السيّدة هدى شعراوي: شاهدة على نصف قرن من التحولات

هند الشلقاني

تقديم:

تعدّ السيدة هدى شعراوي (23 يونيو/حزيران 1879- 12 ديسمبر/كانون أول 1947) علماً بارزًا من أعلام الحركة النسائية، ليس المصرية فحسب، وإنما العربية ككل. ورغم الإسهامات الكبيرة والمتعددة لهذه السيدة، فقد مالت بعض الكتابات لأن تختصر تاريخها قسرًا في مشهد درامي بعينه هو مشهد خلع الحجاب عام 1923.  وللدقة كان ما قامت به هو  “رفع النقاب”  الذي يغطي الوجه (وليس حجاب الرأس) وذلك عقب عودتها ومعها كل من سيزا نبراوي1رئيسة تحرير مجلة المصرية –لسان حال الاتحاد النسائي المصري- منذ عام 1925 ولمدة 15 عاما. ونبوية موسى2نبوية موسى من رائدات العمل التربوي ولها طروحات قوية في مجال تعليم وعمل المرأة، من أهم مؤلفاتها: المرأة والعمل، القاهرة: 1358هـ-م1939 ، وتاريخي بقلمي (القاهرة :ملتقى المرأة والذاكرة ، 2000)، وحول حياتها ونضالها: انظر محمد أبو الاسعاد ، نبوية موسى ودورها في الحياة المصرية: 1886-1951 (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، سلسلة تاريخ المصريين،1999).، وكلاهما من أعلام الحركة النسائية المصرية، من مؤتمر نسائي في روما (عام 1923). وكان هذا المشهد بطبيعة الحال محورًا لجدل أيديولوجي عقيم شتت الانتباه نسبياً عن جهود هدى شعراوي على أرض الواقع الفعلي.

والحقيقة أن ذلك الموقف الدرامي لم يكن الوحيد في تاريخ هدى شعراوي، بل كان هناك موقف آخر على درجة كبيرة من الأهمية، ألا وهو مظاهرة النساء عام 1919 التي تصدرت فيها هدى الصفوف متحدية الجندي الانجليزي الذي أشهر سلاحه في وجهها.  وهو موقف عبّر عن ظاهرة واضحة في الفعالية النسائية المصرية هي الاقتران الوطيد بين المطالب النسائية لدى رموز حركتها وبين مواقفهن الوطنية ومساعيهن لمناهضة الاحتلال وتحقيق الإصلاح العام.

النشأة والتكوين:

ولدت السيدة هدى شعراوي في محافظة المنيا وسميت نور الهدى سلطان. وكان والدها، محمد سلطان الشعراوي، رجل بالغ الثراء، شغل مركز حاكم الصعيد العام، كما شغل منصب رئيس البرلمان (مجلس شورى النواب) في أواخر أيام حياته واستقر في القاهرة3مارجو بدران، رائدات الحركة النسوية المصرية والإسلام والوطن، ترجمة علي بدران (القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2000) ، ص59.  وقد ذكرت هدى شعراوي في مذكراتها أن دخول الانجليز مصر وعملهم على ترسيخ وجودهم قد أدى إلى مرض أبيها فوفاته في عام 1884 في مدينة جراتس بالنمسا، حيث ذهب للاستشفاء4هدى شعراوي ، مذكرات رائدة المرأة العربية الحديثة (القاهرة: دار الهلال،سلسلة كتاب الهلال، العدد369، سبتمبر1981) ص31. 

كان سلطان باشا متقدماً في السن عندما ولدت هدى، إلا أن أمها (إقبال) كانت لم تتجاوز العشرين. وقد ولدت إقبال في القوقاز، وهربت وهي طفلة إلى اسطنبول مع أمها، بعد أن توفى أبوها في الحرب بين الجراكسة وروسيا القيصرية عام 1860. وعاشت في اسطنبول مع اللاجئين من الحروب القوقازية كواحدة من الإماء. وقد أرسلت أم إقبال ابنتها إلى القاهرة بعد أن خُطفت ابنة أخرى لها وبعد أن توفى أصغر أبنائها.

وكانت الفتيات مثل إقبال يقدمن كإماء أو عرائس لرجال من صفوة الأتراك/الشراكسة أو المصريين. وهكذا، قدمت إقبال إلى سلطان باشا5مارجو بدران ، مرجع سابق، ص59-60. 

نشأت هدى في بيت أبيها في القاهرة، وتربت مع أخيها الصغير “عمر” الذي ارتبطت به طوال حياته القصيرة ارتباط الأم بالابن.

 واشتملت مناهج تربية هدى على دروس خاصة تلقتها في البيت مع أخيها باللغات العربية والتركية والفرنسية وختمت القرآن الكريم في التاسعة من عمرها. كما أحبت الموسيقى الغربية وأجادت العزف على البيانو6هدى شعراوي، مرجع سابق ،ص 79.

 ونظرا لوفاة أبيها وهي بعد في سن الخامسة، فقد أصبح على شعراوي، ابن عمتها، والذي أصبح فيما بعد عضو الوفد البارز،   الوصي القانوني على هدى وأخيها. وعندما بلغت هدى من العمر اثنى عشر عاماً، رتبت أمها خطبتها لعلي شعراوي. وفي العام التالي تم الزواج وكان هناك فارق كبير في العمر بينها وبين علي شعراوي كما أنه كان مستقر في المنيا ويزور القاهرة من آن لآخر وقد تضمن عقد الزواج أن تكون هدى زوجته الوحيدة لذلك فعندما رد زوجته السابقة لعصمته تطلقت منه تلقائيًا بعد عام من الزواج ثم عادت إليه بعد سبع سنوات7مارجو بدران، مرجع سابق، ص59-68.  

كان لهدى شعراوي صداقات كثيرة مع نساء غربيات. وهي تحكي عن صديقة فرنسية للعائلة تدعى مدام ريشار، عرفتها وهي -أي هدى –  دون العاشرة ، وكانت مدام ريشار زوجة لأحد كبار مهندسي الري في الوجه القبلي تحت السلطة الإدارية لوالد هدى، وقد ربطتها بعائلة شعراوي باشا علاقة متينة ، واستمرت العلاقة  الطيبة بين هدى ومدام ريشار حتى وفاة مدام ريشار في عام 1920.

وفي مرحلة عمرية تالية  صادقت هدى وهي بعد دون العشرين، فتاتين هما عديلة نبراوي ولويزيت، أما عديلة فتقول عنها إنها “تربت في فرنسا ونهلت من الثقافة الفرنسية، حيث كان والدها يعيش هناك بحكم عمله في السلك الدبلوماسي. وقد تزوج من فرنسية بعد وفاة والدتها. وقبيل وفاة والدها نصحت له زوجته بإرسال ابنته إلى مصر لتتعود على معيشة بلادهم وتتعلم لغتها”8تزوجت عديلة من ابن عمها صبحي النبراوي ولما لم ترزق منه بأبناء..وهبتها ابنة عمتها ابنتها زينب (سيزا نبراوي) التي كانت في الثالثة من عمرها. مذكرات هدى شعراوي، ص84، وقد ارتبطت هدى وعديلة بصداقة متينة، وبالمثل كانت علاقتها بلويزيت ابنة جارهم الفرنسي الموظف في وزارة الحربية، وكانت لويزيت تزورها يوميا فيقضيان الوقت في قراءة القصص والأدب والشعر الفرنسي  والعزف على البيانو.

أما الصداقة الأهم في حياة هدى، فكانت تلك التي ربطتها بالزوجة الأولى لحسين رشدي باشا الذي شغل مصب رئيس الوزراء وكانت فرنسية أيضًا، كانت هذه السيدة بمنزلة الأم من هدى وتقول عنها “كانت تجتهد في تثقيفي في اللغة الفرنسية وكانت ترشدني إلى أثمن الكتب وأنفعها وكانت تناقشني فيما قرأت وتفسر لي ما يصعب علي فهمه وكانت تغذي عقلي وروحي بكل أنواع الجمال والكمال”9هدى شعراوي، مرجع سابق، ص96. هذه السيدة هي أوجيني برن Eugenie Le Burn رحالة فرنسية كانت منشغلة بإعداد كتاب لم ينشر في الواقع عن المرأة المصرية ، وقد تزوجت حسين رشدي ثم تحولت إلى الإسلام ، وفتحت منزلها لأول صالون أدبي للنساء في القاهرة، حيث نوقشت مسائل متعددة، من بينها مسألة حجاب الوجه.

تقول هدى :”لقد توفيت مدام رشدي بعد أشهر قليلة من وفاة قادتنا الوطنيين، مصطفى كامل وقاسم أمين، تابعة إياهما في نفس العام (1908). وبهذا فقدت مصر ثلاثة من أبطال مناضليها، كل في موقعه خادماً لمصر. ولقد شاركني أخي وزوجي حزني على رحيل صديقتي. فقد تعودت أن أعتمد كثيراً على نصحها الجيد. وحتى بعد وفاتها أشعر بأن روحها تضئ لي الطريق أمامي. وكلما بادرت بالإقدام على أمر ما، كثيراً ما تأملت سائلة نفسي ماذا سيكون رأيها، فإذا أحسست بموافقتها فإني أقدم عليه10مارجو بدران،مرجع سابق، ص 67“.

في عام 1914 توفيت ابنة أخيها وسميّتها هدى، وقد مرض أخوها على اثر وفاة ابنته، واضطرت هدى للسفر إلى أوروبا مع أخيها وأبنائها محمد وبثنة في رحلة للاستشفاء تاركة أمها مريضة  إلا أن سُحب الحرب العالمية الأولى التي تجمعت آنذاك أفسدت الرحلة وحولتها  إلى رحلة هروب من شبح الحرب، وفور عودتها توفيت والدتها التي كانت الأقرب إلى نفسها، وفي عام 1917 مُنيت مرة أخرى بوفاة شقيقها.

وبدءًا من عام 1919 سقط الحاجز بين الشخصي والعام في حياة هدى شعراوي كما تعكسه مذكراتها وانخرطت تمامًا في العمل العام على صعيد القضية الوطنية والقضايا الاجتماعية.

محطات رئيسية في مسار هدى شعراوي الإصلاحي:

في العقد الأول من القرن العشرين، بدأت هدى في التفكير في (تحسين حال المرأة المصرية) وانخرطت في سبيل ذلك في مشروعات منصبة على صحة المرأة والأم وعلى تعليم وتثقيف النساء. ونفذت في هذا الإطار، في عام 1909 مشروع “مبرة محمد علي” وكانت بمنزلة جمعية خيرية لتعليم الفتيات الحياكة ومستوصف لرعاية الأطفال صحياً ومركزاً لتوعية الأمهات. وفي مايو 1914 قامت هدى شعراوي بمعاونة الأميرتين “عين الحياة” و”أمينة حليم” بتأسيس “جمعية الرقى الأدبي للسيدات المصريات” وكان الغرض الأساسي من إنشائها توفير فرصة لإبراز المواهب العقلية والفنية والرياضية للفتيات والسيدات11آمال كامل بيومي السبكي، الحركة النسائية في مصر ما بين الثورتين 1919و1952(القاهرة:الهيئة العامة للكتاب، 1986) ، ص102.

في مرحلة تالية، وبموازاة (الوفد) الذي مثَّل طليعة النخبة الوطنية المصرية آنذاك، تشكلت في عام 1920 لجنة الوفد المركزية للسيدات وتم انتخاب هدى شعراوي رئيسة للجنة بغالبية الأصوات. وبرئاستها للجنة بدأت هدى حلقة جديدة من حلقات حركتها. وحسبما تصف هي “حرصت لجنة الوفد المركزية للسيدات المصريات أن تكون في قلب الأحداث في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ مصر، وكانت تتابع كل التطورات السياسية/ وتعبر عن رأيها في المواقف والأحداث دون أن يعنيها الأشخاص”12هدى شعراوي، مرجع سابق، ص239. وعن نشاط السيدات المصريات خلال فترة التوتر الشديد الذي أعقب إلقاء القبض على سعد زغلول، تقول هدى “وقد بقينا ..نتتبع أخبار الوفد ونؤازره ونزكي نار الغيرة في قلوب الرجال والنساء ..ونواسي أهل المصابين برصاص الانجليز ونزور الجرحى قدر استطاعتنا ونمد يد المساعدة للفقراء والمعوزين”13المرجع السابق، ص170 وخلال الإضراب العام الذي شمل كافة الطوائف والمجالات المهنية في مصر، تروى هدى: “قمنا نحن السيدات نؤيد هذا الإضراب ونشجع الموظفين على عدم العودة إلى أعمالهم حتى تصل البلاد إلى نتيجة..”14المرجع السابق، ص180-181

في مرحلة ثالثة، تشكل الاتحاد النسائي المصري ليمثل المرحلة الأهم في نضال هدى شعراوي. ففي عام 1923 تلقت لجنة الوفد المركزية للسيدات دعوة من الاتحاد النسائي الدولي لحضور مؤتمر النساء الدولي في روما، واستعدادا لحضور هذا المؤتمر اتجه تفكير هدى نحو تشكيل الاتحاد النسائي المصري، وقد جمع الاتحاد النسائي بين الاهتمام الوطني الأصيل الذي مثلته لجنة الوفد للسيدات وبين الاهتمام النسوي بترقية المرأة والأسرة والمجتمع ككل صحيًا وثقافيا وأخلاقيًا من خلال اقتراح التشريعات (الخاصة بقانون الأحوال الشخصية وتشريعات خاصة بضبط الحياة الأخلاقية من خلال حظر البغاء وتجارة المخدرات) وبناء مؤسسات الرعاية الصحية والاجتماعية والمدارس ودعم دخول الفتيات الجامعة. 

ومنذ مؤتمر روما للنساء عام 1923، حث الاتحاد النسائي المصري الخطي نحو التعريف بالقضية المصرية والدعاية لها دوليًا، وكشف ممارسات المستعمر، والعمل على كسب التعاطف الدولي. وقد أطّر حركة الاتحاد النسائي مناخ سياسي مختلف عن ذلك الذي أطر لجنة الوفد للسيدات، إذ كان الاستقلال الاسمي لمصر قد أُعلن عام 1922 عبر تصريح 28 فبراير، وبات لمصر دستور معلن هو دستور 1923كما صدر أول قانون للانتخابات، مما شجع على ظهور المطالب بالحقوق السياسية للمرأة فضلا عن مطالب تعديل تشريعات الأسرة، كما أن الصراع السلطوي الذي ثار بين الأحزاب الوطنية قد شجع الاتحاد على البقاء مستقلا عن الانتماءات السياسية في وضع المراقب المنتقد للأحداث.

ثم، وفي مرحلة تالية بدأت حركة هدى شعراوي تنفتح انفتاحًا آخر إلى الدائرة العربية، حيث نشطت في الدفاع عن القضية الفلسطينية، ونالت تفويضًا من سائر الاتحادات النسائية العربية في هذا الشأن، وتقدم الاتحاد النسائي المصري وبرنامجه كنموذج للاقتداء في سائر الدول العربية الساعية إلى إعادة بناء نموذج المواطنة في دولها، وتم تأسيس “الاتحاد النسائي العربي” عقب مؤتمر نسائي عربي عقد في ديسمبر عام 1944وذلك بالتزامن مع توقيع بروتوكول إنشاء جامعة الدول العربية في أكتوبر من العام نفسه .

أهم قضايا الخطاب الإصلاحي عند هدى شعراوي :

تضمن خطاب الإصلاح عند هدى شعراوي مجموعة كبيرة من القضايا، على رأسها قضايا التحرر من الاحتلال، وتدعيم الجبهة الوطنية ووحدتها، وتدعيم الجبهة  الاجتماعية الأخلاقية.

وكانت هدى شعراوي تؤكد بشكل أساس على أن ترقية المرأة سبيل لترقية الأمة، وفي قائمة المطالب التي رفعها الاتحاد النسائي برئاسة هدى شعراوي عام 1924 إلى مجلسي الشيوخ والنواب والتي تضمنت مطالب سياسية ودستورية واجتماعية ثم نسوية،  صدّرت هدى شعراوي “القسم النسوي”  في المطالب بقولها: “لا حاجة للتدليل على أن أعمال النساء اللاتي هن نصف مجموع الأمة تمثل حركة تقدمها جميعاً. ولا حاجة للاستشهاد بالتاريخ في مواطن عدة على أن رقى الأمم مرتبط طرداً وعكساً برقي النساء فيها، فنحن إذا طالبنا بإصلاح النساء خاصة، فلسنا نؤثر أنفسنا على غيرنا من عناصر الأمة، ولكننا نعرف أن في إصلاح المرأة إصلاح المجموع. ولا ريب أن خير وجوه الإصلاح، العلم والتهذيب لأنهما العامل الحقيقي في إعداد كل فرد للقيام بواجبه على الوجه الأكمل مما ينهض بالبلاد نهوضاً حقيقياً. ولما كان الدين الإسلامي يأمر بتسوية الجنسين في أمور شتى (لا شك ان التعليم أحدها) فلهذه الأسباب نلح على الحكومة والبرلمان والصحافة وطلاب الاصلاح الحقيقي، يؤازرونا في هذا الباب الذي هو أولى الاصلاحات بالبدء. ولا يمنعنا صرف همنا إلى التعليم من المطالبة بحقوق المرأة المهضومة. ولسنا بذلك نطلب بدعة، ولكنا نطالب بالحقوق التي اعترف لنا بها الدين والحق.”.15هدى شعراوي، مرجع سابق، ص330

  وقد تضمن ملف ترقية وتحسين أحوال المرأة الكثير من القضايا، تشمل مسائل تنظيم العائلة وإعادة هيكلة بنية العلاقات فيها عبر إعادة تقديم تعريف الزواج نفسه “ليس للزواج عندنا وزن ديني. إنه عقد مدني بين طرفين بحضور الشهود. ومن الممكن إذن أن يشترط كل من الطرفين الشروط التي يريدها”16خطبة السيدة شعراوي في نادي الحزب النسوي في أمريكا، مجلة المصرية الفرنسية، العدد11، 1925، في: جورجيت عطية، هدى شعراوي :الزمن والريادة، الجزء الثاني (دمشق: دار عطية للنشر، 1998) ص 37.، وكذلك عبر الاقتراحات بتعديل قوانين الأحوال الشخصية بخصوص مسائل الحد الأدنى لعمر الفتاة عند الزواج وتقييد تعدد الزوجات وتنظيم الطلاق وتمديد سن حضانة الأطفال، وهي أمور لاقت استجابات متفاوتة من قبل الدولة. فتم تحديد الحد الأدنى لسن زواج الفتاة بستة عشر عامًا لكن سُمح بإقرار ذلك بشهادة أولياء الأمر، كما قررت تمديد حضانة الأم لأطفالها عامين، وظلت مسألة تعدد الزوجات وتنظيم الطلاق دون طموحات الاتحاد النسائي.

كما تضمن خطاب هدى شعراوي قضية المواطنة بكل أبعادها بدءا من إقرار حق المساواة، والسعي نحو حصول المرأة على حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية، وهي حقوق لاقت أيضًا استجابات متفاوتة من قبل الدولة.

 فعلى صعيد التعليم كانت الأمور تتطور بسرعة منذ افتتاح أول مدرسة ثانوية للفتيات عام 1925 ، إذ تسارع معدل إنشاء المدارس وبدأت حركة بعثات نسائية للخارج وسُمح للفتاة بدخول الجامعة .

وعلى صعيد العمل كان الاتحاد النسائي، في إطار التمهيد لإدخال المرأة في المجال العام بقوة أكبر، يشجع على دخول النساء مجال الأعمال كبديل عن الرجال والأجنبيات في مهن بعينها مثل التمريض والتدريس بصفة خاصة باعتبار أن كفاءة السيدات فيها أعلى، فضلاً عن المهن التي تتضمن تقديم خدمات لسيدات مثل تدريب الفتيات وتعليمهن. وقد بدأت بعض المجالات تفتح بالفعل أمام السيدات المصريات لاسيما في مجال التدريس، وصدر قانون عمل السيدات عام 1933 واستحدثت وظيفة مفتشة على النساء العاملات بمكتب العمل بوزارة الداخلية عينت فيها نعيمة الأيوبي. وفي نهاية الثلاثينيات استخدمت وزارة الحقانية النساء للعمل في المجالس الحسبية .

وظل حق التصويت والانتخاب بلا استجابة حتى عام 1956 حتى أقرته حكومة الثورة، وهو العام الذي اضطر فيه الاتحاد النسائي تحت ضغط حكومي لأن يوقف نشاطه17مارجو بدران، مرجع سابق، ص292. 

لم يقتصر اهتمام هدى بالمسائل المتعلقة بالنساء فحسب، فمن الناحية الاجتماعية انتقدت في مقالاتها وخطبها باستمرار السماح بفتح محال المراهنات وبيوت الدعارة، وإهمال الحكومة سن القوانين اللازمة لتنظيف البلاد من القاذورات، فضلاً عن انتشار البدع والخرافات كالزار والنواح وراء الموتى في الشوارع وعبث الدجالين، وعلى الصعيد الاقتصادي، انتقدت اقتصار النشاط الاقتصادي على الزراعة، وإهمالها في الوقت نفسه من حيث عدم الاعتناء بإدخال أنواع جديدة من المزروعات وتحسين حالة الري، وعدم الاعتناء  بالترويج للمحاصيل المصرية بعيدًا عن الأهواء الأجنبية داعية لأن تتم بالبلاد عمليات الغزل والنسج للقطن المصري داخل مصر.كما انتقدت الحالة السياسية معتبرة أنها “مصدر عللنا الاجتماعية والاقتصادية ومنبع شقاء البلاد لأنها لا تسير على خطة مرسومة ولا على برنامج واضح بل تخضع لأهواء وشهوات كل وزارة تتولى الحكم..(وهذه) تحصر همها في مناوأة خصومها السياسيين والسعي في إبعادهم عن مراكز الخدمة وتدعيم مركزها لإطالة مدة حكمها مفضلة مصلحتها الخاصة على المصلحة العامة”18هدى شعراوي ، “نظرة عامة في الحالة الحاضرة” ، مجلة المصرية العربية ، العدد17 ، 15اكتوبر1937 ، عن: جورجيت عطية، ج2، مرجع سابق ، ص337-342. 

وقد جمع خطاب هدى إلى اهتماماته هذه ، اهتمامًا ذا محيط أوسع، هو الاهتمام بالقضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين التي نشطت في الدفاع عنها باعتبارها زعيمة الاتحاد النسائي المصري .

ربما فقط يجدر التساؤل عن موقع قضية الحجاب داخل خطاب هدى باعتبار أن هذه القضية لها دلالة في تأريخ جهود هذه السيدة.

المفارقة، أننا حين نتتبع ذكر هذه القضية في خطاب هدى ربما لن نراها إلا في مكان أو اثنين، مذكورة كعنصر ضمن عناصر تتناولها الخطبة أو المقال التي وردت به. وعندما نتتبع مفهوم الحجاب في خطاب هدى نجد أنه يشير لمعنيين، الحجاب بمعنى الاحتجاب في البيوت والحجاب بمعنى العباءة المعروفة آنذاك، وقد رفضت هدى الاثنين معًا، لكنها في الوقت نفسه تحدثت في مذكراتها عما أسمته “الزي الشرعي”19هدى شعراوي، المذكرات ، ص291 الذي اعتبرت أنه كشف الوجه مع الاحتشام، دون الالتزام بارتداء العباءة المعروفة في ذلك الوقت. وفي الصور المنشورة لهدى سنلحظ أنها في معظمها  ظهرت بغطاء للرأس ، وفي بعضها الآخر ظهرت بدونه.

وفي خطبة لها في نادي الحزب النسوي في أمريكا20خطبة السيدة شعراوي في نادي الحزب النسوي في أمريكا، في : جورجيت عطية، ج2، مرجع سابق،ص35. ذكرت هدى أن الآية التي كان يستند إليها الرجال للإبقاء على الحجاب لم تكن موجهة إلا إلى نساء النبي: “يا نساء النبي لستن كأحد من النساء…وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية”، وتشير إلى أن احتجاب النساء قد جاء من ثمّ نتيجة لمحاكاة النساء الأخريات لنساء النبي أو طاعة لأزواجهن، ثم روت قصة الخليفة عمر بن الخطاب مع زوجته حين حملها على عدم الخروج لأداء الصلاة في المسجد عن طريق الحيلة..وتقول “يوشك الحجاب اليوم أن يختفي من بلاد الشرق. ففي تركيا سوف تضع النساء عما قريب قبعات”، ثم إنها ختمت حديثها القصير حول الحجاب بقولها “وإذا كان اختفاء الحجاب عندنا أقل سرعة فذلك لأنه لم يعد عائقاً لتقدم المرأة والمرأة تحرص على المحافظة عليه كلباس وطني للرأس…(وقد) حرصت على أن أريكم إياه، بأن ألبسه اليوم لكي تحكمن بأنفسكن إلى أي حد هو ملائم لعملي21المرجع السابق، ص36.. 

كلمة أخيرة:

بخلاف كثير من أطروحات المفكرين النهضويين حول قضية المرأة، والتي اتسمت بطابع أيديولوجي نظري، يناقش طبيعة المرأة ومكانتها، فقد اتسم منهج الإصلاح عند هدى شعراوي بالطابع العملي البحت، المبتعد بنفسه عن أي جدالات أيديولوجية. فكانت في حركة دائمة، وتضافر خطابها المكتوب المتمثل في الخطب والمقالات، مع حركتها الدؤوب على الأرض. وفي خطابها لم يكن ثمة انفصال بين الحركة الوطنية والحركة النسائية، حيث اعتبرت أن الاحتلال الذي يسيّر شئون الدولة وفقًا لمصالحه الخاصة هو أكبر عائق أمام تقدم الأمة المصرية؛ هذا التقدم الذي يعد تحسين وضع المرأة أهم عوامله. تقول هدى “علمتنا أربعون سنة من التجارب أننا ما دمنا خاضعين للإنجليز فإن كل محاولة نحو التقدم لا جدوى منها”22في مقالتها بالعدد الثاني من المصرية ، مارس1925. في : جورجيت عطية، ج2، مرجع سابق، ص17.

وقد دأبت هدى شعراوي على النظر للمجتمع ككيان كلي له عدة وجوه لا تنفصم ، وجه سياسي وآخر اقتصادي وثالث اجتماعي أخلاقي ، وقد مارست الإصلاح على أرض الواقع بهذا المعنى المركب، تقول:”لا تصل الأمم الناهضة إلى ما تنشده من تمدن ورقي إلا إذا اتجهت جهود أولي الأمر ومسيري دفة الحكم فيها صوب تنظيم وتحسين :1-الحالة الاجتماعية والأخلاقية ،2-الحالة الاقتصادية،3- الحالة السياسية”23هدى شعراوي ، “نظرة عامة في الحالة الحاضرة” ، مجلة المصرية العربية ، العدد17 ، 15اكتوبر1937 ، عن: جورجيت عطية، ج2، مرجع سابق ، ص336. 

وقد حرصت هدى شعراوي في سائر أطروحاتها بشأن تحسين وضع المرأة على تأصيل دعواتها في الإسلام، باعتبارها أمورًا بديهية في الديانة الإسلامية، بحيث تكون مهمة حركة الإصلاح فقط رد الأمور إلى نصابها وإلى مقتضيات الشريعة الحقة. 

فردًا على كاتب فرنسي نسب إليها القول بأن “عبودية المرأة الجسدية والمعنوية ترجع إلى بدايات الإسلام”، قالت مستنكرة “كيف يمكنني ..أن أنسب إلى الإسلام عبوديتنا الجسمية والأخلاقية ..في حين أنني لم أكف في كل مناسبة عن الاعلان عن أن ديننا وهو أبعد ما يكون عن مسئولية دونية المرأة، كما يتصور بعض الغربيين، كان أول من اعترف للمرأة بحقوق لا تزال بعض المجتمعات الحديثة تنكرها عليها”24هدى شعراوي، “تصحيح”، مجلة المصرية الفرنسية، العدد99، فبراير1934، في جورجيت عطية،ج2، مرجع سابق، ص240. 

وعندما وجه إليها سلامة موسى خطابًا يقترح عليها فيه أن تطلب من وزير العدل إصدار قانون يقضي بالمساواة بين الرجل والمرأة في توزيع الميراث، انبرت لرفض اقتراحه بقوة من منطلق أنه ينافي تشريع إسلامي أساسي، وأنه أمر لا يمثل مشكلة للمرأة إلا في التطبيقات التي تحرم المرأة حقها الشرعي المفروض.  قالت “إن كان لدى المرأة ما يدعو إلى استيائها وشكواها، فليس لكون الحصة التي تؤول إلى الرجل في تصفية التركة أكبر من حصتها، بل من تدابير أخرى … يتخذها الأهل ويكون من نتيجتها حرمان النساء من الحصة العائدة إليهن. إذا كنا نشكو من مثل هذه التدابير فذلك لا يعني أننا نشكو من أحكامنا الدينية، بل إننا نشكو من الطريقة التي تُحَوَّل تلك الأحكام عن وجهها بوسائل يلجأ إليها باسم الدين، والدين منها براء… “25هدى شعراوي، “حصة المرأة في الميراث”، مجلة المصرية الفرنسية ، العدد 45، يناير1929، في: جورجيت عطية، ج2، مرجع سابق، ص 165، 166.

ورغم انخراط هدى في المؤسسات النسائية الدولية التي كانت تسعى لتكوين نوع من الرابطة الأخواتية العالمية international sisterhood  ، كانت هدى تشير من حين لآخر إلى ما تراه فرقًا أساسيًا بين الحركة النسائية الدولية والحركة النسائية في الداخل. إذ ترى أن النساء الغربيات كن يكافحن ضد القوانين الأساسية في المجتمع التي تحرمهن حقوقهن لصالح الرجال، فكأن المرأة الغربية في سعيها لاستعادة حقوقها تقوم في الآن نفسه بانتقاص حقوق الرجال مما يجعل معركتهن أكثر صعوبة ، وذلك بالمقارنة مع المرأة الشرقية التي ترى هدى أن إطارها التشريعي (القائم على تعاليم الإسلام) يمنحها بالفعل حقوقًا مساوية لحقوق الرجل، ومن ثم فهي تناضل ضد تطبيق خاطيء للقانون قائم على فهم مغلوط لحرية المرأة. 

ففي محاضرة لها بالجامعة الأمريكية قالت هدى شعراوي “إن موقف المرأة الغربية من الرجل فيما يتعلق بالحركة النسائية مختلف كل الاختلاف عن موقف المرأة الشرقية، فالمرأة الغربية حين تطالب باستقلالها تصطدم بكثير من الصعوبات التي ينبع شطرها الأعظم من نصوص القوانين. وهي إذ تناضل تبدو وكأنها تسعى إلى الانتقاص من الحقوق الممنوحة للرجل، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى المرأة الشرقية، فهذه لا تطلب من الرجل إلا أن يفتح أمامها الطريق لتتعلم وتتزود بالتجربة المطلوبة لتدير الأعمال إدارة أفضل ولتستغل الحقوق التي منحها الدين الإسلامي والتي تساوي تقريبا حقوق الرجل”.26المحاضرة التي ألقتها السيدة هدى شعراوي في الجامعة الأمريكية في 12نوفمبر1929، في: جورجيت عطية، ج، مرجع سابق، ص206-207. 

الهوامش:

1. رئيسة تحرير مجلة المصرية –لسان حال الاتحاد النسائي المصري- منذ عام 1925 ولمدة 15 عاما.

2. نبوية موسى من رائدات العمل التربوي ولها طروحات قوية في مجال تعليم وعمل المرأة، من أهم مؤلفاتها: المرأة والعمل، القاهرة: 1358هـ-م1939 ، وتاريخي بقلمي (القاهرة :ملتقى المرأة والذاكرة ، 2000)، وحول حياتها ونضالها: انظر محمد أبو الاسعاد ، نبوية موسى ودورها في الحياة المصرية: 1886-1951 (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، سلسلة تاريخ المصريين،1999).

3. مارجو بدران، رائدات الحركة النسوية المصرية والإسلام والوطن، ترجمة علي بدران (القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2000) ، ص59

4. هدى شعراوي ، مذكرات رائدة المرأة العربية الحديثة (القاهرة: دار الهلال،سلسلة كتاب الهلال، العدد369، سبتمبر1981) ص31

5. مارجو بدران ، مرجع سابق، ص59-60

6. هدى شعراوي، مرجع سابق ،ص 79

7.  مارجو بدران، مرجع سابق، ص59-68

8. تزوجت عديلة من ابن عمها صبحي النبراوي ولما لم ترزق منه بأبناء..وهبتها ابنة عمتها ابنتها زينب (سيزا نبراوي) التي كانت في الثالثة من عمرها. مذكرات هدى شعراوي، ص84

9. هدى شعراوي، مرجع سابق، ص96

10. مارجو بدران،مرجع سابق، ص 67

11. آمال كامل بيومي السبكي، الحركة النسائية في مصر ما بين الثورتين 1919و1952(القاهرة:الهيئة العامة للكتاب، 1986) ، ص102

12. هدى شعراوي، مرجع سابق، ص239

13. المرجع السابق، ص170

14. المرجع السابق، ص180-181

15. هدى شعراوي، مرجع سابق، ص330

16. خطبة السيدة شعراوي في نادي الحزب النسوي في أمريكا، مجلة المصرية الفرنسية، العدد11، 1925، في: جورجيت عطية، هدى شعراوي :الزمن والريادة، الجزء الثاني (دمشق: دار عطية للنشر، 1998) ص 37.

17.. مارجو بدران، مرجع سابق، ص292

18. هدى شعراوي ، “نظرة عامة في الحالة الحاضرة” ، مجلة المصرية العربية ، العدد17 ، 15اكتوبر1937 ، عن: جورجيت عطية، ج2، مرجع سابق ، ص337-342

19. هدى شعراوي، المذكرات ، ص291

20. خطبة السيدة شعراوي في نادي الحزب النسوي في أمريكا، في : جورجيت عطية، ج2، مرجع سابق،ص35.

21. المرجع السابق، ص36.

22. في مقالتها بالعدد الثاني من المصرية ، مارس1925. في : جورجيت عطية، ج2، مرجع سابق، ص17

23. هدى شعراوي ، “نظرة عامة في الحالة الحاضرة” ، مجلة المصرية العربية ، العدد17 ، 15اكتوبر1937 ، عن: جورجيت عطية، ج2، مرجع سابق ، ص336

24. هدى شعراوي، “تصحيح”، مجلة المصرية الفرنسية، العدد99، فبراير1934، في جورجيت عطية،ج2، مرجع سابق، ص240

25. هدى شعراوي، “حصة المرأة في الميراث”، مجلة  المصرية الفرنسية ، العدد 45، يناير1929، في: جورجيت عطية، ج2، مرجع سابق، ص 165، 166.

26. المحاضرة التي ألقتها السيدة هدى شعراوي في الجامعة الأمريكية في 12نوفمبر1929، في: جورجيت عطية، ج، مرجع سابق،  ص206-207.

ً

  1. أماني صالح (محرر)، ببلوجرافيا المرأة العربية في قرن (دمشق: دار الفكر، 2002)
  2. آمال كامل بيومي السبكي، الحركة النسائية في مصر ما بين الثورتين 1919و1952 (القاهرة:الهيئة العامة للكتاب، 1986) 
  3. جورجيت عطية ابراهيم، هدى شعراوي: الزمن والريادة –مجلدان (بيروت: دار عطية للنشر، 1998) 
  4. مارجو بدران، رائدات الحركة النسوية المصرية والإسلام والوطن، ترجمة علي بدران (القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2000) 
  5. محمد أبو الإسعاد، نبوية موسى ودورها في الحياة المصرية 1886-1951 (القاهرة:الهيئة العامة للكتاب، سلسلة تاريخ المصريين،1999)
  6. نبوية موسى، المرأة والعمل (د.م: د.ن، الطبعة الثانية، 1358هـ- 1939م). 
  7. ـــــ ، تاريخي بقلمي (القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، 2000)
  8. هدى شعراوي، مذكرات رائدة المرأة العربية الحديثة (القاهرة: دار الهلال، سلسلة كتاب الهلال، العدد369، سبتمبر1981)

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply