إرواء مدينة آشور الأثريَّة 

فوَّاز حميد حمّو النيش

معجزة هندسيَّة تأريخيَّة تستحقُّ الإعجاب

استكمالاً لتسليط الضوء على مشاريع تغذية المدن الآشورية بالمياه ونواظمها التي أوصلت المياه إلى المدن الآشورية مثل نينوى والنمرود نتحدث في هذه الحلقة عن المدينة التي لم يتناولها بحث من قبل وهي أهم العواصم الآشورية قاطبة؛ فهي العاصمة الدينية والمدفن المقدس التي دفن فيها أغلب ملوك هذه الدولة، وتقع بالقرب من قضاء الشرقاط التابع لمحافظة صلاح الدين وتبعد عن مدينة الموصل (99 كلم) جنوباً وعن مدينة تكريت ( 103كلم ) شمالاً على مجرى نهر دجلة مباشرة ضمن ضفته اليمنى، ويطلق عليها مدينة آشور الآثارية.

Map

بعد أن لاحظنا وجود مجارٍ للمياه في كثير من مباني هذه العاصمة، أي داخل وحداتها السكنية وعلى نطاق واسع فكَّرنا في كيفية إيصال المياه إلى هذه المدينة التي ترتفع عن مستوى نهر دجلة الحالي كما هو شأن المدن الآشورية الأخرى التي جلب إليها الماء بطريقة الجر (أي تسليط الماء نحوها) من منطقة أعلى، فقد بنيت هذه المدن في مواقع لا تصل إليها مياه الأنهار دائمة الجريان حفاظاً عليها من خطر فيضانات نهر دجلة المفاجئ والعنيف.

لم نعثر على أية إشارة لطريقة إيصال المياه إلى هذه المدينة. واستناداً لما لاحظنا ضمن نظام الإسالة داخل الوحدات السكنية فقد قمنا بدراسة المسألة مستعينين بمعطيات التقانة المتمثلة بنظم المعلومات الجغرافية  GIS الذي يختلف عن تقنية GPS التي تستعمل الأقمار الصناعية للحصول على بيانات تحدد المواقع على الأرض، أما نظام GIS فهو نظام معالجة بيانات مستمدّة من أنظمة أخرى مثل GPS. كُتبت هذه المقالة بعد جولات ميدانية دامت بضع سنوات.

ونرى أنَّ وراء عدم تدوين الملوك مشروع هذه العاصمة أسوة بالمدن الآشورية الأخرى سببين هما: 

– أنَّ المدينة أقدم بكثير -بآلاف السنين- من العواصم الأخرى التي دوَّن ملوكها أعمالهم، ومنها مشاريعهم الإروائية، أي أنَّ التدوين لم يكن من اهتمامات الملوك أنفسهم أو أنّه لم يكن حينئذٍ معروفاً بالصيغة التي نعرفها الآن.

– إنَّ تقادم العهد أدّى إلى محو الكتابة على الصخور الجبسية والجيرية القابلة للذوبان مع الماء الذي يعد وجوده أساساً للمشاريع الإروائية.

لذا فكرنا في الطريقة التي استخدمها الآشوريون أنفسهم في ري العاصمتين التي تقدّم الحديث عنهما أي طريقة جر المياه.

الصورة المرفقة تظهر لنا كمية المياه الحالية في وادي (أم الشبابيط) الذي يقع بعد جسم البحيرة. قمنا بدراسة منطقة مدينة آشور الأثرية وما حولها ميدانياً باستخدام التقانة الحديثة المتمثلة ببيانات نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد وأعددنا خارطة تمثل مجاري المياه ومناسيبها كما موضح في الخارطة المرفقة. ودلت الدراسة على مسارات تغذية المدينة الأثرية التي كانت تأخذ مياهها من الوادي القريب منها الذي تكثر فيه العيون حتى يومنا هذا فضلاً عن مياه الأمطار، ويدل اسمه على كثرة أسماك الشبوط فيه. كما دلت مناسيب المنطقة على وجود بحيرة لخزن المياه أيام فصل الصيهود في أعالي هذا الوادي وعدد من السدود المندثرة التي كانت تقع على مجرى المشروع الذي كان قائماً آنذاك و لم يبق منها سوى أطلالها.

يظهر في الصور المرفقة الباحث وهو ينظر إلى الناظم تاركاً وراءه آثار ورسوبيات السد المندثر، يلفت الانتباه وجود آثار لرسوبيات عند نهاية مجرى وادي أم الشبابيط في الجهة القريبة من العاصمة أشور، تدل هذه الآثار على موقع سد مندثر قرب منطقة تعرف بمنطقة عرب جبور(كبور جبور) فضلاً عن وجود ناظم صخري للمياه يقع في عقيق وادي أم الشبابيط، يتمتع هذا الناظم بهندسة مقاربة للآلية التي صمم بها ناظم مدينة نينوى الواقع على نهر الكومل بالقرب من قريتي خنس و بافيان الذي افتتح سنة ( 690 ق . م ) زمن الملك الاشوري سنحاريب الذي حكم للمدة ( 705-681 ق. م ). 

ويلاحظ في الصور المرفقة أيضا دخول الماء إلى ناظم مياه مدينة أشور الآثارية وخروجه منها. 

ما تزال هذه الدراسة قائمة والبحث مستمراً لتحرّي احتمالات أخرى لتغذية المنطقة بمزيد من المياه كما هو معروف عن مشاريع الآشوريين.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply