كندا والحِراك الثقافي العربي

فدوى الظاهر

بذل الباحثون جهودًا كبيرة لإيجاد تعريف شامل للثقافة، ولكن تلك الجهود لم تصل إلى مرادها، بل أنتجت مئات من التعريفات التي تتفق فيما بينها في بعض النقاط وتختلف في البعض الآخر. ولكنَّ أبرز النقاط المتفق عليها هي أن الثقافة مجموعة من العادات والتقاليد والقيم والأعراف يعيشها مجتمع بشري في منطقة معينة وهذا الموروث الثقافي يتم نقله من جيل إلى آخر.
أما على المستوى الفردي فعندما نصف شخصًا بأنه مثقف فإننا لا نقصد أنَّه قرأ مئات الكتب أو لديه معرفة بالكثير من المعلومات بل نقصد أنَّ المثقف هو إنسان مفكر وهب عقله من أجل رسالة معينة لمجابهة معتقدات تقليدية أو إيديولوجيات خاطئة لإعلاء حرية الإنسان، فيصبح حلقة وصل بين الشعب والسلطة. ويوصف المثقف في مجتمعه مثل الرسول في أمته.
أود أن ألقي الضوء على وضع الثقافة والمثقفين العرب في كندا.
تعدُّ كندا من أولى دول العالم التي يقصدها المهاجرون لأسباب كثيرة، أهمّها الأمن والأمان والعيش الكريم.
حيث تجمع على أرضها خليطًا من الجنسيات والأعراق والإثنيات المختلفة يعيشون كلهم في توافق وتسامح ووئام بالرغم من اختلاف عاداتهم، وتقاليدهم، ومعتقداتهم ودياناتهم.
لكنَّ كندا سمحت في دستورها بحرية الأديان لذلك لم تمحُ هويتهم الأصلية ولم تنتزع تراثهم.
نحن جميعنا جئنا إلى كندا إما طوعًا أو قسرًا، وفتحت كندا لنا ذراعيها واحتضنتنا، ولكن حملنا معنا موروثنا الثقافي بإيجابياته وسلبياته. والمفروض أن نتخلص من السلبيات ونبدلها بإيجابيات البلد المضيف. وعلينا أن نفهم قوانين هذا البلد ونندمج في مجتمعه، ونتعرف على ثقافات الشعوب الأخرى وننفتح على عاداتهم، وأن لا نبقى غرباء معزولين عن المحيط الذي نعيش فيه لأن الانطباع المأخوذ عن الجالية العربية أنها جالية مغلقة على نفسها.
في الآونة الأخيرة زاد عدد المهاجرين واللاجئين العرب في كندا بشكل ملحوظ بسبب تردّي الأوضاع في بلادهم
وحصلت ظاهرة تعدد المنتديات الثقافية العربية في كندا بشكل عام وفي مونتريال بشكل خاص، ولكن هل تعدد هذه المنتديات ظاهرة صحية جيدة أم شرذمة؟ وهل هو نجاح أم إخفاق؟
أنا من وجهة نظري أرى أن أي تجمع لأي واحدة من الأقليات نجاح لأنه إثبات وجود، ولا ننسى أننا نحن العرب مهددون بأزمة وجود.
لذلك لو اتحدنا تحت راية الثقافة وجعلنا شعارنا الثقافة توحدنا والسياسة تفرقنا فإننا سننجح في تشكيل لوبي عربي قوي في بلد المهجر محترم من قبل الحكومة الكندية والجاليات الأخرى.
ولكن تواجهنا بعض الصعوبات والإخفاقات وسأذكر أهمها: 

-ينقصنا التنسيق والتنظيم بين هذه المنتديات ومد جسور الصداقة والمحبة لا سيما أن لغتنا العربية الحبيبة تجمعنا ولسان الضاد يؤلف ما بين قلوبنا. وسأذكر مثالًا حيًا على التعاون بين المنتديات: أنا و د. يوسف أعضاء مجلس إدارة في تجمع منتدانا الثقافي لكن اليوم نحن نشارك في ندوة يقدمها الاتحاد العالمي للمثقفين العرب.
-علينا الابتعاد عن العنصرية والطائفية التي دمرت بلادنا.
– من المفروض أن يكون لهذه المنتديات رسالة واضحة وتقع على عاتقها مسؤولية كبيرة هي المحافظة على اللغة العربية والتراث العربي في بلاد المهجر ونقل اللغة والتراث من جيل إلى آخر وإلا خسرنا أولادنا وأحفادنا في هذا العالم الكبير.
– لعب دور توعوي تنويري تثقيفي للجالية العربية لأنها بحاجة ماسة إلى من يرشدها إلى الطريق السليم.
– أن لا يكون الهدف من هذه المنتديات التسلية وإضاعة الوقت وملء الفراغ، وأن يكون لكل ندوة تقدمها هذه المنتديات مضمون ورسالة.
– على كل منتدى أن يلتزم خطًا معينًا ويختار الخط الذي يناسبه أي أن يوجد تخصصًا في الفعاليات والنشاطات لكي نبتعد عن التكرار. نحن في تجمع منتدانا الثقافي الذي أنا أحد أعضاء إدارته التزمنا بالخط الثقافي. بينما في تجمع آراء وتحديات التزمنا بالخط السياسي.
– من الإخفاقات التي تواجهنا نحن العرب أننا دائماً نفشل في العمل الجماعي وننجح في العمل الفردي لأن العقلية القبلية مازالت تسيطر على عقولنا لذلك يجب أن نتخلص من هذا الموروث الثقافي الذي يعيق تقدمنا ونتيجة هذه العقلية القبلية شكلت كل مجموعة منتدى لوحدها وكل شخص يريد أن يصبح رئيسًا أو زعيمًا على مجموعته ولا أحد لديه الاستعداد لأن يتنازل للآخر. ولو اتحدت هذه المنتديات لأصبحنا كتلة بشرية كبيرة ذات وزن تحسب الحكومة الكندية لها حسابها ولأصبحنا نؤثر على القرار السياسي للحكومة.
– ومن الإخفاقات التي تواجهنا أيضًا عدم الانفتاح على الغير وعدم تقبلنا الآخر و نشاطاتنا الثقافية تدور في فلكنا العربي فقط، وهذا لا يسعد الحكومة الكندية كثيرًا. هي تطالبنا بالاندماج بالمجتمع الكندي لذلك من المفروض أن تكون لدينا نشاطاتنا منوعة ومشتركة مع جاليات أخرى ونعرفهم على تراثنا العربي باللغة الإنجليزية والفرنسية. ماهي الفائدة أن نتكلم عن ثقافتنا وتراثنا لأنفسنا فقط؟
علينا ألا ننسى أن أسلافنا العرب الذين سبقونا إلى المهجر نجحوا في ترك أثر وبصمة في المجال الثقافي والسياسي؛ جبران خليل جبران وزملاؤه تركوا أثرًا كبيرًا في المجال الثقافي بينما في المجال السياسي المهاجرون العرب في أميركا اللاتينية وصلوا إلى مناصب رفيعة المستوى في بلد المهجر.
رسالتي الأخيرة التي أود أن أوجهها إلى الجميع:
أيها المهاجرون العرب في كل مكان في العالم اتحدوا تحت راية الثقافة، وإنَّ البعد الجغرافي الذي يفصل بينكم ليس عائقًا لأن وسائل التواصل الاجتماعي سهلت هذه المهمة لكم.
ولا يوجد لديكم عذر بالتهاون والاسترخاء وإضاعة الوقت؛ عليكم أن تجدّوا وتجتهدوا لكي تتركوا بصمة ثقافية عربية سياسية في كل بلد تعيشون به من بلاد المهجر.
حاولوا أن تغيروا الصورة النمطية المعروفة عن الإنسان العربي وأن تكونوا سفراء لبلادكم.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply