ما فيها أنّها تستطيع العوم في المياه الضحلة التي لا يزيد عمقها على ثلاثة أقدام. العبقرية الإنجليزية تجلت واضحة بهذه الابتكارات الهندسية المائية. استطعنا تتبع (المهيلات) التي تختبىء بين الأحراش المائية في الأهوار وأخيراً في هذا الربيع استطعنا السيطرة على المجرى المائي.

في يوم 4/5/1915 وصلت قواتنا إلى (البسيتين) في عربستان للاستمرار في توفير حماية الآبار ومصفى النفط وانتهى التفوق أو السيطرة التركية تماماً، ما علينا سوى التقدم إلى أعالي شط العرب وهذا ما فعلناه. ففي يوم  الثالث من حزيران تم احتلال القرنة ويوم 25 تموز دخلنا الناصرية بمساعدة العوّامة التي طورناها، استطعنا التقدم بهذه السرعة وقد أشارك مع مجموعة الضباط الآخرين في خلق فكرة هندسية جديدة تكون عاملاً لكسب الحرب.

المنطقة هنا أخّاذة فعلاً لمّا يستنزفْها البشر بعد…الأهوار تملأ الأرض كلها… مساحات من الأرض المزروعة الخضراء… وثمّة مساحات ومساحات من ألق المياه والمستنقعات المائية التي تبدو مثل المرايا الملتمعة، وعلى الرغم من  عتمة الليل وطول الأماسي فالسير ليلاً يغمرني بالنشوة، فالنجوم تزهو بأشعتها القوية وتجدينها تخفو وتتلألا بزهو ثم ترنو إليّ، مراقبتها تغمر الروح بالسكينة والطمأنينة التي تعادل ساعات من (اليوجا). 

الأرض ممتدة شاسعة تبدو واسعة جداً لقلة البشر فيها إذ لا أعتقد بأنَّ نفوس هذه البلاد من الجنوب إلى الشمال تتجاوز المليونين على أكثر تقدير، هذا تخميني أنا، وعندما أقول (من الجنوب إلى الشمال) فهذا قول مجازي فلا أحد منا  يعرف حدود هذا البلد. كل ما نعرف أنه الأرض الممتدة بين دجلة والفرات!

نحن نكاد لا نعرف شيئاً عن (ما بين النهرين) فمعلوماتنا كلها من الإنجيل لا سيّما العهد القديم ومن بعض مطالعاتنا وما تعلمناه في المدارس في درس التاريخ والمعلومات لا تتجاوز التاريخ القديم: أور الكلدانيين مسقط رأس إبراهيم تقع قرب الناصرية غير بعيدة عنّا وحدائق بابل المعلقة التي بناها نبوخذ نصر لحبيبته تبعد بضع مئات من الأميال وفيها حدثت بلبلة الألسن حسب الإنجيل. آشور ونينوى هنا أيضاً. إنّ الديانة الإسلامية هي الشائعة حالياً. لم نزود بأي معلومات جديدة حية عن هذه البلاد ولا عن سكانها. 

بسبب ظروف الحرب نجد من الصعوبة الاختلاط بالأهالي لكنّني سأبذل قصارى جهدي للاختلاط ومعرفة الناس على الطبيعة بدون تزويقات الماضي وتطلعات محترفي السياسة الذين يسعون لتثبيت مصالحهم  ويرسمون شخصيات حكام أو ربما ملوك للبلدان التي يطمعون فيها بالشكل الذي يروق لهم ويخططون لها الحدود كذلك، وفي التاريخ أمثلة كثيرة على ذلك. 

نادراً ما ترين الناس هنا، ربما يتجنبون الظهور. أمس صادفت رجلاً في منتصف العمر بيده آلة تشبه الشوكة الكبيرة يغرزها بسرعة مدهشة ويخرجها معلّقةً بها سمكةٌ حية تلبط وتسمى هذه الآلة (الفالة). يا للطريقة الذكية!

الأسماك تملأ هذا السطح المائي الهادئ البراق الجليل، كذلك الطيور الجميلة الغريبة. نهاراً عندما لا أكون منشغلاً مع الفريق الهندسي أبقى أراقب تلك المخلوقات تطفو على الماء تلتقط عيشها سمكةً كانت أم عشباً بحرياً أم دودة صغيرة وتجدينها لاهية عمّا يحيط بها. ولأنَّ القوات التركية قليلة العدة والعدد لمّا تستطع الحرب إخافة الطيور بعدُ. المدافع بعيدة نسبياً عن المنطقة التي نحن فيها. 

***

تقول إميلي بورتر عن والدها، سِرِل بورتر (١٨٩٨-١٩٦٦)

ينحدر والدي من عائلة (بورتر) التي تسكن مدينة كارلايل في شمال غرب إنكلترا في منطقة البحيرات. تؤكّد الوثائق أنَّ عائلة بورتر سكنت هذه المدينة منذ القرن التاسع الميلادي ثم تفرعت إلى فروع كثيرة انتشرت في مدن بريطانية أخرى. وهناك بحث يشير إلى أنَّ الرومان زمن الاحتلال الروماني لإنكلترا منحوا رجال هذه العائلة سلطة حماية الحدود الإنجليزية من الهجمات الأسكتلندية وأطلقوا عليهم لقب (بورتيروس) أي حماة المداخل ( (Port وتحوّل الاسم إلى (بورتر) عندما أخذت اللغة الإنجليزية أهميتها. جدّتي لوالدي من عائلة (لنج) الإنجليزية المعروفة بأعمالها التجارية العالمية التي ساهمت في تأسيس شركة الهند الشرقية ولها فرع في بغداد منذ القرن التاسع عشر وعمارة بيت لنج التي في شارع الرشيد بنتها عائلة جدتي كرترود لنج.
أنشأت عائلة بورتر في مدينة كارلايل مصهراً للحديد لإنتاج السكك الحديدية بالتعاون مع (ستفينسن) الذي اخترع القطار ثم تطور مشروعهم الصناعي إلى تأسيس شركة بورتر الهندسية في سنة 1780وقد استمرّت حتّى سنة 1978. أسّس جدّي لوالدي سكك حديد ولاية ميسور الهندية المستقلة التي لم تكن خاضعة إلى حكومة سملا البريطانية في الهند خلال الاحتلال البريطاني وقد وجدت الوثائق التي تؤكد ذلك في قصر مهراجا ميسور عندما زرت الهند أتعقّب نشاطات عائلتَي (بورتر) و(لنج).
كانت إيميلي بورتر، عمّة والدي، أول امرأة في المنطقة تصبح سيدة أعمال فقد أسّست سنة 1882 داراً لرعاية المسنّين على طراز فنادق الدرجة الأولى وفيها عيادة طبيب وممرضات مقيمات في الفندق، وكانت للدار فروع عدّة في مدن مختلفة.
التحق والدي بحملة الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى إلى العراق بصفة مهندس كهرباء مدنيّ وكان يتكلم لغات آسيوية ويتكلّم العربية أيضاً. عمل مهندساً كهربائيّاً في العراق خلال وجوده ضمن القوات العسكرية البريطانية، ثم في السكك الحديدية في بغداد كمدرب للشغّيلة العراقية فيها. بعدها عمل في العبّاخانة والحبانية وكركوك ثم في بغداد في مديرية البلديات العامة التي كانت في منطقة القصر الأبيض حيث أجبر على الاستقالة لكشفه تلاعب الإدارة بالحسابات في العام 1956، فانتقل للعمل في معمل إسمنت خارج بغداد ثمَّ في شركة إنجليزية للتأسيسات الكهربائية في كركوك حتّى سنة1962.

Cyril Porter

I was extremely busy with these very thrilling operations because I was a part of the engineering team. We were ordered to find a way to prevent the Turkish troops from using local boats called muhaila and tarradah to transport ammunition and to launch raids against our troops. To keep the Turkish troops preoccupied with serious raids, we designed a raft with water wheels so that it would move faster. It also held a machine gun. The best thing about this raft was that it could float in shallow and muddy water, even if the water was only three feet deep. English engineering genius was obvious in this invention.

We managed to follow the muhaila boats that were hidden among the marsh bushes. Eventually, in the spring, we took control and solved the problems of these streams. On 4th of May 1915 our troops arrived at Busaiteen in Arabstan to protect oil wells and refineries. Turkish control was broken; we had nothing to do but advance up the Shatt al-Arab river. On 3rd June we occupied Qurna completely and on 25th July we entered Nasiriyah. With the help of the new raft we managed to advance quickly, maybe I will participate with other officers in creating a new engineering idea which could be a major factor in winning the war.

The region here is fascinating; it hasn’t been exploited by people and it is still covered with marshes. There are so many green fields and lakes that look like glittering, shining mirrors. Despite the darkness of the night and the long dark evenings I am fond of walking under the stars. Walking fills me with pleasure, the stars sparkle proudly, their powerful rays make them so radiant, and at the same time you can see them dimming and then brightening; it seems as if the stars are twinkling just for me. Watching these stars fills my soul with tranquillity, peace and serenity. It is equivalent to hours of yoga!

The land stretches as far as the eye can see; no one seems to live here. I think the population of this land, from north to south, is no more than two million, that is my estimation and I say this with doubt as no one knows where the borders are. The only thing we do know is that the land stretches from the Tigris to the Euphrates.

We know hardly anything about Mesopotamia. All our information is from the Bible; especially the Old Testament, some from our readings or what we studied at school in history lessons, which talked about Ur of the Chaldees, the birthplace of Abraham, which is located near Nasiriyah. Not far from here, near Nasiriyah, are The Hanging Gardens of Babylon, built by Nebuchadnezzar for his beloved wife. According to the Bible, this is where the confusion of human language happened, and Ashur and Nineveh are here as well. Islam is the common religion. We don’t have any recent information about this country’s culture or traditions.

Because of the war it is difficult to mix with the locals and get to know people as they are. Even now, politicians implement whatever they want, creating rulers and even kings, shaping countries the way they would like them, even planning their borders – there are lots of examples of this happening in history.

One can hardly see people here, perhaps because they avoid contact. Yesterday, I saw a middle-aged man and in his hand something that looked like a fork; he poked the water quickly and then a live fish was hanging from it – what a clever tool.

This calm and glittering magnificent water is filled with fish and many strange and beautiful birds. If I am off duty during the day, I watch these flying creatures hover over the water’s surface picking up weeds, grass, fish and even small worms. They have no idea about what is going on around them. Because the Turkish forces are so small in numbers, their ammunition isn’t advanced and the cannons are far away; war hasn’t scared the birds away yet.

Extract from page 17 of Cyril Book, available at Amazon  

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply