The Minaret of Samarra ~ منارة سامراء

الملوية بين الماضي والحاضر

  1. د. عادل محمد حسين العليّان

تُعد المئذنة الملوية إحدى معالم العراق المميزة بسبب شكلها الفريد، فهي احدى آثار العراق القديمة المشهورة، بنيت في الأصل منارة المئذنة للمسجد الجامع الذي أسسه المتوكل عام 237 هـ في الجهة الغربية لمدينة سامراء، والذي كان يعد في حينه من أكبر المساجد في العالم الإسلامي، المئذنة الملوية جاء اسمها من شكلها الاسطواني الحلزوني وهي مبنية من الطابوق الفخاري يبلغ ارتفاعها الكلي 52 مترا وتقع على بعد 27.25 مترا من الحائط الشمالي للمسجد، وترتكز على قاعدة مربعة ضلعها (33 م) وارتفاعها (3 م) يعلوها جزء اسطواني مكون من خمس طبقات تتناقص سعتها بالارتفاع يحيط بها من الخارج سلم حلزوني بعرض 2 متر يلتف حول بدن المئذنة بعكس اتجاه عقارب الساعة ويبلغ عدد درجاته 399 درجة. في أعلى القمة طبقة يسميها أهل سامراء “بالجاون” وهذه كان يرتقيها المؤذن ويرفع عندها الأذان().

تُقسم الملوية إلى ثلاثة اقسام هي: القاعدة من مربعين الواحد فوق الآخر وارتفاعهما معا (4.20) م، وطول ضلع المربع الأسفل (31.5)م وهناك افريز بارز يبلغ إرتفاعه (15) سم يمتد حول الجوانب الأربعة للقاعدة، أما المربع الثاني فهو المربع السابق مباشرة وأصغر منهُ قليلاً وأبعاده (3.60×3.40)م، وجوانب القاعدة مزخرفة بعدد من الحنايا المستطيلة المجوفة فهناك ست حنايا على الجانب الجنوبي المقابل للضلع الشمالي للجامع، وتسع حنايا على كــل جانب من الجوانب الثـــلاثة الأخـرى، ويقال عن بعض الأهالي أن أجدادهم رأوا بقايا أعمدة من الخشب على قمة الملوية المسماة بالجاون ويقال إنها سقيفة يستظل بها المؤذن وإن هناك أيضا درابزين من الخشب يمسك به الصاعد، ومن الجدير بالذكر أن الناس كانوا يعتمدون حين ذاك على رؤية المؤذن على قمة الملوية لتحديد أوقات الصلاة، لأنهُ يتعذر وصول الصوت إلى مسافات بعيدة. وإن اتجاه المسجد نحو القبلة دقيق بشكل كبير مما يعكس صورة مشرقة عن التقدم العلمي الذي كان عليهِ المسلمون آنذاك().

وبسبب جمالية هذه المئذنة التي لا يوجد شبيه لها في أي مكان في العالم، وجمالية بناء المسجد الأكبر في العالم الإسلامي أطلق على المدينة اسم «سُرَّ من رأى» اختُصر فيما بعد إلى سامراء بعد أن كان اسمها المعسكر().

لم تدم سامراء التي بناها الخليفة العباسي المعتصم بالله عام 836 ميلاديا كحاضرة عباسية أكثر من 150 عاما حكم بها 8 خلفاء من العباسيين، وهم «المعتصم بالله، والمنتصر بالله، والواثق بالله، والمتوكل على الله، والمستعين بالله، والمعتز بالله، والمهتدي بالله، والمعتمد». والأخير هجرها، فهي مدينة كانت عاصمة للدولة العباسية، بنيت ونَمَت بسرعة وانتهت سريعا أيضا. من أهم ما وصل إلينا من سامراء اليوم المنارة الملوية. فكانت أبرز شواهد سامراء المعمارية، بل أحد أهم إبداعات العمارة العراقية التاريخية().

صممت ملوية سامراء وكأنها تدور من الأسفل إلى الأعلى، عكس اتجاه عقارب الساعة. وتفصح عن سر حفظها من الفناء. فمَنْ يرتقي طريقها الشاهق، ويدقق في أحجارها وهيئتها يجدها خارج الزمن بالفعل، وكأنها شيدت بالأمس القريب. وعرفت «سامراء»، التي تقع شرق نهر دجلة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة صلاح الدين، بجوها المعتدل، فلا عجب أن تكون واحدة من الأهداف السياحية للبغداديين وغيرهم من أبناء المدن العراقية، حيث كان يصل إليها الآلاف من الزوار والرحلات المدرسية والجامعية().

وحظيت منارة الملوية ومدينة سامراء باهتمام جميع الحكومات المتعاقبة في الدولة العراقية إبان الحكم الوطني، حتى أصبحت مسجلة ضمن المدن والشواخص الأثرية في منظمة الأُمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) العالمية، وكانت مقصداً للزائرين من كل بقاع العالم إلى حين ما أصابها من إهمال وتخريب بعد الغزو الأميركي للعراق في 9 نيسان 2003م، حيث أصبحت منطقة نزاع بين القوات الأميركية المحتلة التي اتخذت من المنارة والمسجد الأثري قاعدة عسكرية، ونتيجة المعارك المستمرة تعرضت القبّة العليا للمئذنة للتفجير، مما ألحق أضرار بجزئها العلوي وذلك في شهر آذار من عام 2005 ().

وبعد انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011م، لم تأخذ المنارة التاريخية فرصتها من الاهتمام والإعمار، بعد ذلك تعرضت المنطقة إلى تهديد آخر من قبل مسلحي «داعش»، الذين سيطروا على أجزاء واسعة من مدن صلاح الدين وبعض المناطق القريبة من الملوية، لتشهد المنطقة مرة أخرى نزاعات مسلحة. ولم تعد «سُرَّ من رأى» على ما كانت عليه أيام زهوها وهي تحتضن القادمين على سلالمها الحلزونية، بل أصبحت بنظر الكثيرين اليوم (ساء من رأى) ().

ولغرض الحفاظ على هذا الصرح الرائع والشاخص العمراني والآثاري الكبير قامت جامعة سامراء ممثلةً بأساتذتها وطلاب كلية الآثار فيها فضلاً عن النخب والكوادر المجتمعية المثقفة في مدينة سامراء بإطلاق حملة ((كلنا الملوية)) أستهدفت هذه الحملة تنظيف جدران الملوية وقصورها وشواخصها من الكتابات والرموز والذكريات ومحو التشويه الذي طالها بعد أحداث عام 2014م(). وفي نهاية هذا المقال ينبغي على الجهات الدولية ممثلةً بمنظمة الأُمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) حماية آثار الملوية من خلال تشريع قوانين دولية صارمة تُبعد من خلالها الآثار عن الصراعات العسكرية والمناكفات السياسية.

Minaret of Samarra
Minaret of Samarra, Iraq

الهوامش

1)) طاهر مظفر العميد، العمارة العباسية في سامراء، بغداد، 1976.

2)) يونس الشيخ إبراهيم السامرائي، تاريخ مدينة سامراء، ج2، بغداد، 1971.

3)) قاسم حسن عباس آل شامان و أحمد عباس حسين، دار الإمام في جامع سامراء الكبير، “مجلة” الملوية للدراسات الآثارية والتاريخية، مج(4)، العدد(9)، كلية الآثار – جامعة سامراء، السنة الرابعة، آب 2017.

4)) عبدالرزاق الحسني، العراق قديماً وحديثاً، ط7، بغداد، 1982.

5)) مناف العبيدي، المئذنة الملوية في سامراء تعاند الزمن وتقف لتذكّر بمجد العباسيين((أمر ببنائها المتوكل لتكون الأغرب والأجمل في العالم))، “جريدة” الشرق الأوسط في صفحتها الألكترونية على شبكة المعلومات الدولية ((الأنترنت)):

https://aawsat.com/home/article/372616/ تاريخ النشر الأحد 31 آيار 2015م. 

6)) عامر الكبيسي، تخريب ملوية سامراء إستهداف لرمز إسلامي بالعراق، الجزيرة نت على  شبكة المعلومات الدولية ((الأنترنت)):

https://www.aljazeera.net/news/                   تاريخ النشر2 نيسان  2005م.  

7)) عمرها أكثر من ألف عام.. ملوية سامراء قاومت هولاكو وتعاني الإهمال، الجزيرة نت على شبكة المعلومات الدولية ((الأنترنت)):

https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2019/5/2/ تاريخ النشر 2 آيار 2019م.

8)) طلاب يبدأون حملة لتنظيف المأذنة الملوية في سامراء، “مجلة” كاردينيا الثقافية الألكترونية على شبكة المعلومات الدولية ((الأنترنت)): 

http://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/24444-2016-06-24-08-45-47.html. تاريخ النشر 24 حزيران 2016م.                  

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply