المنطق الموحّد

عبد الرحمن زيارة

 “المنطق الموحّد” ليس كتاباً نمطياً يحاكي الكتب التي تناولت عرض المنطق الأرسطي التقليدي بل هو تحديث للمنطق المذكور ألّفتُه بمنهجية تختلف عن منهجية أرسطو ليمثّل نقطة تحوّل فارقة في تاريخ المنطق. 
     كانت أولى مساهماتي إزاء منطق أرسطو ملاحظات نقدية نشرتها في الفضاء الإلكتروني بحلقات تناولت بنية القضية الحملية كما تناولت محاولات لمعرفة الأسباب المنهجية وراء الإحالات المنطقية في منطق أرسطو، ووجدت أنّ مفهوم (العلاقة) مفهوم مغفل أو في أحسن الأحوال تكتنفه الضبابية وحالات اللاتعيين. وفي مرحلة لاحقة استطعت تعيين نوعين من العلاقات التي تتحكم في بناء القضايا الحملية وتأليفها وتشكّلان معاً محور تحليلها والحكم عليها بالصدق أو الكذب وهما:

– العلاقة بين المفهومين الكلّيّين قبل إدراجهما في القضية، وهي إحدى خمس علاقات: التساوي، الجزئية، الاحتواء، التداخل، الانفصال.

– العلاقة الداخلية بين طرفي القضية الحملية أي الموضوع المزوّد بالكمّ والمحمول المجهّز بالكيف، وهي إحدى ثلاث علاقات: التساوي والجزئية والانفصال.
   وقد لاحظت أنّ الكتب والمفردات الدراسية التي تناولت منطق أرسطو جميعها تكرّر ما قاله أرسطو ولا تختلف فيما بينها إلّا بطرق عرض المباحث وبلغة أكثر عصرية مع تسليمها بطرق الاستدلال المباشرجميعاً دون تمحيص.
    ولقد وجدت أنّ اللغة الجزلة غير المعاصرة ليست السبب الوحيد وراء صعوبة فهم المنطق وفنونه ناهيك عن تطبيق قواعده الاستدلالية في الخطاب الإنساني- بل هناك مشكلة أكثر أهمية هي غموض المصطلح وغموض ما يعرف بالنسب بين المفاهيم الكلّيّة التي تؤلّف القضايا الحملية التي وضعنا بديلاً عنها هي العلاقات بين المفاهيم الكلّيّة المذكورة أعلاه. وأكتفي هنا بالإشارة إلى مثالين لعلّهما أخطر ما في المنطق وبناء القضايا: الأول غموض مصطلح القضية الحملية ذاته، فلقد أشار ابن رشد إلى أنّ هذا المصطلح لا ينطبق إلّا على القضايا الموجبة الصادقة (الكلّيّة الموجبة والجزئية الموجبة) ولا ينطبق على السالبتين (الكلّيّة السالبة والجزئية السالبة ) حتى وإن كانتا صادقتين، إلّا أنّ ابن رشد لم يقترح البديل عن مصطلح القضية الحملية  ووجدت أنّ المصطلح البديل هو “القضية البسيطة” لتكون أحد قسمي القضايا، أمّا القسم الثاني فهو “القضيّة المركّبة” التي تتألّف من قضايا بسيطة.
وجدت أنّ القضية البسيطة (الحملية كما يطلق عليها) تتألف من مكوّنَين منطقيَّين هما السور والكيف ومفهومين كلّيّين هما جزؤها الذاتي، وأنّ ثمّةَ علاقتين فيها: الأولى العلاقة الداخلية للقضية وهي العلاقة بين الموضوع المزوّد بالمسوّر والمحمول المجهّز بالكيف والثانية العلاقة بين المفهومين قبل إدراجهما في القضية نحو: (بعض الجوهر متغيّر) العلاقة الداخلية جزئية، و (كلّ كاتب إنسان) مثله.
   كشفت عن تسع إحالات منطقية (أخطاء) قال بها أرسطو وتابعه عليها شُرّاحه تختص بطرق الاستدلال المباشر: العكس المستوي والنقض وعكس النقيض، ولقد وضعت قواعد بديلة مع براهينها.
    إنّ السبب وراء هذه الإحالات اعتماد أرسطو على التقسيم الإجمالي للقضايا الحملية وقد أسماها المحصورات الأربع : كلّيّة موجبة،  كلّيّة سالبة،  جزئيّة موجبة، جزئيّة سالبة.  ولقد أغفل التفريعات المصاحبة لكل قسم من هذه الأقسام  ووجدت أنّ الضرورة المنطقية تستدعي الأخذ بما أطلقتُ عليه “الصور الأساسية” لكل قضية محصورة من العلاقة بين المفهومين قبل‌ إدراجهما في القضية والعلاقة الداخلية للقضية. إنّ هاتين العلاقتين تقرّران قابلية تحول القضية بإحدى طرق الاستدلال كما تقرر نتيجته.
      إنّ التقسيم الإجمالي الأرسطي للقضايا المتقدم الذكر قد أشاع أوهاماً تتغذى عليها أقسام الفلسفة والمدارس الفقهية والمدارس الإعدادية والثانوية في الوطن العربي والعالم، وأدعو وزارات التعليم والتربية إلى دراسة ما توصّلنا إليه وإعادة النظر بمفردات مادة المنطق. 
       إنّ اللبنة الأولى في منهجنا المخالف لمنهح أرسطو وُضعت على عكس الاقتراح الأرسطي القائل بنسبة المحمول إلى الموضوع،  مثلاً القضية (كلّ جوهر متغيّر) فإنّ أرسطو في استدلاله على صدق القضية اعتمد على وجود صفة (متغيّر) وهي المحمول في  الموضوع (جوهر) ولكننا أخذنا طريقاً معاكساً هو النظر في علاقة الطرف الأول ( كلّ جوهر) بالطرف الثاني (متغيّر) وهي إحدى العلاقات الداخلية  المذكورة أعلاه.   
   إنّ عمليات تحليل القضايا عندنا استندت إلى معطى مستحدث هو الآخر في نظرية المجموعات الاعتيادية ومستحدثات أخرى منها اعتماد ما أطلقنا عليه “أدلّة الصدق والكذب” التي أقصت ركام المصطلحات والشروحات ذات الطبيعة المائعة أو المتداخلة كالمسلّمات والمشهورات والضرورات وغيرها وهذه جميعها تتأثر بالتقدير الذاتي والتواطُئيّ. 

   ضمّ عملنا الذي استغرق منّا عشر سنوات غير متّصلة مباحث مستحدثة تطرق لأول مرة في تاريخ المنطق منها القضايا المتخالفة والمتتامّة والمتطابقة والمتوائمة والكثير من القواعد الاستدلالية المستحدثة التي ازاحت الإحالات المنطقية الأرسطية،  فكانت مباحث: العكس المستوي للجزئية السالبة، والنقض التام ونقض موضوع الجزئيتين الموجبة والسالبة، وعكس نقيض الجزئية الموجبة.

   آمل أن يترجم هذا الكتاب ليصل إلى المؤسسات والأفراد المهتمين بالمنطق.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

1 Comment

Leave a Reply