المسؤولية الأخلاقية في شحة مياه الأنهر العراقية ~ Ethical Responsibility in Iraqi Water

Ara Dembekjian

Synopsis

Once known as Mesopotamia, or “the land between the rivers”, Iraq is uniquely dependent on upstream neighbours for water. The headwaters of its two main rivers – the Tigris and the Euphrates – flow from the Armenian highlands of eastern Turkey.

The Tigris and the Euphrates are at dangerously low levels. There are no official records, but the aridity today in formerly arable and fertile areas of Iraq is evidence that 96% of the water needed for crops, which these rivers once supplied, now only exists in history books.

Lower than average rainfalls, higher summer temperatures thought to be associated with climate change, and reduced river flows from upstream – as Turkey begins to fill a controversial dam – have combined to create a complex environmental and social crisis in southern Iraq. According to the United Nations Environment Programme, Iraq is currently losing around 100 square miles of arable land annually – mostly in the south. Desertification is also on the rise.

The southern state of Basra is suffering from a shortage of drinking water. Seawater is also encroaching up various waterways that feed the marshes from the Gulf in the south, no longer pushed back by a steady flow of freshwater from the north.

Is nature hand in hand with politics to destroy Iraq? 

May divine providence help this country.

آرا دمبكجيان

مقدمة

يفخر العراق بتاريخه العريق، فقد نشأت أولى الحضارات الإنسانية على ضفاف الرافدين، وما قصة طوفان كلكامش التي وقعت أحداثها قبل طوفان نوح التوراتي بأكثر من ألف سنة إلّا شاهد على غزارة مياه الرافدين العظيمين دجلة والفرات التي أغرقت سهلي النهرين من الجنوب الى حدود نينوى في الشمال.

بدأت عملية إبادة المسطحات المائية العراقية منذ عقود طويلة بسبب تقليص دول المنبع حصة العراق من موارد دجلة والفرات.  في الوقت ذاته قام النظام السابق بتجفيف الأهوار في الجنوب للقضاء على عناصر المعارضة، فعلى سبيل المثال تم تجفيف الأهوار في 1991 بعد تحويل مجرى الفرات من موقع الفضلية في شرق الناصرية الى مجرى المصب العام بشكل يسحب مياه هور الحمّار ويجففه. بعد الاحتلال جرت محاولات خجولة لكنّها جادة لإحياء الأهوار وإعادة الحياة البيئية إليها بعد أن أصاب الدمار البيئي منطقة الأهوار الفريدة في نوعها وتكويناتها، فنفق الجاموس الداجن وعافت الطيور أعشاشها وماتت الحيوانات المائية من الجفاف. أثر كل هذا سلباً في ساكني تلك المنطقة الذين هجروها طلباً متطلبات العيش البشري أدناها لا أرغدها.

تعريف

يذكر إبن دريد (حوالي 300 هجرية) في “الجمهرة” في صفحة 381/3 أنّ (الهور بحيرة تفيض فيها مياه غياض، وآجام فتتسع، ويكثر ماؤوها والجمع، أهوار).

أمّا  “المجرى المائي الدولي_International Watercourse” فهو مجموعة شبكات المياه السطحية والجوفية التي تنبع روافدها من منابع جغرافية – سياسية مختلفة و تتدفق نحو نقاط مستقْبِلة و مشتركة. و بسبب الخلافات السياسية والإجتماعية بين الدول المتشاطئة سُنّتِ القوانين الدولية لتنظيم تقسيم المياه يصورة عادلة بين هذه الدول. وتعدّ إتفاقية هلسنكي في 1966 أهم إتفاقية تُعنى بهذا الخصوص بعد أن كَثُرت خلافات الدول المتشاطئة بسبب إختلاف ايديولوجيات الأنظمة الحاكمة والأولويات الاقتصادية لكل دولة مؤثرة في هذا الأمر، لا سيّما دول المنبع المنتفعة دائماً ودول المصب المهضومة حقوقها في معظم الأحيان.

يذكر الدكتور حسن الجنابي سفير العراق الأسبق لدى منظمة الأُمم المتحدة في روما في بحثٍ قيّم ٍ حول هذا الموضوع قبل أكثر من عقدٍ من الزمن: ” تمثل الإنجاز الرئيس لقواعد هلسنكي بالابتعاد عن مفهوم السيادة المطلقة في إدارة الموارد المائية باتجاه الاعتراف بالمسؤولية المشتركة للدول المتشاطئة، و قد قامت الأمم المتحدة بعدها بتطوير تلك القواعد لتشمل مسؤولية الدول في الحفاظ على نوعية المياه وليس كميتها فقط، وطوَّرت مبادئ ارتكز عليها القانون الدولي فيما بعد وأهمها:

  1. 1. حق دول المصب أو أسفل النهر (الذنائب) في استلام إشعارٍ مسبق عن مصاريف الموارد المائية.
  2. 2. الدخول في مفاوضات قبل البدء بالمشاريع.
  3. 3. الأعتراف بالمسؤولية المشتركة.
  4. 4. منع الأعمال التي تسبب أضراراً كبيرة.
  5. 5. الأعتراف بالسبق الزمني في استخدام المياه.
  6. 6. الحق في استخدام المعقول و المنصف.
  7. 7. منع تلويث الموارد المائية.
  8. 8. تطوير وسائل حل المنازعات حول الموارد المائية وغيرها.”

تجهيز المنابع للمياه

تجهَّز تركيا 56 بالمائة من مياه دجلة و تجهَّز إيران 12 بالمائة منها وأمّا ال 32 بالمائة الباقية فتأتي من داخل العراق. وينبع 97 بالمائة من نهر الفرات من تركيا وسوريا.

بنت تركيا 22 سداً كبيراً على حوضي دجلة والفرات بسعة خزنية تبلغ 100 مليار متر مكعب، أي ما يعادل ستة أضعاف معدّل التصريف السنوي لنهر الفرات على الحدود العراقية.

أمّا سوريا فقد أنشأت ثلاثة سدود على نهر الفرات هي سد الطبقة، وسد تشرين وسد البعث، بسعة خزنية تزيد على 13 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 70 بالمائة من موارد العراق من نهر الفرات خلال الأربعين سنة الأخيرة. 

تدلّ الدراسات على أن معدل موارد العراق من نهر الفرات قلَّ بحوالي 10 مليار متر مكعب في السنة منذ عام 1976، أي بعد إنشاء السدود التركية والسورية على النّهر.

وفي تحقيقه حول الموضوع يذكر د. حسن الجنابي :”في ضوء ما تقدم، تتوقع وزارة الموارد المائية أن تتراجع معدلات إيرادات العراق السنوية من نهر الفرات من حوالي 28 مليار متر مكعب قبل إنشاء السدود إلى حوالي 8.5 مليار متر مكعب، أمّا إيراداته من دجلة فستكون حوالي 9 مليار متر مكعب بدلاً من 19.5 مليار متر مكعب ما سيخلق عجزاً مائياً يقدّر بحوالي 19 مليار متر مكعب في العام 2015. وهذا ما حصل. 

أمّا إيران، فقد قامت بتحويل مجاري الأنهار والروافد الصغيرة والكبيرة التي تنبع من أراضيها نحو العراق الى داخل أراضيها ثانية.

إذا انحدرنا من شمال العراق إلى جنوبه على طول الحدود مع إيران نرى أن الروافد الإيرانية التي ترد محافظة السليمانية هي باني، فزلجة، سوتة، بناوة، كولة، رزاوة، الزاب الأسفل وسيروان والأخير هو التسمية الكردية للجزء الشمالي من نهر ديالى في شمال العراق، وفي محافظة ديالى نهر الوند الذي يمر عبر خانقين ونهر قردة تو الذي يصب في نهر ديالى وكذلك نهر كنكير في قضاء مندلي. وأما في محافظة واسط فقد حوّلت إيران مجاري نهر كنجان جم في زرباطية ونهر جنكيلات وكذلك خمسة أنهار في محافظتي ميسان والبصرة هي دويريج، الكرخة (الكرخا)، الطيب، شط الأعمى، وأكبرها نهر كارون الذي يغذي شط العرب بالمياه العذبة الّتي تفوق ما يصل اليه من دجلة والفرات مجتمعين. وأنشأت إيران سداً كبيراً بسعة 8 مليار متر مكعب على نهر الكرخة الذي (كان) يغذي هور الحويزة بالمياه. وأنشأت كذلك سدوداً بسعة إجمالية مقدارها 14 مليار متر مكعب على نهر الكارون الذي (كان) يغطي شط العرب قبل تحويل مجراه.

تداعيات الوضع المائي في العراق

قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن برزت فكرة بيع المياه من قبل تركيا الى الكويت عبر أنبوب نقل ضخم يمر من تركيا الى سوريا فالأردن والمملكة العربية السعودية ومنها الى الكويت. كانت تركيا ترمي من المشروع  إلى مقايضة (مياهها) العذبة بالنفط الكويتي، على الرغم من مرور الخط الأستراتيجي العراقي للنفط عبر أراضيها، و على الرغم من تدفق النفط العراقي الى مصفى الزرقاء الأردني بسعر تفضيلي حتّى الآن. أمّا سوريا فبسبب الخلاف بين بعث العراق وبعث سوريا فقد تحالفت مع إيران في أثناء الحرب بين الأخيرة و العراق، ثم مات المشروع في مهده واندثر.

وكما تقدّم ذكره فقد بنت تركيا عدة سدودٍ على نهري دجلة والفرات لإحياء مشاريعها الزراعية وتوليد الطاقة الكهربائية من دون الأخذ بنظر الإعتبار حقوق دولتي المصب، سوريا والعراق. في الوقت ذاته تسببت تركيا وسوريا في تلويث مياه النهرين بضخ مياه المبازل الزراعية فيها، ومع شحة المياه المتدفقة إزدادت ملوحة النهرين وتسببت بأضرار إقتصادية وصحية وبيئية. وأمّا الأضرار الصناعية فستظهر على المدى القريب إذ أن مصافي النفط العراقية مقامة على ضفافِ الأنهار لتأخذ حاجتها من المياه لمتطلبات عمليات تصفية النفط وصناعة الغاز. فإن جفتِ الأنهار، أو حتى قلّ منسوب المياه فيها، أو إزدادت نسب الملوحة في المياه الصالحة والداخلة في الصناعة النفطية، فستغلق هذه المصافي عملياتها مضطرة… ويستورد العراق، ذو الأحتياطي النفطي الأكبر في العالم، المنتجاتِ النفطية من دول الجوار…

بعد زيارة رئيس وزراء تركيا الأسبق رجب طيب أردوغان العراق في 2009 زادت تركيا (الصديقة) من كميات المياه المتدفقة في حوض نهر الفرات المار عبر سوريا (الشقيقة)، فاستولت الأخيرة على حصة العراق من الكرم التركي. وجاءت هذه المقايضة بعد أن طلب أردوغان منح محافظة كركوك وضعاً مميزاً وتفضيلياً وكذلك زيادة الصادرات التركية الى العراق من خمسة مليارات دولار إلى عشرين ملياراً في السنة.

خاتمة

بعد كل هذه المعطيات يظهر أن موسم المزايدات قد بدأ… وأن الحرب المعلنة على العراق ليست فقط العمليات الإرهابية التي ترعاها جهات معروفة، شقيقة وصديقة، ولا هي حرب الإحتلال الأجنبي لأرضه، فهذه كلها يراها الفرد العراقي بعينيه ويحسُّ بلوعتها من تداعيات الوضع المتردي اليومي التي تنهش جسده العليل أصلاً. بطبيعة الحال، هذه كلها، من إحتلال و إرهاب، مكتوب عليها الزوال و لن تبقى أبد الدهر. وأمّا حرب المياه غير المعلنة على العراق فهي حرب طويلة الأمد ونتائجها المستقبلية هي تغيير البيئة العراقية وتصحُّر أراضيه الخصبة بتقليل الوارد المائي في الأنهر العراقية وبالنتيجة إذلال العراق شعباً و بلداً.

أظهرت إحدى الدراسات الحديثة أن نهري دجلة والفرات سينضبان من المياه ويعم الجفاف مجرييهما بحلول سنة 2040 إذا استمرت الحرب المائية ضد العراق على هذه الوتيرة.

فهذه الحرب غير المُعلَنة هي حرب مصيرية تمسُّ الأمن القومي للعراق، و مع الأسف لم تتخذ الحكومات السابقة قبل الإحتلال ولا الحالية بعده مواقف صارمة تحفظ للعراق حقوقه في المياه المتدفقة عبر أراضيه من دول المنبع، بعد أن ألْهَتِ العراق بحروب عبثية في إهدار المال الحلال والدم الطاهر الزكي، وحالياً بالتخبطِ في المستنقع العراقي نتيجة الوضع المسخ الذي طفى على السطح بعد الإحتلال في صراع الأحزاب والطوائف على تقسيم الكعكة.

أما دولة الإحتلال فيقع جزء من المسؤولية الأخلاقية في قضية شحة المياه على عاتقها. ذكر أحد كبار المفاوضين العراقييىن في هذه القضية، أن الحكومة العراقية طلبت من الحكومة الأمريكية ومنظمة الأمم المتحدة التدخل في المفاوضات مع الجهات المعنية كطرف ثالث ولكنهما رفضتا على إعتبار أن القضية سياسية ويجب حلها مع الدول الثلاث المعنية فقط.

إن دول المنبع، تركيا و إيران وسوريا خرقت حقوق الإنسان العراقي وحقوق الأرض العراقية بتكالب مدروس ومخطط في الأروقة والدهاليز السياسية المظلمة لفرض الجديد من المقايضات و المزايدات على الجرح العراقي.

---------------------------------------------------------------------------------------------- *Material should not be published in another periodical before at least one year has elapsed since publication in Whispering Dialogue. *أن لا يكون النص قد تم نشره في أي صحيفة أو موقع أليكتروني على الأقل (لمدة سنة) من تاريخ النشر. *All content © 2021 Whispering Dialogue or respective authors and publishers, and may not be used elsewhere without written permission. جميع الحقوق محفوظة للناشر الرسمي لدورية (هَمْس الحِوار) Whispering Dialogue ولا يجوز إعادة النشر في أيّة دورية أخرى دون أخذ الإذن من الناشر مع الشكر الجزيل

Leave a Reply